الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرامة الإنسان وحريته تتطلب الحماية ويجب فرضها بالتضامن

رعد موسى الجبوري
(Raad Moosa Al Jebouri)

2021 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


"الحرية دائما هي حرية من يفكر بشكل مختلف" روزا لوكسمبورغ
مرت ذكرى استشهاد روزا لوكسمبورغ و عادت ذكرى مولد المناضلة الشهيدة والمفكرة الماركسية المدافعة عن الحرية ونحن في العراق من اقصاه الى اقصاه تهزنا يوميا اخبار المذابح الدامية التي أدت الى استشهاد وقمع مئات المتظاهرين والمحتجين، وتتصاعد عمليات ترويع وخطف واغتيال المطالبين بحقوقهم وحريتهم وقمع حقهم وحريتهم في التعبير والتظاهر السلمي وابداء الرأي، من قبل احزاب ومؤسسات ادعت المظلومية وتسلمت السلطة لتؤسس لادواة القمع بأسم المظلومية والجهاد من اجل الحرية.
كانت روزا لوكسمبورغ بالنسبة للينين "نسرًا" بين الدجاج وبالنسبة إلى كلارا زيتكين "تجسيد لطاقة ليس لها مثيل"، ويعتبرها الكثيرون أعظم سياسي يساري في القرن العشرين أو حتى في كل العصور – وجعل منها موتها المريع الى جانب كارل ليبكنخت شهيدة كبيرة. من كانت هذه المرأة التي دعت، بصفتها رائدة في الحركة العمالية ، من أجل "حرية أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف"؟ وما هي افكارها؟
من هي روزا ؟
ولدت روزا لوكسمبورغ في جنوب شرق بولندا وتاريخ ولادتها الدقيق ليس واضحا تماما، فتشير شهادة الميلاد إلى 25 ديسمبر 1870 ، لكنها ذكرت لاحقًا انها ولدت عام 1871 وكانت تحتفل بعيد ميلادها في 5 مارس. كان والدها تاجر أخشاب واهتم بشكل كبير في تعليم أطفاله. تعلمت روزا عدة لغات، فعلمت نفسها القراءة والكتابة في سن الخامسة: عندما اضطرت إلى الرقاد في السرير لمدة عام تقريبا بسبب صعوبات المشي. بعد انتقال الأسرة الى وارسو ذهبت إلى المدرسة الثانوية هناك، وبينما كانت لا تزال في المدرسة انضمت إلى مجموعة ماركسية سرية- وبعد تخرجها من المدرسة الثانوية اضطرت إلى الفرار إلى سويسرا.
و عام 1890بدأت تدرس في زيورخ، والتحقت بدراسة الفلسفة والرياضيات وعلم النبات وعلم الحيوان، ثم درست الاقتصاد والقانون الدولي، من بين أمور أخرى. وكانت روزا الصغيرة من أشد المدافعين عن كتابات كارل ماركس. وسرعان ما كونت صداقات مع الكثير من المثقفين اليساريين الذين يعيشون في سويسرا والذين اضطروا مثلها إلى الفرار من الملاحقة والقمع ومن بينهم ليو جوغيشيز من ليتوانيا وهو سياسي اشتراكي ومؤسس مشارك لاحقًا في الحزب الشيوعي الألماني واصبح شريك روزا لوكسمبورغ على المدى الطويل اذ وقفا معا من أجل حركة دولية - ضد الرأسمالية والملكية. وبدأت روزا لوكسمبورغ تكتب لصحيفة المنفى البولندية "قضية العمال" وأسست حينها حزبها الخاص - "الاشتراكية الديموقراطية لمملكة بولندا". في عام 1897 أنهت أطروحة الدكتوراه حول التنمية الصناعية في بولندا.
وانتقلت في عام 1898 إلى ألمانيا - وبصفتها ألمانية تمكنت من الانتقال إلى برلين وانضمت هناك إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني وسرعان ما أصبحت الناطقة باسم الجناح اليساري في الحزب. ودعت لوكسمبورغ إلى استيلاء البروليتاريا على السلطة رغم كل مقاومة من داخل حزبها وحذرت باستمرار من الحرب الوشيكة.
ناضلت روزا لوكسمبورغ من أجل قناعاتها بمثابرة وصلابة في وقت كان فيه المرء لا يستطيع أن يقول شئ ويعبر عن رأيه دون عقاب. في عام 1904، تم إرسالها إلى السجن لمدة ثلاثة أشهر بتهمة الفسوق. في عام 1906 حُكم عليها بالسجن شهرين آخرين بتهمة "التحريض على الكراهية الطبقية".
نشرت العمل الرئيسي لها عام قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. ويسمى: "تراكم رأس المال". وصفت الإمبريالية - بأنها أصل كل الشرور ورأت أن السلام العالمي معرض للخطر بسبب المنافسة بين الدول الرأسمالية.
قضت روزا لوكسمبورغ كامل فترة الحرب العالمية الأولى رهن الاعتقال، وخلال العامين الأخيرين من الحرب ، تم وضعها في "الحجز الأمني"، أولاً في قلعة فرونكي ثم في فروكلاف.
واندلعت في ألمانيا، بعد الحرب الخاسرة، انتفاضة شعبية وتم طرد الإمبراطور وتأسست جمهورية فايمار، وكانت روزا لوكسمبورغ مع مجموعة "سبارتاكوس" يودون لو ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير وفي بداية عام 1919 وجدوا أنفسهم في الحزب الشيوعي الألماني الذي تأسس حديثا و سجل التاريخ على أنها انتفاضة سبارتاكوس على الرغم من أن سبارتاكوس لم يبدأها، لكنهم شاركوا فيها في وقت لاحق فقط. تم قمع المحتجين في الشوارع في جميع أنحاء برلين بوحشية من قبل جمعيات ومليشيات فريكوربس ورايشفير اليمينية. وتمت مطاردة قادة جماعة سبارتكوس وفي 15 يناير/ كانون الثاني 1919القت الشرطة والمليشيات القبض على كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبورغ وبعد ساعات من الاستجواب والتعذيب والانتهاكات الشديدة تم قتلهم بشكل شنيع ولم يتم العثورعلى جثة روزا لوكسمبورغ إلا بعد شهور من وفاتها بعد أن ألقى القتلة بها في قناة لاندفير في برلين. ولكن اسم روزا ظل خالدا ورمزا للمطالبة بالحرية وحتى يومنا هذا تسير الجموع سنويا الى نصبها في برلين لتحي ذكرى نضالها من اجل الحرية.
الحرية هي دائما حرية الآخرين
نادت وطالبت روزا لوكسمبورغ بأن تكون الحرية، حرية حقيقية في مواجهة أي انتهازية، وليست إكراها لتغطية التكيف والتحوير والمخادعة، ويجب على الحرية أن تعزز حرية الآخرين من الذين يختلفون معك في الرأي بنشاط، في هذا الصدد سبقت روزا الحركات الاجتماعية التحررية المعاصرة، لقد سعت جاهدة من أجل عالم حي تتوفر فيه مساحة للعديد من العوالم، فكانت عندها المساواة في الحرية هي المساواة بين جميع المختلفين، والسلوك كشخص حر، كما فهمته ومارسته روزا، يتحقق تحديدا بمنح الآخر الفرصة ليكون حرا مثل جميع الآخرين. وقبل أن تصبح هذه الحرية حقا، فهي استحقاق مفروض على السلوك الشخصي الذي عليه أن يتغلب على جميع علاقات الاستغلال والقمع - وليس أقلها تجاه أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف.
لا يوجد أحد لديه الحرية بالطبيعة أو بالميلاد، فكرامة الإنسان وحريته ضعيفة وتتطلب الحماية، ولا يمكن لأحد أن يفرض حقوقه بشكل دائم إذا لم يكن متضامنا مع منحها للآخرين وتمكينهم منها بنشاط. وإلا سيصبح هو أوهي من الطغاة الظالمين أو من المستغلين، ولكي يكون المرء حراً، يجب عليه قبل كل شيء أن يمنح الحرية للاخرين، ويكافح من أجل الآخرين ويؤكد حريتهم. وإلا فحريته مسروقة أو مشتراة.
ليست للحرية في مفهوم روزا لوكسمبورغ نهاية، والحرية عندها تتجاوز الأنانية الليبرالية للسوق أو عبادة وتحقيق الذات. الحرية، كما مارستها روزا لوكسمبورغ نفسها، فضيلة اخلاقية اشتراكية، فكان نضالها من أجل حرية الآخرين. فليس كل مجتمع تحرر هو مجتمع أحرار، لا يدافع مواطنوه فيه إلا عن أنفسهم ضد اضطهادهم، فالتجارب تظهر أنهم سيسعون سريعا جدا لقمع الآخرين، إذا ما تغيرت موازيين وعلاقات القوى واصبحت تسمح بذلك واذا جعلت أنانيتهم الخاصة قمع الاخرين مفيدا. سيكون هؤلاء الناس أحرار فقط و حقا عندما يدافعون هم بأنفسهم ضد اضطهاد الآخرين، حتى ولو كانوا هم أنفسهم مستفيدين من هذا الاضطهاد.
في فهم روزا لوكسمبورغ، الحرية هي سلوك يؤسس لعلاقات يسمح من خلالها توفير شروط الحرية للآخرين. و بالمثل ينطبق هذا على مسألة القيم الأساسية للحرية وأيضا على تفكيك تلك الامتيازات التي لا تساهم في التغلب على عدم المساواة الاجتماعية، ولكن هذا سيكون مستحيلا دون تغيير أساسي في علاقات الملكية والسلطة والتغلب على هيمنة مفهوم الربحية على الاقتصاد والمجتمع. ولهذا اصبحت روزا اشتراكية.
ولا يمكن لمجتمع ان يدعى حرا الا حين يكون كل فرد فيه حر، ولكن لن يكون هذا ممكن إلا إذا كان التطور الحر لكل فرد يساهم ويصب في تطور تضامني حر للجميع. ولا يعتقد سوى المؤمنون العميان أو المتهكمون، حسب لوكسمبورغ، أن ذلك سيتم بواسطة الأيدي "الخفية" للسوق أو الأيدي "المرئية" للدولة دون تدخل منا، وهذا سيعني تفويض أو منح مسؤولية حرية الآخرين، بشكل مريح أو جبان الى جهات اخرى، وبالتالي نصبح غير أحرار، وبهذا المعنى، كانت السياسة تعني للوكسمبورغ المشاركة المقاومة الدائمة في الممارسة التحريرية التضامنية.
إن حرية استثمار الأموال، التي تصبح حركتها استثمارا شموليا لرأس المال يسود العالم ويقرر توزيع الثروة والفقر والصحة والمرض والتعليم والأمية والسلام والحرب بين وعلى الجماعات والطبقات الاجتماعية والشعوب والقارات المختلفة، كان عند روزا لوكسمبورغ هو الطغيان والاستعباد الظالم. ووصفت الحرية، التي تستند الى حقيقة أن نسبة قليلة من سكان العالم يستهلكون الجزء الأكبر من موارده، بأنها سيادة وحشية. وكان "النظام العالمي الحر" المسلح حتى قمة الرأس بالنسبة لها سياسة إمبريالية عسكرية. وكانت ستصف الافعال تحت مسمى الحرية المطبقة حاليا في توسيع القدرة على التلاعب والتصرف بالرموز الجينية ومخزونات المعرفة كملكية خاصة وفي تطوير وامتلاك القدرة النووية وصواريخ القتل، بأنها سطو إجرامي، وكانت ستلعن كل تدمير للتنوع البيولوجي في هذه الأرض وكل تخريب للبيئة الطبيعية وقتل وتهجير لسكانه وتصفه بالبربرية.
من أكثر الأفكار المسبقة إلحاحا في المجتمعات القائمة على حرية عقيدة دينية منفردة حاليا هي أن الحرية تعارض العدالة السماوية. ولكن فهم روزا لوكسمبورغ للحرية يستند على التضامن ففقط أولئك الذين يمكّنون الآخرين المختلفين في العقيدة من العيش بحرية يتسمون بالنزاهة ويمكن ان يتصفوا بالعدالة. أن هذا المفهوم للحرية، الذي يقوم على اساس التضامن ويهدف إلى المساواة مع حرية المختلف، لا ينتقد بشدة تحويل الحرية إلى بربرية من خلال التمتع بالامتيازات الاجتماعية فقط، لكنه يقف، وفي نفس الوقت، ضد الجميع البنى الاجتماعية والمؤسسات وموازيين القوى التي يتضمنها هذا الاستغلال لمفهوم الحرية ويضعه موجها ضد الحرية الحقيقية ويجعل الهمجية ممكنة في المقام الأول. ويمكننا تفسير كلمتها الشهيرة "الاشتراكية أو البربرية" والتي أستخدمتها مرارا وتكرارا، بأنها تعني "الحرية أو البربرية". وستكون جملة "الحرية أو الاشتراكية" سخيفة بالنسبة لها كما هي الجملة مثل "الحرية أو الحرية". إن هذا الإرث الذي تركته، ومارسته طوال حياتها واستشهدت من اجله، هو ما يجعل روزا لوكسمبورغ اسطورة تاريخية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا