الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمعية كارهو الأحياء والأموات

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2021 / 3 / 24
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


كلما ماتت شخصية عامة، سارع الجميع إلى صب الرحمات أو اللعنات عليها، ودخل مجتمع مواقع التواصل في سجال عنيف ينتهي دائمًا بعمل "بلوكات" متعددة بسبب الخلاف الكبير حول شخص الميت.
والحقيقية أنني قبل انخراطي في هذا المجتمع لم أكن أتصور أن الموت يمكن أن يصنع هذا القدر من الخلاف بين الناس فهذا الميت أيًا كان هو، وأيًا كان ما قام به في حياته قد "مات" وليس هناك ما يمكنك أن تفعله له أكثر من ذلك.
لقد انتهى، تبدد، لم يعد يشعر أو يتألم، لم يعد يهمه ما تقوله عنه، لم يعد يأبه بإرثه، فلقد رحل، وليس بالإمكان تغيير ما فعله، أو إقناعه بتصحيح أخطاءه، أو تعديل أفكاره، أو استمالته، أو حتى عقابه ... لقد مات!
ولقد أحدثت وفاة الدكتورة نوال السعداوي انشقاقًا بالغًا بين شعب السوشيال ميديا، فالمتدينون يصبون عليها اللعنات، ويتوعدونها بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويرجون لها إقامة دائمة في الجحيم، بينما يرفعها بعض أصحاب الفكر الليبرالي إلى مرتبة الأرباب ولا يقبل بمناقشة أفكارها أو نقدها فهي فوق أي نقد. وفي الحالتين لا يحرك الشخص سوى مشاعره، بدون تفكير أو قراءة أو بحث وفهم ونقد موضوعي.
إنه ببساطة التعصب، الذي يخرجك عن مباديء الليبرالية وعن القيم الدينية دون أن تدري، ذلك التعصب الذي يكون وقوده الكراهية والمحرك الأبرز فيه احتكار الحقيقة المطلقة.
فالله لا يدعو أبدا للكراهية، ولا يحب أن يعذّب مخلوقاته، فإذا كنت ترجو لمن يخالفك الرأي الخلود في غيابات الجحيم فأنت لم تعرف الله حق المعرفة.
لقد كانت دعوة الأنبياء جميعًا مشمولة بالمحبة، فهم يدعون أفراد مجتمعهم إلى اتباع سبيل الله لأنهم يحبونهم ويرجون لهم الخير والسلام وليس الموت والفناء أو العذاب والدمار.
والليبرالية تعني أن تتقبل الرأي الآخر وأن يكون لديك مساحة شاسعة من التسامح وقدرة فائقة على عرض أفكارك، وتسامي على مشاعر العنف والكراهية، وأن تكون على درجة عالية من الوعي والثقافة لتقدم الحجج والبراهين وتناقش وتحاور وتعرض أفكارك.
فهذا ببساطة ما كانت تفعله الدكتورة نوال السعداوي، كانت لديها الجرأة على عرض أفكارها بشجاعة لا يملكها أغلب الناس في الدول العربية، وكانت تخوض معاركها الخاصة والعامة وتدافع عن أفكارها، فإذا لم يكن لديك القدرة على نقد أفكارها أو الدفاع عنها بنفس الطريقة فليس عليك أن تتصدر المشهد والزم الصمت.
فالأفكار هي ما يبقى من الإنسان بعد أن يفنى جسده، أما الحديث عن مواصفاته الجسدية أو كيل السباب والإهانات له فهي أمور لا تدل إلا على مراهقة وانخفاض في درجة الوعي.
تقبل الأفكار أو ارفضها، عارضها أو أمن بها أو اهملها، ولكن لا تنصب نفسك قاض وحكم على البشر، لأنك ستجد منهم المثل، فجميعنا بكل بساطة مجرد بشر نخطيء ونصيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م