الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار- العدد 50

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)

2021 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية




العدد /50/ آذارمارس 2021
---------------------------------------------------------------------------------
الافتتاحية:
المعارضة في عشر سنوات من الأزمة السورية
إذا قارنا بين البلدان الخمسة (تونس-مصر-اليمن-ليبيا-سوريا) التي انفجرت مجتمعاتها عبر "الربيع العربي "في عام2011، وأنتجت ثورات أوانتفاضات ضد أنظمة مستبدة يحكمها الفرد الواحد أوالحزب الواحد، فإن المعارضة السورية كانت الأردأ من حيث الأداء والحصيلة.
أولاً من حيث أنها لم تستطع أن تتوحد حيث اختلفت منذ محادثات الأسبوع الأول من أيلول2011 في العاصمة القطرية الدوحة والتي شملت "هيئة التنسيق الوطنية "و"اعلان دمشق "و"جماعة الإخوان المسلمين "،على موضوعي التدخل العسكري الخارجي والسلاح المعارض حيث كان (الإخوان)و(الاعلان)يرون الاستعانة بالخارج كماجري في ليبيا ومشروعية العنف المعارض وهو ما اختلفت (الهيئة)معهما بهذا الصدد حيث كانت ومازالت (الهيئة) ترى أن التوازنات لا تسمح بأكثر من تسوية يتم فيها انشاء سلطة حكم انتقالي تضم السلطة والمعارضة تقود نحو نظام ديموقراطي ،وهو ما ثبتته (الهيئة)في مؤتمر حلبون في 17أيلول2011،فيماذهب(الاخوان)و(الاعلان)نحو تأسيس "المجلس الوطني "في 2تشرين أول2011الذي غطى سياسياً السلاح المعارض وطالب صراحة بإنشاء "مناطق آمنة "يفرضها الخارج الدولي كماجري في ليبيا عبر القرار الدولي1973في 17آذار2011وهو ما شكل غطاءاً قانونياً لتدخل حلف الأطلسي-الناتو وإزاحة القذافي ،وعندما جرت محاولة ثانية لتوحيد المعارضة تحت مظلة الجامعة العربية وجرت مفاوضات بين (الهيئة)و(المجلس)بالقاهرة استغرقت خمسة أسابيع وأنتجت وثيقة موقعة من رئيس المجلس ونائب المنسق العام للهيئة في 30كانون أول2011كان يراد منها أن تكون برنامج عمل لمؤتمر موحد للمعارضة يعقد بمبنى الجامعة العربية في كانون ثاني2012،فإن المكتب التنفيذي للمجلس رفض المصادقة على الوثيقة الموقعة وعندما جرى مؤتمر للمعارضة في القاهرة بيومي2-3تموز2012،فإن (المجلس)رفض انشاء قيادة مشتركة للمعارضة أولجنة متابعة بعد يومين من التداول بين المعارضين ظهر فيه حجم الخلاف بين اتجاه تسووي في المعارضة واتجاه اسقاطي يرى اسقاط النظام عبر السلاح والاستعانة بالخارج التي أعلنت دوله المرشحة للتدخل وخاصة حلف الناتو منذ 1تشرين ثاني2011أن "لا نية له بالتدخل العسكري في سوريا "،وفي نهاية مؤتمر القاهرة رفض (المجلس)طلب ناصر القدوة نائب المبعوث الدولي إلى سوريا كوفي عنان ،بتضمين البيان الختامي للمؤتمر موافقة على (بيان جنيف1) الصادر قبل ثلاثة أيام عن الدول الخمسة الكبرى والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والداعي لسلطة انتقالية عبر هيئة حكم انتقالي تتشارك فيها السلطة والمعارضة تقود سوريا إلى نظام إلى نظام ديموقراطي جديد وهو ما وافقت عليه (الهيئة)وهي المبادرة منذ مؤتمر حلبون نحو هذا الطرح الذي تبناه المجتمع الدولي.
ثانيا كان (المجلس)،وخليفته "الائتلاف الوطني "المؤسس في 11112012،لايريد تسوية وفي محادثات (جنيف3)،التي استغرقت بين 29كانون ثاني 2016و18نيسان2016بين وفدي السلطة والمعارضة تحت رعاية الأمم المتحدة والدول الكبرى تشكل رباعي من رياض حجاب- فاروق طيفور- جورج صبرة- سهير أتاسي كان واضحاً من سلوكه وطروحاته أنه لا يريد محادثات تفضي إلى نتيجة ،وهو ما شاركهم فيه وفد السلطة السورية قبل أن يبادر رياض حجاب في 18نيسان 2016وبمبادرة فردية من دون التشاور مع باقي وفد(الهيئة العليا للمفاوضات)،ومنهم (هيئة التنسيق الوطنية)،إلى تعليق المحادثات ويبدو أن هذا كان بأوامر تركية التي كانت مختلفة وقتها مع واشنطن وموسكو وفي وقت كان هناك توافق أميركي- روسي على انجاز حل سوري يفرض في نهاية ستة أشهر من المفاوضات إن لم يستطع وفدا السلطة والمعارضة التوصل إلى اتفاق بينهما وقد اعترف رياض حجاب في صيف2017لأحد أعضاء وفد المعارضة بأنه دخل (جنيف3)بنية "عدم الوصول إلى اتفاق "،وبالتأكيد كان هذا بأوامر اقليمية من أنقرة والدوحة .
هؤلاء الآن يدعون إلى حل انتقالي على أساس بيان جنيف وعلى أساس القرار الدولي2254ال ذي جرت مفاوضات جنيف3على أساسه وهم بعد أن أفشلوا كل شيء على أساسهما يدعون الآن للعودة إليهما ليس لإيمان بهما بل فقط للتشويش على عمل اللجنة الدستورية وهم يتلاقون في هذا مع السلطة السورية التي اشتغلت بشكل منهجي على تفشيل أعمال اللجنة الدستورية خوفاً منها من أن يؤدي الوصول إلى دستور جديد لفتح الطريق نحو عملية انتقالية سياسية قال بها بيان جنيف والقرار 2254.
يجب الآن أن يعترف هؤلاء المعارضين بأنهم قد فشلوا في كل ما طرحوه خلال عشر سنوات منذ يوم18آذار2011،من مراهنتهم على التدخل العسكري الخارجي إلى استعمال العنف المعارض الذي أنتج وضعاً سادت فيه "النصرة"و"داعش"،ويجب أن يعترف الآن هؤلاء بأن برنامج(هيئة التنسيق الوطنية)،الداعي منذ17أيلول2011إلى حل تسووي ينتج سلطة حكم انتقالي ،هو الذي انتصر ولوكان هناك حتى الآن مازالت أمامه عقبات كثيرة ويجب أن يعترفوا أنهم يشتركون في رفض هذا الحل مع السلطة في تلاقيات بين هؤلاء المعارضين والسلطة لا تقتصر على هذه النقطة بل يشمل ذلك نقاط كثيرة منها اللاديموقراطية والفساد ونزعة الاستعانة بالخارج من أجل حسم صراع داخلي.
من هذا المنطلق يجب القول الآن بأن من تصدر واجهة المعارضة السورية أي الاسلاميون والمتلبرون الجدد المغادرون للماركسية والشيوعية في "اعلان دمشق" ومن لف لفهم، قد فشلوا في قيادة باص المعارضة السورية، وأن عليهم أن يتنحوا عن مقعد قيادة الباص من دون اخراجهم منه، ليمسك بمقود باص المعارضة السورية الاتجاه التسووي عبر برنامجه الوطني الديمقراطي.
إن الاتجاه الآن لجمع المعارضين الوطنيين الديمقراطيين في تجمع واسع يشكل (القطب الديمقراطي) بالتوازي والتخالف مع (القطب الاسلامي) هي خطوة أصبحت أكثر الحاحاً وضرورية من أجل إعادة بناء المعارضة السورية من جديد.يشكل انعقاد المؤتمر التأسيسي ل(الجبهة الوطنية الديمقراطيةجود)خطوة أولى هذا الطريق،وإن انعقاد هذا المؤتمر في دمشق أواخر هذا الشهر رسالة بأن عاصمة المعارضة في دمشق وليس في اسطنبول.
من لقاء جنيف ١ إلى جنيف ٩ (فيينا) حول الأزمة السورية:
هل نعود إلى المربع الأول في العشرية الثانية؟
في جنيف ١ المنعقد في ٣٠ حزيران من عام ٢٠١٢ استطاعت المجموعة الدولية المعنية بالأزمة السورية والمؤلفة من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الروسي والصين وبريطانيا والمانيا وتركيا وجامعة الدوال العربية ان تتوافق على بيان رسم حينها ولايزال خارطة طريق لحل سياسي دائم لأزمة في سورية قد مضى عليها عند انعقاد المؤتمر عام و٣ اشهر اتسمت بالعنف والدم والتهجير والاعتقال وتدمير مدن وبلدات، صحيح أن البيان المذكور لم يتطرق إلى تفاصيل مهمة بالأزمة وبقيت غامضة ، مثل مصير رئيس الدولة في سورية أو حول دوره خلال المرحلة الانتقالية وقيل عن هذا الغموض حينها انه (غموض غير بناء ) إلاّ أن البيان رغم سلبياته كان السقف الاعلى لما يمكن التوافق عليه دوليا لوضع أسس لحل سياسي تقبل به كافة القوى و الدول المعنية بالصراع الدائر في سوريا .
ما أن انتهى اجتماع جنيف ١ حتى بدأ الخلاف حول تفسير فقرات الستة بين الدول، وتحديدا بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتحاد الروسي وايضا بين المعارضة وبين النظام حول تفسير بنود مخرجات جنيف ١ وعلى الأخص حول مصير الرئيس الاسد أو دوره في العملية الانتقالية أو من هي الجهة المخولة في تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وبقي هذا الغموض دون جواب ومحط جدلا واجتهاد بين كل طرف.
انعقد ت جنيف ٢ في كانون ثاني-شباط من عام ٢٠١٤ بإشراف الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي بعد جمود دبلوماسي وسياسي دام أكثر من عام ازدادت خلاله حدة الأعمال العسكرية بين النظام والمعارضة وانتهت تلك الجولة إلى طريق مسدود بسبب رفض وفد النظام البحث في أي مسألة سوى محاربة الإرهاب، اما وفد المعارضة فقد تمسك بأولوية البحث بتشكيل هيئة حكم انتقالي دون وجود الأسد.
بقيت المفاوضات حول سوريا معطلة بعد صدور القرار الدولي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ ،ولمدة غير قصيرة حتى انعقاد جنيف ٣ في ٢٩ كانون الثاني لعام ٢٠١٦ ، كانت الجلسة الثالثة هي الجلسة الوحيدة التي التقى فيها الوفدان ، وفد النظام ووفد المعارضة الممثل في (الهيئة العليا للمفاوضات)وجهاً لوجه عند افتتاحها تحت علم الامم المتحدة ، وهي الجلسة الوحيدة أيضا من بين جلسات جنيف التسع التي أعلن عن توقيفها قبل انتهاء الموعد المحدد لها ، حيث طلب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب في 18نيسان2016تعليق المفاوضات فيها حتى يتم إيقاف القصف على حلب وفك الحصار على بعض المناطق التي تسيطر المعارضة المسلحة عليها وإطلاق المعتقلين السياسيين على خلفية الانفجار السوري في ٢٠١١ والكف عن التدخل من قبل روسيا في تشكيل وفد المعارضة وأعتبر أن وفد رياض ١ هو الذي يمثل المعارضة السورية ويرفض ضم أي منصة أخرى إليها كما أعلن ان وفد المعارضة لن يعود إلى جنيف مالم يتم تقدم في مجال القضايا الانسانية ،
أما الجعفري رئيس وفد النظام فقد اتهم وفد المعارضة بتعطيل سير العملية التفاوضية وقال إن وفد رياض ١ لا يمثل جميع المعارضة السورية وفي هذا إشارة إلى منصتي موسكو والقاهرة المتواجدين في جنيف، كما انتقد أيضا موقف المبعوث الدولي دي مستورا لأنه أعلن عن تعليق المفاوضات استجابة لطلب رياض حجاب.
لم يلق قرار تعليق المفاوضات في هذه الجولة موافقة جميع أعضاء وفد الهيئة العليا ، حيث اعترض عليه ممثلي هيئة التنسيق الوطنية في الهيئة العليا وقرروا البقاء في جنيف لنهاية الموعد المحدد لهذه الجلسة كتعبير عن رفضهم لهذا التوجه غير المنتج في العملية التفاوضية ، كما انتقد الحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) أحد مكونات هيئة التنسيق الوطنية ، بعد انتهاء الجولة في بيان له مؤرخ في 28أيار2016قرار الهيئة العليا برئاسة السيد حجاب تعليق المفاوضات واعتبرته خطأً سياسيا ً، الأمر الذي دفع برئيس الهيئة العليا إلى تعليق مشاركة ممثل الحزب الشيوعي ( المكتب السياسي ) وممثل هيئة التنسيق الوطنية في وفد الهيئة العليا في المفاوضات اللاحقة .
لم يحسم القرار الدولي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ ، رغم أهميته في الحل السياسي الدائم للازمة السورية ، الغموض القائم في بيان جنيف ١ وبقي بمثابة توصيات غير ملزمة للأطراف المتصارعة في وحول سوريا ، الامر الذي دفع الميسر الدولي ستيفان دي مستورا الى التصريح في بداية الجلسة الرابعة في جنيف المنعقدة بتاريخ ٢٣ / شباط ٢٠١٧ ( ان القرار مصمم بطريقة لا قدرة له على أن يطبقه بشكل صحيح ) لذلك ولكسر الجمود القائم في المفاوضات ولتحريك المياة الراكدة فيها اقترحَ توسعة القرار إلى محاور ثلاث ، الحكم ، والدستور ، والانتخابات ، وأضيف اليها محور الإرهاب بعد إصرار وفد الحكومة السورية على إضافته وسميت تلك المحاور بالسلل الأربعة واعلن عنها في جنيف اثناء انعقاد المفاوضات ، كما اعلن ان تلك المحاور سيجري البحث فيها بالتوازي فيما بينها دون إقرار أي منها قبل الانتهاء من التوافق على جميعها .
تطرقت السلة الأولى عن انشاء حكم غير طائفي يضع الجميع مع الأمل في الاتفاق على ذلك خلال ستة أشهر.
اما السلة الثانية، تكلمت حول القضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد مع الأمل في أن يتحقق في ستة أشهر.
وبحثت السلة الثالثة في كل ما يتعلق بانتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور جديد وذلك خلال ١٨ شهرا تحت إشراف الامم المتحدة وتشمل السوريين خارج بلادهم.
اما السلة الرابعة فقد بحثت في استراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية وبناء اجراءات الثقة.
في هذه السلل ، أسقط دي مستورا حينها في مبادرته وبشكل مقصود ، محور تشكيل هيئة حكم انتقالي المنصوص عليها في بيان جنيف والقرار٢٢٥٤ من العملية التفاوضية ، وقد اتهم المبعوث الدولي حينها بسبب ذلك بمحاباة الروس والنظام ، وقد وافقت المعارضة السورية المنبثقة عن ( وفد رياض واحد) على مبادرة الميسر الأممي المذكورة بسبب الضغط الذي مورس عليها من ما سمي بمجموعة اصدقاء سوريا بعد لغط وخلافات بينية بين أعضاءها ، اما في الجهة المقابلة فقد رفض وفد النظام في هذه الجولة البحث في أي محور باستثناء محور سلة الإرهاب ، كما رفض الدخول أيضا في المفاوضات قبل توحيد المعارضة في وفد واحد موحد ، وقال أنه لا يعرف مع أي معارضة يتفاوض .
لم تكن الجولة السادسة التي عقدت في ١٦ أيار من عام ٢٠١٧ بأفضل حال من سابقتها الجولة الخامسة المنعقدة في نيسان من نفس العام والتي انتهت كل منهما دون أي تقدم يذكر باستثناء الإعلان من قبل السيد دي مستورة في تلك الجلسة عن انشاء ألية تشاورية في القضايا الدستورية وقد أرسلت المعارضة وفدا للمشاركة فيها بعد ان رفضت بداية التفاعل معها.
أما في الجولة السابعة التي عقدت في ٧، ٩ تموز من عام ٢٠١٧، طالب فيها المبعوث الدولي وفد المعارضة، وتحت إصرار وفد النظام، بتوحيد وفودها كشرط رئيسي لعقد جولات جديدة من المفاوضات، وكان المعني بذلك كل من وفدي منصتي موسكو والقاهرة، وكان هذا الموقف من المنسق الأممي من أحد الأسباب المباشرة التي عجلت في عقد رياض ٢ وانضمام المنصتين إلى هيئة التفاوض والى وفد المعارضة المفاوض الجديد رغم معارضة المتشددين في الائتلاف وفي بعض الفصائل العسكرية.
رغم توحد منصات المعارضة في جسم واحد في (مؤتمر رياض ٢) المنعقد في السعودية بتاريخ ٢٢ تشرين الثاني من عام ٢٠١٧ تحت اسم هيئة التفاوض للمعارضة السورية وقد اعتبرت دوليا تلك الهيئة هي الممثل الشرعي للمعارضة السورية لإنجاز الحل السياسي وفقا للقرار الدولي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ القائم على بيان جنيف ١ ، ورغم استبعاد بعض الشخصيات المتشددة في العملية التفاوضية من الائتلاف والجيش الحر في( رياض ٢ )من جسم القيادة لهيئة التفاوض ، فلم يحصل أي تقدم في الجولة الثامنة التي عقدت في ٢٨ / تشرين الثاني لعام ٢٠١٧ بسبب رفض وفد النظام عدم البحث الا في سلة الإرهاب مما دفع المنسق الأممي إلى تحميل روسيا والنظام مسؤولية إضاعة فرصة ذهبية في تقدم المفاوضات .
عقدت الجولة التاسعة للمفاوضات بتاريخ ٢٥ كانون الثاني من عام 2018 في فيينا وليس في جنيف لأسباب لوجستية كما ذكر المنسق الأممي استيفان دي مستورا آنذاك، تواجد في هذه الجلسة كل من ممثلي المجموعة الخاصة لدعم الحل السياسي بالأزمة السورية (الولايات المتحدة-بريطانية – فرنسة-ألمانية- مصر- السعودية-الأردن)إضافة إلى ممثل الحكومة الروسية حيث قدم فيها وفد المجموعة الخاصة بسوريا خلال الجلسة ورقة غير رسمية تتعلق بمستقبل سوريا لجهة شكل وطبيعة الحكم اللامركزي في سورية وقد ذكر فيها لأول مرة مصطلح الأقاليم بدلاً من مصطلح المحافظات او الإدارات ، الا أن هذه الورقة لم تحظى بأي مناقشة بسبب رفض النظام البحث فيها واستمر متمسكا مع ممثل الحكومة الروسية بمناقشة حضور هيئة التفاوض لمؤتمر سوتشي المنوي عقده خلال فترة قريبة من ذلك الشهر(30كانون ثاني2018) وقد رفضت هيئة التفاوض حضوره بأكثرية أعضاءها.
كانت جلسة فيينا آخر محاولة للمبعوث الخاص استيفان دي مستورا لأجل انجاح مهمته في إيجاد حل سياسي في سورية قبل أن يقدم استقالته من مهمته كميسر أممي لمباحثات سياسية كانت واستمرت معه ولاتزال مستعصية حتى بعد استلام المبعوث الاممي الرابع غير بيدرسون لمهمته كمبعوث خاص في سورية.
مما لاشك أن النظام استطاع تعطيل مفاوضات الحل السياسي بجولاتها التسع في جنيف وبرعاية أممية استنادا لبيان جنيف ١ والقرار ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ وايصالها إلى طريق مسدود عبر دعم غير محدود من حليفه الروسي الذي وافق على تلك القرارات الدولية ، كما نجح في سد افق أي تقدم في جولات اللجنة الدستورية الخمسة التي عقدت في جنيف أيضا وبرعاية أممية ، وهي تعتبر من مخرجات مؤتمر سوتشي الذي تبنته روسيا ، كما استطاع الاتحاد الروسي وبعد تدخله العسكري في سوريا في اواخر عام ٢٠١٥ ان يغير في موازين القوى العسكرية على الارض لصالح النظام بعد ان انسحبت الفصائل العسكرية المسلحة المعارضة من مدينة حلب ومن الغوطة الشرقية ومن الجنوب السوري ، ورغم خيبات الأمل عند الكثير من الناشطين والمحللين السياسيين في إنهاء مأساة الشعب السوري من جراء انسداد افق المفاوضات السياسية أو في اللجنة الدستورية في جنيف ، فان الحقيقة الباقية والأهم في الأزمة السورية رغم تعقيداتها وتداخلاتها الإقليمية والدولية ، ورغم كثرة المبادرات الشخصية او الاقليمية في أستانا أوسوتشي لأنهاء دور الامم المتحدة ، فأنه لن يكون في سورية أي حل سياسي خارج اطارالقرار الدولي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ القائم على بيان جنيف ١ لعام ٢٠١٢باعتبارهما يحظيان ومنذ صدورهما بإجماع دولي كأساس لأي حل سياسي في سوريا .
السؤال المهم حاليا ، وبعد مضي عقد من الزمن على مأساة الشعب السوري ، وبعد هذا التعطيل المتعمد في مساري العملية السياسية واللجنة الدستورية في جنيف لحل مأساة الشعب السوري ، هل يتوافق المجتمع الدولي ممثلاً بمندوبه الخاص غير بيدرسون مع بداية العشرية الثانية على آليات عمل جديدة يستطيع خلالها ان يتجاوز انسداد افق التفاوض على حل سياسي وفقا للقرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة، ام يعود بالأزمة الى مربعها الأول ويعتذر من الاستمرار في مهمته كسلفه لسبب عدم وجود ارادة دولية تلتقي على حل سياسي في سوريا ؟


- من زوايا الذاكرة –

- الدكتور جون نسطة –

في بداية شهر تشرين أول 1961عدنا إلى الدراسة مجددا في الصف الثاني طب.
كانت المحاضرات كثيفة ومتعبة كان على ان اسمع وان اكتب ما فهمت وكان ذلك ليس كثيرا بسبب سرعة كلام الاستاذ المحاضر لذلك قررت ان لا أداوم على حضور تلك المحاضرات ما عدا محاضرات التشريح التي كان يلقيها أستاذ بارع صاحب معلومات عامة هامة جدآ، ممتع، يجعلك مشدودا إلى سماعه ومتفهما لما يقول ويشرح. اسمه البروفيسور ليوتارد وهو انسان لاينسى.
كنت أذهب الى محاضرات الفروع المختلفة مرة واحدة للتعرف على وجوه الأساتذة فقط لاغير.ووضعت لنفسي برنامجا، بعد.ان إشتريت كتب كل الفروع المختلفة بان ادرس من الساعة الخامسة بعد الظهر الى الساعة العاشرة ليلا يوميا وبعدها اذهب الى سهرات الملاهي والمطاعم أو الى سهرات الاصدقاء والرفاق والنقاشات السياسية التي لا تنتهي.كنت طبعا أستيقظ عند الظهيرة، أغتسل وأذهب لشراء المواد الغذائية التي أحتاجها او نحتاجها، حيث كنا نطبخ سوية ونأكل سوية، وطبعا عون كان متفوقا علي بمراحل، وعليه تقع جل اعمال الطبخ.

كنت طبعا أتابع اخبار الوطن والتطورات السياسية بدقة، رغم انكبابي على الدراسة ووصولي الى القناعة بأن اختياري لدراسة الطب كان صحيحا،اذ بدات تنشىء علاقة حب وهوى بيني وبين مواد هذا العلم الشيق.إن معرفة تركيبة الجسم البشري،وأليات وظائفه ،وطريقة عملها واكتشاف عمل الخلايا وتخصصها في تركيب كل جهاز من أجهزة الجسم ،وكشف أسرار عملها،وخضوعها لأوامر الدماغ والغدد الصماء،بعلاقة معقدة بين الكيمياء والفيزياء،كل ذلك يشكل أجوبة على تساؤلات الإنسان العادي،الذي لم يتاح له دراسة الطب.
كان الحزب في بداية مرحلة الانفصال يطالب بإطلاق سراح معتقليه في سجن المزة،ويحاول أيضا أن يسمح لأمينه العام بالقدوم الى دمشق،رغم موقفه بمباركة عملية الانفصال وتأييدها الكامل.وكان الأمين العام خالد بكداش يطالب قيادة الحزب في الداخل أن تنظم عملية استقباله في المطار بحشد يضم الالاف من الرفاق والاصدقاء،وهذا لم يكن ممكنا،وغير واقعي،بعد خروج الحزب مثقل الجراح،في معركته مع نظام الوحدة.
أصدر الحزب مشروعه السياسي في عهد الانفصال،مؤلفا من صفحتين لا أكثر،قدم فيه تنازلات خطيرة أمام البورجوازية السورية،فيما يتعلق بإعادة النظر بقرارات التأميم الصادرة بعهد الوحدة،وأعلن تمسكه بالإصلاح الزراعي.وأخذت من المشروع موقفا معارضا في داخلي.
كان الحزب الشيوعي السوفياتي بقيادة نيكيتا خروتشوف،يقدم اطروحات جديدة وجريئة فيما يتعلق بالتعايش السلمي ،ونزع السلاح ،وإمكانية الوصول إلى الإشتراكية بطرق متعددة،ومنها السلمية عن طريق الانتخابات البرلمانية،ومنها الدخول الى طريق التطور اللارأسمالي.
كان الرفيق خالد بكداش غير منسجماً مع هذه المواقف،وكان يكره خروتشوف في أعماق نفسه،وكثيرا ما كانت زوجته ام عمار،على ماسمعت،تدعو عليه بالحمى والموت.
كنت أقرأ بشغف خطابات خروتشوف،وأعتبره قائداً فذاً ،يمكن أن ينقل الاتحاد السوفيتي إلى مجتمع حديث،وبالخروج من المرحلة الستالينية الممقوتة،داخلياً وعلى النطاق العالمي والاوربي خاصة.
في العام 1963وصل الى مدينة لايبزغ شاب في وسط الثلاثينات أو بداياتها،لدراسة اللغة الألمانية،يدعى نايف بلوز.
ومن ثم للحصول على دكتوراه في الفلسفة.مبعوثا من الحزب طبعا.
كان هذا الرجل مثقفا موسوعيا من الطراز الأول،بالنسبة إلى عامة أعضاء الحزب،وقيادته خصوصاً.يتبع أسلوباً خاصا بالنقاش،يستدرجك لطرح افكارك أو بضاعتك ،ثم ينقض،وأحيانا بشكل مضحك،أو ساخر،عليها لتفتيتها الى عناصر أولية،مثبتا عدم نجاعتها أو غلطها من الأساس.كان صاحب فكر نقدي بإمتياز.
نشأت بيننا علاقة صداقة متينة جدا،نظرا لاتفاق الكيمياء،وتشابه الامزجة عموماً.فموقفي النقدي من الأمين العام،ومن برنامج الحزب في فترة الإنفصال،ومن طريق التطور إلى الإشتراكية عبر التطور اللارأسمالي . فسأبدأ من الإشارة في هذا المجال إلى أن المرحوم نايف كان يحمل دبلوم في الفلسفة من جامعة دمشق،وكان بيتهم في دمشق يستضيف دوماً ،أعضاء من القيادة المركزية للحزب وخصوصا نقولا الشاوي وفرج الله الحلو ويوسف فيصل ودانيال نعمة وغيرهم كثير،وهو يعرفهم بالتالي عن قرب،على عكسي أنا،حيث قدمت من منظمة طلابية في مدينة حمص.
وأخيرا لا آخراً،كان يكبرني بتسعة سنوات من العمر.
بدأنا. نتفق بأن هكذا حزب يقاد بعقلية عبادة الفرد،وبقيادة جاهلة في العلم الماركسي ومنصاعة بدون نقاش لأوامر الأمين العام ،ليس له مستقبل على النطاق العام.
بعد فترة قصيرة خرجنا بشكل خجول الى العلن ضمن رفاق المنظمة في لايبزيغ.وركزنا بالدرجة الأولى على موضوع عبادة الفرد وتفرد الرفيق خالد بالزعامة المطلقة.وتفرد الرفيق نايف بضرب أول معول في هذا الصنم المعبود،وبدأت انا بالتحدث مع بعض الرفاق الواعيين حول هذه الامور.
في صيف العام الدراسي 1964،سافرنا أنا وصديقي عون جبور بالقطار إلى مدينة اسطنبول ،بقصد لقاء أهلينا هناك.والموضوع بدأ بأن والدتي اشتاقت الي كثيرا بعد مرور خمسة سنين على أخر لقاء.وسألت اذا كان من الممكن زيارتي في لايبزيغ،طبعا الأوضاع المتواضعة فيها،كانت لا تسمح،فاقترحت عليها ان يكون في اسطنبول،وكان زميلي عون أيضا موافقا وتكلم مع والديه،اللذين قررا القدوم،وجرى التفاهم مع والدتي حول زمان الموعد وحول عنوان الفندق.
قدمت والدتي إلى اسطنبول بالطائرة، قدم والدي عون بالباص،وكنا نحن الاثنين في استقبالهم.كانت حرارة اللقاء عالية وفرحته أعلى،وسعدنا أية سعادة.قضينا في هذه المدينة،رائعة الجمال،فترة ثلاثة أسابيع تعرفنا فيها الى معالم اسطنبول الأساسية.
قبل موعد العودة بأيام قليلة،قدم إلى الفندق شاب حلبي،من ألمانيا حيث اشترى هناك سيارة اوبل مستعملة يريد العودة بها الى حلب.
عرض على أبوي عون أن يرافقوه بهذه السفرة من اسطنبول إلى حلب،وكعادة تجار حلب،طلب تقاسم تكاليف البنزين بينهم،فوافق على الفور،بدلا عن العودة بالباص.
كانت والدتي،المشهود لها في اوساط مجتمعها الحمصي،بالجمال والوسامة،بالذكاء واللباقة،باللطف والتهذيب،بحرارة العاطفة والتعاطف،تملك في حقيبتها بطاقة العودة بالطائرة،ومع ذلك صارحتني برغبتها بمشاركة الجميع بالعودة معهم بسيارة هذا الحلبي،اللذي لم أعد اذكر إسمه،حرصا منها على مشاعر أهل صديقي عون من أن تجرح،هي بالطائرة،وهم متواضعي الحال بالسيارة.
ولجهلي بالجغرافيا،بعدم معرفتي بطول الطريق الذي يتجاوز1200كم،وافقت فورا وامتدحت مشاعرها الرقيقة.
سألتها ماذا تفعلين ببطاقة الطائره قالت نمزقها.
وفي اليوم الموعود المشؤوم ودعنا بعضنا البعض مع ذرف الدموع وتقبيل الخدود والأيادي وطلب الرضى،وتوجهوا هم يقصدون حلب، وقررنا أنا وعون أن نبقى عددة أيام في اسطنبول،رغبة منا التعرف والتمتع بأجواء ليل المدينة الحمراء.
وفي اليوم التالي رن جرس الهاتف في الفندق،واذا بموظف في السفارة السورية على الخط يطلب منا السفر فورا الى أنقرة ومقابلة القنصل هناك.لقد شعرت فورا بالمصاب وبالكارثة مع عدم تصور حدودها طبعا.قام القنصل باعلامنا بما حدث.ليلا وقبل وصول السيارة الى أنقرة بعدة كيلو مترات،اصطدمت السيارة آلتي فيها أهليكم بسيارة شاحنة متوقفة على جانب الطريق،وبدون إضاءة.
انفتح باب السائق على اليسار،وخرج من السيارة بدون اصابات تذكر.ووالدتي خلفه بقيت على الحياة مع فقدان الوعي نتيجة الصدمة
اما والدي رفيقي عون فقد توفوا على الفور على يمين السيارة.
سألنا القنصل عن مدى استعدادنا لمقابلة السائق،وعن مدى استعدادنا بالتنازل عن حقنا الجنائي تجاهه.
وافقنا عون وانا بالتنازل عن اي تعويض،لان ذلك لا يعيد اهلينا الى الحياة،وقبلنا أيضا بمقابلة السائق.أ
نظرا لشعورنا بأنه غير مذنب،ولتمتعنا بعقلانية اكتسبناها من مجتمع ألمانيا الديموقراطية المتقدم.
قام صاحب وسائق السيارة،بتقديم العزاء وأبدى الأسف الشديد لما حصل،مع حرصه على تقديم الشكر والاعتراف بالجميل لتنازلنا عن حقوقنا الشخصية امام المدعي العام التركي،ثم شرح لنا ما جرى ملقيا اللوم على سائق الشاحنة الذي اوقفها على جانب الطريق دون أية إضاءة أو علامة تنبيه.وقال مبديا غضبه وانزعاجه الشديد من تصرف سائق ومرافق سيارة الإسعاف الذين وصلوا الى مكان الحادث وامتناعهم عن نقل الضحايا عندما علموا بأنهم مسيحيون،بحجة نجاستهم.
شيء صادم ولا يوصف بكلمات عن تخلف عقلية، وقناعات طائفية متزمتة من أناس يعملون في حقل إنساني إغاثي. المهم جرى نقل الضحايا المصابون بباص عابر،بوضعهم على أرضه.وأعلمنا بأن والدتي لا تزال على قيد الحياة،وتعالج في المستشفى الوطني لمدينة انقرة.
هرعنا على الفور إلى هناك،فوجدتها بحالة غيبوبة،ولكنها فتحت عيناها وتبسمت حين سماعها لصوتي.
سالت الطبيب المعالج عن خطة العلاج،فأجاب بانه ينصح ،بان يقوم جراح عصبية بمتابعة علاجها.
بحثنا عن طبيب إختصاصه جراحة الجملة العصبية،فأعطونا عنوان منزل بروفيسور يقيم ليس بعيدا عن حيث كنا،ذهبنا إلى هناك،وكانت الساعة تشير الى الساعة العاشرة ليلا،وطرقنا الباب فخرج منه الجراح بنفسه،فشرحت له بالانكليزية الوضع الذي نحن فيه،فقال أنه لا يعالج مرضاه في المشافي الحكومية او البلدية،وإنما فقط في المشافي الخاصة،وأعطاني عنوان مشفى خاص،علي أن انقل والدتي المصابة إليه.
في صباح اليوم الثاني كان علي تأمين سيارة إسعاف،تقوم بهذه المهمة.اكتشفنا بأن مدينة انقرة،العاصمة التركية،كلها ليس لديها إلا سيارتين إسعاف فقط.وكانت معركة أخرى بان نحصل على إحدى السيارتين.
ولكي لا أطيل،وربما قد أطلت،قامت سيارة إسعاف بنقل الوالدة الى المستشفى الخاص،وهناك كانت الطامة الكبرى.فلقد امتنعت إدارة المشفى عن استقبالها،الا بتقديم مبلغ خيالي من المال.
كانت ذخيرتنا من المال قد مالت الى النضوب،أو قد نضبت،بعد كل هذه المدة من اقامتنا في تركيا.ما العمل؟
ذهبنا الى بيوت طلاب يسكنها عرب شاريحين أزمتنا ووضعنا الماساوي،فما كان للشهامة العربية الا ان تفصح عن نفسها،فقاموا على وجه السرعة بجمع المبلغ المطلوب من بعضهم البعض.وسارعنا به،بعد الشكر والامتنان،الى المشفى،طالبين اعلام البروفيسور بوجودها عندهم.فقالوا انه يقوم حالياً بإجراء عملياته الجراحية،ولن بتمكن من معاينتها إلا بعد الظهر.ذهبنا الى فندقنا بقصد الراحة قليلا،ولم يمضي وقتا طويلا،إلا ان اتصل المشفى واعلمني بوفاة شهيدة المحبة،وشهيدة المشاعر الإنسانية الراقية.
كان حزن رفيقي عون،وهو الانسان العاطفي الرقيق،يفوق حزني ودموعه تنسال بغزارة تفوق بسيلانها عن ما زرفته على وفاة والديه.والحق يقال.
كانت صدمتي مروعة وعظيمة،وهي الأكبر في حياتي،ولاتزال ترافقني إلى اليوم.كان الألم والأسى والحزن،يساءلني أكان لا بد لك الا أن تسلك هذا الطريق،طريق الاحزان.خسرت فيه الوطن والاهل ووالدتك والاصحاب،طريق النضال الشيوعي الصعب.فاجيب إن محبتي لشعبي ولوطني دفعتني الى هذا الطريق دفعاً ،وكان شعارنا العظيم المرفوع (من أجل وطن حر وشعب سعيد)هو منارة سفينتي الشبابية وهي تبحث عن مرسى.
المهم أننا وقفنا من جديد أمام مهمة أصعب من سابقاتها،كيف نتصرف،وبمن نستعين؟
ذهبت الى مركز البريد بأرجل من رصاص،وأبرقت لشقيقي فيليب أبو نزار اعلمه بالمصيبة وأطلب العون ،وكذلك قام رفيقي عون باخبار خاله،ولم يمضي الا يوما واحداَ وكانوا في انقرة الى جانبنا.
كنا قد سألنا عن اجراءات نقل الجثامين الى سوريا .وكانت في غاية التعقيد.ونحن عون وأنا في حالة حزن وضياع لاتوصف،ولا ندري من اين نبدأ.فقام الكبار منا الأخ والخال بتولي الأمر . وعادوا بالجثامين إلى حمص ونحن بقينا في تركيا لا نستطيع مرافقتهم وحضور مراسيم الدفن،تخوفا من الاعتقال،رغم أن حزب البعث العربي الاشتراكي كان قد استلم السلطة،وحافظ مع ذلك على أوامر الاعتقال التي صدرت بحقنا الشيوعيين،في عهد الوحدة الاندماجية مع مصر.
عدنا إلى لايبزيغ نجرجر وراءنا مشاعر الخزي والحزن والكآبة.وكان ذلك في شهر تشرين أول 1964.لم تمضي الا أيام وسمعت بالخبر الحزين الجديد وهو اقالة الزعيم السوفياتي الكبير نيكيتا خروتشوف من منصبه كأمين عام للحزب الشيوعي السوفياتي.كان هذا الزعيم السوفياتي موضع أملنا،الدكتور نايف بلوز وأنا،بتحقيق الإصلاحات المطلوبة،والانتصار نهائياً على الستالينية في دوائر الدولة العميقة بالاتحاد السوفياتي ،.وأعتقد بأن بقاءه على رأس السلطة كان سيوفر علينا فجيعة إنهيار الاتحاد السوفيتي ومعه المعسكر الاشتراكي في العام 1991.

جريدة "الأخبار"
عشر سنوات على أحداث درعا... آلية تشكّل الأزمة السورية
محمد سيد رصاص .الجمعة 19 آذار 2021
لم يلحق الرئيس السوري، مع الانفجار المجتمعي السوري البادئ منذ أحداث مدينة درعا في 18آذار/ مارس2011، بالرئيسين التونسي والمصري عندما سقطا في الشهرين الأول والثاني من العام، وكان وضعه أفضل من الرئيسين اليمني والليبي بعد انفجار مجتمعَيْهما في شباط/ فبراير.
في تونس ومصر وقف الجيش على الحياد مع بدء الانفجار المجتمعي وفي منتصفه ثم ضغط على رأس السلطة للتنحي، كما أن الراعي الدولي للسلطتين التونسية والمصرية، أي واشنطن، كان في النهاية مع التنحي. في ليبيا واليمن انقسم الجيش، وكان الراعي الدولي والإقليمي، أي الولايات المتحدة والسعودية، مع تنحي الرئيس اليمني، وكان المبعوث الدولي المكلف بالمسألة اليمنية ضد عناده بالبقاء، فيما وقف الغرب الأميركي - الأوروبي مع إزاحة معمر القذافي، وتخلّت موسكو عنه عند إصدار القرار الدولي1973في 17آذار/ مارس2011 الذي كان غطاءً لتدخل حلف الأطلسي- الناتو في ليبيا. كانت المعارضة في البلدان الأربعة قوية وقاعدة السلطة ضعيفة من الناحية الاجتماعية.
في سوريا ظلّ الجيش تحت قيادة السلطة السياسية ولم يقف موقفاً مضاداً لها أو يقف على الحياد بتأثير نشوب الاحتجاجات الاجتماعية المعارضة، وكانت انشقاقات الضباط وصف الضباط والجنود السوريين جزئية وسطحية وليست عميقة في بنية المؤسسة العسكرية. السلطة السورية كانت لها قاعدة اجتماعية أقوى من السلطتين التونسية والمصرية، والمعارضة السورية كانت أضعف من تونس ومصر وحتى من اليمن وليبيا، وفي مجتمع متنوّع دينياً وطائفياً وتوجد فيه أقلية قومية كردية، كان من الصعب أن تنتصر معارضة كان يتزعّمها الإسلاميون أو هم أصبحوا في صفها الأول أو يمسكون بمقود باص المعارضة منذ خريف2011. كان للسلطة السورية تأييد كاسح عند الأقليات الدينية والطائفية(25%من السكان)وكان لها تأييد كبير عند التجار والصناعيين في مدينتَي دمشق وحلب وباقي المدن السورية وأغلبهم من السُّنة، وكانت فئة رجال المؤسسة الدينية السنية مع السلطة وهي التي يسودها التفكير الأشعري- الصوفي الذي يرى «المناصحة أفضل من الخروج على الحاكم» أو الحصول على المكاسب الثقافية مقابل التأييد السياسي، كما نجد تأييداً حذراً للسلطة كان موجوداً في عام 2011 عند أغلب الفئات الوسطى من السُّنة. المسافة التي للسلطة السورية عن واشنطن كانت ميزة لها وليست عاملاً سلبياً لها ، أولاً من حيث أنها، رغم تقارب باراك أوباما من دمشق في عامَي 2009و2010، لم تؤدّ إلى وجود قوة ضغط دولية مؤثرة في داخل بيت السلطة كما في حالتَي زين العابدين بن علي وحسني مبارك تدفع أطرافاً في السلطة للتحرك أو للضغط على رأس السلطة للتنحي، وأيضاً هذه المسافة التي للسلطة السورية عن الأميركيين قد دفعت طهران وموسكو لكي تشكّلا سنداً للسلطة السورية وخاصة مع تشكّل استقطاب أميركي- أوروبي- تركي- خليجي ضد السلطة السورية اكتملت ملامحه في شهر آبأغسطس2011.
هذه العوامل للقوة عند السلطة السورية قد جعلتها لا تميل للتنازل أمام الحراك المعارض في الشارع، وكان هذا واضحاً في خطاب الرئيس السوري في 30آذارمارس2011، ثم مع نزول الجيش إلى مدينة درعا ومنطقة حوران في 25نيسان/ أبريل، حيث اختارت السلطة طريق المجابهة العنيفة، مع تنازلات جزئية، للحراك المعارض الذي امتد في ربيع وصيف 2011 بسرعة من درعا وحوران إلى ريف دمشق ومدن اللاذقية وحماة (قبل انكفاء هاتين المدينتين عن الحراك في خريف2011) وحمص ودير الزور وإلى أرياف محافظات حمص وحماة وإدلب وحلب ودير الزور. لم تستطع السلطة السورية عبر المجابهة العنيفة للحراك المعارض أن تنهيه أو تهزمه أمنياً- عسكرياً، كما حصل من قبل السلطة السورية في أحداث 1979-1982،حيث كان من الواضح أن هناك قاعدة اجتماعية أقوى وقادرة على الاستمرار تمنع إمكانية سحق أو إنهاء الحراك المعارض وهزيمته، ولكن هذه القاعدة الاجتماعية للحراك السوري المعارض قد كان من الواضح أنها لا تعطيه القدرة الذاتية على إسقاط السلطة السورية ولا على إجبارها على التنازل عبر تسوية حل وسط من خلال حل انتقالي في سلطة انتقالية تتشارك فيها السلطة والمعارضة كما طرحت (هيئة التنسيق) في مؤتمر حلبون في 17أيلول/ سبتمبر 2011 وهو ما خالفت الهيئة فيه باقي المعارضين.
في أيلول/ سبتمبر2011 كان من الواضح أن هناك توازناً يمنع انتصار السلطة ويمنع انتصار الحراك المعارض، وقد كان جلياً أنهما لا يملكان الرغبة والميل نحو التسوية والحل الوسط. تعزّز هذا الميل لعدم التنازل عند المعارضة مع دعوة الرئيس الأميركي للرئيس السوري بالتنحي في 18آب/ أغسطس، لكنها كانت تدرك عدم قدرتها على تحقيق ذلك بوسائلها الذاتية ولو مع وجود دعم دولي- إقليمي، لذلك بدأت في تلك الفترة الدعوة عند أغلبية المعارضة السورية (من دون هيئة التنسيق) للتدخل العسكري الخارجي ولو تحت قناع «المناطق الآمنة»، وكان الاتجاه بالتزامن مع ذلك عند أولئك المعارضين نحو العمل المسلح المعارض(منذ خريف 2011) هو من أجل إنشاء حرائق سورية تأتي القوى الدولية للتدخل بذريعتها. بالمقابل تعزّز هذا الميل للمجابهة عند السلطة السورية مع الفيتو الروسي في 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر2011 الذي أعلنت من خلاله موسكو في مجلس الأمن أنها لن تكرر في سوريا ما فعلته قبل سبعة أشهر تجاه ليبيا، وبالتالي تختار الانخراط مع السلطة السورية، بالتعاون مع إيران، في مجابهة الحلف الأميركي - الأوروبي - التركي - الخليجي على الأرض السورية.
ما جرى بين يومَي 18آذار/ مارس2011 و 4 تشرين الأوّل / أكتوبر2011، قد أنشأ تشكيلاً لأزمة سورية، بدأت داخلية وظلت كذلك حتى العشرية الأولى من الشهر الثامن من العام عندما أعلنت تركيا والسعودية الافتراق والمجابهة مع السلطة السورية لتصبح إقليمية وخاصة مع وجود دعم إيراني للسلطة السورية كان واضحاً منذ ربيع 2011، ثم أصبحت أزمة دولية في 18آب أغسطس مع دعوة باراك أوباما للرئيس السوري بالتنحي ومع الفيتو الروسي في نيويورك في 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر، مع إعلان «جبهة النصرة»، وهي امتداد لـ»تنظيم القاعدة»، عن نفسها في 23كانون الثاني/ يناير2012 أصبح هناك طابق منظمات دولية عابرة للحدود هو الطابق الرابع من بناء الأزمة السورية بطوابقه الثلاثة الداخلية - الإقليمية - الدولية، وقد كانت هناك منظمات عابرة للحدود تتبع طهران انخرطت في الصراع السوري متمثلة في تنظيمات عسكرية شيعية عراقية وأفغانية، قبل أن ينخرط حزب الله في الصراع السوري منذ نيسان/ إبريل2013. في هذا الصدد كان لافتاً وفي بلاغ رسمي أن يعلن حلف الأطلسي - الناتو في أول تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 أن «لا نية له بالتدخل العسكري في سوريا». كان يعني هذا أن لا تكرار للسيناريو الليبي عندما حسم (الناتو) الصراع المسلح الداخلي الذي كان يميل لمصلحة القذافي، وجعل الساحة السورية في أزمة مفتوحة يتم عبر نارها المشتعلة الإتيان بطناجر طبخات متعددة يتم إنضاجها على النار السورية المشتعلة بفعل تغذية داخلية وخارجية.
هنا، الأزمة تشكّلت داخلياً بفعل استعصاء توازني يمنع طرفَي الصراع من الحسم لمصلحة أيّ منهما، ومن عدم وجود ميل عندهما للتسوية. أصبحت أزمة إقليمية- دولية متراكبة مع الداخلي بفعل انخراط دول إقليمية ودولية متخندقة في خندقَي الصراع السوري تريد منع دول إقليمية ودولية من تحقيق أجنداتها ضدها، أو أجندات غير مرغوبة منها، عبر الساحة السورية.كان دخول «النصرة»، ثم «داعش» الذي تأسّس في 9 نيسان/ أبريل 2013، عاملاً مؤثراً في رسم مواقف قوى دولية وإقليمية تجاه الصراع في سوريا وعلى سوريا.
في هذا الصدد، هناك أزمات تُترك مفتوحة، وهناك أزمات يتم إغلاقها بسرعة بعد أن تُترك مفتوحة لفترة من الزمن، كما في ليبيا أغسطس2020- فبراير2021، بعد أن تُركت الأزمة الليبية مفتوحة منذ صيف 2014. كان من الواضح أن هناك رغبة دولية – إقليمية بترك الأزمة السورية مفتوحة منذ عام 2012 ومصير (بيان جنيف1) الصادر في 30حزيران يونيو 2012 والقرار 2254 الصادر في 18كانون الأول/ ديسمبر2015، من حيث تركهما بوضعية (لا معلق ولا مطلق)، يوحي إلى ذلك.
يبدو أن السبب في هذا، يعود إلى أن تغيير المشهد السوري أو التسوية الدولية- الإقليمية- الداخلية لأزمته ستكون لهما آثار بالغة دولياً وإقليمياً أبعد من تغيير عراق2003. التغيير السوري عام2011 كان سيولد تغييرات لمصلحة المحور الأميركي- الأوروبي- التركي- الخليجي، وهو ما لم تكن تريده موسكو وطهران، وكان سيولد تغييرات في مشهد الصراع العربي- الإسرائيلي ،وهو ما لم تكن تريده طهران الممتدّة للصراع من خلال لبنان وقطاع غزة، وكان هذا التغيير سيزعزع تركيبة عراق ما بعد 9 نيسانأبريل2003 ولبنان ما بعد7 أيارمايو 2008، وهو ما لم يريده الإيرانيون، وكان هذا التغيير سيولد فراغاً في الجغرافية السورية أو بعضها، كما حصل في عراق ما بعد صدام حسين، يجعل الإسلاميين، ومنهم «تنظيم القاعدة»، على الحدود مع إسرائيل، وهو ما لم تكن تريده تل أبيب وواشنطن، وكان هذا التغيير من الممكن أن يجعل جماعة الإخوان المسلمين في صدارة المشهد السوري كما حصل في قاهرة ما بعد حسني مبارك، وهو ما كان لا تريده السعودية لأنه سيؤثر على الوضع الداخلي هناك، وعلى الأرجح أن انخراط السعودية في الصراع السوري كان لمنع ذلك من خلال إحداث توازنات في المعارضة تمنع (الإخوان)من تصدّر المشهد المعارض، وهو ما رأيناه في جهود الرياض لتوسعة «الائتلاف» في أيار/ مايو 2013.
كل ما سبق، جعل مصالح الأطراف الدولية والإقليمية، المتصارعة في سوريا وعلى سوريا، تتفق وتتلاقى على ترك الأزمة السورية مفتوحة لما يقارب تسع سنوات ونصف سنة من الزمن حتى الآن، بعد أن تشكّلت الأزمة السورية في عملية زمنية استغرقت ستة أشهر ونصف شهر.
----------------------------------------------------------------------------------------------

https://7areer.com/

- عن رسالة الحسن بن طلال إلى الإسرائيليين -
1مارس2021
- لميس اندوني -
لم يفق الأردنيون من محاولة فهم رسالة الملك عبدالله الثاني إلى مدير دائرة المخابرات العامة، أحمد حسني، ووعدت ضمنياً بوقف التدخل الأمني في الحياة السياسية في الأردن، حتى نزلت عليهم صاعقة دعوة الأمير حسن بن طلال الإسرائيليين إلى إكمال مسيرة “السلام بين الشعوب” التي تبدأ من الأسفل إلى الأعلى، من دون ذكر الاحتلال أو القضية الفلسطينية، وكأن المسألة لا تتجاوز خلافات حدودية وصراعات دينية.
دعا الأمير، وبكل صراحة، إلى إحياء فكرة “البينولكس” التي اتفق عليها عمّ والده الملك فيصل الأول (توفي في 1933) مع رئيس المنظمة الصهيونية حاييم وايزمان (أول رئيس لدولة إسرائيل لاحقا) عام 1919، بين الأردن وكل الأراضي التي يعيش بها مسلمون ومسيحيون ويهود، لتنظيم تعايشٍ لا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، بل كحل “للمسألة الفلسطينية”، وبالأصح لأزمة إسرائيل بوجود فلسطينيين في الأرض التي اختارتها الحركة الصهيونية لإقامة مستعمرتها العنصرية، وكأن عقودا من النضال الفلسطيني لم تكن، وشُطبت بجرّة قلم.
الملفت في رسالة الأمير حسن التي نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن كاتبها مثقف يمتاز بالعمق، ويعي أبعاد المعاني التي تضمنتها دعوته، فالقول إن المسيرة يجب أن تبدأ باتفاق على مشاركة مصادر المياه وتقاسمها، إضافة إلى أن لهجة الرسالة وضعت إسرائيل في مصاف أي دولة في المنطقة، بما يتجاوز معاهدة وادي عربة التي وقعها الأردن مع إسرائيل عام 1994، وهي المجحفة بحق الأردن أصلاً، إلى تقديم خطّة لاندماج إسرائيل في المنطقة، وكأنها دولة أصيلة، لم تُبن على الاستعمار الإحلالي المستمر وبوحشية ضد الفلسطينيين، ولا تشكّل خطرا استراتيجياً على أمن الأردن واستقراره ومستقبله. ومبعث الاستغراب هنا أن كاتب الرسالة رجلٌ، كما أعرف جيداً، درس الصهيونية وملم بالقانون الدولي والإنساني، وهذا أخطر ما في الموضوع.
السؤال الأهم ما هو موقف الملك عبد الله الثاني؟ لا يمكن أن يكون ولي العهد الأردني الأسبق قد فكّر برسالة كهذه من دون علمه، وقد تكون بالون اختبار لردة فعل الإسرائيليين والأميركيين أنفسهم، يقرّر على إثرها الملك تبنّيها رسميا أو تجاهلها. ولكن حتى لو كانت كذلك، فإنها أسست لروايةٍ خطيرةٍ، تضرب حقوق الأردن والفلسطينيين معاً، فإذا تخلّى الأردن الرسمي عن رواية النكبة والاحتلال وسرقة مياه الأردن وكل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، فلن يبقى إلا التجبّر الإسرائيلي، ويفقد الأردن أي قدرةٍ على الاستنجاد بالقوانين والمواثيق الدولية، فعلى الرغم من أن الأمير يدعو إلى حلول تعتمد على أسس القانون الدولي، فإن خطته تتخلى مسبقا عن هذه الأسس، بدعوتها إلى مشاركة إسرائيل الغاز والنفط والمياه، أي يعطي ضمنيا الحق لإسرائيل بالمصادر الطبيعية والثروات في الأراضي التي احتلتها والتي لم تحتلها. عدا عن أن الرسالة تبرئ إسرائيل، في الدعوة التي تتضمنها إلى وقف تبادل اللوم “بين الطرفين”، وهذا تعبير نسمعه عادة من المسؤولين الأميركيين بغرض حماية إسرائيل وعدم معاقبتها أو الضغط عليها، أي أن إدانة مصادرة الأراضي الفلسطينية، وبناء المستوطنات، وهدم البيوت وتهويد القدس، تصبح جزءا من “لعبة تبادل اللوم”، وبالتالي مضيعة للوقت!
يقترح حسن بن طلال حلاً على أساس إقامة الدولتين، الإسرائيلية والفلسطينية، في وقت أصبح واضحاً، ومنذ زمن، “الدولة الفلسطينية” التي ما قد تقبل بها إسرائيل، كيان ممسوخ ومعزول من دون سيادة، تتحكّم إسرائيل بمنافذه وبسمائه وما تحت الأرض وفوقها، وليس تعبيرا عن حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير. ويعني شطب كل الحقوق التاريخية والقانونية، وأهمها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. والسؤال هنا: لماذا يقبل الأردن إعطاء هدايا مجانية تزيد إضعاف موازين القوى المختلة أصلاً؟ كيف يمكن دعوة الأردن الفلسطينيين إلى التخلي عن كل أوراقهم، وبعد ذلك نتحدّث عن حل يقبله الفلسطينيون، إلا إذا كان لا مكان لرأي الفلسطينيين أصلاً؟
وماذا تعني جملة ” تقسيم القدس مع مراعاة الديانات الإبراهيمية (الإسلام واليهودية)” من دون ذكر المقدسات المسيحية؟ هل يعني الاعتراف بهيكل سليمان وحائط المبكى، ووضع المقدسات الدينية، بما فيها المسيحية، تحت إشراف السلطات الدينية؟ وماذا عن السيادة على القدس؟ والقدس ليست بمقدساتها فحسب، بل أيضاً بأهلها الذين يتعرّضون لتطهير عرقي يومي لتهجير أهلها وتهوديها، أو أن هذا كلام يعيق “السلام المطلوب”.
الأغرب أن تتبنّى شخصية في مستوى حسن بن طلال دعوة إلى “تجديد شباب القيادة الفلسطينية” في سياق شَرطِي لوجودها في القدس، أو ما تسمح به إسرائيل من أرض القدس. هل عدنا إلى محاولات إيجاد قيادة فلسطينية بديلة تقبل هذا السيناريو؟
للتذكير، تجديد شباب القيادة الفلسطينية بحرية سينتج قيادةً لن ترضى الخنوع، فلا عودة إلى روابط القرى، فالقيادات الفلسطينية الشابة، بل والعربية المؤمنة بالقضية الفلسطينية، تعي حقوق الشعب الفلسطيني، ولا تقبل الانصياع أو الحلول الهزيلة والذليلة. والأمير يعي تماما درجة وعي الشباب الفلسطيني والعربي الذي ما زال متمسّكا بالقضية الفلسطينية، إلا إذا كان الحديث عن قيادات شابّة على قياس ما تريده إسرائيل، فبغض النظر عن نيات الأمير، وأعتقد أنه يريد حماية الأردن والنظام، فلماذا يمكن التصديق أن إسرائيل التي أصبحت أشدّ عنجهية (خصوصا مع معاهدة التطبيع التحالفي مع الإمارات وغيرها) قد تقبل بأي حل يضمن استقرار الأردن؟
قبل فترة، دعت ورقة سياسية للصهيوني الأميركي، ديفيد ماكوفسكي، وهو من المؤثرين في واشنطن، إلى ضم الأردن إلى صفقة تطبيع جديدة مع السعودية، تضمن مكاسب اقتصادية ومالية له، لتسقط تحفّظه على كل ما رفضه الملك عبد الله الثاني سابقا بخصوص القدس، ويعتقد القائمون على معهد واشنطن للشرق الأدنى، وهو صهيوني، أن الأردن يستشعر أن المعاهدات مع الإمارات وغيرها استبعدته من المكاسب وفرص لاستثمارات. وبعد قراءة رسالة الأمير، يتضح أن أوساط الدولة الأردنية تتفق مع فهم ماكوفسكي، ومنزعجة، فالرسالة تتحدّث عن صفقات أنابيب غاز ونفط في معاهدات التطبيع حُرمت من فوائدها الأطراف والشعوب، وأن أي مسيرة لتحقيق سلام شامل يجب أن تضمن توزيع هذه المصادر من مياه وثروات وإيراداتها على الجميع، بمعنى أن عملية إدماج إسرائيل في المنطقة هي شرط الازدهار والتقدّم لدول المنطقة وشعوبها.
جاءت رسالة حسن بن طلال إلى الإسرائيليين، والتي نشرت في “يديعوت أحرونوت”، وسط جدل أردني بشأن رسالة معلنة من الملك عبد الله إلى المخابرات العامة، يطلب منها البقاء في اختصاصها، ما يعني انسحاب الأجهزة الأمنية من التدخل في الحياة السياسية، ثم جاءت رسالة ولي العهد الأسبق لتعمق الشكوك في أن “العملية الإصلاحية” ليست أكثر من ترتيبات للدخول في صفقة جديدة مع إسرائيل، والكلام الفصل لدى الملك.
-------------------------------------------------------------------------------------------------
- خطاب فريدريك انجلز على قبر كارل ماركس -

توفي ماركس يوم 14 مارس 1883. وبعد ثلاثة ايام ألقى انجلز هذا الخطاب باللغة الانجليزية على ضريح ماركس بمقبرة هايغايت بلندن حيث دفن هناك. تكلم انجلز بالانجليزية وظهر الخطاب في صحيفة المانية في ترجمة المانية ثم نشر الخطاب بالانجليزية مترجما عن الالمانية.
...............
في الرابع عشر من مارس وعلى الساعة الثالثة الا ربع ظهرا توقف أعظم مفكر عن التفكير. لقد ترك وحيدا لدقيقتين بالكاد وحينما عدنا وجدناه جالسا في كرسيه نائما في هدوء ولكن الى الابد.
انها خسارة لا تقاس ضربت كلا من الطبقة العاملة المناضلة في اوروبا وامريكا وعلم التاريخ بوفاة هذا الرجل. ان الثغرة التي نجمت عن رحيل هذه الروح العظيمة ستبرز بجلاء قريبا.
فمثلما اكتشف داروين قانون تطور الطبيعة العضوية اكتشف ماركس قانون تطور التاريخ البشري: الحقيقة البسيطة التي تخفيها هيمنة الايديولوجيا و هي ان الانسان يجب اولا أن يأكل و يشرب و يجد المأوى و الملبس قبل ان يصبح في استطاعته الاهتمام بالسياسة و العلم و الفن و الدين الخ... و بالتالي فان انتاج الوسائل المادية الضرورية للعيش و من ثمة درجة التطور الاقتصادي المحققة من طرف شعب ما او في حقبة ما تشكل الاساس الذي تقوم عليه مؤسسات الدولة و المفاهيم الشرعية و الفن و حتى الافكار حول الدين التي يختص بها هذا الشعب او ذاك و على ضوئها يجب ان تفسر و ليس العكس كما هو الحال.
ولكن ليس هذا كل ما في الامر. فقد اكتشف ماركس ايضا القانون الخاص بالحركة الذي يحكم نمط الانتاج الرأسمالي لعصرنا والمجتمع البرجوازي الذي خلقه هذا النمط من الانتاج. ان اكتشاف فائض القيمة سلط الضوء فجأة على المشكلة محاولا حل ما عجزت عن حله جميع البحوثات السابقة من لدن الاقتصاديين البرجوازيين وكذلك النقاد الاشتراكيين.
ان هذين الاكتشافين لأمر كاف في حياة شخص. وسيكون سعيدا ذاك الذي يتسنى له تحقيق ولو احدى هذين الاكتشافين.
علاوة على ذلك فانه وفي كل حقل بحث فيه ماركس – ولئن بحث في حقول عديدة ولم يكن ذلك بسطحية في اي منها -حتى في حقل الرياضيات قام ماركس باكتشافات مستقلة.
هكذا كان ماركس رجل علم. الا ان ذلك لم يكن يمثل ولو نصف هذا الرجل. لقد كان العلم بالنسبة لماركس حركية-دينامية-تاريخية وقوة ثورية. ومهما كان سروره عظيما باي اكتشاف جديد في العلوم النظرية ولئن كانت تطبيقاتها مستحيلة البلوغ فانه كان يعيش سرورا من نوع اخر حين يشمل الاكتشاف الجديد تغييرا ثوريا مباشرا في الصناعة وفي التطور التاريخي عموما. فعلى سبيل المثال كان متابعا عن قرب لتطور الاكتشافات المحققة في مجال الكهرباء واخرها تلك لمارسال دوبريMarcel Deprez.
كان ماركس قبل كل شيء ثوريا. وكانت مهمته الاولى في الحياة المساهمة بطريقة او بأخرى في الاطاحة بالمجتمع الرأسمالي وبمؤسسات الدولة التي جلبها معه وكذلك المساهمة في تحرير البروليتاريا الحديثة الذي كان اول من جعلها تعي بموقعها وحاجاتها وتعي بشروط تحررها. لقد كان الكفاح امرا اساسيا بالنسبة له فكافح بحب وعزم ونجاح لا ينافسه فيهم الا قليلون. وكان عمله في الجريدة الرينانية الاولى-1842-وفي الى الامام الباريسية-1844*Vorwarts -وفي جريدة البروكسالي-Brussler -الالمانية-1847 – وفي الرينانية الجديدة-1848-1849. و في التريبيون النيويوركية-New York Tribune-1852-1861. وبالاضافة الى ذلك اشرافه على نشريات نضالية وعمله في منظمات في باريس وبروكسال ولندن واخيرا توج كل ذلك بتكوينه جمعية الرجال العاملين العالمية. كان ذلك انجازا بإمكان محققه ان يفخر به حتى ولو لم ينجز شيئا غيره.
وكنتيجة لذلك كان ماركس أفضل المكروهين وأكثر المشهرين بهم في عصره فقامت حكومات مطلقة وجمهورية على حد السواء بترحيله عن اراضيها وتنافس البرجوازيون من المحافظين او من اقصى الديمقراطيين بالتشهير والثلب لشخصه. لقد ازاحوا ماركس كما تزاح خيوط العنكبوت. لكن لم يعر ماركس اهتمامه بذلك ولم يرد الا عندما دعته الضرورة الى الرد. ومات محبوبا ممجدا ونعته الملايين من العمال الثوريين-من مناجم سيبيريا الى كاليفورنيا وفي كافة انحاء اوروبا وامريكا.
ولمن المهم القول انه برغم خصومه العديدين فبالكاد ان كان له عدو شخصي واحد.
سيخلد اسمه على مر العصور وكذلك اعماله!
------------------------------------------------------------------------------------------------
- حوار مهم مع رفاقنا النقابيين -
- ليون تر وتسكي -
(ترجمة رامز مكرم باكير)
عثرت على هذا المقال القيم في كتاب الماركسية والاناركية، والذي يحتوي على مقالات ومخطوطات قيمة لانجلز وتروتسكي ولينين، وأيضاً مقالات للرفيق آلان ودز، الطبعة الصادرة في نيسان/ابريل من عام ٢٠١٥، من دار نشر (Wellred books) بعنوان، حوار مهم مع رفاقنا النقابيين، ليون تروتسكي ص٢٠٣-ص٢٠٧.
-------------------
(كُتب هذا المقال في يوم ٢٣ آذار/مارس من عام ١٩٢٣، ردًا على الرفيق لوزون، بعد المؤتمر العالمي الرابع للأممية الشيوعية. في ذلك الوقت، كان هناك مزيد من الاهتمام بالنضال ضد اليمين الاشتراكي. في هذا النضال كانت الجهود الشيوعية ولا تزال متحدة مع مذاهب النقابيين، وفضلت تأجيل نشر هذا المقال. نحن مقتنعون تمامًا بأن تضامننا ووعينا بمطالب النقابيون الثوريون لن يموت أبدًا. لقد كان يومًا رائعًا بالنسبة لنا عندما دخل صديقنا القديم مونات إلى الحزب الشيوعي. تحتاج الثورة إلى أناس من هذا النوع. ولكن سيكون من الخطأ دفع ثمن هذا التقارب بخلط الأفكار. وفي الأشهر الأخيرة، تم تطهير الحزب الشيوعي الفرنسي وتوطيده؛ وقد حان الوقت الان للدخول في نقاش هادئ وودي مع رفاقنا النقابيين، حيث بجانبهم ويداً بيد سيكون لدينا الكثير من الأعمال التي يتعين علينا القيام بها والعديد من المعارك التي يجب ان نخوضها. - ملاحظة تر وتسكي]

في سلسلة من المقالات والتفسيرات الشخصية، طرح الرفيق لوزون وجهات نظر حول المسائل الرئيسية للعلاقات بين الحزب والنقابة والتي تختلف اختلافاً جذريًا عن آراء الأممية الشيوعية وعن الماركسية. إن الرفاق الفرنسيين الذين اعتدت أن أحترم آرائهم، يتحدثون بتقدير كبير عن الرفيق لوزون وتفانيه في خدمة البروليتاريا. ولذلك، من الضروري للغاية تصحيح الأخطاء التي ارتكبها في مثل هذه المسالة المهمة.
الرفيق لوزون يدافع عن الاستقلال التام وغير المشروط للنقابات العمالية.
ضد ماذا؟ من الواضح ضد هجمات معينة.
ومن من؟ من الهجمات المنسوبة للحزب. استقلالية النقابات العمالية هي ضرورة لا جدال فيها، ولكن قام لوزون بمنحها أهمية مطلقة ومقدسة. ورفيقنا هنا يقتبس من ماركس، بشكل خاطئ تمامًا. يقول لوزون، إن النقابات العمالية تمثل "الطبقة العاملة ككل. ومع ذلك، فإن الحزب ليس سوى حزب. ولا يمكن إخضاع الطبقة العاملة ككل للحزب. ولا يوجد حتى مجال للمساواة بينهم. وإن الطبقة العاملة لها اهدفها المستقلة عن الحزب"

إن التمثيل المتبادل للأممية الشيوعية والاتحادات العمالية الحمراء والذي كان قائماً حتى آخر مؤتمر في موسكو بحسب لوزون، يجسد مساواة فعلية بين الحزب والطبقة. وقد تم إلغاء هذا التمثيل المتبادل. وبذلك يستأنف الحزب دوره كمجرد خادم او تابع مرة أخرى. الرفيق لوزون يوافق على هذا. ووفقًا له، كانت هذه أيضًا وجهة نظر ماركس.
ان نهاية التمثيل المتبادل بين الأممية السياسية والنقابية في بعضها البعض، بالنسبة للوزون هنا تكمن بالعودة إلى مبادئ الماركسية. هذا هو جوهر المقال الذي ظهر في La Vie Ouvrie ef في يوم ١٥ تشرين الأولديسمبر.

الشيء الأكثر إثارة للدهشة في هذا وغيره هو أن الكاتب من الواضح، وبكامل وعيه وحزمه، يغلق عينيه على ما يحدث بالفعل في فرنسا. وإلا فكيف يمكن فهم اصراره على تمثيل النقابات العمالية للطبقة العاملة ككل؟ عن أي بلد يتحدث لوزون؟ إذا كان يقصد فرنسا، فإن النقابات العمالية هناك، على حد علمنا، لا تشمل للأسف حتى نصف الطبقة العاملة. وقد أدت المناورات الإجرامية للنقابيين الإصلاحيين، المدعومة يسارياً من قبل بعض الفوضويين الاناركيين، إلى انقسام المنظمة النقابية الفرنسية. لا يضم أي من الاتحادين النقابيين أكثر من ٣٠٠.٠٠٠ عامل. ولا يحق لهم، سواء منفردين أو مجتمعين، ان يعرّفو أنفسهم على انهم يمثلون كل البروليتاريا الفرنسية والتي يشكلون جزءًا متواضعًا منها. علاوة على ذلك، تتبع كل منظمة نقابية سياسات واجندات مختلفة.

فمثلاً يعمل الاتحاد النقابي الإصلاحي " [Conféderation Générale du Travail (CGT) بالتعاون مع البرجوازية،

ويعمل الاتحاد العام الموحد للعمل [Conféderation Générale du Travail Unitaire (CGTU)] وفق تنظيم ثوري الى حد كبير.

ولكن ما الذي يقصده بتأكيده على أن الطبقة العاملة، التي يعتبرها بوضوح مرادفة للتنظيمات النقابية، بقوله انها "تحمل هدفها الخاص في ذاتها؟"، وبمساعدة من؟ وكيف تعبر الطبقة العاملة الفرنسية عن هذه الأهداف؟ بمساعدة منظمة جوهاوكس؟ بالتأكيد لا. بمساعدة "CGTU"؟ لقد قدمت "CGTU"بالفعل خدمات رائعة. لكن لسوء الحظ هي ليست الطبقة العاملة بأكملها بعد. من يمثل مصالح الطبقة العاملة أفضل تمثيل؟ ومن يحكم على عملها؟ إذا حاولنا الآن، وبمساعدة التجربة الأممية لحزبنا، الإجابة على هذا السؤال، فعندئذٍ وبرأي لوزون. فأننا نرتكب خطيئة اخلاق مميتة، فقط لأننا نطالب بأن يحكم الحزب على السياسة الأكثر نفعاً لمصلحة الطبقة العاملة. أي أننا نضع الحزب فوق الطبقة العاملة. لكن إذا لجأنا إلى الطبقة العاملة ككل، فسنجدها للأسف مقسمة وعاجزة، ومكتومة الفم. وكونه هناك فصائل مختلفة من الطبقات المنظمة في الاتحادات مختلفة، وحتى نقابات مختلفة في نفس الاتحادات، وحتى المجموعات المختلفة في نفس القطاعات، فهذا حتماً سيؤدي الى ردود افعال مختلفة. لكن الأغلبية الساحقة من البروليتاريا، التي تقف خارج الاتحاديات النقابية، لن تقدم لنا، في الوقت الحاضر، أي رد على الإطلاق. لا توجد دولة تحتضن ضمنها المنظمات النقابية الطبقة العاملة بأكملها. لكن في بعض البلدان تضم على الأقل قسمًا كبيرًا جدًا من العمال. لكن هذا ليس هو الحال في فرنسا.
إذا كان على الحزب، كما يعتقد لوزون، ألا "يضم" الطبقة العاملة (ما الذي يُفترض أن يعنيه هذا المصطلح في الواقع؟)، ولماذا يعطي الرفيق لوزون هذا الحق للنقابيين؟ قد يجيب: "تنظيمنا النقابي لا يزال ضعيفًا. لكننا لا نشك في مستقبله ونصره النهائي. " لذلك يجب أن نجيب على هذا:" بالتأكيد؛ نحن أيضًا نشارككم هذه القناعة. ولكن ليس لدينا سوى القليل من الشك في أن الحزب أيضًا سيفوز بالثقة غير المشروطة للغالبية العظمى من الطبقة العاملة ". ليس للحزب ولا للنقابات حق "ضم" البروليتاريا -فمن الخطأ أن يستخدم لوزون المصطلحات التي يستخدمها خصومنا عادة في كفاحهم ضد الثورة -إنها مسألة كسب ثقة الطبقة العاملة. ومن الممكن فقط القيام بذلك بالتكتيكات والاستراتيجيات الصحيحة، التي تم اختبارها بالتجربة. أين ومن الذي سيخطط لهذه التكتيكات بوعي وحذر وبصورة نقدية؟ ومن سيقترحها على الطبقة العاملة؟ بالتأكيد لن تسقط من السماء والطبقة العاملة ككل، "كشيء بحد ذاته"، لن تعلمنا هذه التكتيكات أيضًا. يبدو لنا أن الرفيق لوزون لم يواجه او يحاول الرد على هذا السؤال. إن للبروليتاريا هدفها داخل نفسها. "إذا جردنا هذه الجملة من الزخارف العظيمة، فإن معناها الواضح هو أن المهام التاريخية للبروليتاريا يحددها وضعها الاجتماعي كطبقة ودورها في الإنتاج، وفي المجتمع، وفي الدولة. هذا أمر لا جدال فيه. لكن هذه الحقيقة لا تساعدنا في الإجابة على السؤال الذي يهمنا، وهو: كيف يمكن للبروليتاريا أن تصل إلى نظرة ذاتية للمهمة التاريخية من خلال موقعها الموضوعي؟ هل كانت البروليتاريا هي نفسها ككل قادر على فهم مهمته التاريخية على الفور، هي لن تحتاج إلى أن يولد حزب ولا نقابات، هي تحتاج الى ثورة بروليتارية.
ولكن واقعياً، فإن هؤلاء التي ستكتسب البروليتاريا من خلالهم نظرتها الثاقبة لمهمتها التاريخية والطويلة جدًا والمؤلمة جداً، والمليئة بالتناقضات الداخلية، والمحاكمات الشديدة، والخبرة الواسعة، فإن تلك البصيرة والأساليب الصحيحة ستنبثق في عقول ووجدان أفضل من في هذه الطبقة العاملة، طليعة الجماهير. وهذا ينطبق بالتساوي على الحزب والنقابات.
تبدأ النقابة دائماً كمجموعة صغيرة من العمال الناشطين وتنمو تدريجيًا خبرتهم باكتساب ثقة الجماهير. لكن بينما تكافح المنظمات الثورية من أجل كسب النفوذ في الطبقة العاملة، ودائماً ما نجد الأيديولوجيين البرجوازيين يعارضون.
يعارض الإيديولوجيون البرجوازيون الطبقة العاملة عند طرحها كموضوع للذات الواعية للطبقة العاملة. لأنه فقط من خلال الأقلية الواعية للطبقة العاملة تصبح الطبقة العاملة بالتدريج عاملا فاعلا في التاريخ. وهكذا نرى أن النقد الذي وجهه الرفيق لوزون ضد "الادعاءات غير المبررة" للحزب ينطبق بنفس القدر على "الادعاءات غير المبررة" للنقابات العمالية خصوصاً في فرنسا.

بالنسبة للنقابات الفرنسية -كانت ولا تزال، في تنظيماتها ونظريتها، أحزاباً أيضًا. وهذا أيضًا سبب قوتها الجماهيرية. خلال فترته الكلاسيكية (١٩٠٥-١٩٠٧)، وبحسب نظرية "الأقلية النشطة"، وليس في نظرية "البروليتاريا الجماعية". فماذا يمكن أن تكون هذه الأقلية فاعلة، المتماسكة بوحدة أفكارها، إن لم تكن حزباً؟ ومن ناحية أخرى، ألن تكون المنظمة النقابية الجماهيرية، التي لا تحتوي على أقلية نشطة واعية طبقيًا، منظمة رسمية بحتة ولا معنى لها؟ تأكدت حقيقة أن الحركة النقابية الفرنسية كانت حزبا من خلال الانقسام الذي حدث بمجرد ظهور الخلافات في وجهات النظر السياسية في صفوفها. لكن النقابية الثورية دائماً تخشى النفور الذي تشعر به الطبقة العاملة الفرنسية من الأحزاب في حد ذاتها. لذلك لم تتخذ اسم الحزب، وظلت غير مكتملة من حيث التنظيم. إنه حزب حاول دمج أعضائه في عضوية النقابات العمالية، أو على الأقل الاحتماء وراء النقابات العمالية. وهكذا فإن الخضوع الفعلي للنقابات العمالية لبعض الميول والفصائل وحتى الجماعات النقابية يتم تفسيره. وهذا أيضًا تفسير "الميثاق"، وهو رسم كاريكاتوري ماسوني لحزب داخل حضن المنظمة النقابية. والعكس صحيح.
لقد كافحت الأممية الشيوعية بأقصى قدر من الحزم كل اشكال الانقسام في الحركة النقابية في فرنسا، وتحولها الفعلي إلى أحزاب نقابية. كان الاعتبار الرئيسي للأممية الشيوعية هو المهمة التاريخية للطبقة العاملة ككل، والأهمية المستقلة الهائلة للمنظمة النقابية في حل مشاكل البروليتاريا. في هذا الصدد، ودافعت الأممية الشيوعية منذ بدايتها عن الاستقلال الحقيقي والحي للنقابات بروحها الماركسية. ان نظرية "الأقلية النشطة" من الحزب، قبل أن تصبح حزباً بشكل علني. هي التي ستجعل النقابات العمالية من أن تصبح، منظمة وممثلة للطبقة العاملة بأكملها (وهو أمر غير ممكن في نظام رأسمالي)، او على الأقل على مستوى الجماهير العريضة.
لا يجب على الشيوعيين ان يخافون من كلمة "حزب"، لأن حزبهم ليس لديه أي شيء مشترك، ولن يكون له أي شيء مشترك، مع الأحزاب الأخرى. حزبهم ليس واحداً من الأحزاب السياسية في النظام البرجوازي للدولة. إنها الأقلية النشطة الواعية طبقياً من البروليتاريين، بل انها طليعتهم الثورية. ومن ثم فإن الشيوعيين ليس لديهم سبب، سواء في أيديولوجيتهم أو تنظيمهم، للاختباء وراء النقابات العمالية. إنهم لا يسيئون استخدام النقابات العمالية ويكيدون المكائد لها. إنهم لا يقسمون النقابات العمالية عندما يكونون أقلية فيها. إنهم لا يزعجون بأي شكل من الأشكال التطور المستقل للنقابات العمالية، وهم يدعمون النضال النقابي بكل قوتهم. لكن في الوقت نفسه، يحتفظ الحزب الشيوعي بالحق في إبداء رأيه في جميع المسائل في حركة الطبقة العاملة بما في ذلك المسألة النقابية، وانتقاد التكتيكات النقابية، وتقديم مقترحات محددة إلى النقابات العمالية، والتي يبقى لجزء منها الحرية في قبول أو رفض هذه المقترحات. كما ان الحزب سعى دائماً إلى كسب ثقة الطبقة العاملة.
ما معنى اقتباسات ماركس للرفيق لوزون؟ إنها حقيقة أن ماركس كتب عام ١٨٦٨ أن حزب العمال سيخرج من النقابة. عندما كتب هذا كان يفكر بشكل أساسي في بريطانيا، في ذلك الوقت كانت بريطانيا الدولة الرأسمالية المتقدمة الوحيدة التي تمتلك بالفعل منظمات عمالية واسعة النطاق. نصف قرن مضى منذ ذلك الحين. وأكدت التجربة التاريخية بشكل عام صدق نبوءات ماركس فيما يتعلق ببريطانيا. لقد تم بالفعل بناء حزب العمال البريطاني على أساس النقابات العمالية. ولكن هل يعتقد الرفيق لوزون حقًا أن حزب العمال البريطاني، كما هو الحال اليوم، بقيادة هندرسون وكلينز، يمكن اعتباره ممثلًا لمصالح البروليتاريا ككل؟ بالتأكيد لا. يخون حزب العمال في بريطانيا العظمى قضية البروليتاريا مثلما تخونها بيروقراطية النقابات العمالية، على الرغم من أن النقابات في بريطانيا تقترب من ضم الطبقة العاملة ككل أكثر من أي مكان آخر. ومن ناحية أخرى، لا يسعنا إلا أن نشك في أن نفوذنا الشيوعي سوف ينمو في حزب العمال البريطاني، وأن هذا سيساهم في زيادة حدة الخلاف بين الجماهير والقادة داخل النقابات العمالية حتى البيروقراطيين الخونة منهم. وسيتم تحويل حزب العمل وتجديده بالكامل. ونحن، مثل الرفيق لوزون، ننتمي إلى أممية تضم الحزب الشيوعي البريطاني الصغير، لكنها تحارب الأممية الثانية المدعومة من حزب العمال البريطاني الذي كان في الأصل قد نشأ من رحم النقابات العمالية.
في روسيا -وفي قانون التطور الرأسمالي، روسيا هي مجرد نقيض لبريطانيا العظمى -الحزب الشيوعي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي السابق، أقدم من النقابات العمالية، وأنشأ النقابات العمالية، اليوم، النقابات العمالية بل والدولة العمالية في روسيا بالكامل تخضع لتأثير الحزب الشيوعي الروسي، الذي لم يكن منشأه بأي حال من الأحوال من النقابات العمالية ولكنه، وعلى العكس من ذلك، هو الذي أنشأها ودربها. هل سيؤكد الرفيق لوزون أن روسيا تطورت بما يتناقض مع الماركسية؟ أليس من الأسهل أن نقول إن حكم ماركس على أصل الحزب في النقابة أثبتت بالتجربة أنه كان صحيحًا بالنسبة لبريطانيا، وحتى أنه لم يكن صحيحًا بنسبة ١٠٠٪؜ في المائة، لكن لم يكن لدى ماركس أبدًا نية على الإطلاق في التصريح عن ذلك.
ما وصفه هو نفسه مرة بازدراء بأنه "قانون فوق تاريخي"؟ تقف جميع دول أوروبا الأخرى، بما في ذلك فرنسا، بين بريطانيا العظمى وروسيا في هذه المسألة. في بعض البلدان تكون النقابات العمالية أقدم من الحزب، وفي بلدان أخرى يكون العكس؛ ولكن لم يظهر حزب البروليتاريا من النقابات في أي مكان، باستثناء بريطانيا وجزئيا في بلجيكا. على أي حال، لم يتطور أي حزب شيوعي بشكل عضوي من النقابات العمالية. لكن هل نستنتج من هذا أن الأممية الشيوعية بأسرها مولودة غير شرعية؟ عندما دعمت النقابات العمالية البريطانية بالتناوب المحافظين والليبراليين ومثلت إلى حد ما ملحقًا عماليًا بهذه الأحزاب، عندما كان التنظيم السياسي للعمال الألمان ليس أكثر من جناح يساري للحزب الديمقراطي، عندما كان أتباع لاسال وآيزناخ يتشاجران فيما بينهما -طالب ماركس باستقلال النقابات العمالية عن جميع الأحزاب. حيث كانت هذه الصيغة التي تمليها الرغبة في مواجهة المنظمات العمالية لجميع الأحزاب البرجوازية، ومنع ارتباطها الوثيق بالفصائل الاشتراكية. ولكن ربما يتذكر الرفيق لوزون أن ماركس هو من أسس الأممية الأولى أيضًا، والتي كان هدفها التحرك في جميع البلدان، ومن جميع النواحي، وجعلها مثمرة. كان هذا هو دليل العمل في عام ١٨٦٤ وكانت الأممية التي أنشأها ماركس حزبًا. رفض ماركس الانتظار حتى يشكل الحزب الدولي للطبقة العاملة نفسه بطريقة ما خارج النقابات العمالية. لقد بذل قصارى جهده من أجل النقابات العمالية، حيث تم التعبير عن تأثير أفكار الاشتراكية العلمية لأول مرة في عام ١٨٤٧ في البيان الشيوعي. عندما طالب ماركس بالنقابات بالاستقلال التام عن جميع الأحزاب والطوائف القائمة، أي عن جميع الأحزاب والطوائف البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، قام بتعزيزها داخل هذا الأمر من أجل تسهيل الاشتراكية العلمية للنفايات العمالية. لم ير ماركس أبدًا في الأحزاب الاشتراكية العلمية احزاماً شبيهة بتلك الأحزاب السياسية الأخرى الموجودة (برلمانية، ديمقراطية، إلخ). بالنسبة لماركس، كانت الأممية هي الطبقة العاملة ذات الوعي الطبقي، والتي كان يمثلها في ذلك الوقت طليعة لا تزال صغيرة جدًا.
إذا كان الرفيق لوزون منغمساً في ميتافيزيقيته النقابية وفي تفسيره وتأويلاته لكارل ماركس، فإنه حتماً سيقول، "دعونا نتخلى عن الحزب الشيوعي وننتظر حتى ينبثق هذا الحزب من النقابات". وسيكون هذا النوع من المنطق قاتلاً، ليس فقط للحزب ولكن للنقابة ايضاً. وفي واقع الحال، لا يمكن للنقابات العمالية الفرنسية الحالية أن تستعيد وحدتها وتفوز بتأثير حاسم على الجماهير إذا شكلت ونظمت أفضل عناصرها في طليعة البروليتاريا الثورية ذات الوعي الطبقي، أي الحزب الشيوعي.
لم يقدم كارل ماركس إجابة نهائية لمسألة العلاقات بين الحزب والنقابات، وبالفعل لم يستطع فعل ذلك. فهذه العلاقة تعتمد على الظروف المتغيرة، فكل حالة لها ظرفه وخصوصيتها. وسواء تم تمثيل كل من دي واي واتحاد النقابات العمالية بشكل متبادل في لجانهما المركزية، أو ما إذا كانا يشكلان لجان عمل مشتركة، هي ليست مسألة ذات أهمية حاسمة.

قد تتغير أشكال التنظيم، لكن يبقى الدور الأساسي للحزب ثابتًا. إن الحزب، إذا كان جديرًا بالاسم، يضم طليعة الطبقة العاملة بأكملها ويستخدم تأثيره الأيديولوجي لجعل كل فرع من فروع الحركة العمالية مثمرًا، وخاصة الحركة النقابية. ولكن إذا كانت النقابات العمالية جديرة باسمها، فإنها ستضم كتل من العمال، والعديد من العناصر المتخلفة بينهم. لكنهم لا يستطيعون أداء مهمتهم إلا عندما يتم توجيههم بوعي إلى مبادئ راسخة. ولا يمكنهم الحصول على هذه القيادة إلا عندما تتحد أفضل عناصرهم في الثورة البروليتارية.
الحزب: إن التطهير الأخير للحزب الشيوعي الفرنسي، والذي تخلص في ضربة واحدة من أنين البرجوازية الصغيرة، ومن أبطال الصالونات من السياسيين والوصوليين المقززين، ومن ناحية أخرى حفز التقارب بين الشيوعيين والنقابيين الثوريين، كخطوة كبيرة نحو إقامة علاقات مناسبة بين النقابات والمنظمات والتنظيم السياسي، وهو ما يجسد التقدم الكبير للثورة.

٢٣ آذار/مارس ١٩٢٣
ليون تر وتسكي

----------------------------------------------------------------------


زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة