الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عتاق يوم آخر

هاشم مطر

2021 / 3 / 25
الادب والفن


والله في حيرة من امري هل اقفز خطوة الى الأمام أم ارجع خطوة؟
ما إن يحل هذا اليوم من كل عام حتى يلتبس الأمر عليّ. فمع نهاية الأسبوع الأخير من آذار وقتما تشق البراعم جفونها نحو الضوء، يزداد اللبس عليّ بأكثر من حال فهل اسرق من الوقت ساعة أم امنحه ساعة. ثم أين ستذهب تلك الساعة بزيادتها ونقصانها في المحفل الأثيث لهذا الفَلك المبجل، وما قيمتها أصلاً؟

رافقني هذا الارتباك فأشعرني بوخز وجوديٍّ دفعني للتأمل بتعقيد أكبر لـ(مادة) الوقت، وكيف كان لها كل هذه السطوة لحد يجعلنا لا شيء من دونها، ثم ما هو (اللاشيء) أساسا؟ بمعنى هل سيمرر نفسه بهذا المرشح ليحصل في النهاية على ماهيته المكناة آدميا بـ (اللاشيء). عند هذا توقفت لأن الشيئين، هذا إن كانا شيئين حقا، (الوقت واللاشيء) دفعاني الى حرج الاختيار طالما ان الجمع بينهما لا يمكن بـ (المطلق) وهذا اصطلاح ثالث فرض نفسه على ارتباكي فأضفته كضلع ثالث للهرم العجيب ليصبح الوقت واللاشيء ثم المطلق اعمدته او جدرانه الرصينة.

لا تخشى عزيزي فأنا بعيد تمام البعد، وأكثر مما تتوقع عن المقال العلمي، فأنا جاهل تماما بقوانين الفيزياء والرياضيات وحتى الأحياء امام هذا الزخم المبرقش، وكل ما في جعبتي، مثلك، هو عبارة عن حزمة أسئلة أثقلت كاهلي منذ الولادة. فما أن داهم الضياء عينيّ حتى بدأتُ بأول صرخة فكان البكاء المنجى الوحيد حتى قبل قطع حبل المشيمة أو حبل الصرة، كما اصطلح عليه في بلادنا، فتأخذها النساء ليرمينّها في مدرسة أو مستشفى أو حانوت ليصبح صاحبها الوليد ذو شأن عندما يكبر كمعلم أو طبيب أو تاجر وما الى ذلك من تمنيات لم يحالفها الحظ ان تتحقق. فاستُعيض عنها في وقت آخر بأدعية وحروز وتمائم وحتى نذور تطفو على كربة نخل بشموع يأخذها النهر لتمنيات غائبة ليحضر بعدها (خضر الياس) بلباسه الأخضر يدور حول صينية بسبعة صنوف متروكة له ليعتزل بصمته بأنه مرَّ بتلك البيوت وان (دورة السنة) قد بدأت فعلا، وان دعوات النساء، على وجه التحديد، أمست مستجابة لأن الوقت مساءً وأن لوعة الصبايا تزداد وقت غروب الشمس أو ما بعد أصيلها حتى يجعلهن الانتظار يتصبرن على بؤس حال وغياب حظ عاثر حتى العام المقبل ليعدن الكرّة حتى اختفاء الحيض وبداية سن اليأس.
والشيء بالشيء يذكر، فما حال الرجال أصلا؟ وما بينهما حضور عكن يتثنى كحرف عربي موصول حيناً ومفصول عن قرينه أحيانا كما حال المحبين المطعونين، على الأغلب، بشر حاسد أو لهو قبيلة وأسباب عار كثيرة، حتى تحضرني أغنية نجاة «لو الزمن أخر فراقنا لحظة وحدة حيجرى ايه» فاخالف شاعرها: لن يحصل شيء يذكر، سيدي، فالدائرة ستغلق حتما دورتها وإن اتسعت، ومهما بالغ الزمن بشمر محيطها فأنها ستنتهي لتدور وتدور بإغلاق محكم، ولن تتحامى لذنب جدوب لن يدبر.
أما اللحن فسيبقى ساعة خمرية تسهر وتقاضي مر الفراق ونشوة لقاء كان. فالساعة تدور والسنة تدور ولا ضير إن دارت على قرن ثور أو ذيل افعى، وإن دارت أو لم تدر فهل سيتحول يمّ الكون ليحوّل (رأس الرجاء الصالح) الى رجاء القلوب المعقودة أصلا للقرب، فيختصر الطريق من القلب الى القلب من دون لف ودوران أو حتى من دون تلك الساعة الزمنية فلا تقلب بوصلة الملاح بأن ملامح البحر لن تتغير وصوت الريح هو ذاته مثلما هي اسماك القرش والحيتان!
وماذا بعد؟
ولأن الوقت تقدم أو تأخر فلا أعرف لحد اللحظة إن كنت فقدت أو ربحت ساعة منه منقوصا أو مضافا أو إنني كسبتها فأزدتها على صحوتي أو منامي من التقويم، فماذا ستحقق لنا سوى أن نصحو متأخرين ساعة أو قبلها بساعة فلا يتغير من يومنا شيئا، فيما تتحول الرؤى تدرجيا الى أضغاث أحلام وكوابيس حتى بتنا نخشى غلق جفوننا كي لا تداهمها اللعنة وصور الأشياء المفرطة بالوحشة فتكون مترعة بغدر الصورة بأبشع ما يمكن.

أما المختصون فأنهم يعللون ذلك بانها مجرد استفادة من ضوء النهار، وبهذا كانت أولى فتوحاتي الرشيدة. فما إن وضعت يدي على جرح الوقت حتى شرعت ساعتي الرملية بسيل ذراتها مفتونة بتبديدها دون سؤال إن كنت ارغب بإيقافها أو تأجيلها الى لحظة أخرى اخرج فيها من دهشتي بأن الوقت ملك يميني ويساري، فأشك بقول المتنبي (كأن الريح تحتي أسيرها يمينا أو شمالا)، ثم الى أين سأسير وللريح وقت زئبقي يقودنا لمبتغاه المبجل بنقش فيروزي على نحو وشم كخارطة ترسم أعمارنا بوقت مهدور وعمر ممهور، لا أقول عنه أذى، بقدر كونه ممعن بغرز الإبرة نخساً لحد فتق الوريد حتى القلب! والأهم من هذا كله هل اختار أحدنا تاج وقته حتى بعتمته وشدة انقباضه وفيض وحشته بأي زمن من الأزمان لحد فتك الأمراض وفوات الأوان؟ وما زلنا على ناصية الانتظار إن القادم ربما أحسن أو قل إنه أقل ضراوة تخفيفاً للقفر وميلاً عن سأم يطبق برحاه محدلة للوقت وساعة تقديمه أو تأخيره.

تلك المفارقة الزمنية ربما تعدينا لها صورة سبعينية أو ستينية لأجيال أخرى سبقتنا فنرى بوحشتها ما سيتأسف علينا جيل قادم لا يختلف ولن يتخلّف عن رضاه هو الآخر بأن الأرض تدور والنحس يدوم فلا فائدة من وقت (انشتايني) النزعة بانه «لن يتأخر بالمجيء».
وماذا أيضا؟ فأعيده سؤلا:
متى ستغفل عنا اللحظة فنعيشها عمرا نقبله بومضة جفنين لا نسأل فيها عن باقيه؟ وسيل الملمات يغدو طرفة عين نلحق باقيها جزعا يعيدنا لنفس الكرّة ببوتقة تحرق رمادها ولن تتأخر.
ربما من يسأل عن فصاحة الكآبة فازحف برأيي وأقول: لا بأس لنقدم الساعة عسى أن نطوي ستين دقيقة كانت مجزية بعرفانها وبطولتها ونزقها، جذلة بأنها ستحضر بطفرة لحظة تباغتنا فربما كان فيها ما يزيدنا غيظا.
لننعم ببقايا الوقت إذن حتى وان تعلقنا بأذياله كريح خريف وصوت طريف يشاغل وحدتنا ولنقدم ساعتنا بكل شديد البأس فالقادم من الساعات سيتوّج رأس الهرم بأضلاعه كمخروط للعمر من الوقت واللاشيء ومن المطلق.
فماذا سيحصل؟ هل من شيء يحصل؟ فلا شيء سيحصل ومع ذلك سنحاول!. وصبر أيوبي يدفعنا الى عتاق يوم آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا