الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الصمت والكلام عتبة نصية مقاربة نقدية في (آنية الوجع) للشاعر علاء حسين حمود

طالب عمران المعموري

2021 / 3 / 25
الادب والفن


افتتح مقاربتي بتلك العتبة النصية التي بمثابة الجسر القائم بين الصمت والكلام (آنية الوجع) تفتح شهية القارئ وتستفزه ، مدخلا شعريا رئيسا للدخول الى اعماق النص وسبر غوره فهي واحدة من المتعاليات النصية كما يسميها (جيرار جنيت)1 فلا يمكن اقصاءه خارج العمل الابداعي
كون التفاعل النصي لا ينبثق من جسد النص فقط او من ثنايا لغته او مفاصله التكوينية لقد تعداه الى ما قبل كتلته النصية الى ما هو خارج هذه الكتلة صار اللجوء الى ما يسمى بالنص الموازي لهذا اقف عند عنونة النص (آنية الوجع ) كعتبة نصية اولى فهو اول ما يصدم بصر المتلقي ويساعده على ان يدلف دهاليز النص ، شعرية العنونة جاءت من حالة الانحراف اللغوي عن نسق الكلام المباشر والمألوف شعرية متأتية من علاقة تمتلك اللاتجانس او اللاطبيعية ، آنية / الوجع ، وهو الشيء الذي يميز لغة الشعر عن اللغة النثرية العادية .
اعتمد الشاعر لنصه مناصا آخر وهو الاهداء وهو من المناصات المهمة والتي تشكل نصا مجاورا او موازيا للنص وتعتمد هذه العتبة على الانتقال من الانا الى الاخر كتعبير عن المحبة والتأثر وهي عتبة لا تنفصل دلالتها عن السياق العام للقصيدة بأبعادها الدلالية ولها علاقة وثيقة مع عنوان النص جاء الإهداء:
الى محمود البريكان
وهو شخصية القصيدة ومحورها ، الشاعر البصري (محمود البريكان)2 شاعر العزلة الذي تحول الى شبه اسطورة، رجل مقتولا في بيته بعد ان عاش معزولا فيه ولكنه لم يكن معتزلا حقا فقد كان رائدا واستاذ لجيل من الشعراء الشاعر المجدد انتهل من جذور الشعرية العربية معينا دافقا وعمل على تحديث خطابه الشعري أسوة بالسياب ونازك ، والبياتي وغيرهم .
ها نحن ازاء نص شعري اقرب الى الرثاء، يبث الناص فيها عصارة حزنه تخليدا لذكرى الشاعر تجعل منه ايقونة قيم ومثل ، بوح الناص يعزز انسانيته وبهاجس سردي يغلب عليه الشعرية التعبيرية ، يدور نصه بمجموعة من الدوال والمفردات التي احسن استخدامها كما في مفرداته الاتية :
آنية الوجع / قامته تخشى النظر/ آنيته المشتعلة صمتاً / سريره الورقي / بعكاز التيه / صهوة السقوط / حلقوم الصدى /
وظف الشاعر عنصر الزمن في سرده الشعري وهو عنصر فني مهم ووسيلة من وسائل التشكيل في التجربة الشعرية بقصد الايحاء والرمز ونقل الاحاسيس، فكل نص هو حدث يقع في زمان ومكان معينين فالحدث اللغوي لا ينبثق من العدم بل عن طريق التوالد من احداث تاريخية او نفسانية.. نرى ذلك جليا في :
كانت قامته تخشى النظر الى ظلي / كان يتوسل المطر أن يمحو نقشه الكئيب/ كان يمسك بطرف الحياة من اقصى نقطة .
استطاع الشاعر ان يمسك بتلابيب لغته الشعرية بمفردات تقوم في بنيتها على التجافي عن المعنى المألوف والقفز الى معنى أكثر عمقاً للتعبير بوجدانية ومأساة الشاعر( البريكان) وعزلته وخوفه المبالغ فيه، أو او رهابه كما في نصه:
كانت قامته تخشى النظر الى ظلي
وجيوبه تغسل خيوطها على عدد الدقائق .
وخطوته ..
تحفظ للاتجاهات عيونها.
حاول الناص أن يصف لنا حال البريكان وهو يراقب من معتزله القصي نبض الحياة الحقيقية وتجلياتها المجازية في الشعر وكان البيت الذي يسكنه وحيداً غارقاً في الظلمة كما يقول في نصه :
كان يتوسل المطر أن يمحو نقشه الكئيب.
ويخبر الحبر أن ينفد قبل أن تنفدَ قصائده .
الغربان تنعقه
عدا الغرفة التي يجلس فيها ، ما يعبر عن انسانيته وتواضعه ورهافة احساسه
العازف عن الشهرة والنشر والمتوحد مع شعره وموسيقاه ودنياه الخاصة التي أنشأها لذاته بعيدا عن دنيا الناس ولهوهم وما تعارفوا عليه من طرق العيش واللهو ، يعبر لنا الناص هذه الوحدة والعزلة كالسجن الكبير كما في نصه:
كلما أراد الإفلات من قبضة سجنه الكبير .
يجامل شفتاه بابتسامة متصحرة
ويرد السلام بإيماءة على صدره المثقل بالوهن .
آنيته المشتعلة صمتاً
تخبئ انكسارها في زاوية سريره الورقي.
يصف لنا الناص بلغة شعرية بعيدة عن اللغة النثرية المباشرة حياة البريكان3 ،الرجل صامت أزلي، ساكت لا يكاد يبوح إلا بالقليل ، لكنه كتم صرخته، وقمع ذاته ومنعها من أن تري لذة هذا البوح، وثمرة هذا الغرس، فكان أن جني على نفسه، بأن عاش في الظل طوال حياته الثقافية، ولم يؤسس لذاته منهجا أو تيارا، ولم يظهر له ديوان شعري، يحفظ بعض هذه القصائد القليلات التي نشرها تجلى ذلك في نصه:
آنيته المشتعلة صمتاً
تخبئ انكسارها في زاوية سريره الورقي.
وتحلم بلوحة خالية من الكرسي والسوط .
على الجانب الآخر من العتمة ِ
كان يمسك بطرف الحياة من اقصى نقطة .
غادرته العصافير بعكاز التيه.
يؤرخ في عينيه لحظة اصطكاك الرمل
في فم الارض .
يختتم الناص الحالة المأساوية في حياة البريكان بنص ملؤه الحزن والاسى ..
وأين هذا الذي خلفه بعد رحيله المأساوي، الصامت؟ إذ قتله القاتلون وحيدا مستقراً في داره، طمعا بشيء من المال :
ها هي أمنيته الأخيرة :
أن يحمل الترابُ رميم رأسه
الى بيته المتواري عن الأنظار .
اجتهد الشاعر علاء حسين في ان يؤسس له بصمة ابداعية خاصة به من خلال تحويل تفاصيل النثر اليومي من الطابع الخام الواقعي الى بنية لغوية تجسد بلاغة الكلمة ،العلامة ، المشحونة بلغة انزياح عالية وباستعارات شعرية.
آنية الوجع
الى محمود البريكان
كانت قامته تخشى النظر الى ظلي
وجيوبه تغسل خيوطها على عدد الدقائق .
وخطوته ..
تحفظ للاتجاهات عيونها.
كان يتوسل المطر أن يمحو نقشه الكئيب.
ويخبر الحبر أن ينفد قبل أن تنفدَ قصائده .
الغربان تنعقه
وتشي بغموض رؤياه
كلما أراد الإفلات من قبضة سجنه الكبير .
يجامل شفتاه بابتسامة متصحرة
ويرد السلام بإيماءة على صدره المثقل بالوهن .
آنيته المشتعلة صمتاً
تخبئ انكسارها في زاوية سريره الورقي.
وتحلم بلوحة خالية من الكرسي والسوط .
على الجانب الآخر من العتمة ِ
كان يمسك بطرف الحياة من اقصى نقطة .
غادرته العصافير بعكاز التيه.
يؤرخ في عينيه لحظة اصطكاك الرمل
في فم الارض .
يتشبث به الهواءُ على غير عادته
ويطرق سندان الكوكب بشيء من الشهيق .
ليسرد قصة الغرق الى الأعلى .
قميصه يتسع على رقعة ما في جسده.
والكون يضيق ..
تتسمر ذاكرته عند نقطة التقاء النجوم .
انه يهوي ..
وكل شيء حوله يأول الى الغروب .
ظله المترجل من صهوة السقوط ،
ساعته اليدوية ،
فتحت باب الدقائق للزوال،
حتى الحجر المرتطم في رأسه،
بعثر فكرته اليتيمة عن الغطس،
ولم يعلمه أبجدية السباحة .
اطرافه تبرز مفاتنها
تراود الفراغ،
وتُلج نفسها بمجرة لا تملك مكاناً لجاذبية حذاءه.
أو طعماً للسانه المندلق خلف متاهة فَرَاشِه
التي ابقت صراخه معلقًا بحلقوم الصدى ..
لا مرآة يصفف شعره بها
ولا أريكة تتلقفه غير السكوت
وحزام أمانه يدور في حلق مفرغ من الصوت..
يشكو فقدان ثقوبه ..
كالعلقة التي تكورت على نفسها.
هو الآن في طور الانسلاخ
يمضغ جلده نيئا،
عله يستشعر شيئاً من النهار
وان كان كاذباً
ها هي أمنيته الأخيرة :
أن يحمل الترابُ رميم رأسه
الى بيته المتواري عن الأنظار .
المصادر
1- شعرية النصوص الموازية في دواوين عبد اله حمادي، اطروحة ماجستير، روفية بغنوط ، الجزائر ، قسنطينة، جامعة منتوري ، كلية الآداب واللغات ، قسم اللغات العربية 2007 .
2- ويكبيديا الموسوعة
3- صحيفة المدى، د. حاتم الصكر، العدد 1759 في 31 /3 /2010 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا