الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب منظومة حقوق الانسان

فارس تركي محمود

2021 / 3 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إن التاريخ لا يكذب وهو السجل الحقيقي الذي يمكِّننا من معرفة صفات الشعوب وعقليتها وطريقة تفكيرها واهتماماته وأولوياتها ، وفيه يمكن العثور على أصغر الأشياء وأدق التفاصيل وأبسط الأفكار فالتاريخ لا يهمل شيء ولا تفوته شاردة أو واردة . لذلك فإذا ما تحلى شعب من الشعوب بصفة أو سمة بعينها فلا بد أن نجد أثراً ولو بسيطاً لهذه الصفة في تاريخه ، ولا بد أن نتلمس جذورها وبداياتها وتمظهراتها الأولى في رحلته التاريخية ، وعدم وجود مثل تلك الجذور والبدايات يعني وبكل بساطة أن تلك الصفة لم تكن صفة أصيلة من صفات ذلك الشعب وإنه لم يعرفها مطلقاً ولم يعرف بوجودها أصلاً ، وإنه لم ولن يستطع التحلي بها أبداً مهما حاول ذلك ومهما بذل من جهود . وقد تكلمنا في صفحات سابقة عن وجود الإرهاصات الأولى للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان عموماً في التراث الكلاسيكي الإغريقي والروماني ، هذا التراث الذي استندت اليها الحضارة الأوربية الحديثة فهو سلفها المباشر وهي وريثته الشرعية ، فمفردات حقوق الإنسان التي تتحلى به الحضارة الاوربية اليوم والتي أضحت أساساً للدولة الحديثة ما هي إلا امتداد لتلك البدايات البعيدة . وإذا كانت تلك البدايات محدودة وساذجة وسمجة وليست بالنضوج المطلوب شأنها شأن أي شيء في بدايته ، فإنها وبمرور الزمن إزدادت نضجاً ورسوخاً وتشعباً حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم ، وحتى أصبحت تشمل كل مفصل من مفاصل الحياة – سياسةً واقتصاداً واجتماعاً وفكراً - في النموذج الأوربي .
بالمقابل فإن تاريخ المنطقة العربية يخبرنا وبصوت عالي جداً أن منظومة حقوق الإنسان لم يكن لها أي وجود في تاريخ أسلافنا ، وإن أياً من مفرداتها لم يكن في يوم من الأيام من الصفات الأصيلة لشعب هذه المنطقة . فإذا ما فتشنا وبدقة تاريخ وحضارة الفراعنة والسومريين والبابليين والآشوريين والكنعانيين وعرب الجزيرة العربية فإننا لن نجد مطلقاً أية إشارة أو مظهر أو حدث يشير ولو من بعيد إلى وجود أي حضور أو جذور لمفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان . فعلى الرغم من أن تلك الحضارات قد سبقت غيرها وبلغت شأواً كبيرة في العلوم المختلفة كالطب والفلك والهندسة والعمران والزراعة وعلى الرغم من أنها قد قدمت للعالم إنجازات رائعة جداً ، إلا أنها لا تمتلك أي رصيد فيما يتعلق بإيقونات وأسس الدولة الحديثة كالديمقراطية والحرية والفردية ، بينما بالمقابل نجد أن كل إيقونات وأسس وسمات الدولة القديمة من ديكتاتورية ونظام أبوي وعقل جمعي وروح حربية كان ولا يزال حضورها طاغياً في تاريخ المنطقة العربية وكما فصَّلنا سابقاً . وهنا ينبغي أن نعود ونذكر مراراً وتكراراً أن ظروف الصحراء وطبيعتها ومعطياتها ما كانت لتسمح ولا بإي شكلٍ من الأشكال في ظهور وتبلور مفاهيم الحرية والديمقراطية ومفردات حقوق الإنسان الأخرى ، وساكن المنطقة العربية ليس له أي خيار في ذلك فهو قد ورث الصفات التي أنتجها الفعل الصحراوي ، مثلما أن الأوربي قد ورث الصفات التي أنتجها فعل الجغرافيا الخضراء ولم يكن له أي خيار في ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا