الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نازك الملائكة - رؤية إنسانية متجددة (٥)

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2021 / 3 / 25
الادب والفن


إستمرت الشاعرة نازك الملائكة وزملائها الشعراء من دول مختلفة ومشارب فكرية وثقافية متنوعة ومتعددة الألوان في كتابة الشعر الحر وتمديد ثورة التجديد التي سطعت بروقها وفتحت لها شرفات فضاءات العالم رغم تصاعد حدة نقد تيارات المعسكر المحافظ أو التقليدي، وقد أحدثت تلك التحولات العميقة ردود أفعال كبيرة بين مؤيد يراها ثورة تجديدية وناقد يتصورها ردة شعرية؛ فيما أدت هذه اللونية الجديدة لتغيير جوهري وإعادة ترميم البنية الثقافية للمجتمعات خاصة مع تميز مدرسة نازك الشعرية بعناصر مهمة تجذب عقل المتلقي الذكي مثل مخاطبة قضايا الفقر والحرية والسلام والحب والأخلاق الإنسانية، ونكاد اليوم لا نجد شعراً يكتب علي النمط التقليدي القديم الذي ساد العالم من قديم العصور والأزمن؛ والآن أصبح ذلك ماضياً بنسبة تقارب الـ( 80%) ولا صوت يعلو بعد ذلك علي الشعر الحر، وهنا نواصل إستعراضنا الشعري من كلمات الشاعرة نازك الملائكة.

تقول الشاعرة نازك الملائكة:

ﻟﻨﻔﺘﺮﻕ ﺍﻵﻥ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻓﻲ ﻣﻘﻠﺘﻴﻨﺎ ﺑﺮﻳﻖ
ﻭﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﻛﺄﺳﻲ ﻭﻛﺄﺳﻚ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺮﺣﻴﻖ
ﻓﻌﻤّﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﻳﻄﻞّ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻭﻳﺨﺒﻮ ﺍﻟﻘﻤﺮ
ﻭﻧﻠﻤﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻣﺎ ﺭﺳﻤﺘﻪ ﺃﻛﻒّ ﺍﻟﻀﺠﺮ
ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻬﺘﻴﻨﺎ
ﻭﻓﻲ ﺷﻔﺘﻴﻨﺎ
ﻭﻧﺪﺭﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖ
ﻣﻀﻰ ﺳﺎﺧﺮﺍ ﻭﻃﻮﺍﻩ ﺍﻟﻘﺪﺭ
ﻟﻨﻔﺘﺮﻕ ﺍﻵﻥ , ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻓﻲ ﺷﻔﺘﻴﻨﺎ ﻧﻐﻢ
ﺗﻜّﺒﺮ ﺃﻥ ﻳﻜﺸﻒ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﺎﺧﺘﺎﺭ ﺻﻤﺖ ﺍﻟﻌﺪﻡ
ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻓﻲ ﻗﻄﺮﺍﺕ ﺍﻟﻨﺪﻯ ﺷﻔﺔ ﺗﺘﻐﻨّﻰ
ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻭﺟﻬﻚ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﻟﻪ ﺃﻟﻒ ﻣﻌﻨﻰ
ﻛﺴﺘﻪ ﺍﻟﻈﻼﻝ
ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺤﺎﻝ
ﻭﻗﺪ ﻳﻌﺘﺮﻳﻪ ﺟﻤﻮﺩ ﺍﻟﺼّﻨﻢ
ﺇﺫﺍ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻛﻔﻴّﻪ ﻋﻨّﺎ
ﻟﻨﻔﺘﺮﻕ ﺍﻵﻥ , ﺃﺳﻤﻊ ﺻﻮﺗﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻨﺨﻴﻞ
ﺭﻫﻴﺒﺎ ﺃﺟﺶّ ﺍﻟﺮﻧﻴﻦ ﻳﺬﻛّﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺮﺣﻴﻞ
ﻭﺃﺷﻌﺮ ﻛﻔّﻴﻚ ﺗﺮﺗﻌﺸﺎﻥ ﻛﺄﻧّﻚ ﺗﺨﻔﻲ
ﺷﻌﻮﺭﻙ ﻣﺜﻠﻲ ﻭﺗﺤﺒﺲ ﺻﺮﺧﺔ ﺣﺰﻥ ﻭﺧﻮﻑ
ﻟﻢ ﺍﻹﺭﺗﺠﺎﻑ؟
ﻭﻓﻴﻢ ﻧﺨﺎﻑ؟
ﺃﻟﺴﻨﺎ ﺳﻨﺪﺭﻙ ﻋﻤّﺎ ﻗﻠﻴﻞ
ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻐﺮﺍﻡ ﻏﻤﺎﻣﺔ ﺻﻴﻒ
ﻟﻨﻔﺘﺮﻕ ﺍﻵﻥ , ﻛﺎﻟﻐﺮﺑﺎﺀ , ﻭﻧﻨﺴﻰ ﺍﻟﺸّﻌﻮﺭ
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻐﺪ ﻳﺸﺮﻕ ﺩﻫﺮ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﺗﻤﻀﻲ ﻋﺼﻮﺭ
ﻭﻓﻴﻢ ﺍﻟﺘﺬﻛّﺮ؟ ﻫﻞ ﻛﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﺭﺅﻯ ﻋﺎﺑﺮﻩ
ﺃﻃﺎﻓﺖ ﻫﻨﺎ ﺑﺮﻓﻴﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻏﺎﺑﺮﻩ؟
ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺴﺎﺀ
ﻃﻮﺍﻩ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ
ﻭﺃﺑﻘﻰ ﺻﺪﺍﻩ ﻭﺑﻌﺾ ﺳﻄﻮﺭ
ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺷﻔﺘﻲ ﺷﺎﻋﺮﻩ؟
ﻟﻨﻔﺘﺮﻕ ﺍﻵﻥ , ﺃﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺒﺮﺩ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ , ﺩﻋﻨﺎ
ﻧﻐﺎﺩﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﻧﺮﺟﻊ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺟﺌﻨﺎ
ﻏﺮﻳﺒﻴﻦ ﻧﺴﺤﺐ ﻋﺐﺀ ﺍﺩّﻛﺎﺭﺍﺗﻨﺎ ﺍﻟﺒﺎﻫﺘﻪ
ﻭﺣﻴﺪﻳﻦ ﻧﺤﻤﻞ ﺃﺻﺪﺍﺀ ﻗﺼﺘﻨﺎ ﺍﻟﻤﺎﺋﺘﻪ
ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ
ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ
ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﻋﻨّﺎ
ﺳﻮﻯ ﻟﻮﻥ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ ﺍﻟﺼﺎﻣﺘﻪ

قد لا نستطيع قياس درجات ذلك الحزن المتدفق كالسيل الجارف من شعر نازك الملائكة فقط من خلال إقتباس بعض القصائد "الغير مشروحة"؛ لكنها محاولة قد تكون مفتاح لنقاش تثاقفي يفضي في منتهاه لقراءة هذا المُنتج الشعري الجميل وإستفهام أهميته، وأيضا أهمية تسليط شيئ من الضوء علي الثورة الشعرية في مدارات نازك الملائكة، وفي غضون ذلك نبحث عن الجوانب المصاحبة للشعر مثل الموسيقى التي تحدثنا عن مساحتها آنفا في حياتها المشحونة بلؤلؤات من الرُقي والإبداع والتميز؛ فقد كانت نازك الملائكة شاعرة العصر الحديث ومفجرة ثورة الشعر الحر وسفيرة الثقافات الإنسانية تحمل عدة لغات تمثل جواز المرور إلي عوالم الثقافة خارج المناخ العراقي الذي أنتجها كشاعرة مثقلة بالمعرفة؛ عبقرية ولماحة لديها ملاحظات دقيقة حول الشعر والموسيقى وحلول ناجعة في قضايا الحركة النسوية والإنسانية، وتستطيع التفكيير بعقل منفتح والتعبيير عن ذاتها وقضايا مجتمعها، وبنت بوعيها رابطة إنسانية ممتدة عمودها شعر الحرية والمحبة والسلام جمعت حولها الشعوب الحالمة بعالم جديد، وقد تمكنت من إستشعار آلام وآمال الشعوب في رحلتها الطويلة العابرة للحدود القارية ونبصر تمظهرات ذلك الشعوز النبيل في عمائق عدد من شعرها خاصة قصيدة "الكولرا" المولودة التي عشقتها قلوب الملايين وفجرت ثوة الشعر الحر وفتحت أوسع آفق لحوار ثقاقي صادق وصريح ما زال نهره جارٍ علي الأرض، ويعتبر الحوار الشعري لمحة شفيفة المقاصد وبائنة الهدف بين نازك الملائكة وعقول القراء وسائر أطياف المثقفيين، ونمضي قدماً في سردنا الشعري والتعليق علي الثورة التجديدية للشاعرة نازك الملائكة، وهنا نعرض مختارات آخرى من شعرها.

تقول الشاعرة نازك الملائكة:

الليل يسأل من أنا
أنا سره القلق العميق والأسود
أنا صمته المتمرد
قنعت كنهي بالسكون
ولففت قلبي بالظنون
وبقيت ساهمة هنا
أرنو وتسألني القرون
أنا من أكون؟
الريح تسأل من أنا
أنا روحها الحيران
أنكرني الزمان
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسير ولا إنتهاء
نبقى نمر ولا بقاء
فاذا بلغنا المنحنى
خلناه خاتمة الشقاء
فاذا فضاء!
والدهر يسأل من أنا
أنا مثله جبارة
أطوي عصور
وأعود أمنحها النشور
أنا أخلق الأمل الرغيد
وأعود أدفنه أنا
لأصوغ لي أمساً جديد
غده جليد!
والذات تسأل من أنا
أنا مثلها حيرى أحدق في الظلام
لا شيئ يمنحني السلام
أبقى أسائل والجواب
سيظل يحجبه سراب
وأظل أحسبه دنا
فاذا وصلت إليه ذاب
وخبا وغاب

لا أدري من أين تأتيني رياح الشاعر السنغالي ليوبولد سيدار سنغور؛ بينما الحديث هنا مخصص للشاعرة العراقية نازك الملائكة، وكلاهما شاعران جميلان يحتلان ذات موقع المحبة في صميم القلب؛ فقد صدح الإثنان علي فضاء الحرية بالحرية وسطع شعرهم النقي كالضوء في أعين الشمس، وقد كانا من أعظم رواد الحركة الأدبية الحديثة في كوكبنا، ومساحة الجغرافيا الممتدة بين السنغال والعراق قد تفوق طولاً المساحة بين السودان والعراق؛ إلا أن جسور الشعر تطوي تلك المساحات الشاسعة وتلتقي الكلمات النيرة علي خط واحد وتستقيم فيه دون تنافر، وليوبولد شاعر عظيم إطلعت علي أجزاء من شعره المترجم من الفرنسية إلي العربية، وهو شاعر محبوب أحدث ثورة شعرية وإجتماعية عميقة غير من خلالها التاريخ السنغالي المعاصر؛ حيث ساهم بفكره المستنيير في تحقق الإستقلال ليصبح سنغور الشاعر الثوري أول رئيس لجمهورية السنغال، وأكثر نقاط الإلتقاء التي تجمع بين نازك وليوبولد هو حلمهم بانبعاث الحرية والسلام من بحور الشعر، وأتذكر هنا قصيدة شهيرة للشاعر ليوبولد سنغور بعنوان "ليلة الخطيئة"، وقد أحببتها كثيراً لما فيها من بلاغة وإثارة ومضامين نيرة، ونشرت أبياتها عدت مرات، وفيما يلي نعرضها للقراء الأعزاء.

يقول الشاعر ليوبولد سيدار سنغور:

ترجمة وتقديم: رياض عبدالواحد

تظهر النجوم , وتحلم الليالي الآن
تستند على تلة الغيوم , مرتدية حلتها القشيبة
وسطوح الأكواخ تتألق حنانا ... ماذا تقول؟
سرا للنجوم في الداخل , تخمد النيران
قريبا من الأمنيات الحلوة والمرة.
ايتها (المرأة) , ضعي يديك الناعمتين على جبيني
فيديك اكثر نعومة من الفراء.
حققي التوازن فوقنا بين اشجار النخيل
فبالكاد نسمع حفيفه.
في نسيم الليل , لا تهاليل
دعي الصمت الإيقاعي يمسك بنا
اصغي لأغنيته , واسمعي دقات دمنا القاتم
اسمعي نبض افريقيا العميق في ضباب القرى المفقودة.
والآن حددي القمر الضجر علي قاع بحره الراكد
فانفجارات الضحك تهجع , وكذلك السارد
يتمايل رأسه مثل طفل على ظهر امه
تتثاقل ارجل الراقص , وتثقل ايضا
اصوات المطربين تناوبا
ايتها (السيدة) , اضيئي المصباح النفطي ودعي الأسلاف
يتكلمون من حولنا كما يفعل الاباء لأطفالهم في السرير
دعينا نسمع اصوات اليسا الكبرى منفية مثلنا
إنهم لا يريدون الموت , فقدان نطفهم في الرمال.
دعيني اسمع بريق ارواحنا الحميمة التزور الكوخ الممتلئ دخانا.
ورأسي على صدرك دافئ ومتدفق من النار.
دعيني اتنفس رائحة موتنا , دعيني اجمع
واتكلم مع اصواتهم المفعمة بالحياة. دعيني اتعلم العيش
قبل أن اغوص اعمق من الغواص
في عمق النوم العظيم.

إن الشعر، بكل بحوره المعروفة؛ يمثل تعبيراً وتصويراً للمشاعر الإنسانية النبيلة، ويناقش الشعر كافة قضايا وإهتمامات المجتمع من خلال تتبعه لمسيرة الإنسان اليومية وتلمس مشكلاته وجراحاته وإيجاد الترياق النفسي والفكري اللازم لها كما يفعل الأطباء تماماً من تشخيص الداء وتحرير روشتة الدواء، وكم من ثورات تحرر في بلداننا تبلور شعاعها ونجحت بفضل الكلمة الشعرية الحرة التي تعبر عن حاجة الإنسان، وهنالك أيضا شفرات باعثة لتناقض الثقافات وتنافر الأفكار فضاها الشعر وصارت عناصر تعارف وتجاذب بين الشعوب، وما أحوج العالم إلي تلاقي الثقافات وحوار العقول لفك الشفرات التي تثير التناقض والتنافر وتشعل لهب الصراع بين الإنسان ونفسه، والإنسان والآخر المختلف، والإنسان والمجتمع، ومجتعات ضد بعضها البعض، وهذا الأمر منظور ومعاش في عالمنا المضطرب، ومن هنا يتبين أننا نحتاج لفتح حوار إنساني عميق عابر للقارات حول "دور الثقافات في تعزيز فرص السلام والعيش السلمي المشترك"، والسلام الذي يأتي من بوابة الشعر يصبح أنشودة راسخة في ألسنة وعقول المجتمع؛ لذلك أعتقد جازماً أن شعراء هذا العصر سيواجهون متاعب جمة في طرقات ثورة التجديد الشعري والتنوير وتحرير المجتمعات وبناء روابط روحية وفكرية من عمق الشعر في حراك ثقافي مستمر إلا أن ثقتي بهم أعمق وأوسع لإيماني بأن الفكرة والكلمة الحرة نبتتان لا تفنى مهما بلغت حرارة شمس الصيف، وهذه المجتمعات سوف تتحرر من كافة القيود المكبلة لحرية التعبيير عن الفكر والرأي، وسيبقى الشعر شجرة إنسانية ذات ثمار متجددة سوف تستطعمها الأجيال في كل العصور.

25 مارس - 2021م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا