الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاغفال التشريعي في تنظيم اختصاص هيئة النزاهة الخاص بتلقي الاخبارات والشكاوى

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2021 / 3 / 26
دراسات وابحاث قانونية


حتى تتمكن هيئة النزاهة من تحريك الاجراءات القانونية بخصوص المخالفات الإدارية وجرائم الفساد والاضرار بالمال العام ينبغي ان يتصل علمها بوقوع هذه المخالفات او الجرائم أما عن طريق المجني عليه أو المتضرر من الجريمة أو من قبل الموظف المختص عن طريق شكوى تقدم للهيئة أو لقاضي تحقيق الهيئة المختص ولم يشترط القانون شكل معين أو نموذج معين للشكوى ، حيث نصت المادة (1/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل على أن (تحرك الدعوى الجزائية بشكوى شفوية أو تحريرية تقدم الى قاضي التحقيق المختص أو المحقق...)، كما يمكن أن تحرك الشكوى الجزائية من المواطنين كجزء من حرية التعبير عن الرأي وحق مخاطبة السلطات العامة، كما تحرك الاجراءات القانونية أمام هيئة النزاهة عن طريق الاخبار : وهو عمل يأتيه شخص من غير المتضررين من الجريمة لاعلام هيئة النزاهة بالجريمة المرتكبة بناءً على علمه الشخصي ، وهو على نوعين اخبار جوازي واخبار وجوبي الذي يكون واجباً على كل مكلف بخدمة عامة علم اثناء تأديته عمله أو بسبب تأديته عمله بوقوع جريمة أو أشتبه بوقوعه (المادة 48 الاصولية) ، ويلاحظ ان اختصاص الهيئة في تلقي الشكاوى والاخبارات لم ينظم بشكل واضح وشمولي لاستيعاب كافة حالات إيصال المعلومات لهيئة النزاهة التي تشير الى وقوع الجرائم المضرة بالمال العام أو حالات الفساد الإداري والمالي ، ويمكن أن نسجل مواطن القصور التشريعي لاختصاص الهيئة قي هذا المجال على النحو الآتي :
أ- لم يتضمن قانون الهيئة نصاً تشريعياً يلزم الهيئة باتخاذ الاجراءات القانونية عن المعلومات التي تثيرها وسائل الاعلام عن جرائم الفساد واستغلال نفوذ الوظيفة أو الاضرار بالمال العام، كما لم يعطي لمنظمات المجتمع المدني الحق في مخاطبة الهيئة لاخبارها عن الجرائم الداخلة باختصاصها.
ب- لم يتضمن قانون الهيئة النص على تلقي الاخبارات والشكاوى الأليكترونية وحجية هذه الاخبارات وكيفية التعامل معها بالرغم من أن أكثر الاخبارات ترد على الخط الساخن لهيئة النزاهة وايميل الشكاوى الأليكتروني ([email protected])، وإنما نص فقط على صلاحية الهيئة في حفظ الاخبارات دون عرضها على قاضي التحقيق المختص إذا ما وجد رئيسها أنها لا تتضمن جريمة ما، أو إذا يثبت لديه بالتحريات والتحقيقات الأولية عدم صحة الاخبار أو كذبه، استناداً للمادة (13/أولاً) من قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة 2011، كذلك أغفل التشريع تنظيم آلية تشعر مقدم الاخبار أو الشكوى الأليكترونية بنتيجة الشكوى أو الاخبار وفيما إذا كانت الهيئة قد اتخذت الاجراءات القانونية اللازمة بحق هذا الاخبار أو الشكوى، حتى يتسنى لمقدم الشكوى او الاخبار في حال عدم قناعته باجراءات الهيئة في حفظ الاخبار اللجوء لقاضي التحقيق الذي يملك صلاحية طلب أي اخبار تم حفظه بقرار من رئيس الهيئة واتخاذ ما يراه مناسباً بشأنه استناداً للمادة (13/ثانياً) من قانون الهيئة سابق الذكر ، وهذا يشكل خرق لمبدأ الشفافية المفترضة في اجراءات الهيئة، وخرق لحق مقدم الطلب أو الشكوى في الحصول على المعلومة المتعلقة باجراءات الهيئة بخصوص الشكوى أو الاخبار وتكريس للعمل البيروقراطي والانتقائية في حفظ الاخبارات وبالتالي ستكون اجراءات الهيئة حامية للفساد لا مكافحة له، وتشكل خرقاً لمبدأ المساءلة واخلالاً بالثقة العامة للمؤسسة الرقابية من جانب المواطن عندما لا تتضمن آليات هيئة النزاهة قواعد تلزم مقدمي الخدمات للجمهور من تقديم شرحاً وافياً عن أعمالهم وفقاً لمعايير محددة سلفاً واطلاع المواطن عليها لضمان نوع من التفاعل بين هذه الهيئة الرقابية والمواطنين .
جـ- لم يحدد قانون هيئة النزاهة سقف زمني للتحقق من الاخبارات، كما لم يتضمن آلية التحقق والتحري عن هذه الاخبارات هل يتم ذلك عن طريق لجان التحري أم بالاعتماد على مكاتب المفتشين العموميين الملغاة حالياً ، كما لم يحدد المشرع طبيعة عمل هذه اللجان وواجبتها وحجية المحاضر التي تنظمها.
د- ضعف دور هيئة النزاهة في مجال حماية المخبرين والشهود، إذ لم يتضمن قانون هيئة النزاهة أي نصاً تشريعياً يفصح عن دور الهيئة في حماية المخبرين والشهود في قضايا الفساد، إذ أن دور الهيئة ينحصر في الطعن تمييزاً في القرار الصادر من قاضي التحقيق المختص برفض طلبات الحماية ، استناداً للمادة (4/أولاً) من قانون حماية الشهود والخبراء والمخبرين والمجني عليهم رقم (58) لسنة 2017 وليس استناداً لنص وارد في قانون الهيئة ذاتها، إذا كان يفترض ان تمنح هيئة النزاهة حق طلب وضع الخبراء والشهود والمخبرين تحت الحماية في قضايا الفساد التي تتولى التحقيق فيها، ومنحها صلاحية اصدار التعليمات والأنظمة الداخلية لتسهيل تنفيذ قانون حماية الشهود والخبراء والمخبرين والمجني عليهم بالاشتراك مع مجلس القضاء الأعلى ، أو بشكل مستقل بالقدر الذي يتعلق بجرائم الفساد التي هي من اختصاصها، في حين نجد بعض التشريعات المقارنه أعطت لهيئة مكافحة الفساد الحق في حماية الشهود والمبلغين والمخبرين والخبراء في قضايا الفساد وأقاربهم وثيقي الصلة وتم النص على ذلك في قوانين هذه الهيئات كما هو الحال في القانون الاردني والكويتي على سبيل المثال ، كما ورد في المادة (24/أ) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد الاردني رقم (13) لسنة 2016، والمادة (40) و(41) و(42) و(43) من قانون الهيئة العامة لمكافحة الفساد الكويتي رقم (2) لسنة 2016، حيث تضمنت هذه النصوص برنامج الحماية للمبلغ وعائلته في صلب قانون الهيئة، كذلك فعلت المادة (32) من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003.
.
هـ- لم يأخذ المشرع العراقي بنظام المخبر السري في قانون أصول المحاكمات الجزائية عند صدوره إلاّ بعد تعديل المادة (47) منه بالقانون رقم (119) لسنة 1988، حيث أقتصر الاخذ بهذا النظام في أنواع محددة من الجرائم وهي الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي وجرائم التخريب الاقتصادي والجرائم الاخرى المعاقب عليها بالاعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت حيث يتم تدوين الاخبار في سجل خاص دون بيان هوية المخبر في الاوراق التحقيقية ، وقدر تعلق الامر بجرائم الفساد المنصوص عليها في قانون الهيئة لم يحدد المشرع معالجة تشريعية لما يعرف بالمخبر السري في قضايا الفساد، في حين أخذ القانون النظامي الملحق بالأمر (55) لسنة 2004 بنظام المخبر السري تحت عنوان (المزاعم المغفلة) أي الاخبارات التي لم يتم ذكر أسم مرسلها وهي أقرب الى المخبر السري والزم المفوضية باتخاذ التدابير المناسبة والضرورية لحماية هوية المخبر إلاّ إذا تنازل المخبر عن هذه الحماية استناداً للفقرة (3) من القسم (4) من القانون النظامي الملحق بالأمر (55) لسنة 2004، وبعد صدور قانون مكافأة المخبرين رقم (33) لسنة 2008 نصت المادة (2) الفقرة (رابعاً) منه على سريان احكامه على من يخبر على حالات الفساد الإداري والمالي، حيث أصبح التحقيق في الجرائم المشمولة باحكام هذا القانون سرياً وتلتزم الجهة التي تتولى التحقيق بكتمان اسم المخبر استناداً للمادة (8) من قانون مكافأة المخبرين رقم (33) لسنة 2008، والمادة (9) من تعليمات تسهيل تنفيذ القانون رقم (4) لسنة 2009 ، والحقيقة أن المشرع لم يكن موفقاً بجعل التحقيق سرياً في قضايا الفساد المالي والإداري، وكان من الافضل أن يكتفي المشرع بتوفير الحماية للمخبر وذلك لجعل إسمه وعنوانه ومكان عمله سرياً، إذ أن سرية المخبر لا تعني بالضرورة جعل التحقيق سرياً لأن ذلك يتعارض مع مبدأ الشفافية وإتاحة المعلومات للجمهور ولو في حدود معينة بحيث لا تؤدي الى الإضرار بسير التحقيقات حيث يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بجعل التحقيق سرياً لهذا الغرض، كما يمكن أن يكون وسيلة للإضرار بالآخرين أو التوقيف الكيدي بقصد التنكيل بالموقوف، ولذلك صدرت دعوات كثيرة لالغاء النصوص الخاصة بالاخبار السري في النظام القانوني العراقي .
وحيث أن قانون مكافئة المخبرين وتعليمات تسهيله لم تتضمن الآليات والاجراءات الكافية والملائمة للتعامل مع المخبر السري فإن ذلك يقتضي تدخلاً تشريعياً ولا سيما ان نسبة كبيرة من أعمال هيئة النزاهة تستند للاخبارات (المغفلة) ، حيث أشار التقرير السنوي لهيئة النزاهة لعام 2017 على سبيل المثال الى أن عدد البلاغات (المغفلة) لعام 2017 بلغت (927) بلاغ بما يشكل نسبة (37,71%) من البلاغات الواردة لهيئة النزاهة وهي نسبة كبيرة ، وإن كان رأينا الشخصي يميل إلى إلغاء السرية في الاجراءات التحقيقية أو الاخبارات لأنها تتعارض مع مبدأ الشفافية ووضوح الاجراءات ، لما تقدم ندعو المشرع العراقي وهيئة النزاهة الى تلافي مواطن الاغفال التشريعي في مجال تلقي الاخبارات والشكاوى والاخبارات المغفله والمخبر السري من خلال تبني مشروع تعديل قانون الهيئة وفقاً لما تقدم ، د.احمد طلال عبد الحميد البدري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع


.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: أميركا عليها أن تقول لإس




.. الشارع الدبلوماسي | مقابلة خاصة مع الأمين العام للأمم المتحد


.. اعتقال متضامنين وفض مخيم داعم لفلسطين أمام البرلمان الألماني




.. الحكم بإعدام مغني إيراني بتهمة «الإفساد في الأرض»