الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرعات يومية من السموم الرقمية

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2021 / 3 / 29
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


يتجرع الإنسان الكثير من السموم الرقمية كل يوم بدءا من ساعات الصباح الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل ومن دون أن يكترث لما يحدث له على مدار أربع وعشرين ساعة في اليوم.

تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي بسمومها الرقمية على صحتنا العلية والجسدية ونحن نتقبلها صاغرين حاسري الرأس حافيي القدمين من دون أدنى مقاومة أو إعمال فكر فيما نتلقاه من جرعات سامة كل يوم .

ألم يحن الوقت للتخلص من السموم الرقمية ؟
لماذا تعد وسائل التواصل الاجتماعي ضارة بالصحة العقلية للإنسان؟
وما الذي يمكن فعله لتقليل استخدامها للحد الأدنى ؟

لقد اعتاد القدماء على تخصيص فترة من العام يمتنعون فيها عن الحرب ، وأشهر للصوم ، وأشهر للقوافل ، وأشهر للتأمل ، وأشهر حرم ، و كان الغرض من الامتناع تخليص الجسد من أدران الحياة وأعبائها فلماذا لا تخصص أشهرا نمتنع فيها عن تجرع السموم الرقمية لوسائل التواصل الاجتماعي والانترنت ؟

يبدو أن إنسان الأمس أكثر تحكما بإرادته وأكثر اهتماما بصحته العقلية والجسدية من إنسان اليوم .

لنخترع شهرا أو شهرين نصوم فيهما عن وسائل التواصل الاجتماعي تماما كما نمتنع عن الطعام في شهر رمضان . وخلال هذه المدة يتخلص الإنسان من السموم الرقمية ويمتنع عن استخدام الهاتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي . تأتي هذه الممارسة استجابة للمخاوف المتزايدة بشأن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الرقمية .

في الواقع ، تشير الأبحاث إلى زيادة كبيرة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة. وقد أصبح هذا الاستخدام مكثفًا بشكل خاص بين الشباب. على سبيل المثال ، وجدت دراسة حديثة أن أكثر من 20 بالمائة من الطلاب يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من خمس ساعات يوميًا.

فهل هذا الاستخدام كثير؟
وما هو تأثير هذا الاستخدام على الصحة النفسية؟

يتفحص عدد متزايد من الدراسات العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية للمستخدم. وقد أشارت هذه الدراسات إلى استنتاج واحد واضح فحواه أن : المستويات المنخفضة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة بصحة عقلية أفضل.

وعلى سبيل المثال ، أشارت دراسة واسعة النطاق إلى أن المستخدمين العرضيين لوسائل التواصل الاجتماعي أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بثلاث مرات تقريبًا من المستخدمين بكثافة لوسائل التواصل الاجتماعي. وأشارت دراسة أخرى إلى أن الشباب الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من ساعتين يوميًا هم أكثر عرضة لتقييم صحتهم العقلية على أنها "جيدة" أو "متضررة" مقارنة بالمستخدمين العرضيين.

والأهم من ذلك ، وجدت دراسة أخرى حديثة أن الأشخاص الذين قصروا استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي على نصف ساعة في اليوم يعانون من أعراض اكتئاب وقلق أقل بكثير مقارنة بمجموعة تستخدم وسائل التواصل كثيرا . يشير كل هذا إلى أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون ضارًا بالصحة العقلية.

كيف يكون الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي؟

ينقسم استخدام الوسائط الاجتماعية أحيانًا إلى نوعين: استخدام سلبي ونشط. يشير الاستخدام السلبي إلى ممارسة مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي للآخرين بهدوء (التصفح من دون التفاعل) . تشير الأبحاث إلى أن مثل هذا الاستخدام السلبي يمكن أن يثير الحسد والاستياء ، بالإضافة إلى إثارة القلق من الخوف من الضياع .

من السهل أن نفهم كيف يمكن أن يحدث هذا الضرر. يصور العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أنفسهم وحياتهم بطريقة غير واقعية ، ويشاركون نسخًا شديدة التعقيم والفلترة من الواقع. وغالبا ما تعرض صور مثالية للحياة على وسائل التواصل الاجتماعي ، بينما نادرا ما يظهر مشاق و رتابة و روتين الحياة اليومية.
هذا يمكن أن يدفع بعض المشاهدين السلبيين ، وخاصة الشباب المتأثرين ، إلى إجراء مقارنات اجتماعية معيبة بين واقعهم وبين ما يشاهدونه على تلك الوسائل. على سبيل المثال ، تشير الأبحاث إلى أن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد يستنتجون خطأً أن الآخرين يعيشون حياة أكثر إشباعًا وإثارة وسعادة. هذا يمكن أن يجعلهم يشعرون بالنقص وعدم الكفاءة ، مما قد يقلل من احترام الذات ويزيد من القلق.

كيف يكون الاستخدام النشط لوسائل التواصل الاجتماعي؟

يشير الاستخدام النشط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى ممارسة نشر مقاطع الفيديو أو الصور أو تحديثات الحالة أو التعليقات أو المنشورات بانتظام . ويمكن أن يتضمن ذلك إدارة مضنية للانطباع ، غالبًا بهدف السعي للحصول على موافقة وإعجاب الآخرين أو تلقي انتقادات أو تعليقات سخيفة أو تعليقات للنكاية. في علم النفس ، يُعرف هذا بالبحث عن "التحقق الخارجي" ، أو ما يُعرف باسم "الصيد من أجل الإعجاب".

في الواقع، يمكن لهذه العملية يؤدي إلى حالة غير صحية ومرضية مثل التدقيق الذاتي أو الشكوك بالقدرات أو المظهر المادي أو نمط الحياة العامة. تشير بعض الأبحاث إلى أن الجهود المضنية لتصوير نسخة من "حياتي المليئة بالمرح" حيث يمكن أن يكون لها تكاليف نفسية باهظة ، خاصة إذا لم تكن الموافقة والتحقق المطلوبين وشيكي الحدوث وقد يؤدي ذلك إلى الشك الذاتي وكراهية الذات.

وفي أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث ، يمكن أن يؤدي الاستخدام النشط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى السخرية أو الهجوم بدلاً من الثناء أو المديح . ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ظواهر معروفة من البلطجة المعلوماتية أو الجريمة الالكترونية ، وقد ارتبطت مواقع التواصل الاجتماعي بسلوكيات عدوانية قادت إلى الانتحار في السنوات الأخيرة.

وسائل التواصل الاجتماعي والصحة البدنية

تشير البحوث إلى وجود علاقة قوية بين الصحة البدنية والصحة العقلية. ومن المثير للقلق أن الأدلة تشير إلى أن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الرقمية يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة البدنية.
على سبيل المثال ، أشارت إحدى الدراسات إلى أن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الرقمية (خاصة قبل النوم) يمكن أن يؤثر سلبًا على نوعية ومدة النوم . وهذا الأمر مقلق للغاية ، لأن النوم الجيد ليلاً يمنح الدماغ والجسم فرصة للراحة والتجديد. في الواقع ، لقد ارتبط النوم المضطرب باستمرار بالصحة العقلية السيئة.

وبالمثل، يمكن للمستخدمين المدمنين على وسائل الاعلام الاجتماعية انفاق مقادير كبيرة من الوقت يحدقون في الشاشة الصغيرة، التي يمكن أن تسبب لهم الصداع ، والصداع النصفي ، ومشاكل مع الرؤية . يمكن لمثل هذه العادات أيضًا أن تمنعهم من ممارسة الرياضة والأنشطة الخارجية في الطبيعة ، وهي نشاطات مرتبطة بالصحة العقلية الجيدة.

وسائل التواصل الاجتماعي والنشاط الاجتماعي

من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تسمح للمستخدمين بالتواصل مع الأشخاص ذوي الاهتمامات والعقليات المتشابهة ، مما يساهم في زيادة نشاط الشبكات الاجتماعية. وعند الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي ، ليس الأمر كله كئيباً ، إذ يمكن أن يؤدي الاستخدام باعتدال في بعض الأحيان إلى تعزيز الروابط الاجتماعية ورأس المال الاجتماعي.

ومع ذلك ، قد يتخلى المستخدمون المدمنون لوسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الرقمية عن التفاعلات الاجتماعية وجهًا لوجه لتنغمس في عاداتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال ، يشير تقرير حديث إلى أن المستخدم العادي لتطبيقات المواعدة عبر الإنترنت يقضي حوالي 90 دقيقة يوميًا على التطبيق. أليس من الأفضل قضاء هذه المدة في التواصل الاجتماعي مع الناس في الحياة الواقعية؟

في الواقع ، تشير أبحاث مهمة إلى أن مكافأة التواصل والنشاط الاجتماعي وجهًا لوجه تحوط الإنسان ضد الاكتئاب والقلق وغيرهما من نتائج الصحة العقلية. وقد تكون التنشئة الاجتماعية في العالم الحقيقي أفضل للصحة العقلية من نشاط وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.

خطوات التخلص من السموم الرقمية
إن الاستخدام المكثف للأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي ضار بالصحة العقلية. وعلى هذا النحو ، يجب اعتبار التخلص من السموم الرقمية استراتيجية مهمة للرعاية الذاتية.

والأهم من ذلك ، إن التخلص من السموم الرقمية لا يعني دائمًا الامتناع التام عن ممارستها. قد تكون هذه النصائح مبتذلة وغير عملية على حد سواء ، حيث يستخدم العديد من الأشخاص أجهزتهم الرقمية لأغراض الأعمال الأساسية والتعليمية والعائلية . بدلاً من ذلك ، يمكن لبعض الخطوات البسيطة تعديل الاستخدام مع تأثيرات مفيدة ، وسوف نذكر ثلاثة منها أدناه :

الخطوة الأولى تتعلق بالوقت : يقرر بعض الأفراد الامتناع عن استخدام الأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي في أوقات معينة من اليوم ، أو حتى أيام معينة من الأسبوع. قد يتضمن ذلك حظر التجول الرقمي ، على سبيل المثال ، أو عدم الاستخدام بعد الساعة 9 مساءً ، أو عدم الاستخدام في أيام الأحد. يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية مفيدة للنوم والراحة ، ويمكن تكييفها وفقًا للخصوصيات الفردية.

الخطوة الثانية تتعلق بالمساحات : بعض المتاجر والحانات البريطانية قد سنت لنفسها قانونا: لا هواتف، لا أجهزة الكمبيوتر المحمولة، لا أقراص مدمجة " لتشجيع الحوار الاجتماعي بين روادها . وبالمثل ، يحدد بعض الأشخاص مساحات خالية من الأجهزة الرقمية في منازلهم. ويشتمل هذا عادةً على مساحات مثل غرفة النوم أو على مائدة العشاء ، ومرة أخرى، يمكن تكييفها وفقًا للظروف الفردية.

الخطوة الثالثة تتعلق بالبدائل : يستخدم العديد من الأشخاص وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الرقمية لملء الفراغ الاجتماعي. يوفر التخلص الناجح من السموم الرقمية وقت فراغ للأنشطة البديلة ، والتي قد تملأ هذا الفراغ بشكل أفضل. يمكن للأفراد وضع خطة عمل في هذا الصدد ، و قد تشمل إحياء الاهتمامات القديمة، أو ممارسة هوايات جديدة ، أو التطوع في نشاطات خيرية.

يمكن أن يمنح التخلص من السموم الرقمية وقتًا للتأمل والتجديد يمكن أن يكون مفيدًا للصحة العقلية والجسدية ، ويخلق مساحة جديدة للأنشطة البديلة المعززة للصحة العامة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر.. قمة أفريقية لشركات التكنولوجيا الرقمية بمشاركة أمي


.. -احنا ناس صعايدة يابيه- استشاري الطب النفسي: هناك أسر تحاول




.. د. جمال فرويز استشاري الطب النفسي:بنفرح بنموذج الولد الجان أ


.. د.جمال فرويز استشاري الطب النفسي:لو ولادنا فى الجامعة ودخلوا




.. د. رشا الجندي: لو ابنك قال لك أنا بحب لازم تفرح لأنها من علا