الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الزمن والجائحة

طالب عبد الأمير

2021 / 3 / 30
الادب والفن


إستيقظت صباح اليوم على منبه الساعة. وهذه عادتي كل صباح. وفي الوقت المحدد. ولكن هذا الصباح كان إستثناءً. فقبله وفي هدئة الليل والناس نيامى، أخذ الزمن يتسلل حابياً الى مضجع الوقت وأهداه ساعة كاملة، بدقائقها وثوانيها. فاضاف الى محتوى الوقت ساعة كاملة. وحوّل الثانية فجراً الى الثالثة. ومنبه ساعتي رن في السابعة، تماما حسبما جرى تنظيمه بأن يطلق موسيقاه المنبهة في اللحظة كل صباح. لكنه ابتداء من هذا اليوم الثامن والعشرين من آذار، اصبحت السابعة تسمى الثامنة. والثامنة سابقاً أصبحت التاسعة في الراهن, وهلم جرا، حيث تقدم الوقت ساعة. وسيستمر على هذا المنوال حتى نهاية اليوم الأخير من أكتوبر، من هذا العام. عندئذ سيعيد الوقت للزمن ساعته، فتعود الثالثة لتصبح الثانية. وهذا ما يعرف بالوقت الصيفي وذاك الشتوي ، الذي تتبعه بعض البلدان. منذ سبعينيات القرن الماضي. لكن فكرة التوقيتين تعود الى الفلكي البريطاني جورج هادسون، التي طرحها في العام 1895. ولحقت بركبها دول مثل ألمانيا والنمسا في ربيع عام 1916.ها وبعد ذلك التحقت بها دول أخرى.
لابد لي من القول أن هذه مسألة تعديل الوقت جاءت عرضية، لأنني ومنذ فترة أحاول أن أكتب عن الزمن وسرعته التي تغيرت. وبالطبع نحن نعرف الآن أن ثمة فروقاً كثيرة بين الوقت والزمن. فهما ليسا صنوان كما إعتقد البعض.
فبالأمس، ونقول هذا مجازاً. وللدقة، نقول قبل ثلاثة أشهرمضت، كنا قد ودّعنا عاماً أنتهت صلاحيته. لملم أوراقه ودخل التاريخ يبحث عن مكان له فوق رفوف الذاكرة الجمعية. وبذات الوقت إستقبلنا عاماً جديدا وليداً حل محله، وباشر في الحال لعبة الكون السديمية. إستعار نفس أسماء الأيام والشهور، التي دأبت عليها السنوات السابقة، مع فارق أساسي، هو تسمية العدد. فبدلاً من أن كنا نقول، طيلة السنة الماضية الفين وعشرين، أصبحنا نقول الآن الفين وواحد وعشرين، وعلينا أن نعتاد على هذا الرقم ونستمر به حتى نهاية هذا العام و مجئ عام جديد. وهذا متغير بسيط، يعني "نانو" بلغة الرقمنة، فكل ما حدث تم بنسق منظم كما هو الحال منذ قرون.
الزمن يجري، يمر دون أن يلتفت وراءه، ودون أن يترك ملمساً مادياً. هو كالماء ليس له نقطة عبور أو مساحة حيادية ساكنة ، كما لا يوجد ثمة فاصل فيزياوي بين السنين، أو نقطة عبور بين سنة واخرى، بل الزمن يجري دونما توقف. لذلك لايجد المرء ثمة اختلاف بين ايام السنة الماضية وأيام السنة الجديدة، لا في التشكل ولا في الإحداثيات ولا في عدد الساعات والدقائق وألأشهر حتى. ربما الفرق في الأيام ثمة استثناء في السنة الكبيسة، والفارق فيها يوم واحد يضاف كل اربع سنوات الى شهر شباط للتوازن بين التقويمين الفلكي والميلادي.
لكن الفرق الاساس بين عام وعام هو مايخلقه ذهن الانسان وشعوره ، فرديا كان أو جمعياً، كما هو في الراهن، الذي يتجلى في النظرة العامة لكم الاشياء التي تركت أبواب الزمن مغلقة تحرسها آلهة العتمة. فباتت طرائق الاحتفال الذي خُلع عنها أكليل الماضي ووضع على رأس الحاضر هادئة مترنحة. والأمنيات التي كانت تحملها الريح الى المستقبل خجولة خافتة النبرة. ومظاهر الفرح وقرع الطبول احتفاءا برحيل المنتهي صلاحيته وبولادة الجديد، باردة يشوبها القلق مما ستحمله الأيام في جعبتها. فالجائحة مازالت شبحاً يخيف الاجساد الحية ويتربص بكبار السن والمرضى، ويفرض شروطه القاسية على الانسان ويحجِّم قدراته. هذه الجائحة، مازالت تفرز تداعياتها إنكسارات في مرايا الأيام التي انزوت مخزونة بين علب الزمن الفارغة وأكياس المواد الغذائية ومحدودية الحركة. وطبول حرب يُسمع نبضها الخافت تحت كثبان الرمل، وشاشات التلفاز التي يتعالى صراخها على أنين المحرومين، وصخور رصيف المسناة المهجورة التي باتت شواهداً للعواصف. بعد أن غادرت السفن موانئها وأبحرت في المجهول تتلاطم فيها موجات الزمن، دون صواري أوفنارات.
ليس للزمن دلالات مادية ملموسة. بل هو يتجسد فقط من خلال الاحساس به، من خلال الشعور بأننا نهئ أنفسنا له، كما اننا نتلمسه بأننا نكبر. نتلمسه من خلال ظواهر أخرى، كتعاقب الليل والنهار، على سبيل المثال. وليس للزمن ثمة تعريف دقيق واحد، فهو يُصنّف حسب ارتباطه بالاشياء، فيشار الى انه بمثابة البعد الرابع الحسي للمكان، الذي يتجسد في الابعاد الثلاثة المتعارف عليها وهي الطول والعرض والارتفاع.
في الماضي، كان ينظر الى الزمن كمفهوم مطلق، معطياته ثابتة تسير بنسق منظم في اي مكان بالكون. الا ان الفيزياء الحديثة عدلت من هذه النظرة المطلقة للزمن. وبرهنت على عدم إطلاقه لأن وحدات قياسه ذات معطيات متحركة. لأن هنالك اختلافاً في طول هذه الوحدات. ونعني بهذه الوحدات، الثانية والدقيقة والساعة، وهي وحدات قياس الوقت، الذي كثيراً ما ينظر اليه كمرادف للزمن، بينما الوقت يمثل وحدة قياسية له. وهذا على الصعيد الفيزياوي.
أما تحليل الزمن فلسفياً، فينطلق في مسار حركةِ تكون في بعض الأحيان بطيئة، وفي أحايين أخرى سريعة. ويشّبه بالحركة والتغيير، كما أن له نقطة فاصلة لا تأخذ حيزاً، بل هي متواصلة في جريانه نحو المستقبل، قادمة من الماضي مرورا بالآني، الحاضر.
وفلسفياً أيضاً يُنظر الى الزمن كونه مقياساً للحركة، في بطئها و سرعتها في اتجاه خطي أوحلزوني. وهذه النظرة دفعت باتجاه ربط مفهوم الزمن بمحددات المكان، كاستمرارية فيزياوية و تفكير ذهني. ومن هنا برز مصطلح الزمكان. لكن هذا المصطلح بات يتقهقر أمام الجائحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنا والست والجيران?? علاقة ممتعة بين مزاج صلاح عبدالله وصوت


.. كل الزوايا - الفنان أيمن الشيوي مدير المسرح القومي يوضح استع




.. كل الزوايا - هل الاقبال على المسرح بيكون كبير ولا متوسط؟ الف


.. كل الزوايا - بأسعار رمزية .. سينما الشعب تعرض 4 أفلام في موس




.. رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة يوضح الاستعدادات لعرض افلام