الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلاصة

فارس تركي محمود

2021 / 3 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


نستطيع القول أنه هناك ثلاثة عوامل رئيسة تحكمت بمصائر الشعوب ، ورسمت الملامح الأساسية لرحلتها التاريخية ، وصاغت ونحتت صفاتها وسماتها الشخصية ، وأرست قواعد وأسس صلبة لعاداتها وتقاليدها وميولها وفلسفتها الحياتية بشكلٍ عام ، وشكَّلت عقليتها ومزاياها النفسية وخياراتها . هذه العوامل تتمثل بالسمات البدائية التي تحلت بها الشعوب في الأزمنة الغابرة ، والظروف الجغرافية المختلفة التي واجهتها تلك الشعوب , ودافعي الحرص على تحقيق الربح والمنفعة من جهة وتجنب الخسارة من جهةٍ أخرى ، هذان الدافعان المتحكمان بالطبيعة البشرية تحكماً غريزياً .
فعند خط الشروع البشري أي مع بزوغ فجر الإنسانية كانت المجتمعات البشرية كلها مجتمعات بدائية تسيطر عليها وتتحكم بها الصفات والسمات البدائية كالديكتاتورية والنظام الأبوي والعقل الجمعي والمنهج الوعظي الخطابي والروح الحربية الصدامية . إلا أن هذه المجتمعات لم تواجه كلها ذات الظروف الجغرافية فبعضها عاش وتعامل مع بيئة وظروف البادية والصحراء وبعضها ترعرع في كنف الجغرافيا الخضراء ، لتبدأ بعدها عملية تفاعل وتشابك واشتباك ما بين السمات البدائية للمجتمعات من جهة والظروف الجغرافية لتلك المجتمعات من جهةٍ أخرى . فالسمة البدائية التي تتلائم وتنسجم مع التحدي الجغرافي الذي تواجهه تبقى وتتعزز وتزداد قوة ورسوخاً لأنها تصبح سمة جالبة للربح مانعة ودافعة للخسارة مما يعني أن الفرد سيحرص على التشبث بها مدفوعاً بدافعي الربح والخسارة . أما السمة التي ستتصادم مع التحدي الجغرافي الذي تواجهه سوف تضعف وتبدأ بفقدان رصيدها بشكل تدريجي لأنها ستصبح سمة مسببة للخسارة وبالتالي وبحكم دافعي الربح والخسارة ستخلي مكانها لسمة جديدة تتلائم أكثر مع التحدي الجغرافي ، وهكذا وبمرور الوقت ستحل سمات جديدة محل السمات البدائية ، وليس بالضرورة أن تكون تلك السمات الجديدة أفضل من السمات البدائية ، ألمهم أنها ستكون أكثر ملائمة لظرفها ومحيطها الجغرافي ، أما كونها أفضل أو أسوأ فهذه مسألة نسبية تختلف فيها الآراء والأذواق والرؤى .
إن المجتمعات الأوربية تعد أفضل نموذج للمجتمعات التي تصادمت سماتها البدائية مع ظروفها الجغرافية ودخلت معها في صراع منذ اليوم الأول لظهور تلك المجتمعات ، هذا الصراع الذي استمر لعشرات القرون وتمخض عنه إضعاف السمات البدائية إلى حدٍ كبير واستبدالها بسمات أخرى تتلائم وتنسجم مع الجغرافيا الأوربية . فتم استبدال الديكتاتورية بالديمقراطية ، والعقل الجمعي بالحرية والفردية ، والمنهج الوعظي بالمنهج التحليلي التجريبي وهكذا دواليك .
أما المجتمعات العربية فهي من أفضل النماذج للمجتمعات التي إنسجمت وتناغمت سماتها البدائية تناغماً تاماً مع ظروفها الجغرافية لذلك تجذَّرت وترسخت تلك السمات في المجتمعات العربية ، فالفرد العربي وجد أنها سمات مثالية ومربحة في ظل الظروف الجغرافية التي يعيش في كنفها ، ولم يجد هناك أي شيء أو أي دافع يحركه باتجاه تغييرها أو استبدالها بسمات أخرى ، فكل ما حوله يهيب به ويدفعه دفعاً جبرياً للتشبث بها والإبقاء عليها وهو لا يملك خياراً في ذلك فدافعي الربح والخسارة كانا ولا يزالا لا يتركان للإنسان أي خيار ، فهو لا يستطيع سوى الخضوع لجبروتهما والإنصياع لأوامرهما .
إن مفاهيم الحرية والديمقراطية والفردية وغيرها من مفاهيم عن حقوق الإنسان تعد مفاهيم مهلكة ومسببة لأفدح الخسائر – كما وضحنا وشرحنا سابقاً - بالنسبة للمجتمعات التي تعيش في ظروف البادية والصحراء كالمجتمعات العربية ، فكيف يمكن لعاقل أن يتصور أن مثل هذه المجتمعات ستختار أو تتبنى مفاهيم وسمات تضعفها وتشتتها وتوردها موارد الهلاك ، وتترك مفاهيم أخرى تعد ضرورية ضرورة الماء والغذاء بالنسبة لها ولا يمكن أن تعيش بدونها .
إن الصحراء تشكل حوالي 88 % من مساحة الوطن العربي ، مما يعني أن 88 % من الجغرافيا العربية ضخت وما زالت تضخ لنا ومنذ آلاف السنين مفاهيم وأفكار ورؤى وفلسفات تتلائم وتنسجم مع ظروف الصحراء – ديكتاتورية ، نظام أبوي قبلي ، عقل جمعي ، منهج وعظي خطابي - ، في مقابل 12 % من تلك الجغرافيا من الممكن أن تضخ مفاهيم مغايرة أو مختلفة – ديمقراطية ، حرية ، فردية ، منهج تحليلي - . وبالتالي فإن النتيجة واضحة ولا تحتاج جهد كبير لمعرفتها فبالتأكيد نسبة الـ 88 % ستتغلب بيسر وسهولة على نسبة الـ 12 % وستفرض مفاهيمها وأفكارها على من يعيش في ظلها ، وستشكل شخصيته وأفكاره وعاداته وتقاليده وميوله وذوقه وحياته بأكملها من الألف إلى الياء بالشكل الذي يتلائم مع تلك المفاهيم والأفكار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة