الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلاب

نصيرة أحمد

2021 / 3 / 31
الادب والفن


العينان الخضراوان تسحران القلب ولاسيما في بلاد يعلو فيها اللون البني والعسلي .كان يصدمني بآلتفاتته وتركيزه المخيف . هو يذهلني جدا ، وأنا أشدّه بقوة ، صغيرة جدا لاأفقه شيئا سوى الالتزام والتمني ، أحب الصمت والأهتمام .. والشعر الأبيض . ممثل كبير وفيلسوف مشّاء. يمشي بحقيبته الكبيرة وهي تعتلي كتفه الأيمن ...تعجزه أحيانا فيساعده جمعٌ من طلابه الشباب . كان يسير بموكب همجي مع هؤلاء المشاغبين الذين تعلقوا به كثيرا وآحتملوا همجاته المباغتة ونصائحه الثقيلة . كدتُ أهرب من هذا المكان لولا اصراره على بقائي ، كان يريدني هنا حيث الشعر والادب والنحو والبلاغة . أي تفاهة هذه ..؟ المرض والغباء لاتجد من يحبك صدقا ، يُعينك على الحياة ، يدلّك على الحقائق المقنعة ...لا أحد .
دخلنا قاعة الصف والشمس مثقلة لاتأبه لأحد ، وجدناه نائما ...الكلب الضخم العجوز .. فضجّت القاعة بالصراخ المفتعل ..والضحك ..رمى بحقيبته الكبيرة على منصّة القاعة وآحتار ماذا يفعل ..هرب الجمع ..الاولاد والفتيات . صرخ بقوة والعينان الخضراوان تستبيحان هلع الجمع ....المهم لديهم ان يتلاشى الدرس الاول وينتهي كل شىء ..تكوّر الجمع عند الباب ...كيف أمزّق حيرته واندهاشه وأطفىء ارتباك عينيه ..؟ كم تخيفني هذه المخلوقات وأنا صغيرة .... وعندما كبرت ايضا ...لكن الهدف الأسمى أن اكون الاولى في كل شىء ..والمهم أن أحقق الاعجاب والدهشة والتميّز في عينيه ....كيف سأستحضر الشجاعة المفقودة ..؟ رميت بأوراقي وحقيبتي واقتربت بهدوء ..وأغمضت عيني ّ ..صرخ بي ..ماذا تفعلين ؟ ابتسمت ومضيت ناحية الكلب العجوز النائم ..سأرفعه ...تراجع الجمع وهو كان خلفي ..يسندني بارتباك ...انحنيت ببطء وهدوء ، لاأدري ماذا سيفعل هذا الكائن المجنون ..أو الخائف ...مرّت اصابعي على أذن الكلب.. كان شعره ناعما ودافئا ...رفعته من ظهره ..كنت اتحسس أضلاعه ولحمه ...أحكمت قبضتيّ وسرت ببطء ومضيت في الممر الساكن الهادىء والصراخ يتعالى وهو يسندني بكلمات لم أتبينها... كان الكلب وديعا وصامتا وثقيلا ، ونزلت درجات السلم بسرعة والجماهير خلفي . وأنزلته قرب الحديقة الصغيرة تحت شجرة السدر الضخمة ، رفعت رأسي واسترجعت انفاسي. لم يفعل شيئا سوى أن عاد الى غفوته ...كان قلبي يرتجف بشدة ولكنني كنت ابتسم لأنه كان يسندني بصوته القوي وعينيه المرعبتين ..(هل أحتاج هذا ) ...كان يصرخ بقوة ..انظروا ماذا فعلت هذه الفتاة الصغيرة ..لم يفعل الرجال شيئا سوى الهرب ...أعانت رجولتنا على التمثّل....ذهبت ُ الى المغاسل ..هربتُ من الموقف العجيب ...ومضت دقائق وانا اغتسل بشدة ..
قالها أمام الجمع ....لو ان النساء مثل هذه لفضلت النساء على الرجال ...أنتِ لستِ وحدكِ.....أنت جمع ٌ من الرجال ...انت الشجاعة الاسطورية ..لكِ مني أجمل هدية ..وفي اليوم التالي أخذني الى المكتبة مع الصحبة والطلاب واشترى لي مجموعة كبيرة من الكتب ..هدية القوة والجرأة ...فرحت بعينيه وهما تملآن قلبي بسعادة لامثيل لها ......لستِ شجاعة ...أنا خائفة...وصغيرة... ماأتفه المشاعر وهي تحاول المثول بالقوة ...ماذا يحتاج المرء ليكون بطلا......؟ ..قلبا صادقا محبّا.. وكلبا ضخما عجوزا وخائفا ووحيدا ...
ولكن الامر يختلف ان اجتمعت الكلاب على فريسة صغيرة ولحمٍ طريّ ...وأنتِ صغيرة جدا..
كنا نسكن ُ غرفة في الطابق الثاني ...نزلٌ مؤقت بآنتظار بيتنا الجميل أن يكتمل ...الشارع يبدو لانهاية له .. والبيوت قليلة ..والأراضي الفارغة متلاصقة في هذه المدينة ..جميلة وهي جميلة.....الصبا الأول والخوف البِكر ..هذه المساحات المعبأة بالكلاب الشرسة تستبيح النهار وتسلب الليل سكونه ...مَن يعين قلبي على شجاعة وهمية ...؟ خمس سنين او اكثر بأشهر لاتكفي أن أتمثّل القوة ........كانت امي تجبرني كل صباح أن أصحب أختيّ الصغيرتين لبيت خالي في نهاية الشارع الذي لانهاية له ...والأرض الفارغة موحشة تعفرّها كلابٌ متوحشة... وعدت...أنا ذهبتُ وعدت ياأمي .....تجيبني بقوة ...كلا ..أنا رأيتكِ تعودين بسرعة مع اخواتك ...اذهبي الان الى بيت خالك ِ ..وأنا سأنظر من الشباك ...آه .... ياالهي وعدتُ أدراجي أمسك احداهن بيدي اليمنى والثانية باليد الشمال ..ماذا افعل ياربي ؟ .. والكلاب تنبحُ بشدة ...هل ستأكلني ..لحمٌ طفوليٌ رقيق.. ..ياأمي ...انها خمسُ سنين فقط ..كيف أنهض بهذه المهمة الكبيرة ...أخبرتهن ان يركضن بسرعة ...واحدة ثلاث سنين والاخرى لاتتعدى السنتين ..حملتها (نبؤة الكلب الضخم العجوز) ومسكت بيد اختي وهي تبكي وركضت بسرعة والكلاب تنبح بشدة وتهرول ناحيتنا ..لم أسقط أرضا ولم أفقد نعلي وعبرت رصيف الخطر بلا خسائر ومضيت الى بيت خالي ....كاد قلبي ان يصمت ...عبور اسطوري ناحية الشجاعة المهووسة ..من يعترفُ بها ..؟ الآن لايذكر العالم سوى عبور السويس ...جمعٌ كبيرٌ من الرجال يحطمون أيقونة الخوف وشناشيل البقاء ....! منْ يتذكر قلبي وهو يتساقط في الارض الخلاء والنباح خلفهُ ...لم يصفق لي أحد وأنا احمل أختيّ وأجري ....آه ياأمي ...لم أخبركِ حينها عندما عدت من مرافق الكلية وقد اغتسلتُ طويلا وأخفيتُ دمعي وخوفي تحت الماء البارد ....وجدتُ جماهير الطلاب وهم يقفون بانتظاري فوق السلم وعلى الشرفات والعينان الخضراوان تبعثران الحب الأول ....اشتدّ التصفيق والصفير بقوة وأنا أعتلي السلم القديم ..فرحت بشجاعتي المصطنعة ...كدتُ أبكي ....آه ياأمي ...لم أخبركِ ماذا فعلتُ أو سأفعلُ ...تركتِني فريسة للكلاب ...كانت جائزتي قبلةٌ دافئة من خالي الذي أحببته....من يصفق لي الآن... وأنا أهزم الكلاب واحدا تلو الآخر ...وأبصق على نباحهم بهروب لامثيل له ....فأين الشجاعة ياأمي في كل هذا ..؟ أنا لم أفعل شيئا سوى الهرب ...والتصفيق الهمجي بانتظاري.....أية تفاهة هذه ..؟ ......
رحلت أمي ...ورحل الكلبُ العجوز ....ورحل معلمي الذي أحببته ....وملأت الكلاب المتوحشة السائبة كل شوارع المدينة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ