الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعور الإنساني مادة غنية بالإثارة والإهتمام

رائد مهدي
(Raed Mahdi)

2021 / 3 / 31
الادب والفن


موضوع نقدي كتبته عن النص القصصي( مزاد ) للكاتبة الأديبة القاصة العراقية ليلى المراني .

النص:

قصة قصيرة.. مزاد

يلقي نظرةً أخيرة ملؤها ألمٌ، يضجّ سخريةً، على شهادته الجامعية المعلّقة على جدارٍ ينضح رطوبةً وعفن، في جحر يسكنان فيه لا يسعُ ثالثاً، وإلى جوارها شهادةٌ جامعية أخرى لزوجته، ينتزعهما بحقدٍ ويلقيهما أرضاً، باصقاً يسحقهما بحذائه المهتريء، يتناول الكيس الذي يضمّ ثمن كليته التي باعها، وكلية زوجته.. تنظر إليه بصمت ورجاء، تضغط على جرحها الذي لم يندمل بعد، يتخاذل تحت عمق نظراتها المستعطفة، ودموعها بصمت تغسل وجهها.. يمسحها بشفتيه المتيبّستين، يقبّل رأسها بإشفاق..
— ضع الكيس تحت قميصك..
صوتها متوسّلاً
— لماذا..؟
— أخاف أن يسقط من يدك، أو تنساه في الباص.. أو يختطفه أحدهم منك..
ملؤه ألماً تنزلق من فمه الكلمات ساخرةً: — نبيع قطعةً من كبدنا حينها …!
يستقطع دنانير قليلة تقيهما الجوع لأيام، يغادر مسرعاً كأنّ شياطيناً تطارده، أخيراً سيحصل على عمل بعد أن يدفع الثمن رشوةً للموظف الذي وعده، حارساً ليليّاً لإحدى الدوائر، تعصف برأسه زوبعةٌ من العواطف والذكريات، تسخر منه أربعة أعوامٍ في الجامعة، استعجلها كي يتخرّج ويشتغل بشهادته، حالماً بعشٍّ صغير يجمعه بحبيبته.. كانت تلك اللحظات حدّاً فاصلاً بين الحياة واللا حياة، بين الأمل واليأس حدّ التلاشي، حزن عميق تبرعم فيه أملٌ صغير أخذ يصقل روحه ويضيء، يتحسّس النقود، يضمّ الكيس إلى صدره، يحتضنه كما طفلٍ رضيع، يرسم ابتسامةً على وجهه، جاهداً حاول أن تبدو سعيدة، يطرق الباب، متعثّراً يدخل غرفة الموظّف، ناظراً إلى الكيس بإشفاق يضعه على المنضدة السوداء اللاّمعة،
— آسف أستاذ، المبلغ تنقصه بضعة دنانير، أعدك أن أسدّدها من أوّل راتب..
دون أن يرفع رأسه، يعدّل من وضع نظّارته الطبيّة على أنفه الكبير، باسترخاء ينفخ دخان سيجارته، يتقيّأ قيحاً يفحّ مع كلماتٍ قادمة من دهورٍ سحيقة:
— آسف، لقد تأخّرت..
ابتسامةٌ بلهاء تفترس وجهه، ملتاعة خرساء تنوح كلماته:
— كيف، لماذا..؟ موعدنا اليوم يا أستاذ..
— غيرك دفع أكثر، وحصل على الوظيفة…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النقد:

حين تكون قادر على معرفة وإدراك مايشعر به الآخرين فأنت حكيم، وحين تكون قادر على التعاطف مع المظلومين بكل مشاعرك وبأقصى أعماق كتاباتك وإبداعك فأنت فنان نبيل همه الإنسانية وعالمها المترامي الأطراف.

المعاناة أو كما تسمى بالمأساة تعد منجما غنيا لاتنضب منه المواضيع ولاتجف به المعاني، ولذا من المنطقي جدا أن تكون مصدر إلهام لكل أديب قريب من عالم الإنسانية الحقيقي والمبني على التعاطف مع قضايا الناس والإهتمام بما يدور بأذهانهم من أفكار ورؤى وبما تمتلأ به صدورهم من مشاعر تخالط الأنفاس تاركة بصمة لافتة على كل الحواس.
الأديبة القاصة ليلى المراني في هذه القصة تحديدا نراها تولي الإهتمام لما يشعر به أبطال القصة أكثر من تفاصيل موضوع القصة المترتبة مابين البداية والنهاية ولذا نجد هذه القصة تبدأ بشعورتراجيدي يعتري بطل القصة وكذلك تنتهي القصة بشعور تراجيدي يعتري بطل القصة ومابينهما احداث أبرز مافيها هو مايشعر به ابطال القصة من قلق وخوف وحيرة وريبة ويأس. وهي قطعا من أدب المأساة.
هذه القصة تحديد هي قصة الشعور الإنساني لرجل مسحوق مضطهد مغلوب على أمره مستسلم لواقع غاشم لم يدع له خيارا إلا وسلبه منه بل راح يسلب منه إجزاء من جسده وجسد أمرأته مقابل حفنة قليلة من أيام يعيشونها تحت خيمة واقع فاسد مستحق أن ينكره كل شرفاء الأرض وكل ذي ضمير حي وكل قلب سليم ينبض من أجل الناس بالمحبة وفي مقدمة ذلك الأقلام الإنسانية التي تكتب من أجل حياة كريمة لكل البشر ولأجل إنارة عتمة المعاناة وتسليط الضوء على القابعين في رحمها حيث لايسمع صرخاتهم إحد سوى من كان قريب منهم ولن يفز بذلك القرب إلا من جند نفسه لخدمة الناس وبرهم كعائلة إنسانية كبيرة تعيش في بيت كبير يدعى بالأرض.
الشيء الذي يعطي للقصة قيمة فنية عالية هو اختيار المواضع التي يتوهج بها إحساس بطل القصة وطريقة التمهيد والتدرج في ذلك ففي بداية القصة يشعر البطل بشعور عميق من المرارة لكن مع سياق الاحداث يبدء بالهبوط مع توقع القارئ لنتيجة قد تبدد ذلك الإحساس او تطفئه بشكل نهائي لكن في ختام القصة يضطرم الاحساس التراجيدي مرة اخرى مع نتيجة كانت هي الأبعد عن حيز التوقعات، النتيجة هي ذكاء انتقاء الحدث الذي أعاد توهج الأحساس بالمرارة ، ماحصل بالضبط تماما كالذي يحصل مع نار استحالت الى جمل وتهب عاصفة أخرى لتضرم النار من جديد في ذلك الجمر... إن من سمات الأديب المتمكن من مواهبه والمتفنن بأدواته حد الأحتراف أن يكون صانعا محترفا للإحساس بمستوى صناعته للحدث وتصويره بكلمات تبرزه كحدث يستجلب الفضول ويثير جلبة الانتباه ويحفز بغنى فكرته جنبات الوعي في الأذهان.
يمكنني القول عن الكاتبة ليلى المراني بأنها تجيد توظيف العاطفة بذكاء في صياغة موضوعها الأدبي، فمثل هذه القصة لو كتبت كحدث عادي سنجد أمثالها تحدث كل يوم ولا تجد من يلتفت إليها، لكن ألأديبة ليلى المراني صورت لنا مايشعر به البطل وقد هزت مشاعر القارئ بذلك الإستخدام الذكي لإثارة عواطفه وبذلك حولت ماهو عادي بالنسبة للقارئ الى استثنائي جدير بالإهتمام والتعاطف وتلك هي رسالة الفن المجند لخدمة الحياة والعائلة الإنسانية، ذلك الفن الذي يجعل من الأنا واحدة في كل الناس لا منفصلة في جسد لشخص واحد، إن الأنا حين تنفصل تموت حقا حيث لاتشعر بآلام غيرها ولاتكترث لما هو خارحها شأنها شأن كل ميت يقيم في أعماق قبر مغلف بالحجارة لايسمع صوت مظلوم ولا يرد على سؤال مستغيث.
نمط الكتابة الذي تسلكه الأديبة ليلى المراني يمكننا تسميته بأدب القضايا الإنسانية وهموم البشر ومعاناتهم.
تحية لقلم يكتب من أجل الحياة وإنسانها يتعاطف مع المظلوم ويثور على الطواغيت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع