الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طرقة حذاء خروتشوف

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2021 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كلنا نعرف أن الصين، وعقب طيها للمرحلة الماوية وثورتها الثقافية الأيديولوجية، قد طرحت نفسها، على الساحة الدولية، كدولة اقتصاد وكقوة اقتصادية، وليس كقوة سياسية، وهذا ما لا يستطيع أحد لومها عليه، وخاصة عقب مرحلة الجوع التي تعرض لها شعبها، في ظل حكم ماو تسي تونغ وما تسببت به ثورته الثقافية من جوع وفاقة لشعب المليار وربع انسان، الذي يمثل الشعب الصيني، الكتلة البشرية الأكبر في العالم.
وبسبب الكتلة البشرية الهائلة هذه ونهضتها الاقتصادية العملاقة الحديثة، وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن، وأيضاُ بسبب شغور مقعد الند الدولي للولايات المتحدة الأمريكية في السياسة الدولية، عقب تفكك الاتحاد السوفيتي، صار القسم الجنوبي من العالم، دول العالم الثالث، يطالب الصين بأخذ دور الاتحاد السوفيتي السابق في مواجهة أمريكا للحد من غلوائها وتصرفها المنفرد في تقرير مصير العالم، من دون التوقف لفهم طبيعة النظام الصيني الذي خلف ماو تسي تونغ وطريقة رؤيته للأمور ككل، ولأمر السياسة الدولية على وجه الخصوص.
الصين وإن كانت قد شهدت حالة انفتاح نسبية، عقب المرحلة الماوية، وهي التي أهلتها لأن تكون ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بل والاقتصاد المهيء لابتلاع اقتصاد الولايات المتحدة ذاتها، إلا أنها مازالت دولة يحكمها نظام شمولي مؤدلج، همه الأول البقاء في السلطة، بصيغته ورموزه الخارجين من تحت عباءة ماو تسي تونغ وايديولوجية الحزب الواحد، وأيضاً بذات الصيغة الأيديولوجية، الشمولية والتفردية التي حكم بها الحزب الشيوعي الصيني، منذ سيطرته على الحكم وإلى يومنا هذا؛ وطبعاً هذا النظام له مخاوفه، بل ويرتجف هلعاً كلما لوحت له الولايات المتحدة ودول أوربا بعصي الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التعبير وحقوق الأقليات العرقية والدينية.
إذاً ولهذه الأسباب مجتمعة، إضافة إلى أن القيادة الصينية الحالية لا تحكم عقولها نزعة الحرب، وأيضاً لأن المحيط الدولي الأيديولوجي - عقب انهيار المعسكر الاشتراكي ونقمة شعوبه على تجربة حكم الأحزاب الشيوعية – والذي لم يعد يسمح لها بتصدير ونشر فكرها الأيديولوجي والتمدد عن طريقه، تفضل القيادة الصينية العمل بهدوء وصمت على مشروعها الاقتصادي، من دون المراهنة المعلنة على تحوله إلى اقتصاد استعماري، لأن نسبة من معطيات الأرض تُدلل أن هذا الاستعمار سيأتي ويتحقق كتحصيل حاصل أو كنتيجة لهيمنتها الاقتصادية في نهاية الأمر.
فهم دول الجنوب أو دول العالم الثالث، ودول المشرق العربي وحوض الخليج العربي لا يؤمن بهذه الرؤية ويستعجل انفجار غضبة التنين الصيني، بل وهذه الدول تحسبها بالدقائق والساعات، على أبعد وجه، على أمل أن يقف المارد الصيني بوجه الطغيان الأمريكي وتفرده بالساحة الدولية، والوقوف بوجه التمدد الاستعماري الإيراني المتفرد بالساحة الإقليمية، عن طريق مليشياته المسلحة (والذي ابتلع أربع من الدول العربية لحد الآن ويهدد باقيها، بدءاً بالمملكة العربية السعودية طبعاً) متناسية هذه الدول أن ليس بين القادة الصينين (نيكيتا خورشوف) جديد، ينطوي على نزعة التحدي ومستعد لخلع حذائه والطرق به على منصة الأمم المتحدة، من أجل أن يقول للولايات المتحدة توقفي عن غيك وكفى طغياناً وتحكماً بمصائر دول وشعوب العالم.
الصين ليس لديها مشكلة مع ايران، عدو المشرق العربي الأول، حتى لو ابتلعت أو هيمنت على كامل دوله، أيديولوجياً ومذهبياً وعسكرياً، عن طريق ميليشياتها أو أحزابها المذهبية، التي تعمل بصمت داخل دول الخليج العربي، بل حتى لو اجتاحتها واستعمرتها بصورة مباشرة، مشكلتها الوحيدة هي في توقف طلب أسواق هذه الدول من بضائع مصانعها الرخيصة، سواء في ظل ضغوط جائحة الكورونا الحالية أو قبلها أو بعدها. بل وحتى لو تقاتلت دول حوض الخليج العربي مع ايران، فهي على استعداد لتزويد الطرفين بالأسلحة المدمرة، مادام الأمر سيسمح لها بالتهام دولارات عائدات نفط هذه الدول. أما على صعيد المواقف السياسية الدولية، وخاصة لكونها بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، فدول المشرق العربي لن تحصل منها على أكثر من تصريحات الاستنكار والدعوة للجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل حل المشاكل العالقة بالطرق السلمية، أما الضغط بوزنها الاقتصادي والسياسي الدولي فهذا تدخره لشؤونها الخاصة مع أوربا الولايات المتحدة حصراً، وأظن أن الاتفاقات والمعاهدات التي وقعتها مع ايران بالأمس، خير دليل على ما أقول.
يا دول حوض الخليج العربي لا تنتظري موقفاً رادعاً من الصين، تجاه التهديدات والتدخلات الإيرانية، بل وحرب الوكالة التي تقودها مليشياتها ضدكِ، ببساطة لأن النظام الصيني، الشمولي والدكتاتوري، الذي يحكم شعبه بالحديد والنار، وعى درس تجربة الولايات المتحدة في تفتيت الاتحاد السوفيتي السابق عن طريق الاعلام، ومن دون أن يطلق عليه رصاصة واحدة، والنظام السياسي الصيني الحالي، بقمعه وتسلطه ضد شعبه، يعاني نفس حالة الرفض التي عانتها أنظمة المعسكر الاشتراكي في دول المعسكر الشرقي التي حكمتها أحزاب شيوعية مماثلة للحزب الشيوعي الذي يحكم الشعب الصيني حالياً، وهذا ما يجعل النظام الصيني يتردد ألف مرة من اختيار المواجهة مع أمريكا، بل ومع أي دولة أخرى، خوفاً على سلة بيضه من التكسر وانفراط عقد السلطة وامتيازاتها الذي يقبض عن طريقها، على رقبة الشعب الصيني الذي يتحين فرصة التحرر من هذه القبضة والتنعم بالحرية وباقي حقوقه الإنسانية والشخصية والسياسية.
الصين دولة عظمى وبإمكانيات اقتصادية هائلة، نعم، ولكنها ليست دولة مؤسسات ثابته، تبقى سياستها ثابته إذا ما تغير رئيسها ووزرائه بانتخابات، كما هو حاصل في أمريكا وأوربا، بل هي دولة يحكمها أشخاص، همهم الأول هو البقاء في السلطة حتى ساعة الموت، وعملية ازاحتهم عن السلطة ستعني حرمانهم من امتيازاتها، بل وحتى تقديمهم للمحاكمات، بل وربما حتى اعدامهم من دون محاكمات من قبل معارضيهم ومن قبل الشعب الذي يحكموه بأبشع صور الاستبداد، وهذا ما يمنعهم من التفكير بأي مواجهة دولية، خوفاً من تحريض ودعم خارجيين للشعب الصيني، المتلهف لساعة الخلاص من بطشهم وطردهم إلى القبور أو إلى خارج السلطة على أقل تقدير.
طبعاً هذه ليست دعوة مني لدول الخليج للارتماء في حضن الولايات المتحدة، الذي هو حضن زوجة أب لئيمة وحاقدة، في كل أحواله، وسواء كان راضياً أو غاضباً، إنما هي دعوة لمحاولة فهم أمر الصين على حقيقته فقط، وهي عدم توفرها على نيكيتا خوروشوف قادر على طرق منصة الأمم المتحدة، بحذائه، في حضور الرئيس الأمريكي، أي في وجهه، أي دون حساب لوجوده.
ما هو البديل السياسي الذي يصلح للضغط على الصين؟
السيطرة على اقتصادها. كيف؟ شراء قرارها السياسي عبر شراء منتجاتها كاملة، وبما يجعلها مذهولة عما حولها، أو مقاطعة بضاعتها بصورة شاملة، وكلنا يعرف حجم المبادلات التجارية بين دول الخليج والصين، بل أن مقاطعة السعودية لوحدها للمنتجات الصينية التي تتداولها الأسواق السعودية خلال مومسميّ الحج والعمرة لوحدها، قادرة أن تضع الصين في أزمة تجارية كبيرة، فكيف إذا ما تضافرت جميع دول الخليج على مقاطعة جميع منتجاتها؟ ومثل هذا الموقف كفيل بتغيير مواقف الصين تجاه ايران المفلسة من الأساس، بسبب الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة عليها وعلى رموز نظامها، الذين لا يجيدون غير تصدير الموت والمشاكل لدول جوارها. ومعروف للجميع مجموع استيرادات دول الخليج يفوق استيرادات ايران بأضعاف مضاعفة، ولن تتعادل كفتيّ عائدات الصين من طرفيّ هذه المعادلة إلا إذا قدمت ايران نفطها للصين مجاناً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت