الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجرم الضحية

سعيد سويسي

2021 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


في الوطن العربي أو بالأحرى في الدول الممزقة المتناحرة التي تجمعها لغة في طريقها إلى الإبادة الجماعية هي والناطقين بها، يستخف بالاعتداء الجنسي على الذكور القاصرين، يستخف به حد عدم التوقف عنده واعتباره أمرا عابرا دون إدراك حجم تأثيره على شخصية المعتدى عليه في طفولته. ويكاد يكون سليما أن يقال أن الاعتداء على الذكور القاصرين في الوطن العربي منتشر انتشار البطالة المقنعة لكن الوقوف عنده وتحليله واعتباره ظاهرة ذات تأثير مدمر أمور لا تطرح.

من جهة، المعتدى عليه لا يحمل آثارا تستدعي ما يسمى جريمة شرف، ومن جهة أخرى، المعتدي عادة ما يكون ذَا سلطة إجرامية تحول دون المساس به، من جهة ثالثة يغيب الإبلاغ عن الاعتداء لأن منظومة الشرف المشوه في العالم العربي ترى أن ذكورة الطفل الملتبسة بالرجولة ستنمحي إن هو أثير أمر الاعتداء الجنسي عليه، ومن جهة رابعة، يغيب تعامل القوانين مع جريمة الاعتداء الجنسي على الذكور القاصرين لأن الطلب غائب ولا يوجد عرض ولأن القوانين يسنها ويطبقها ذكور بين معتدي يستفيد من غياب تناول جريمته ومعتدى عليه غارق في شعوره بالعار والظلم وبينهما ثالث لا يريد أن يفكر مجرد تفكير في الأمر لأنه يجده معقد فيفضل التصرف كأنه لا يرى ولا يسمع.

يعاني الذكر القاصر المعتدى عليه معاناة مريرة منذ الاعتداء وحتى الموت، لا يخفف من معاناته إلا الانتقام، وبما أن هذا غير وارد للأسباب السابقة فهو يصب انتقامه على كل من حوله ومن يطاله أو ينطوي على نفسه حد الاختفاء ونادرا جدا ما يتحول للشذوذ الجنسي.

ما لا يدركه المشاهد هو أن المعتدى عليه يستحضر في كل لحظة من عمره تفاصيل الاعتداء وكأنه يحصل معه لأول مرة وأن الألم يحضر كل وجدانه ويعتبره في النوم والصحو ولا يسقط بالتقادم. ما لا يدركه الناجون من الذكران هو أن مقدار الغضب والسخط والشعور بالظلم المصاحب للطفل المعتدى عليه يزداد مع مرور الوقت ولا يقل وأنه في معظم الأحيان يبلغ حدا تنمحي معه الثوابت من إيمان بدين أو وطن أو صواب وخطأ، وأن المعتدى عليه ينقلب إعصارا يسحق كل من مر في طريقه لأن روحه سحقت ذات يوم ولم تجد من يحميها.

أكاد أجزم أن بعض القراء يعرفون تماما كيف يكون الحال عند الاعتداء. كطفل، هو لا يعي لماذا حصل هذا معي، هل أنا ملعون؟ هل قمت بشيء خاطئ؟ هل أنا عار يجب أن ينمحي؟ لماذا لا يرون حجم الألم في قلبي الصغير؟ لماذا لا يبالون بألمي؟

تستمر المرارة تكبر وتستحيل حقدا على المحيط الذي سمح بوقوع جريمة بشعة بحق طفولة بريئة، وقد يستحيل المعتدى عليه مبررا لمثل هذه الاعتداءات على آخرين من قبل من يسيطر عليهم لأنه يعرف أن ألم التجربة سيصيبهم في مقتل. تستحيل الرغبة في الانتقام نارا تريد إبادة المحيط الذي سمح بجريمة كهذه بكل تفاصيله وبكل ما يمثله، فمن الملام هنا؟

من ينظر إلى محمد دحلان لا يملك إلا أن يلاحظ ملامح المرض النفسي الذي ربما ولد عشية الاعتداء الذي تعرض له. بعيدا عن تصويره بصورة الشيطان، ليس فجوره وليد فطرته، فقد كان إنسانا طبيعيا، ولكن إصراره على تولي دفة القيادة الفلسطينية بإلقاء اللوم على قيادة فاسدة وتصوير بني شعبه كأنهم طلع الشياطين ومحاولته المستميتة القضاء عليهم في كل مناسبة دون أن يكون قد بقي في قلبه مكان لرب أو وطن أو مقدسات ودون أن تكون السلطة أو المال دافعه يشير إلى عوامل نفسية اجتمعت على انتقام لا يبقي ولا يذر. يتفق مع الإمارات الذراع العربي للاحتلال، وقد يكون مصيبا من وجهة نظره، فقد انتهكت قدس روحه ذات يوم دون أن يبالي بها احد، فلم تكون قدسهم فوق قدسي؟

ما لا يدركه في غضبه الأعمى هو أن أطفال الفلسطينيين الذكور يتعرضون لنفس الاعتداء في السجون الإسرائيلية على مدار الساعة وأنه إن لم يستطع إنقاذ نفسه، فيمكنه إنقاذ أطفال آخرين، ما لا يدركه هو أن سلطته يمكن أن تعينه على حماية أطفال آخرين في ذات المحيط الذي فشل فيه عن حماية نفسه.

عذرا ولا معذرة، فنحن السبب وأنت الأداة، كنت وما تزال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلنسكي سيطرح خطة جديدة للسلام في أوكرانيا...لماذا الآن؟


.. حزب الله وإسرائيل.. بين مؤشرات التصعيد والتهدئة | #غرفة_الأخ




.. غالانت يناقش في واشنطن خطة اليوم التالي لحرب غزة. | #غرفة_ال


.. بعد الأداء المخيب.. هل يتنحى بايدن؟ ومن هم البدلاء المحتملون




.. أزمة الهجرة و«التهديد الروسي» يهيمنان على أول قمة بعد الانتخ