الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاهات-يقظوية-و-حداثوية-العراق؟/ (2/2)

عبدالامير الركابي

2021 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تتم في العراق، المصادقه من دون توقف، ولا أي دلالة تلبث او تفكير، على مفهوم الكيانيه والوطنيه بشكلها المعروف بالحديث، مع تجاوز على ما قد كرسه التاريخ وأعاد تكراره خلال اكثر من خمسة الاف سنة، بما يجعل منه خاصية كيانيه ثابته، بينما يعتبر مثل هذا المنحى من قبيل "العلم" و"التقدم" الحداثي، سوى ذلك يتم تجاهل واقعة تاريخيه، وخاصية بارزه أخرى لازمت تاريخ هذا الموضع البدئي، تلك هي ظاهرة الدورات والانقطاعات، والمدن الامبراطوريات التي تنهار، الامر الذي ترمز له بابل وبغداد، والمسافة الفاصلة بينهما، كا نهيار متشابه لقمتين كونيتين، احداهما انتهت الى مدفونه تحت التراب، وأخرى الى خربة تذكر بماض مجيد، صارت مرتعا للاحتلالات البرانيه، ولحكم السلالات التي لم تعد تحتل عاصمة الدورة الإمبراطورية الثانيه، بل خربه من بقايا زمن ودورة انتهت.
لماذا لم تخطر ولو من باب التفكر الموصول بحالة شاخصة وليست مستعارة، على بال الحداثيين العراقيين، احتمالية، لابل ضرورة ولزوم الطور الثالث، مع القمة الثالثة المنتظرة، بغض النظر عن شكلها، او نوع تجسدها، وان كانت كما الافتراض المستند لحقيقة معاشة، من نوع وجنس مكان، تاريخه امبراطوري، له مدن امبراطورية، ودورات تفصل بينها انقطاعات. باعتقادنا ان "العراقي" هو من يكون عقله ومشاعرة متطابقة مع كينونته، وايقاع المكان الذي هو منه، وان مايمكن ان ينتمي للعلم او المعرفه بالنسبه لانسان يدعي الانتماء لارض الرافدين، لايمكن باية حال ان يكون خارج، او مجاف للخاصيتين الانفتين، مهما كانت الأسباب او العوامل المستجدة، او المتغيرات الطارئة.
غير مامر، يتعرف المعنيون بالنظر في الكينونه الوطنيه والتاريخ، ولابد لهم من التعرف على مايكون بارزا وشاخصا، مما لايمكن اغفاله، او التغاضي عن ضرورة تدبره، من نوع ظاهرة " الابراهيمه"، وكونيتها، وشمولها المعمورة، وديمومتها بين البشر كثابته تكاد تدخل ضمن صفات الكائن البشري، واساسيات وصفه، وهو مايضاف الى ارض الرافدين كمنجز استثنائي وفريد،مطرود من الاحتساب، ومستثنى على عظمته، يتهرب الغرب نفسه من البحث في دلالاته، ويحجم عن ادخالة ضمن منظوره الاركولوجي العلموي لتاريخ البدء، ولما يطلق عليه اسم " الحضارات القديمه". ليقول كما فعل كريمر ان "الحضارة بدات في سومر"، من دون ان يقول، او يمكن له بحسب بنيته وبنيه امثاله من "الباحثين الغربيين" المفهومية، ان المنظور البشري الكوني المتبنى من غالبيه الجنس البشري الى الوقت الحاضر، هو منجز رافديني سومري، فمثل هذا الاعتراف يترتب عليه قلب كامل لاشتراطات مايسمى علم البحث في اصل "الحضارات" وبداياتها، ماسيضطر العاملين في هذا الجانب من جوانب المعرفة، الى الخروج من المنظور "الوضعي" العلموي الحجاراتي الثوثيقي، الى العلم المطابق للحقيقة الأصل والاساس كما يجب، ويمكن ان تتماشى مع، وتطابق اشتراطات كينونة المجتمعية التي لاتتجسد ارضويا، مع سرديتها ومسارات تاريخها، ونوع تشكلها، والعناصر والاليات المتحكمه بسيرورتها، ونوع حضورها، مع قوانين تجسدها.
نذكر ماتقدم فقط لكي نثبت ان المكان المسمى ارض الرافدين، او العراق، ليس موضعا يمكن ادراجه بالسهولة التي تم ادراجه بها من قبل أبنائه، والغرب طبعا، ضمن احكام الغرب كما اعتمدت في العصر الحديث، وان مشكله تتعلق بالعلم ومدى "علمويته"، تبرز لمناسبة الحالة العراقية، بحيث تضع امام العقل الحديث إشارات لايمكن العبور عليها، اوتخطيها باسم العلم نفسه، ومايمكن ومايجب ان يكون حريصا عليه لاجله، واتفاقا مع غاياته وطبيعته، وان خلاف هذا لن يكون باية حال "علما"، ولا "حداثة"، بل اكراهية مضاده للعقل والعلم، واعتباطية تزدري المعرفة واصولها ومرتكزاتها، مما قد ضيع على العالم، لاعلى العراق لوحده، جانبا قد يكون أساسيا من جوانب المعرفة الضرورية، المتصلة بالحياة على الكوكب والمصير البشري، والحقيقة المستقبليه.
انا شخصيا كعراقي، ولانني عراقي، اعتقد ان الدورة الثالثة هي مايتطابق مع سيرورة العراق ومسارات تاريخه الحاضر، كما أرى بان العالم والمجتمعات البشرية بدات في سومر وتنتهي في نفس المكان الذي بدات فيه، أي ان الكائن البشري ظل ينتظرومايزال اكتمال الدورة الاولى السومرية البابلية الابراهيمية، المنتكسه، المتعذرة، والثانية العباسية القرمطية الانتظارية، وصولا الى الثالثة المبتدئة مع القرن السادس عشر، والتي معها وعندها يتم بلوغ الظاهرة المجتمعية كمالها، وغايتها، والمقصد المضمر المودع بين تضاعيفها، وظل متعذرا على الاعقال، ينتظر فعل وتراكمات الدورات ومنجزها، قبل ان تتسنى وتصير متاحة، أسباب بلوغه أخيرا، بعد اطراح الوعي الأحادي القصوري العقلي الغالب الى اليوم، وكان كذلك لالصلاحيته، بل لتعذر واستعصاء ماهو مطلوب ولازم ابتداء، وماقد واجه العقل كتحد وجودي، مع اولى خطوات التاريخ التصيري.
لهذا، وبناء عليه، وانطلاقا من حيثياته، اذهب الى تحدي العقل الأحادي السائد على مستوى المعمورة، وبمقدمته الغربي الحديث، بالقول بان العالم والمجتمعية البشرية، دخلت مع الدورة الثالثة الرافدينية العراقية عند القرن السادس عشر، دور التحقق التحولي الذي به ابتدات المجتمعات كظاهرة، وان مفهوم "المجتمعية" ونوعها الذي يروجه له الغرب، معتبرا الظاهرة المذكورة مجرد( التجمع + انتاج الغذاء) هي اكذوبه، ودالة صارخه من دلالات عجز العقل وقصوريته الأحادية المؤقته، لان المجتمعات لم تصبح مجتمعات، وتكتمل عناصركينونتها بعد زمن الصيد واللقاط، الا مع اكتسابها الخاصية "التحوليّة"، وليست الإنتاجية التجمعية التي هي فترة انتقالية عابرة، مرت بها الظاهرة المجتمعية بين عصر اللقاط والصيد، وطورالمجتمعات التحوليّة، وبؤرتها في سومر، وخارطتها التفاعليه على مستوى المعمورة الجارية عبر توزعها الجغرافي، وصولا لزمن التحقق الراهن مع الدورة الثالثة.
يعني هذا ان الظاهرة المجتمعية تبدا أصلا "تحولية"، غرضها ومقصد فعلها ووجودها ليس "الحضاروية" كما يقول الغرب، بل "التحول" والانتقال الى مابعد مجتمعية، باعتبار الظاهرة مدار البحث، ظاهرة منتهية، وخاضعه لقانون انتهاء الصلاحية، بعد تادية المطلوب الذي يتجاوزها، مع اتمامها مهمة توفير اسباب الترقي العقلي الضروري والأخير، منذ انبثاق العقل في الجسد الحيواني، حتى المجتمعية ومابعدها، وهو المسار الارتقائي الثاني (1) المفضي الى اكتمال العقل، وتوفره على أسباب وعيه ذاته، وبدء عملية تحرره واستقلاله عن الجسد، أي متبقيات الارضوية المستمرة عالقة به من طور النشوئية والترقي الأحادي الحيواني العضوي، قبل الترقي الحالي الازدواجي الانسايواني ( عقل / جسد).
من "التحوليّة" البنيوية البدائية غير القابلة للتحقق، الى "التحوليّه" وتحققها بعد توفر أسباب انتقالها الأخير المادية والعقلية مع الالة والتكنولوجيا، باطراح مفاهيم وتصورات الاحادوية التي تشيع وتظل مستمرة غالبة على العقل واحاطته ابان فترة النكوص، وتعذر التحقق التحولي، الامر الذي يتجلى عبر المنظور السماوي الأول النبوي الابراهيمي، الابتدائي، المواكب لفترة وزمن التعذر، الى "قرآن العراق"، السماوي الكوني، العلّي التحولي، مع نكوص الغرب وترديه، وتفاقم درجة الانسداد المجتمعي الإنتاجي هناك، ووصول الكرة الأرضية ومجتمعاتها "زمن الكارثة" و"العيش على حافة الفناء" المتولد عن الالة، وماتتسبب به من اختلال العلاقة البيئية الإنتاجية المجتمعية، وتفاقماتها المطرده، مع اندحار الغرب الراسمالي الكلاسيكي وتوابعه المتشبهه بما يسمونه "الاشتراكية"، أي نوع النظم الاليه من دون طبقة برجوازية، وانتقال الفعالية الاليه الى المجتمع الأمريكي المفقس خارج رحم التاريخ، كبدء أخير مغلق، لامستقبل له، وان هو تعدى الاله الى التكنولوجيا/ ولهذا السبب بالذات/ ، الا بافصاح التحولية المضمرة الغائبة، وحلولها محل الرؤى المستعارة الراسمالية الغربيه، المقحمه هناك على مجتمع ابراهيمي (2) خلفيته البيئية هندية حمراء، أي "مجتمع لادولة"، يجتر نموذجا اوربيا مات منذ القرن العشرين، مع عصر الحروب والسلاح النووي والايديلوجيات القاتلة، حيث يسجل حضور أمريكا عالميا وقتها، من دون ان يذكر في الوقت نفسه، ان هذا الحدث ترافق في حينه مع موت الظاهرة الغربيه(3).
عالمنا عالم تحولي ، عالم الانتقال من المجتمعية التي انتهت وظيفتها، الى مابعد مجتمعية، والعراق اصل "التحوليّة" ومبتداها، هو اليوم الموضع او المركز الذي عنده مجددا، وكما كانت البدايات، تنبثق الدلاله الى القادم والمستقبل، وتصيرحاضرة... فالعراق مركز الإشارة الى القادم الذي ينتظر البشر، و"قرآنه" هو بيان الانقلاب الأعظم المنتظر، المودع بين تضاعيفه، المتعذر على الإحاطة العقلية والتحقق منذ سبعة الاف عام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يتوقف العقل الغربي في ارقى تجلياته واكثرها عبقرية كما مع " دارون"، فيعجر لاسباب تتعلق ىاحاديته المجتمعية، عن ان يرى او يكتشف عملية النشوء والارتقاء الثاني، بعد الحيواني الجسدي، فيقرر ان التطور في العضو البشري بلغ نهايته واعلى ممكناته، وان النشوء والترقي انتهى، معتبرا "العقل عضو من الاعضاء مكمل للجسد" الحيواني، فيفوته ان يرى بان انبثاق العقل في الجسد الحيواني، هو لحظة بدء عملية نشوء ثانيه مابعد حيوانيه، هي عملية النشوء والتصير العقلي، وان العقل عنصر اخر غير الجسد، وسائر الى الانفصال عنه، وهو مايمثل السيرة التي يمر بها الجسد الحامل للعقل، أي "الانسايوان" من لحظة انبثاق العقل، الى حين نهاية الظاهرة المجتمعية بعد تاديتها المطلوب منها كما هو حاصل ومنتظر الان.
(2) بنيت أمريكا على شعار" سنبني مدينه على جبل " الابراهيمي الذي كان يرفعه البيو ريتانيون وهم على سواحل القارة الجديده، وظل الى اليوم ساريا في مجتمع هو الأكثر تدينا بين المجتمعات البشرية: "وعلى امتداد الثمانينات من القرن العشرين سعى معهد دراسات الدين الأمريكي لاحصائها. وفي تقرير له نشر في 1988 في موسوعة الأديان الامريكيه أشار الى وجود 1586 جماعة دينيه في الولايات المتحدة" طارق المتري/ مدينه على جبل : عن الدين والسياسة في اميريكا/ دار النهار للنشر ـ بيروت/ ص 32
(3) يقول ج ج سرفان شرايبر:"ان القوة الصناعية الثالثة، بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، بعد خمسة عشر عاما، قد لاتكون اوربا، بل الصناعة الامريكيه في اوربا، واليوم، في العام التاسع للسوق المشتركة، فان تنظيم هذه السوق الاوربيه هو في اساسة امريكي" التحدي الأمريكي/ مكتبة النهضة ـ بغداد/ ص 19 / ترجمة فكتور سحاب/ والكتاب صادر عام 1967 وضرب أرقاما قياسية في الرواج والمبيع، وهو يتحدث بالأرقام عن "غزو امريكي لاوربا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله يهدد باستهداف مواقع جديدة داخل إسرائيل ردا على مقتل


.. المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي يبحث اليوم رد حماس بشأن الت




.. مصادر فلسطينية: ارتفاع عدد القتلى في غزة إلى 38011 | #رادار


.. الناخبون البريطانيون يواصلون الإدلاء بأصواتهم لاختيار الحكوم




.. فرنسا.. استمرار الحملات الانتخابية للجولة الثانية للانتخابات