الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجية مسعود رمل وطريق الحرير

رائد الحواري

2021 / 4 / 1
الادب والفن


وجية مسعود
رمل وطريق الحرير
" جرذٌ وكثةُ شوكٍ ، عند كَثيبٍ في قلب صحراء الذئابِ
ارتمت واو الماخوذْ
قدمٌ عارية ، تجرُ ساق قش
سوق الصهيل نفقْ ، بارت الجياد
ما عاد يرجوها عسفٌ ولا وعدْ
ولا نار ، لا نجم ، لا قمرْ
والتاءُ تنأى ، اذ الهمزةُ تلدغها عقربةٌ جازت جحرها أفعى
.....
قُمرةٌ ترصد الفراغْ
يقايضُ ابن الهيثم قُمرته بدميه
والسراب عثرةٌ من عثرةٍ تتلوها عثره
في جُبِ ظلمةٍ ، وطريق الحرير طويلْ
.....
الراحلُ يغتسلُ بما بال الصينيونَ في آنية العرب
الظلمةُ تتلوها ظلمه
والرمل مقصد التائهين
فضاءٌ ، فضائياتٌ ، مذياعٌ ، تلفازٌ ، مُداحٌ ، عواءٌ ، نهيقْ
خارت ناقة ابن الهيثم ، عند حانةٍ في طريق الحرير
والقُمْرةُ وعدُ نبيذْ
صبايا ، جيادٌ ، يمامٌ ، سيوفٌ ، زبيبْ
لكن الساق خشبْ
يا اهل طريق الحرير ، زمزمية ماءٍ ، دَنَّ عرقْ ،
تاجرةً تحجُّ الى ( سقطِ اللوى والدَخولِ وحوملِ )
.........
اخرج من حانوت الزيت والوعدِ ، فاضي اليدينْ
اعبرُ شارعآ
يصدني هواءٌ شديد
والذئاب تعدو
تطير حطتي البيضاء
يطير العقال
تصير جبتي شراعآ يجرني للوراء
يسقط حذائي ،
يدميني الحصى ،
والذئاب تعدو
شريطُ الرعبِ بطيء
اريدُ الصراخَ ، يلجمني الترابُ ، يسدُ فمي
وتطرحني الذئابْ
.......
يا اهل كنعان
شراعآ يأخذ بي من هذا الصديد
( انكيدو ) يعبر بي غابة الرمل
......
أنهار ........... ويطرحني الهسيس"
عنوان القصيدة يأخذنا إلى معيقات الطريق، حيث سبق الشدة/"رمال" "طريق الحرير" من هنا يمكننا القول أننا أمام معيقات/قسوة/سواد يلازم الطريق، وهذا ما افتتح به الشاعر المقطع الأول من القصيدة والذي بدأ بألفاظ قاسية، منها له طابع الغدر والأذية: "جرذ، الذئاب، عقربة، أفعي" وكلنا يعلم أن ذكر الحيوانات في النصوص الأدبية يشير إلى المعناة وحالة الضغط الواقع على الأديب، وهذا يأخذنا إلى "الجياد التي كسدت/بارت، وإلى الصهيل الميت/نفق، فقد تم إقران الجميل/الثوي من الحيوان بألفاظ قاسية، وهذا ما يزيد من حجم القسوة/المعاناة في القصيدة.
كلنا يعلم أن أهم أداة عند الشاعر الأديب هي اللغة/الكلمة/الكتابة، التي تجعله أديبا/شاعرا، الأديب الشاعر أن كان منتشيا يذكر اللغة بألفاظ بيضاء وناعمة، وعندما يكون محتقنا فإنه يقدمها بصورة سوداء وقاسية، "وجيه مسعود" يتحدث عن القسوة، لهذا أقرن اللغة/الكتابة ب: "ارتمت، تنأى، تلدغها" وكأنه يقول أن حتى الأداة الأهم أصبحت في حالة غير سوية ومؤذية.
لكن الشاعر الجيد هو الذين يتحكم فيه العقل الباطن ويُكتبه، من هنا فرغم قتامة السواد في المقطع السابق، إلا أن جمالية الصور:
"ارتمت واو الماخوذْ/ والتاءُ تنأى، اذ الهمزةُ تلدغها عقربةٌ جازت جحرها أفعى" تخفف على القارئ وتجعله يستمع بالجمال الكامن فيها، وهنا يكون الشاعر قد قدم فكرة قاسية بقالب أدبي جميل.
أما عن الألفاظ القاسية فنجدها في: "كثة، شوك، عارية، تجر، نفق، بارت، لا (مكررة (ربع مرات)نار، تنأى، تلدغها" كل هذا يجعل المقطع غارق في السواد.
المقطع الثاني يفتتح بلفظ أبيض "قمرة" حيث جاء البياض من خلال الـتأنيث، ومن خلال المعنى" لكن الشاعر يرفقها بفعل شديد المراقبة/ترصد، وبشيء لا يمكن أن يشاهد/"الفراغ" وهذا تكمن ذروة العبث، فعل دون نتيجة، وأمل لا وجود له.
وبما أن الحديث يدور حول مسائل علمية/بحثية: "قمرة، ترصد" فهناك "أبن الهيثم"، الذي أقرن أيضا بالسواد: "بدمه، السراب، عثر (مكررة ثلاث مرات)، جب، الظلمة" فالشاعر عندما استشهد بالتراث العلمي العربي، وما حصل لأبن الهيثم" أراد الوصول ـ بطريقة غير بماشرة ـ إلى عقم هذه الأمة، وإلى طريقة تعاملها القاسية مع مبدعيها، وكأنه من خلال تكرار "عثرة" ثلاث مرات يؤكد على استمرارية هذه العثرة، فهي تعد من جزء أساسي من طريقة تفكير الأمة من نهجها القمعي، وقد حسم الشاعر الأمل/طريق الحرير" من خلال :الطريق طويل".
وبما أن هناك ظلمة وعثرات مستديمة ومكررة، فهذا يأخذنا إلى القنوط واليأس، بحيث لم يعد هناك أي نقطة ضوء في الأفق.
المقطع الثالث جاء يقرن الماضي/القديم: "الراحل، بال، أنية، الرمل، التائهين، عواء، نهيق، خرت، حانة، جياد، سيوف، سقط اللوى" بالحديث/المعاصر: "فضاء، فضائيات، مذياع، تلفاز، لكنه يغلفهما بالسواد.
واللافت أن الشاعر يستخدم أصوات الحيوانات: "عواء، نهيق" التي يجتمع فيها القبيح والمؤذي معا، وثم يأخذنا إلى حركاتها وهي في حالة الانهاك والتعب: "خارت"، فالشاعر بهذه المقطع يشير إلى أن الحيوات التي من المفترض أن تكون معينة ومساعدة لنا أصبحت مزعجة/نهيق، ومذية/عوار، وتشكل عبء/خارت، بمعنى أن الماضي لم يعد صلح لما فيه من أذية.
وقبل أن نغادر نلاحظ أن الشاعر يكرر "طريق الحرير" والذي يأخذنا إلى الماضي والحاضر، فالتكرار جاء ليشير إلى أن "طريق الحرير" إن كان في قديما أم حديثا فهو عبث لا خير ولا رجاء فيه.
يذهب الشاعر إلى الماضي، ويعيش حالة المرتحل، فيكون حالة في غاية البؤس: "فاضي اليدين، يصدني هواء، تطير حطتي/العقال، جبتي تجرني، يسقط حذائي، يدميني الحصى، أريد الصراخ، يلجمني التراب، يسد فمي، تطرحني الذئاب" فالمقطع قاتم وقاسي، وبما أنه متعلق بالشاعر، بمشاعره فإن عكس كل ما فيه من ألم وسواد.
والجميل في هذا المقطع أن الشاعر قدمه بصورة مشهد مسرحي متسلسل، فقد بدأ بالخروج/أخرج، ليجد الطبيعة/الهواء ضده، ثم تلاحقه الذئاب، وينتهي ب "تطرحني"، فالنهاية جاءت دامية ومؤلمة له ولنا، لذا لم يدخلنا إلى ما بعد "طرحتني" وترك لنا المشهد مفتوحا لنفكر/نتخيل ما سيكون عليه الحال بعد "طرحتني".
المقطع الخامس قدم بصورة قريبة من البياض، فقد استعان الشاعر بالنداء "يا" وبأهله "أهل كنعان"، فهو يريد الخروج من رحلة "الرمل والصحراء"، فستعان بأهله فهم الشراع الذي سيخرجه من "الصديد"، واستعان بالتراث، لكن ليس تراث الصحراء والرمال، بل تراث الحضارة والمدنية، تراث جلجامش وأنكيدو، فكما استعان جلجامش بأنكيدو لعبور غابة الأرز للتخلص من الوحش المرعب "خمبابا"/ ها هو الشاعر يستعين به ليعبر غابة الماضي، الصحراء والتيه في الرمال، وغابة بؤس الحاضر وما فيه من قهر وضياع.
يختم الشاعر القصيدة في المقطع السادس الذي يأخذنا إلى حالة الفرح: "أنهار"، والهدوء "يطرحني الهسيس" فبعد أن استعان الشاعر بأهله/كنعان وبتراثه/جلجامش عبر إلى أرض الهناء والفرح، وعاش سعيدا هنيا.
بهذا يكون الشاعر قد ماثل القصيدة مع القصص والحكاية الشعبية التي تبدأ بالقسوة والألم وتنتهي بخاتمة سعيدة.
القصيدة منشورة على الحوار المتمدن على هذا الرابط:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=713045








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا