الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الماركسي يحمل في طياته الثقة ويخلو من اليأس

خليل اندراوس

2021 / 4 / 3
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



تتعرض الفلسفة الماركسية في العقود الاخيرة لتشويه مبرمج ومدروس ولمحاولات التهميش من قبل طبقة رأس المال وخدمتها من اصحاب الفكر البرجوازي، ومن عدة اتجاهات ايديولوجية وتخصصات اكاديمية. ويركز اصحاب الفكر والايديولوجيات البرجوازية انتقادهم ضد المادية التاريخية الماركسية، خاصة طرح ماركس بان الاشتراكية ليست حلما طوبويا بل نتيجة ضرورية حتمة موضوعية لتطور المجتمع الرأسمالي، وبوصفها حتمية تاريخية. وهنا علينا ان نؤكد بان الماركسية كان وما زال لها اسهام كبير في صياغة النظرية الاشتراكية العلمية، وادخالها على حركة الطبقة العاملة.

فالفكر والفلسفة التاريخية الجدلية الماركسية تسعى الى دراسة التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من اجل التوصل الى استنتاجات واستخلاصات وخطوات تساعد في توجهها الى هدف تحرير الشعوب من القهر القومي والطبقي ومن الخرافات الرجعية "والمحافظة" ومن الاستغلال، ومن اجل النضال المثابر والناجح نحو بناء مجتمع المستقبل، مجتمع حرية الانسان والانسانية – مملكة الحرية على الارض.

وماركس نفسه لم يصل الى استخلاصاته وفلسفته المادية التاريخية الجدلية الا بعد ان شارك وانغمس في العمل الثوري منذ اربعينيات القرن الثامن عشر وشارك في الحركة الثورية في فرنسا عام 1848، وصيغت هذه الدراسات والاستخلاصات في "بيان الحزب الشيوعي" الذي كتبه ماركس بالتعاون مع إنجلز في عام 1848.

لقد رأى ماركس وإنجلز من خلال فلسفته المادية التاريخية الجدلية بان الحركة الاجتماعية بأسرها كصراع بين طبقات، ورأيا الطبقات المتنازعة ذاتها كنتاج للتطور الاقتصادي للمجتمع، ورأيا في السياسة انعكاسا للحركة الاقتصادية والصراع الطبقي، لقد رأيا ان الثورة البرجوازية الجارية في ذلك الوقت، أي عام 1848 ومهمتها هي ازالة آثار الحكم الاقطاعي وإقرار الدمقراطية – كانت تمهد الطريق للثورة الاشتراكية البروليتارية، وان هذه الثورة لا يمكن ان تكتمل الا باستيلاء الطبقة العاملة على السلطة.

ان ماركس وإنجلز لم يستطيعا ان يكتشفا قوانين التغير الاجتماعي – وهو ما لا يستطيع ان يقوم به من يتبنى وجهة نظر الطبقات المستغِلة – الا لأنهما احتضنا قضية الطبقة العاملة، ورأيا في الطبقة العاملة القوة الثورية الصاعدة الجديدة في التاريخ.

كتب ماركس وإنجلز: "ان تاريخ جميع المجتمعات الى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ النضال بين الطبقات، فالحر والعبد والنبيل والعامي، والسيد والاقطاعي والقن والمعلم (عضو كامل الحقوق في الحرفة، معلم في داخل المشغل لا رئيسه – ملاحظة إنجلز للطبعة الانجليزية سنة 1888) والصانع، أي ان المضطهدين والمضطهَدين، كانوا في تعارض دائم، وكانت بينهم حرب مستمرة، تارة ظاهرة وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائما إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره، وإما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معا، (نعني بالبرجوازية طبقة الرأسماليين المعاصرين، مالكي وسائل الانتاج الاجتماعي الذين يستخدمون العمل المأجور، ونعني بالبروليتاريا طبقة العمال، الاجراء المعاصرين الذين لا يملكون اية وسائل انتاج فيضطرون بالتالي الى بيع قوة عملهم لكي يعيشوا (ملاحظة إنجلز للطبعة الانجليزية عام 1888)، اما المجتمع البرجوازي الحديث الذي ولد من احشاء المجتمع الاقطاعي، فانه لم يقض على التناقضات بين الطبقات بل اقام طبقات جديدة، وظروفا جديدة للاضطهاد واشكالا جديدة للنضال بدلا من القديمة".

"إلا ان الذي يميز عصرنا الحاضر، عصر البرجوازية هو انه جعل التناقضات الطبقية اكثر بساطة، فان المجتمع اخذ في الانقسام اكثر فأكثر، الى معسكرين فسيحين متعاديين، الى طبقتين كبيرتين متعارضتين – هما البرجوازية والبروليتاريا" (ماركس، إنجلز بصدد الثورة الاشتراكية – ص 58) "ان البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها فسقوطها وانتصار البروليتاريا كلاهما امر محتوم لا مناص منه" (ماركس، إنجلز بصدد الثورة الاشتراكية – ص 70).

ويقول إنجلز: "حدثت عدة وقائع تاريخية ادت الى تغير حاسم في مفهوم التاريخ، ففي عام 1831 وقعت اول هبّة عمالية في ليون، وبين عام 1838 وعام 1848 بلغت اول حركة عمالية قومية – حركة الميثاقيين الانجليز – ذروتها. لقد برز الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية الى المقدمة... لكن المفهوم المثالي القديم عن التاريخ... لم يكن يعرف شيئا عن الصراع الطبقي القائم على المصالح المادية، بل لم يكن في الواقع يعرف شيئا اطلاقا عن المصالح المادية... وفرضت الوقائع الجديدة اجراء دراسة جديدة لكل التاريخ الماضي (ف. إنجلز "الاشتراكية الخيالية والاشتراكية العلمية").

ومضى إنجلز يقول انه من هذا الوضع الجديد اصبح من الواضح: "ان كل تاريخ الماضي كان تاريخ صراعات طبقية، وان هذه الطبقات المتحاربة هي دائما نتاج ظروف الانتاج والتبادل، وباختصار نتاج الظروف الاقتصادية لعصرها، وبالتالي ان التركيب الاقتصادي للمجتمع يشكل دائما الاساس الحقيقي الذي يفسر دائما – في التحليل الاخير – كل التركيب العلوي للمؤسسات القانونية والسياسية، فضلا عن المفاهيم الدينية والفلسفية وغيرها من المفاهيم في كل فترة تاريخية" (ف. إنجلز – الاشتراكية الخيالية والاشتراكية العلمية).

وحول هذه العلاقة الجدلية بين الواقع والاساس الاقتصادي للمجتمع والبناء الفوقي للمجتمع كقوة فعالة، لا يكتفي بعكس هذا الاساس كتب ماركس في موضوعات عن فورباخ يقول:

ان النظرية المادية التي تقر بان الناس هم نتاج الظروف والتربية، وبالتالي بان الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف اخرى وتربية متغيرة – هذه النظرية تنسى ان الناس هم الذين يغيرون الظروف وان المربي هو نفسه بحاجة للتربية. ولهذا فهي تصل بالضرورة الى تقسيم المجتمع قسمين احدهما فوق المجتمع (عند روبرت اوين مثلا).

ان اتفاق تبدل الظروف والنشاط الانساني لا يمكن بحثه وفهمه فهما عقلانيا الا بوصفه عملا ثوريا". (موضوعات عن فورباخ – 3). من هنا خاصة الآن، على كل شيوعي ان يتعمق اكثر بالفلسفة الماركسية ويمارسها بتناسق واخلاص وبشكل منظم ومنهجي وعلى كل حزب ماركسي ان يعمل على نشر نظرية النضال والكفاح ضد طبقة رأس المال والقوى الرجعية في المجتمع بكل اشكالها وضد "اللوبيات" التي تعمل من اجل خدمة الصهيونية العالمية والمحلية، وضد استغلال الدين، كل دين من اجل خدمة الثالوث الدنس – الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية وعلى رأسها السعودية ودول الخليج العربي بل الامريكي – والعمل على تكوين افكار ثورية جديدة تتفاعل مع الحاضر وتحمل في طياتها الثقة وتخلو من اليأس والاستسلام، وتدعو من اجل النضال والكفاح الثوري القومي الطبقي، الطبقي القومي فالاممي الحقيقي في النهاية هو القومي الحقيقي والقومي الحقيقي هو الاممي الحقيقي، وهذه الافكار الماركسية الثورية ليست مسألة ثانوية بالنسبة للطبقة العاملة والشعوب المضطَدة، بل هي مسألة حياة او موت لأن الطبقة العاملة والشعوب المضطهَدة لن تتحرر من الاضطهاد الطبقي والقومي، إلا اذا كانت لديها فكرة عن العالم، فلسفة عن العالم تمكنها من تغييره فعلا وهذه الفلسفة هي الفلسفة المادية الجدلية التاريخية الماركسية.

"فلا يمكن ان يكون حزب ماركسي صلب بدون نظرية جدلية ثورية توحد جميع الثوريين والطبقة العاملة، ويعمل على تطبيق هذه النظرية في اساليب نضاله وطرائق نشاطه، وعندما ندافع عن النظرية الماركسية اللينينية والتي نعتبرها صحيحة وعلمية في اعمق اعماقنا، فان هذا لا يعني البتة اننا اعداء كل انتقاد. فنحن لا نعتبر ابدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به، بل اننا مقتنعون، على العكس، بأنها لم تفعل غير ان وضعت حجر الزاوية لذلك العلم الذي يترتب على الاشتراكيين ان يدفعوه الى الابعد في جميع الاتجاهات، اذا شاؤوا الا يتأخروا عن موكب الحياة.

ونحن نعتقد انه من الضروري بخاصة ان يدرس الاشتراكيون الروس ويطوروا نظرية ماركس بصورة مستقلة لأن هذه النظرية لا تعطي سوى موضوعات توجيهية عامة تطبق مثلا في بريطانيا على غير ما تطبق في فرنسا، وفي فرنسا على غير ما تطبق في المانيا، وفي المانيا على غير ما تطبق في روسيا. ولهذا سوف نخصص بكل طيبة خاطر مكانا في جريدتنا للمقالات التي تتناول القضايا النظرية وندعو جميع الرفاق الى مناقشة نقاط الخلاف مناقشة علنية" (لينين المختارات في 10 مجلدات – المجلد -1، ص499)، وهذا الطرح ينطبق على كل الاحزاب الماركسية والشيوعية، خاصة في المرحلة الراهنة عالميا وفي منطقتنا وهنا داخل اسرائيل.

هناك من طرح خلال الانتخابات الاخيرة افكارا بعيدة عن الموضوعية ولا تخدم القضية العادلة لشعبنا الفلسطيني ولا قضية السلام في المنطقة وتستسلم امام الصهيونية العنصرية الشوفينية الرجعية، والرجعية العربية. فمن يقول بانه لا يمين ولا يسار، وبانه يطالب ببعض الحقوق لعرب النقب، وبعض الميزانيات فانه يفصل بل ينسى النضال السياسي المثابر والصادق من اجل الحصول على بعض فتات المائدة من طاولة اللئام.

لا يمكن فصل أي نضال اجتماعي ثقافي اقتصادي عن النضال السياسي، فالعلاقة بين كل اشكال النضال هذه هي علاقة عضوية جدلية ضرورية وموضوعية ومن يفكر بشكل آخر فهو إما يعاني من الفراغ الفكري، وإما يرضى بفتات المائدة بدون كرامة وطنية وبدون كرامة انسانية ويحمل فكر رجعي تحت اسم فكر "محافظ".

فالاقلية الوطنية الفلسطينية داخل اسرائيل يجب ان يكون نضالها بهدف الظفر بالحقوق السياسية الكاملة، من خلال النضال الثوري اليساري الوطني التقدمي، واي طريق آخر سيكون مصيره الفشل.

وفي هذه المرحلة وخاصة بعد الانتخابات الاخيرة ونتائجها المخيبة للآمال علينا ان نذكر ونتذكر قول لينين، حيث قال: "بيد ان دور الجريدة لا يقتصر على نشر الافكار، على مجرد التربية السياسية واجتذاب الحلفاء السياسيين. ان الجريدة ليست فقط داعية جماعية ومحرضا جماعيا، بل هي في الوقت نفسه منظم جماعي. ومن هذه الناحية الاخيرة يمكن ان تقارن بالصقالات التي تنصب حول بناية يجري تشييدها فتشير الى معالم البناية وتسهل الاتصال بين البناة وتساعدهم على توزيع العمل بينهم، وعلى رؤية مجمل النتائج التي احرزها العمل المنظم.

وبواسطة الجريدة وبالاتصال معها سيتكون من تلقاء ذاته تنظيم دائم لا يقوم بعمل محلي وحسب، بل يقوم ايضا بعمل عام منتظم، ويعوّد اعضاءه على تتبع الاحداث السياسية باهتمام وعناية، وتقدير اهميتها، وتأثيرها في مختلف فئات السكان، وايجاد اساليب صائبة لتأثير الحزب الثوري في هذه الاحداث" (لينين المختارات – المجلد 1، ص 521).

وبرأيي الشخصي، على الاحزاب الشيوعية والماركسية ان تعمل على وجود صحافة يومية تصل وتتواصل مع كل بيت، من اجل تعميق العمل المنظم، ورؤية مجمل الاحداث، وايصال الفكر الثوري الماركسي للطبقة العاملة ولأوسع شرائح المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المقولات الماركسية فرضيات قائمة على الحدس والتامل
منير كريم ( 2021 / 4 / 3 - 14:30 )
تحية للاستاذ
تقولون منذ زمن ماركس بان التاريخ ليس الا تاريخ الصراع الطبقي
اهذه فرضية او نظرية او قانون ؟
اين اثبات هذه المقولة؟
اذا امعنت النظر في كل المقولات الماركسية ستجدها فرضيات قائمة على الحدس والتامل غير قابلة للتحقق الامبريقي وعليها بناء نظري مستنتج بالديالكتيك
اي لاشيء يجمعها بالعلم الحديث والمنهج العلمي
شكرا

اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام