الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان المقاوم بمواجهة -القاتل الاقتصادي-: صندوق النقد الدولي

جورج حداد

2021 / 4 / 4
العولمة وتطورات العالم المعاصر


ان الحرب الاقتصادية وتاكتيك الحصار ومنع الغذاء والماء والمؤن عن المدينة او البلد المحاصرين هما من الخطط المعروفة والمتبعة في تاريخ الحروب في العالم. ونذكر على سبيل المثال:
ـ1ـ انه حينما غزا هتلر البلدان الاوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، كان الجيش الالماني النازي يحمل معه كميات هائلة مقلدة من عملات البلدان التي يغزوها، لاجل شراء حاجات الجيش الغازي بتلك القصاصات الورقية، ولزج شعب البلد المنكوب في جحيم التضخم والغلاء الفاحش وفقدان المواد الغذائية والمعيشية الضرورية.
ـ2ـ حينما وصلت القوات اليهودية الغازية الى مشارف الضاحية الجنوبية وبيروت الغربية، في عدوان 1982، واجهت مقاومة بطولية شديدة من المقاومة المشتركة الوطنية اللبنانية ـ الفلسطينية، من مثلث خلدة والاوزاعي الى معابر عين الرمانة والمتحف والسوديكو والاسواق والمرفأ. وحينذاك عمد الجيش اليهودي بالتعاون مع عصابات "السيادة اللبنانية" المزعومة، اي قوات "الكتائب اللبنانية" و"القوات اللبنانية" (اللبنانية جدا جدا!) الى فرض الحصار التمويني على بيروت الغربية والضاحية الجنوبية، لاكثر من ثمانين يوما، وقطعوا عنهما الماء والكهرباء، ومنعوا وصول الخبز والمواد الغذائية والمحروقات والادوية، وارتفعت الاسعار بشكل هائل (سعر كيلو البطاطا المهربة ارتفع من نصف ليرة الى اكثر من 15 ليرة). وبعد اكثر من ثمانين يوما من الحصار التجويعي والقصف الوحشي الذي ذهب ضحيته الوف المواطنين اللبنانيين، والاتفاق الدولي على اخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، تقدمت وحدات شركة "اوجيه سعودي" لصاحبها الشيخ السعودي الملياردير رفيق الحريري (رحمه الله)، لتحتل شوارع بيروت، وتزيل المتاريس والالغام، لكي تتمكن القوات المشتركة، اليهودية و"اللبنانية"، ان تدخل بسلام الى بيروت الغربية. وعلى الاثر نظمت اسرائيل وعملاؤها مجزرة صبرا وشاتيلا، وعملية الصيد الواسعة لمئات القياديين والمناضلين الوطنيين من كل الاحزاب والاتجاهات، الذين لا يزال مصيرهم مجهولا الى اليوم، وتم تنصيب عملاء اسرائيل المكشوفين على رأس "الدولة اللبنانية" المصون.
وفي صيف 2006، وبالتواطؤ التام بين الامبريالية الاميركية والغربية، والسعودية واذنابها الخليجية، والطابور الخامس اللبناني (السنيوري ـ الجعجعي)، شن العدو الاسرائيلي عدوانه الغاشم على لبنان، بقصد اعادة احتلال الاراضي اللبنانية، وسحق المقاومة الوطنية الاسلامية البطلة بقيادة حزب الله. ولكن العدوان فشل فشلا ذريعا. وكادت الحرب تنقلب من تهديد لسيادة لبنان، الى تهديد لوجود اسرائيل. ولاول مرة في تاريخها، طلبت اسرائيل اولا وقف اطلاق النار. وذهبت سدى دموع فؤاد السنيورة، ومناحات فارس سعيد امين عام جوقة "14 اذار".
وبعد فشل المؤامرة الدولية ضد سوريا، والمشاركة البطولية للمقاومة الوطنية الاسلامية بقيادة حزب الله في رد خطر وصول موجة الطاعون التكفيري ـ التركي ـ السعودي ـ الاميركي الى لبنان، اتجه المعسكر الامبريالي الاميركي والغربي الى فرض الحصار الاقتصادي (المالي والتجاري) الحالي على لبنان، لتجويع المواطنين اللبنانيين واجبار القوى الوطنية والاسلامية، بقيادة حزب الله، على الاستسلام.
ووضع لبنان اليوم هو اشبه بوضع المناطق "اللبنانية" اثناء المجاعة في الحرب العالمية الاولى، عشية سقوط السلطنة العثمانية، التي طبقت حينذاك قاعدة "يا رايح كتّر قبايح". وهذا هو تماما ما تفعله الامبريالية الاميركية اليوم في لبنان. واذا كنا لا نعاين حتى اليوم مشهد جثث الموتى من الجوع والمرض مرمية على الطرقات، كما حدث في نهاية العهد العثماني، فإننا نشهد مجزرة التهجير وتفريغ لبنان من غالبية اللبنانيين، والعمل لتحويل لبنان الى "معسكر لاجئين كبير" يضم من يتبقى من اللبنانيين المفقرين حتى الجوع، واللاجئين الفلسطينيين، والنازحين السوريين، الذين يراد لهم ان يعيشوا على المساعدات الانسانية "الاممية" و"الاخوية" البترو ـ عربية.
واليوم يضع الطابور الخامس لبنان بين خيارين:
ــ اما التدويل ووضع لبنان تحت احتلال قوات متعددة الجنسية ووصاية "اممية" و"بترو ـ عربية" تضمن "حياد" لبنان عن الصراعات الاقليمية، وخصوصا ـ بالطبع ـ الصراع مع اسرائيل.
ــ واما اللجوء الى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، والخضوع لشروطه المالية والسياسية والامنية والعسكرية، العلنية والسرية، وعلى رأسها طبعا نزع سلاح المقاومة وتسليمه للدولة اللبنانية السايكس ـ بيكوية الخيانية (الموالية تاريخيا للامبريالية الاميركية والغربية)، وتطبيق اتفاقية هدنة 1949 الضامنة لامن اسرائيل، وفك اي ارتباط لبناني مع سوريا والبلاد العربية، الا من خلال العلاقات "الاخوية" مع النظام السعودي وغيره من انظمة "السلام" والتطبيع مع اسرائيل. واذا، لا سمح الله، ارتكبت المقاومة خطيئة تسليم سلاحها لهذه الدولة اللبنانية العميلة، فإنها ستقوم في اليوم التالي بتسليم هذا السلاح للطابور الخامس اللبناني العميل لاسرائيل، وسرعان ما سيتم تحريك التكفيريين وبقية احزاب وتنظيمات الطابور الخامس وفلول "جيش لحد"، لارتكاب مجزرة ابادة واسعة ضد البيئة الحاضنة للمقاومة، وجميع الوطنيين اللبنانيين من كل الطوائف، كما ضد اللاجئين الفلسطينيين، والنازحين السوريين غير التكفيريين.
ولكن الغباء التاريخي لجوقة الطابور الخامس اللبناني المتصهين والمتسعود، يجعل جهابذة هذه الجوقة يجهلون او يتجاهلون ان القوى الوطنية والاسلامية الصادقة والمناضلة، وعلى رأسها المقاومة بقيادة حزب الله، تدرك تماما ان "هيئة الاركان" التي تقود الحرب الاقتصادية التي تشن على لبنان المقاوم، في المرحلة الراهنة، انما تتمثل على وجه التحديد في صندوق النقد الدولي بالذات.
فهذه المؤسسة المالية الدولية وتوابعها (البنك الدولي واضرابه) انشأتها الامبريالية الاميركية بقرارات من مؤتمر بريتون وودز في النصف الثاني من سنة 1944 عشية نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي تقرر فيه اعتماد الدولار الورقي بوصفه العملة الدولية الرئيسية. وقد عُهد الى صندوق النقد الدولي ادارة النظام المالي العالمي الموحد الجديد، بقيادة الامبريالية الاميركية وشريكتها العضوية الطغمة المالية اليهودية العالمية. وقد اضطلعت عائلة روتشيلد اليهودية العالمية بدور الهيكل العظمي ودماغ المنظومة المالية العالمية الدولارية الجديدة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
ومنذ 1945 وحتى اليوم، ادار صندوق النقد الدولي كل العمليات المالية الداخلية والخارجية للدولة الاميركية ولليهودية العالمية، والجانب المالي والاقتصادي لجميع الحروب والانقلابات والاضطرابات والاغتيالات الكبرى و"الثورات الملونة"، التي قامت بها الامبريالية الاميركية والغربية واسرائيل، في كل انحاء العالم.
وصندوق النقد الدولي هو الذي "يغطي" ويدير:
ــ غسيل "الاموال القذرة" في العالم، التي تقدر بعشرات الوف مليارات الدولارات؛
ــ جميع عمليات الاقتصاد المشبوه والاجرامي؛
ــ جميع الشبكات العالمية لتجارة المخدرات، والقمار، والدعارة، والاعضاء البشرية؛
ــ تنظيم عمليات تهريب اللاجئين البؤساء الى اوروبا واميركا لتزويدهما باليد العاملة الرخيصة؛
ــ وكل ما يخطر على البال من الجرائم ضد الانسانية.
ومن ابرز "الانجازات التاريخية" التي حققها صندوق النقد الدولي، بالتعاون مع المخابرات الاميركية والاسرائيلية والتركية والسعودية:
ـ1ـ "شراء" مجموعة من الجنرالات الخونة، بقيادة الجنرال فضل الله زاهدي، في ايران، وتنظيم الانقلاب ضد حكومة محمد مصدق الوطنية في 1953.
ـ2ـ تمويل انقلاب الجنرال محمد سوهارتو وعدد من القادة "الاسلامويين" المرتبطين بالسعودية، ضد الزعيم الوطني الاندونيسي احمد سوكارنو. وقد عمد الانقلابيون حينذاك الى ابادة اكثر من 500 الف نسمة من الشيوعيين الاندونيسيين، واقربائهم وحتى اطفالهم. وكانت الخطيئة المميتة للشيوعيين الاندونيسيين حينذاك انهم اكتفوا باعلان التأييد السياسي للنظام الوطني لسوكارنو، ولم يحملوا السلاح دفاعا عنه وعن انفسهم، ويسحقوا الانقلابيين سحقا حتى اخر واحد فيهم، ويلقوا بجثثهم في البحر لاسماك القرش، كي يكونوا عبرة لجميع عملاء اميركا واسرائيل والسعودية في جميع البلدان العربية والاسلامية.
ـ3ـ تمويل عمليات الانقلاب و"الثورات الملونة"، المعادية للاشتراكية ولروسيا، في دول الاتحاد السوفياتي والمنظومة السوفياتية السابقين.
ـ4ـ تمويل الجماعات العميلة والمشبوهة، "الاسلاموية" و"الدمقراطية" و"الليبيرالية"، في ما سمي "الربيع العربي" المشؤوم.
ـ5ـ تمويل الجيش التكفيري الدولي، الذي بلغ عشرات الوف المقاتلين الاجانب، ضد الدولة السورية، لتمزيقها ومحاولة اقامة دولة تكفيرية على اراضيها، موالية للسعودية وتركيا واميركا واسرائيل.
والحرب المالية ـ الاقتصادية التجويعية ضد الشعب اللبناني اليوم، هي حرفيا وعمليا بادارة وتمويل صندوق النقد الدولي بالذات، الذي يتولى تمويل "شبكات التواصل الاجتماعي" و"منظمات المجتمع المدني" العميلة والمشبوهة، وحتى تزويد زعران قطع الطرقات بالخيم والهراوات والسندويشات وقناني المياه والدواليب المستعملة. ومن الغباء المطلق الاعتقاد انه يمكن ان تسقط شعرة من رأس اي ملياردير دولاري لبناني، تابع او موال للسعودية او فرنسا او اميركا، او من رأس حاكم مصرف لبنان، او اي متنفذ مصرفي لبناني، او حتى اصغر صراف دولار في اي زاروب من زواريب بيروت، بدون اذن وتخطيط مسبق من قبل صندوق النقد الدولي.
وان هدف الحرب الدولارية اليوم ضد لبنان، هو تشريد غالبية الشعب اللبناني "العنيد"، وتحويل الارض اللبنانية الجميلة، الى خط دفاع اول لاسرائيل، والى مركز للمخابرات الامبريالية والاسرائيلية، وللمافيات الدولية، والى خمارات ومراقص وصالات قمار ومنتزهات وكاباريهات وفيلات دعارة، لامراء السعودية والخليج، وللمارينز الاميركيين، ولضباط وجنود جيش الملك داود اليهودي.
ولخلاص لبنان اليوم ليس المطلوب الخضوع والاستسلام لصندوق النقد الدولي، ولعائلة روتشيلد اليهودية، ولاميركا والسعودية واسرائيل. بل المطلوب هو الخروج النهائي من منطقة الدولار المالية العالمية، وتوجه لبنان مرة والى الابد نحو مشرق الشمس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات