الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عجز المعارضة في مواجهة الأنظمة العربية

فوزي نصر

2006 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


إن قوى المعارضة في جميع البلاد العربية هي قوى ضعيفة وغير متماسكة وليس لها أي تمثيل على المستوى الشعبي رغم وجودها الفعلي في نسيج المجتمع 0
ورغم إن جميع النظم الحاكمة تعترف بوجود قوى معارضة في بلدانها، كما أنها تعبر بصراحة تامة إن هذه القوى ضعيفة ومشتة وليس لها أي رصيد إجتماعي أو شعبي ، ولو كانت هذه القوى تستند إلى ركائز قوية وتمثيل واسع لفرضت على النظم التعامل معها ، والتنازل عن قسط من مسؤولياته وطرحت برامجها ووقفت بعناد عندها وخاصة مبدأ تداول السلطة ، والمشاركة في إتخاذ القرار 0
وثمة أمر لا جدال فيه أن كافة النظم الشمولية في العالم لا تتنازل طواعية عن حكمها ، ولا عن تمسكها بأجندة العمل الخاص بها وقلما يحدث بأنها تنازلت عن رغبة منها ، أو بشكل طوعي لأن شعوبنا ونظمنا عرفت منذ القدم مبدأ الإستبداد والحكم المطلق 0 لكن عندما تكون المعارضة قوية ولها جذور في تربة المجتمع وحقوله ، ولها أرضية صلبة تقف عليها يمكنها أن تفرض على النظام برنامجها والتنازل عن بعض مسؤولياته وسلطاته 0
ما هي مطالب المعارضة ؟؟؟ :
جميع قوى المعارضة تطالب بقناعة أم بغيرها بأنها تتطلع إلى الديموقراطية ، والحرية وإحترام حقوق الإنسان ، وسيادة القانون ، وإعمال مبدأ تداول السلطة والمساواة هكذا يحلل الجابري مطالب المعارضة 00
ولكن ما العمل إذا نجحت المعارضة كما حدث في كثير من بلدان العالم ووصلت إلى سدة الحكم ، وانقلبت على مبادئها وتمسكت بالحكم وتحولت إلى قوى استبدادية ، وقمعية والأمثلة على ذلك كثيرة في بلداننا العربية ، أليست جميع الإنقلابات العسكرية كانت تنادي بالحرية والديموقراطية والإصلاح بعدها انقلبت على هذه المبادئ وتحولت عنها وقامت بفرض نظاما ديكتاتوريا وألغت كافة السلطات الشرعية ووضعتها بيد الحاكم لينفرد بالسيطرة وتسيير أمور الحكم ، وتجميد العمل بالدستور ( وقد حصل ذلك في البلاد العربية وفي أمريكا اللاتينية ) وغيرها 0
ويجب على المعارضة أن تعلم بأن العمل على إرساء قواعد الديموقراطية يتطلب جهدا كبيرا وآلية عمل صحيحة أولها : تحرير الديموقراطية نفسها من الأوصياء عليها ، ومعرفة ممارستها بآلية تحررية وبشكل ديموقراطي سليم 00 إن تحرير الديموقراطية يتطلب إستئصال براثن الفساد من النفوس ، ومحبة الوطن والبعد عن الأنا ، والعمل من أجل مصلحة المجتمع والشعب ، وإبعاد الإيثار من كهوف النفوس المظلمة التي لا ترى سوى ذاتها للوصول إلى مراكز قيادة ومسؤولية بغض النظر عن طبيعتها 0
لا بد من التنويه والقول بأن هناك مبدأ خلافي حاضر دائما بين السلطة والمعارضة قلما يخضع للحوار أو النقاش خاصة عندما تكون المعارضة ضعيفة ومفتتة فإن ضعفها يجعلها غير أهل للجلوس على الطاولة هذا المبدأ الخلافي هو : أن السلطة دائما على حق ، وإن ما ترتكبه من أخطاء أو مخالفات يجب أن لا تحاسب عليه ولا تستوجب المساءلة والإنقلاب عليها لأن كل الحكومات قد تخطئ 0 وهي وحدها صاحبة القرار ولا احد يملي عليها شيئا ، طبعا هذا منطق القوة والإستبداد 0
أما المعارضة فتعلن أن الوطن للجميع ولا يصح بأن تستأثر به فئة لا تسمح لغيرها بالمشاركة في صنع القرار ، وتسيطر على منابر الإعلام ، وتصادر الحريات ، وتلجأ للقمع والإرهاب وتخنق أصوات الذين ينادون بالديموقراطية 0 هذه المطالب لا تظهر على السطح عندما تكون المعارضة ضعيفة لا تستطيع مساءلة النظام ولا تتمكن من الوقوف في وجهه وتشير إلى مواقع الخلل والفساد بصوت ضعيف ، وتعلن بأن النظام يستأثر بالسلطة وحده ، وبمسؤولية إتخاذ القرار ولا يشرك غيره فيه وهو الذي يشرف على دفة القيادة ملزما نفسه بالوكالة والوصاية عن جميع أفراد المجتمع ، لذلك يسعى دائما لإزاحة الكلمة الحقة والأفكار التقدمية ، وإبعاد المفكرين عن فضاءات الوطن وملاعبه 0 من خلال هذه الأصوات والنداءات التي تنتشر هنا وهناك وتصل إلى أسماع السلطة تبدأ سياسة القمع لكل من يعارض النظام ويطالب بالمشاركة في صنع القرار أو مبدأ تداول السلطة 0
لذلك فصوت المعارضة إن لم يكن قويا ، ومستندا إلى قواعد عريضة يتكسر بين ثنايا أروقة النظام دون أن يلاقي أي صدى 0
صحيح أن المعارضة فشلت أو تجمدت بسبب قصورها الذاتي وعجزها المعلن في مواقفها ، وعدم إشهار برامجها الوطنية بشكل علني ، وفضح كافة الوسائل السلطوية التي تمارسها ضمن خطاب التخويف والتخوين ، والتمسك بأساليب القمع والرهبة التي تؤخر الوطن وتبقيه في حالات الجمود والتخلف 0
فالمعارضة تستمد فاعليتها من الجماهير فبقدر إلتصاقها بها يكون حجمها أكبر ، وبقدر صدقها في التعامل مع المعطيات الوطنية ، ومحاربة الظلم والفساد تكون مساحتها أوسع وحجمها أكبر لأن سلاح المعارضة هو الكلمة الحرة النزيهة 00 المصداقية 00 مصلحة الوطن والجماهير 00 وتعاطي الديموقراطية والوقوف في وجه الفساد والإنحلال 0 وبهذه المبادئ تستطيع كسر قوة السلطة وتجعلها ترضخ لمطالبها 0
خطابان مختلفان : المعارضة ، السلطة الحاكمة ، وهما يعيشان على أرض واحدة ووطن واحد لماذا ؟؟
المعارضة تطالب بتصحيح مسار السلطة والدخول في برنامج ديموقراطي يتيح لكل فرد تناول وجبات حريته بشكل طبيعي دون مراقبة ، أو ضغط أو تهميش بحيث تكون جميع فئات المجتمع بمختلف شرائحه خاضعة لسيادة القانون العام وليس الإستثنائي 0 ويتاح مبدأ تداول السلطة ورفع الوصاية والتحكم في مصير البلد ، فإذا كان هذا هدف المعارضة فليس ما يضير في فتح قنوات الحوار مع أي مواطن يريد مصلحة الوطن 0
خطاب النظم في مختلف الأقطار العربية يختلف تماما عن طروحات المعارضة فهي عندما لا تعترف بغير نظامها القائم ، ولا بأي إنسان مؤهل لإستلام قيادة البلد وتناهض كل من يقدم برنامجا وطنيا أو يسعى لتقديم برنامج ديموقراطي ، أوي يقوم بنقد السياسة 0 وعند حصول ذلك تميل السلطة إلى المؤسسة العسكرية لتستعين بها وتفرض الأمر الواقع ، وتلغي حرية الكلمة 00 وتصادر الديموقراطية وتكثر العيون المبثوثة بين قطاعات المجتمعات وتعتمد على أجهزة المخابرات والمؤسسات القمعية لفرض سيطرتها وإضفاء الأمن وحماية نفسها 0 خطاب المعارضة الديموقراطية والحرية ، وخطاب النظم الإستبداد والقمع خطابان متباينان
هنا يبدأ الخلاف بين الوطن وأبنائه ، ( بين الوطن المعارض ، والوطن الحاكم ) السلطة من أبناء الوطن ، والمعارضة من أبناء هذا الوطن وليس لأحد أن يباهي الآخر بأن له حصة أكبر فجميع المواطنين يهمهم الشأن العام والصالح العام لكن الخلاف يستفيد منه الأعداء وليس المواطنون 0
في هذا الخضم ثمة أمر هام يبرز على صفحة الواقع وهو : معرفة هدف المعارضة ، فإذا كانت المعارضة
تطرح نفسها بديلا للسلطة الحاكمة ، وتعمل على إستلام أدوات الحكم وتحل محل النظام القائم بذات الآلية والأدوات ، وليس هدفها مصلحة الشعب بل هدفها الإستيلاء على السلطة وأدوات الحكم ، أم أنها تتوخى الإصلاح وتعمل على تغيير سياسة الحكومة وبرامجها وتسعى لتطبيق مبادئ الديموقراطية وترسيخ قاعدة الحرية والعمل وفق سيادة القانون ، وإحترام الآخر ومبدأ تداول السطة 0 والعمل على إنعاش البلد إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا 0 فإذا كان هذا هم المعارضة فهي تنال الإحترام والمساندة من جميع فئات الشعب ، أما إذا كان همها أن تحل محل السلطة في صنع القرار ، وتمارس ذات الطريقة في القمع والإرهاب ، وهمها تغيير الوجوه بدلا من تغيير نوع السياسة وطرائق الحكم ، فتكون ليس لها هدف سوى الإستيلاء على الحكم وتتستر بالمبادئ الإصلاحية لتغطية نزوعها نحو ما تسعى إليه 0
ليس المهم المعارضة بل البرامج التي تطرحها والأهداف التي تسعى لتحقيقها ، وما هي الوسائل والآليات التي تبعثها في حياة شرائح المجتمع من أجل تدعيم البنى وتأسيس الإصلاح لكافة المؤسسات القائمة ، هناك نخب واعية ، ومثقفة ، ورؤى جيدة 0
ورغم أن معظم الأنظمة العربية قد كشفت عن عجزها في مواجهة التحديات الخارجية ، ورضخت للإملاءات الغربية والأمريكية ، وتنازلت عن كثير من الثوابت الوطنية والقومية والإجتماعية ، الأمر الذي جعل المعارضة تطرح بقوة بأن الحكومات العربية تسير بوحي من الخارج وتتلقى أوامرها من الفريق الأجنبي وليس وفق مصالح الأمة والوطن ، يؤكد ذلك الأزمات التي تقع فيها الأنظمة العربية نتيجة فشل الخطاب العصري أو النهضوي الذي تتبناه ، وفشل محاور وقواعد السياسة التي تتمسك بها ولا تستطيع معالجتها أو الوصول إلى حلول لها ، من ذلك تبدأ ظهور الأزمة ، التي تقلق السلطة وتسعى لتصدير الأزمات وخلق مناخ متوتر مع قوى المعارضة على قاعدة الهروب إلى الأمام دون أي إعتراف بحق الخلاف ومن خلال ذلك تبدأ سطوة القمع والعنف ورفض الآخر 0
ثمة سؤال يطرح : لماذا تلجأ الأنظمة العربية إلى العنف والقهر والإستبداد وعدم الإعتراف بالآخر ؟؟
والآخر ليس المتآمر على قضية بلده ولا شعبه بل الذي يريد مصلحة وطنه وخير شعبه 0 لماذا لا تحل السلطة أزماتها مع فئات المعارضة بالطرق الوطنية واستعمال مبدأ تطبيق القانون على الجميع 0
إن اللجوء إلى القهر والإستبداد دليل على عجز النظام ووصوله إلى جدار مسدود وعدم قدرته على حل الأزمة ، وخوفه من قوى المعارضة التي تطرح خطابا وطنيا مسؤولا ، ومشروعا ديموقراطيا يضمن للشعب الحرية ويكفل له الكرامة 0 أو خشيته من معارضة غير وطنية قد تمد جسورا مع القوى الأجنبية للتعاون معها من أجل إقتلاعه والحلول محله 0
( ولابد من القول بأن السلطات الحاكمة ، وقوى المعارضة هم ثمرة لصيرورة تاريخية ، وبنى إجتماعية ومعرفية وثقافية من ذات النسيج ) 0 والنظم تقوى وتتعزز بالحرية ، وتتقدم بتطبيق مبادئ الحرية والديموقراطية وهي ليست إلا محاكاة للواقع وممارسة للمبدأ 0
من خلال ذلك نرى أن عجز المعارضة في رص صفوفها وفي تنظيم أدواتها ووضوح برنامجها وممالاءة السلطة ومسايرتها في تنفيذ سياستها يجعل مشروع المعارضة مجمدا وبعيدا عن إهتمام السلطة به لأنها لا ترى قوة منظمة ، ولا ايديولوجية صريحة ولا قواعد شعبية عريضة 0
إن الذين يصرخون لا يكون لصراخهم صدى إذا لم يكن المناخ ملائما ، وإن كل الذين يهتفون تضيع هتافاتهم في أعماق الهواء إذا لم تستند إلى صرخة الضمير ويقظة الأمل 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا