الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطوة الاولى

عبدالواحد حركات

2021 / 4 / 5
الادارة و الاقتصاد


الخطوة الأولى
عبدالواحد حركات

تغيير وجهة الطائرة ثلاث درجات ونصف الدرجة ستجعلها تهبط في مطار الأبرق بدلًا من مطار بنينا بعد ساعة من إقلاعها، فتغيير نسبته لا تتجاوز 1.7 درجة، سيحطم الآمال في مغازلة شاطئ جليانة ويستبدلها بواقع آخر بأعالي الجبل الأخضر، وهذا التغيير الصغير قد يغير مستقبل شخص أو مؤسسة، والسيناريو الأسوأ أن يقطع الموت الطريق ببقرة في قندوله، وينهي حياة الشخص والبقرة أيضًا!

لماذا علينا أن نتعايش مع المشاكل؟!
الحلول مكومة في أرجاء المعمورة، وليس على الليبيين سوى التقليد مع المواءمة لخصوصيتهم، وكل ما حدث ويحدث في ليبيا قد حدث في دول عدة، وما تمر به ليبيا من أزمات وتقلبات ومقاومات ساذجة للتغيير، وما يعايشه أكثر الليبيين من شيزوفرينيا وإحباط وهموم ونوستالوجيات عاقرة عايشته شعوب قبلهم، وأفلتت منه، فالتغيير مهما كان هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في الحياة، فكل شيء يتغير ويتبدل في الحياة إلا التغيير يظل هو التغيير!

أس المشاكل والمعضلات في ليبيا هي مقاومة التغيير، فقد أجبر الجميع على معايشة اللامنطق بعدما راجت واستشرت ومورست طرق لا عقلانية لمقاومة التغيير على مستوى الأفراد وكذلك المجموعات والجماعات، واتخذت قرارات سيئة ومحبطة ألحقت الضرر بالجميع دون استثناء، ولم تكن القرارات سياسية في جوهرها بل قرارات اجتماعية منكهة بداحسيات جاهلية وبراغماتية فاضحة، أدت بمجموعها إلى تشويه المؤسسات وتقليص سلطاتها وقيدت الإدارة وعطلتها بطريقة غير مباشرة، فعجزت الإدارات عن أداء مهامها عدا سداد المرتبات!
"من يحترفون إثارة الفوضى في المجتمع هم بالتأكيد الذين لا يملكون حلًا لمشكلاته، لكن يبحثون عن الزعامة وسط الفوضى"، أخشى أن يكون دوستوفسكي يقصد وصف واقع ليبيا بهذه الكلمات، وإن كنت على يقين أنه قد رحل منذ مائة وأربعين سنة، ولا أظنه يعرف ليبيا أو سمع باسمها طوال حياته!

إن أعظم خلل اجتماعي يتمثل في ازدواجية ومزاجية ولاء الليبيين، والمبادئ التي تبنى عليها القناعات وبالتالي الأقوال والأفعال، فاستبدال الولاء لمؤسسات الدولة المقننة والمهيكلة بولاء لمنظمات اجتماعية موازية يعد نكوصًا إراديًّا وعودة طوعية إلى مرحلة ما قبل الدولة وما قبل المدنية، وهذا النكوص وإن كان في ظاهره يلبي احتياجات معينة إلا أنه يلغي امتيازات ويقيد استقلالية الأفراد ويخلق بيروقراطية فاسدة بأسلوب مريب لا مجال فيه للتقييم أو للمحاسبة أو للاعتراض أو للتغيير، فالزعامة الاجتماعية تورث وتعمم على الأسر وتخلق خللًا اجتماعيًّا بأسلوب قطرة الماء، فيرتفع أشخاص ويتصدرون المشهد ويحتكرون القرار والرأي والرؤى دون موجبات حقيقية سوى العادة والوجاهة والكثير من البروباجندا والأسطرة! المراد ترتيب دولة وليس اختيار لون جديد للبحر!

ليبيا واقعيًّا دولة سائلة وهشة، وتغيير هذا الواقع يحتاج إلى جهود وخطوات مدروسة ومقننة، فلا ينبغي الركض وراء أهداف قيمية لا يمكن ضمان تطبيقها، وتجاهل حقائق واقع يعاش يوميًّا بأسلوب دراماتيكي، نتيجة قصور معرفي وإصرار مريب على عيش الراهن بدقة وإعادة تدوير الخوف من كل آتٍ؛ لجني فوائد فردية وتحويل المواطنة إلى سلعة والمواطن إلى مستهلك للسياسات كرهًا أو طوعًا، وجعل مطاردة الطمأنينة شأنًا فرديًّا بدل أن تكون حالة جماعية، وتفتيت الغايات وتهشيم الهوية بأساليب براغماتية مثيرة للأسى.
الحياة جدل محتدم بين الأمس والغد!

انصهار الليبيين في مطابقة اجتماعية وانحيازهم للأمس ضد الغد أغلق الأفق، فالغايات والأهداف أصبحت آنية، ولا مجال لتأجيلها أو تجزئتها أو تأخيرها، مما أوجب موت الاستراتيجيات وتجميدها وتقليصها إلى الحد الأدنى، ولم يعد تجاوز مأزق الإدارات والمؤسسات ممكنًا بالأساليب التقليدية بل ينبغي إعادة صياغة وتصميم أنظمة الإدارة والهياكل التنظيمية، وتجاوز نظم التسلسل الهرمي والطبقات الإدارية والتحول إلى أنظمة إدارية مدمجة وموجهة إلى العمليات والتحكم الذاتي، فلم تعد الافتراضات الضمنية المؤسسة للإدارة التقليدية موجودة، فالإدارات الوسطى والتشغيلية باتت قادرة على التحكم والمراقبة واتخاذ القرارات، وأصبحت مصادر المعلومات وعناصر التحكم مدمجة ومتوافرة، كما تتيح التكنولوجيا المعلوماتية العديد من الخيارات والحلول وتسهم في توجيه وتيسير اتخاذ القرارات.
لا تنظر طويلًا في الهاوية كي لا تلتفت إليك!

الخطوة الأولى.. التي ينبغي أن تتخذ في هذه المرحلة الحرجة تتمثل في إعادة هيكلة السلطة القضائية، وتصميم أنظمة إدارية أفقية لكل الأجهزة الضبطية، وتفعيل المحاكم والنيابات وضبط آليات عمل المحاماة ومحرري العقود ومدارس التراخيص، وحل هيئات الرقابة ومكافحة الفساد وتأسيس إدارة قضائية تؤدي مهامهما مستقلة وتابعة للسلطة القضائية وليس لسلطة الحكومة، على أن تتم زيادة تأهيل وإعداد عناصر السلطات الضبطية ومنح صلاحيات إضافية إلى رؤسائها. بلا شك.. !.
الحقائق التي نسكت عنها اليوم تصبح سامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي