الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رسالة رئيس الجمهورية -قيس سعيد- إلى -الغنوشي-

هيثم بن محمد شطورو

2021 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


يمكن اعتبار رسالة رئيس الجمهورية التونسي " قيس سعيد" إلى رئيس البرلمان "راشد الغنوشي"، رسالة تاريخية، باعتبارها قد سجلت موقـفا جديدا في التعامل السياسي من شأنه أن يكون منعطفا تاريخيا له تداعيات مستـقبلية كبرى ومتعددة.. إنها في جوهرها قد سجلت من أعلى هرم السلطة أن الممارسة السياسية يجب أن تكون أخلاقية بالفعل، ونبيلة بالفعل ومتمثلة بالفعل لروح الدستور والقوانين والدولة، وفي نفس الوقت فهي قد سجلت ضربا للممارسة السياسية كمطامع وتـفاهمات على حساب الدولة والشعب والأخلاق. إنها قطع مع سياسة الفهلوة وتأسيس للسياسة النبيلة، وبذلك فقد أكد "قيس سعيد" مرة أخرى تمثيله للقاعدة الشعبية الواسعة التي انتخبته والتي مثلت سبعون في المائة من عدد الناخبين، كما أن نسبتهم هي ضعف نسبة الأصوات المتحصل عليها البرلمان بجملته في انتخابات أكتوبر ـ نوفمبر 2019..
فقد أكد رئيس الجمهورية تساويه الكامل مع مفهوم الدولة باعتبارها تجسيدا للروح المطلق وفق المفهوم الهيغلي، وهي هنا بما تمثله وتجسده من معطى روحي أخلاقي قوامه الصدق والمصداقية مع القانون كتعبير عن المصلحة العامة والتـقيد بتلك القيمة في الممارسة. مقابل ذلك فالرسالة موجهة إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي وهو رئيس حركة النهضة الإسلامية في نفس الوقت بما يمثله من انفصال عن مفهوم الدولة ولامساواته معها واعتبار الدولة مجرد وسيلة لتحـقيق المصالح الحزبـية أو الطائـفية أو الشخصية الضيقة وعلى حساب الدولة وروح القوانين ضاربا بذلك الجانب الأخلاقي والقيمي..
فهذه الرسالة تـنـدرج في إطار مسار من الصراع بين الرجلين وهذا الصراع حدده قيس سعيد بكل وضوح في رسالته الأخيرة والتي موضوعها مشروع قانون إنـشاء المحكمة الدستورية، هو الصراع بين السياسي الفاسد الذي يضرب مقولة الدولة ويضرب أخلاق المصداقية والصدق وأصبح مجسدا كصنم يمثل عدم الالتـزام بما يعد وبما يقول بل الانقلاب الشامل على كلماته، وهو في ذاته ما يعبر عن موقف من الكلام باعتباره مجرد وسيلة للحصول على منفعة سياسية وليس الكلام كتعبير صادق عن الذات وعن القيمة والمثال، وبين الموقف الأخلاقي الصارم لقيس سعيد في اعتبار السياسة نبل ورسالة أخلاقية وفعل أخلاقي والتزام أمام الله والشعب والتاريخ، وبالتالي اعتبار الكلمة حاملا للروح و وجودا فعليا للروح في العالم..
وان رفض سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد ختم مشروع قانون إحداث المحكمة الدستورية باعتباره مشروعا منافيا لدستور 2014، الذي نص على إحداث المحكمة الدستورية في فترة لا تتجاوز العام من تاريخ الانتخابات البرلمانية لسنة 2014، ولم يقع إحداثها في حينها نظرا للحسابات السياسية الضيقة من طرف حزب نداء تونس الاغلبي حينها وحركة النهضة حينها برغم تحالفهما في تكوين ما سمي بالتوافق. ولكن هذا الموقف لا يعبر عن تمسك حرفي بنص الدستور، فإذا تـقاعس برلمان 2014، فهل يعني ذلك عدم إنشاء محكمة دستورية بالمرة وهي المنصوص عليها في الدستور؟
طبعا فرئيس الجمهورية لا يقصد ذلك وإنما حدد الموقف السياسي بكل وضوح، والمتمثل في رفضه أن يتم إحداثها من قبل سياسيين فاسدين ومرتـشين وملاحقين بقضايا ويستعملون أجهزة الدولة لتحقيق أغراضهم على حساب الشعب والأخلاق والعدالة الربانية والإنسانية. فمعلوم أن التـسرع من قبل حركة النهضة وحلفائها لانجاز مشروع قانون المحكمة الدستورية اليوم هو في إطار كبح رئيس الجمهورية على خلفية رفضه للتعديل الحكومي الذي دبر بليل والذي كان نتيجة انقلاب رئيس الحكومة "هشام المشيشي" على رئيس الجمهورية الذي كلفه بإنشاء الحكومة الثانية، وغاية المشيشي هي المحافظة على منصبه نظرا لتهديد حركة النهضة وحلفائها من منظومة الفساد السياسي وفق تحديد "قيس سعيد" في رسالته، بإسقاط حكومته إن لم يرضخ للتعديل وخاصة في وزارتي العدل والداخلية على اثر الملفات الكبرى التي تهددهم، وعلى اثر القبض على "نبيل القروي " رئيس الحزب الثاني في البرلمان بتهم الفساد، وقول وزير الداخلية آنذاك وهو رجل الرئيس قيس سعيد بأن هناك حيتان كبرى سيتم القبض عليها،ولكن تمت المسارعة بإقالته والمسارعة بإحداث تعديل حكومي وفق رغبة ومصلحة الغنوشي وحلفائه المتـنافية مع المحاربة الفعلية للفساد والمتـنافية مع القبض على الحيتان الكبيرة، وبالتالي فهي معركة ليست سياسية يخوضها تحالف الفساد وإنما هي معركة مجرمين ضد الدولة والشعب.. هذا ما حدده بكل وضوح سيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد في هذه الرسالة..
إنها رسالة مكتوبة بالخط المغربي الذي هو مستمد من الخط الكوفي، ورسالة حافظت على الشكل الرسمي المهيب الذي كان لرسائل الملوك والسلاطين، كتعبير عن تمثيلها شكليا للدولة، وتعبيرها عن مهابة الكلمة كسلطة ومهابتها كعدالة ومثال. ولكن الأهم هو تمثيلها للدولة في مضمونها الأخلاقي والقيمي. تعبير عن الدولة كروح مطلق يمثل عقل الشعب. فحين نـتحدث عن الدولة فإننا نتحدث عن معطى أخلاقي قيمي، وفي هذا الإطار قام رئيس الجمهورية قيس سعيد، بانعطافة تاريخية هامة تمثلت بالأساس وفي جوهرها بتسجيل موقـف جديد من العمل السياسي كعمل أخلاق قيمي، وهو بذلك قد ضرب السياسة كمفاهيم براغماتية وتحيل وحيلة وزوغان ومخاتلة وتـزيـيف للإرادة العامة. ضرب السياسة كاستعمال للدين والله ومجمل القيم لأجل المنافع السياسية الخاصة والضيقة. ضرب قيس سعيد السلطة باعتبارها لصوصية والسلطة باعتبارها لا مبدئية وميكيافيلية.. وانه لعمري ضرب لمنطق السياسة العربية لقرون. فالحاكم الذي يمثل الشعب هو المتواضع والذي لا يتردد ولا يرتعش ولا يخاف في خدمة الشعب، بل التماهي مع الشعب كروح وقيم أخلاقية وصدقية..
انه كذلك وخاصة في ختام رسالته بإطلاق صيغة التحية للغنوشي بالقول "السلام على من اتبع الهدى"، فإنه يؤكد الفصل التام للمبعوث إليه عن الأخلاقية والهداية إلى الله، كما أنه من الممكن أراد أن يقول أن الغنوشي ليس مسلما باعتبار الإسلام الفعلي هو تمثل إرادة الحق، وكأنه هنا يريد القول أن الإسلام السياسي والإخوان المسلمين غير مسلمين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار