الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي المزيف

سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)

2021 / 4 / 5
الادب والفن


ا
من أصعب الأوهام في الحياة هو الوهم الذي تضفيه الأيديولوجيا الثورية على واقع الحياة فتزيف الوعي
سأقص عليكم محنة صديقين ورفيقين أحبهما بشدة،
الأول من نمط الصداقات التي تنبثق من أول لقاء لتشتعل ولا تنطفئ حتى بالموت وهي أقرب إلى الحب منه إلى الصداقة كما هو حالي مع "عبدالحسين داخل" الذي تعرفت عليه في جلسة بنادي الموظفين بالديوانية 1979 لتمتد علاقتنا بشكل يومي فيه محبة وشغف، فاعتقلونا معا في الشهر السادس من عام 1980 خطفونا من بار على أبو نؤاس وارونا الويل، أخفاني لاحقا في بيته حين عودتي من بين الثوار في الجبل متخفيا، لأفارقه بعد التحاقي الثاني بالثوار 1985، ولم التقِ به إلا عام 2004 عقب الاحتلال.
الثاني مخاضه أعسر كما هو الحال مع جاري ورفيقي جابر الطرشجي، الساكن خلف دارنا في الحي العصري بالديوانية بشارعين، الذي سيخبرني لاحقاً حينما التحقت وزوجتي في الثوار بالجبل ووجدته مع زوجته في نفس القاعدة، بأنه عمل مع أخي الشهيد كفاح في تنظيم الشبيبة الديمقراطية السري وقت جبهة الشيوعيين مع البعثيين 1973-1979
سندخل في علاقة ملتبسة، فهو شديد الحزبية، وأنا بعرف تقاليد الحزبي، ليبرالي متحلل، ضارب التقاليد الحزبية وهذه حقيقة. ومن هنا دخلنا في صراعٍ مكشوف، سأضرب لكم مثلًا بحدث ،
كنا في فصيل المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي وكان جابر "أبو نصار" مسؤول عن مكتبة الفصيل وينسق الاستعارات من مكتبة القاطع والأحزاب الأخرى، ولما كنت دودة كتب أقمت علاقات مع المشرفين على مكتبات الأحزاب المعارضة التي كانت مقراتها مجاورة فكنت أستعير ما أشاء.
في مساء موحش من ليالي الثوار زارني مع زوجته إلى غرفتنا والتي عبارة عن سقف بسعة سرير أسفل سفح، قلب كتبي فاكتشف انني أستعير من مكتبات الأحزاب مباشرة، أتذكر المشهد بوضوح؛
رفع الكتاب وكان رواية لماركيز وهزها بوجهي قائلا:
- رفيق هذا خرق حزبي، ليش تتجاوز الرفيق المسؤول
كان يقصد نفسه، ولما كنت وقحاً، لا أكتم في قلبي شيء، انتصبت على ركبتي، صار تحتي صرخت به أمام دهشة وجهي زوجتينا:
- قم رفيق قم أطلع من غرفتي
حملق بي مدهوشاً
لم أكف عن الصراخ حتى قام ولحقته زوجته.
سنفترق سينقل إلى الفوج الثالث في وادي الخيول خلف جبل متين، سألتقي به كلما ذهبت في مفرزة إلى الفوج، وهو من أكثر الشخصيات قدرة على السرد وحياكة القصص، ولو كان لديه الموهبة وقدرة الكتابة لكان من أبدع الروائيين، في زيارة إلى فوجهك في المساء تعالى صراخ جماعي هستيري تعجبت له فسألته:
-اشبيهم الرفاق؟
أجابني ضاحكاً:
- أبو الطيب كبت جنسي الله يساعدهم
قالها وهو يغمز لنظرات أم نصار الغاضبة.
سيصاب أبو نصار في معركة وسيبتر ساقه الأيمن من أعلى الركبة بعد أصابته برصاصة متشظيه، سيأتي إلى موقعنا في زيوة ويكون معي في فصيل الإدارة في بندري، وفي صبيحة شتوية مشمسة كنت مشغولًا بالطبخ فيومها خفارتي، وكان الرفاق يتشمسون على سطح القاعة المشادة في قعر الوادي الضيق وفجأة انقضت علينا طائرات الدكتاتور،
نسيت كل شيء، وركزت على مكان أبو نصار على السطح وجدته وحيداً تحت ضجيج الطائرات المنقصة، ركضت إليه، كنا وحدنا تحت الضجيج، كان عاجزا يحملق بعيني بذهول العاجز عن الحركة، حملته على كتفي، كنت قوياً، وركضت به إلى ملجأ شقي قريب.
سيبقى معنا حتى الأنفال وسنكون معاً في انسحابنا الطويل تعاونًا فيه على حمل ابنته لهيب المولدة للتو أنا وناهدة عمري حتى عبور الحدود التركية،
لا تدرون مدى مرح روحه الساخرة ولا أدري كيف من لديه هذه المساحة من التأمل والسخرية يكون حزبياً بهذه الكيفية
قبل الانسحاب نحو الحدود التركية ، وصلنا للموقع الذي هو فيه وهو مقطوع الساق، وقبيل النوم وكنا مكدسين على أفرشة رثة رفاق ورفيقات في قاعة الموقع الوحيدة، طلب مني النهوض لرؤية المشهد معلقاً وهو يضحك:
- أبو الطيب اگعد شوف ما ينعرف رجلها من حماها.
سنمكث معاً في ظروف سيئة جدا في زيوة المثلث الحدودي، سأحرضه كي يسرعوا بتسفيره عبر الحدود الإيرانية السوفياتية وقتها ، سيعبر ولا أراه إلا في عام ۲۰۰٤ في الزينبية وهو عائد من العراق عقب الاحتلال خائباً مما رآه
ونصحني بإخفاء الأخضر حتى لأقرب الناس، سأعرف لاحقا تعرضه للسرقة من أقرب الناس.
أعود إلى صديقي عبد الحسين الذي وجدته بعد عودتي وتكرر زياراتي لرحمي الدامي نشيطا في الحزب الشيوعي العراقي بمنظمة عمالية بغداد
ستهتز قناعاته قليلا قليلا مع تفاقم الواقع وتكشفه التام
ساهمت برفع الغشاوة الحزبية تلك بحوارات طويلة
في يوم ميلاد الحزب الشيوعي العراقي وحفل بقاعة المسرح الوطني أشر إلى الحشد المكتظ الذي كان يغني وقال لي:
- سلام هذي جماهيرنا سنفوز بالانتخابات
قلت له ضاحكا
- حسين تره بس الحاضرين راح ينتخبوكم
كان ذلك عام 2010
بعدها تدهور وضع حسين ، ومات من الشرب
1953-2011
أما أبو نصار ففي حفلة بميلاد الحزب في يوتبري السويدية صدفة كنت في زيارة وفي صخب موجة الرقص اقترب مني منشياً بالخمرة وقال جملة عبد الحسين نفسها
- أبو الطيب معقولة ما نفوز بالانتخابات
تبسمت له مثلما تبسمت لصديقي الراحل، وكررت نفس الجواب
أبو نصار الشجاع المعوق يكاد يسكن العراق
وهو إنسان ديناميكي أدرك أخيرا عطب التنظيم وجموده فنشط بين الناس يساعد الفقراء في الديوانية بسلال غذائية، ومساعدات مالية يجمعها من المغتربين متحاشيا ربط نشاطه بالتنظيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع