الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وداع مصطفى ماهر: عرّاب الأدب الألماني

زهير سوكاح

2021 / 4 / 9
الادب والفن


رحل عنا قبل أيام المترجم المصري والبروفيسور القدير مصطفى ماهر (2021-1936)، الذي وهب حياته حرفيا للكتابة (تأليفا وترجمة) وساهم بشكل بارز في تطوير العلاقات الثقافية بين المنطقة العربية والبلدان الناطقة بالألمانية، إضافة إلى مساهمته الكبيرة في إرساء تدريس الأدب الألماني في قسم اللغة الألمانية وآدابها في جامعة عين شمس المصرية، الذي كان له الفضل الكبير في تأسيسه، وهو يعد، فيما أعلم، أقدم أقسام الأدب الألماني في جامعات المنطقة العربية.
لم يقتصر نشاط الراحل البروفيسور مصطفى ماهر على الترجمة بين اللغتين العربية والألمانية بل له ترجمات عن الفرنسية، حيث كان مدرسا لها قبل أن ينقل اهتمامه بصورة مُكثفة إلى الثقافة الألمانية وآدابها ولاسيما بعد حصوله على درجة دكتوراه في اللغة الألمانية وآدابها في ستينات القرن الماضي. إلى جانب هذا ساهم مصطفى ماهر في التعريف بالأدب العربي الحديث من خلال ترجماته لبعض أعمال رواد النهضة العربية، وبخاصة من مصر مثل طه حسين توفيق الحكيم، إلى اللغة الألمانية.
ويُعدّ كتابه "صفحات خالدة من الأدب الألماني" (1970) من أشهر انتاجاته الغزيرة التي لا يسع المقام هنا لذكرها كلها، حيث وصلت تقريبا إلى مئة ترجمة متنوعة. وأتذكر أنه وقع بين يديّ هذا الكتاب الضخم نهاية المرحلة الثانوية في نهاية التسعينات، كنت قد استعرته من مكتبة البلدية بالدار البيضاء. وإلى جانب انبهاري بسلاسة وقوة لغته العربية، التي بدت سليلة لغة النهضة العربية، قدّم لي هذا "الكنز"، الذي يضم ما يقارب مئة نص مترجم، آنذاك "خارطة طريق" أولية عن الثقافة الألمانية وآدابها وأعمدتها وتياراتها الفكرية من البدايات الأولى وإلى العصر الحديث. كانت قراءة هذا الكتاب رحلة فكرية ولغوية وأدبية ماتعة، استفدت منها أيّما استفادة ولاسيما أثناء التحاقي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء لدراسة اللغة الألمانية وآدابها، حيث كنت أستعير كتبا مترجمة وبخاصة من مكتبة معهد غوته الدار البيضاء، التي تضم كنوزا ترجمية مهمة. ولا زلت أتذكر بعض الترجمات التي وجدتها هناك للرّاحل مصطفى ماهر، منها على سبيل المثال "الجرّة المكسورة" لهاينرش فون كلايست، العالقة في الذاكرة إلى اليوم، إلى جانب ترجمات مهمة لكتاب ألمان آخرين أنجزت في فترات زمنية لاحقة من طرف مترجمين من دول عربية متعددة سواء من الألمانية مباشرة أو من لغات وسيطة. ويعود لمصطفى ماهر الفضل في تعريف قراء العربية بالعديد من أعمدة الأدب الألماني، قديمه وحديثه، مثل ليسينغ،غوته، شيلر وكافكا، هيسه وغراس وغيرهم.
بعد التحاقي بجامعة دوسلدورف قبل 19 سنة تقريبا من أجل متابعة دراستي للأدب الألماني، لم يعد بإمكاني آنذاك الاطلاع على الترجمات العربية التي أنجزها الراحل مصطفى ماهر، لكن وجدت في مكتبة الجامعة ومكتبة المدينة وعلى شبكة الإنترنت دراسات له باللغتين الألمانية والعربية، ولعل من أهم هذه الدراسات بالعربية "الرواية الألمانية في القرن العشرين"، التي نُشرت كدراسة مُطوّلة في دورية عربية في حين أنها تستحق أن تُنشر على هيئة كتاب مستقل. بعدها علمت لاحقا عن صدور ترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الألمانية ونصوصه الترجمية الجديدة. أيضا لم تخلو بعض كتابات الراحل مصطفى ماهر وبخاصة بالألمانية من معارك لغوية وفكرية مع زملاء له كانت أحيانا امتدادا للّوم الإيديولوجي المتبادل على وقع إخفاق مشروع "الجمهورية العربية المتحدة" بين مصر وسورية وما استتبع هذا الإخفاق من إخفاقات وانكسارات عربية. إضافة إلى هذا انتُقدت بعض ترجماته الأخيرة مثل ترجمته لرواية "عاشقات" للنمساوية إلفريده يلنيك، غير أنها لم تخرج عن نطاق النقد الترجمي المألوف بل والمطلوب، والذي لا ينقص بل يُثمّن قيمة ما قدمه الدكتور مصطفى ماهر للمكتبتين العربية والألمانية بأسلوب نقدي وموضوعي.
رحم الله الدكتور مصطفى ماهر، الذي يستحق بحق أن يُخلّد اسمه وجهده في سلسلة كتب تذكارية و/أو في جائزة ترجمية بين اللغتين العربية والألمانية تليق باسم مصطفى ماهر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في