الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الرجل الذي باع جلده - فيلم يتعامل مع التسليع الفني ورحلة البحث عن الحرية،

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2021 / 4 / 9
الادب والفن


The Man Sold His Skin

رسم الفنان التشكيلي البلجيكي "ويم ديلفوي (1965) لوحة على ظهر الانكليزي المولد " تيم شتاينر" السويسري الجنسية (1971) أحد فناني الوشم السويسريين بعد أبرام عقد بين الطرفين . يقضي الاتفاق بينهما على أنْ يجلس شتاينر في صالات العرض في العالم كعرض حيّ ولفترات مُحدّدة بين عامي 2006 و2008 ، فينال ثلث ثمن المبيعات والأهمّ والأكثرغرابة في التزامه سلخ جلده عقب وفاته!! ، ويذكر أن شتاينر التقى بديلفوي في عام 2007 عندما كان الأخير يبحث عن عمل فني حتى يقوم برسمه كتاتو على جسد بشري ، وعندها قام ديلفوي بتغطية ظهر شتاينر بوشم للسيدة العذراء وهالة من نور تحيط برأسها . وفي عام 2008 بيعت القطعة الفنية الرائعة التي رسمت على جلد شتاينر لألماني يهوى جمع القطع الفنية واسمه ريك رينكينغ بمبلغ 150 ألف يورو. من هذه الحكاية إستوحت المخرجة التونسية ( كوثر بن هنية) فكرة فيلمها ( الرجل الذي باع ظهره) ، وقد شاهَدَتْ المخرجة أعمالَهُ لأول مرةٍ في معرض خاص في متحف اللوفر، ثم رأت شابّاً يجلس في إحدى غرف في المتحف ، وصُدِمَت حين علِمَت بأن وشم ظهره جزءٌ من المعرض . تحدَّثَتْ المخرجة مع الفنان التشكيلي" ويم ديلفوي" وأخبرته بأنها تعتزم إنجاز فيلمٍ مستوحىً من أعماله، لم تفارق هذه الصورة خيالها، ومع مزيد من التفاصيل كتَبَت سيناريو الفيلم في مسودته الأولى خلال 5 أيام فقط، وهو زمنٌ قياسيٌّ. وقد تعمَّدَتْ المخرجة إظهارَهُ في مشهدٍ قصيرٍ خلال الفيلم ، حيث لعِبَ دور موظف شركة التأمين الذي قام بتقييم ظهر اللاجئ السوري. كما أنه أُعْجِبَ كثيراً بالوشم الذي قام فريق العمل بتصميمِهِ خصيصاً للفيلم، ومستوحىً من أعماله التي كانت معروضةً في متحفٍ دون الحاجة لبناء المشهد . كانت صورة اللاجئين تملأ مخيلتها ، قررت التطرق لمشاكلهم وأوجاعهم بشكلٍ غير متداول اختارت قصّة حقيقية، بطلها لاجئ سوري، قالت المخرجة كوثر بن هنية أنها أرادت عبر الفيلم معالجة مسألة حرية التنقل التي يعاني منها اللاجئون السوريون وغيرهم من الذين ينتمون للعالم الثالث ويتم منعهم من السفر لمجرد أنهم يمتلكون جواز سفر دولة بعينها . وأضافت أن هذا الوضع يجعل أي شخص إما أن يوافق على أي عقد عمل ، أو أن يضطر إلى قبول أي عرض غريب من نوعه حتى لو يُخسره كرامته . مخرجة الفيلم التونسية كوثر بن هنية ذكرت لمجلة فارايتي بأنها استلهمت فكرة الفيلم الجديد بعد مشاهدتها معرض الفنان ديلفوي ، الذي يظهر في الفيلم كضيف شرف . ومنها انطلقت المخرجة فى كتابة الفيلم، لتعطى وجهة نظرها الخاصة حول السياسة، والفن المعاصر اليوم المقتصر على النخبة، والذى تحول إلى سوق يستثمرون فيه أموالهم ، فهو أكثر وأكبر من مجرد فن ، إلى جانب استعراض مصير أولئك اللاجئين فى أوروبا، وبذلك جمعت بين الموضوعين . وقالت بن هنية على هامش عرض خاص للفيلم أقيم للصحفيين عشية إطلاقه في تونس إن "الشخصية الرئيسية في الفيلم تشكل همزة وصل بين عالمي اللاجئين والفن المعاصر"، موضحة أن "الأحداث تدور في سياق من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وأوضاع اللاجئين في أوروبا ، الرجل الذي باع جلده“ هو عنوان يحمل الكثير من المعاني على العديد من المستويات، باع جلده“ بالمعنى الحرفي. لكنه أيضاً باع ظهره بشكل رمزي، فأن تكشف جلدتك، يعني أن تفصح عن معتقداتك الداخلية والشخصية ". ويتنافس الفيلم التونسي ضمن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية مع «أناذر راوند» (الدنمارك)، و«بيتر ديز» (هونغ كونغ)، و«كولكتيف» (رومانيا)، و«كو فاديس، عايدة» (البوسنة)، بحسب قائمة الترشيحات للدورة الثالثة والتسعين ، التي توزع جوائزها في 25 أبريل المقبل في لوس أنجلوس . وصول فيلم المخرجة التونسيو الى هذه المرحلة وتتتخطي أسماء بارزة في عالم السينما العالمية في السباق هذا العام مثل (ماجد مجيدي ، وأندريه كونشالوفسكي ، وأجنيسكا هولاند ، وتوماس فينتربيرغ ، وتشونغ مونغ هونغ) ، فإنها تشكل بالتاكيد دفعة كبيرة في مسيرتها الفنية. تم تصوير الفيلم بالمتحف الملكى للفنون الجميلة فى بلجيكا الذى يعرض أعمال الفنان ( ويم ديلفوي)، رغم ان الامر كان صعباً ومعقداً للغاية ولكنه أعطى للفيلم مصداقية كبيرة . وتصور المخرجة "بن هنية" خلال الفيلم قصة الشاب السورى "سام على" ، شاب وسيم من مدينةالرقة ( التي اصبحت مركز الدواعش فيما بعد) يحب (عبير) الفتاة الأنيقة وتلعب دورها الممثلة (ديا ليان) . في لحظة جميلة من حالة الفرح وبينما يركب الاثنان القطار في وقت مبكر من الفيلم. عندما تقول عبير ل(سام) إنها تحبه ، يشعر سام بسعادة غامرة ، وفي لحظة فرح ويصرخ "إنها ثورة ، نريد الحرية" ، موضحًا أنه يقصد حرية الزواج منها. بدأ الركاب بالتصفيق والغناء بينما كان الزوجان يرقصان . لسوء الحظ قام راكب - مخبر أمني - بتسجيل تقرير عن سام وعلى أثره يتم اعتقاله أثناء الليل . تمكن أحد معارفه المتعاطفين معه بمساعدته في الهروب بسهولة ، والذى اضطر بعد تعرضه للتوقيف إلى الهرب من بلده سوريا الغارق فى الحرب تاركاً هناك الفتاة التى يحبها ليلجأ إلى لبنان . يلتقي فى أحد المعارض الفنية، بـ"جيفرى جودفري" وهو فنانٌ ذائع الصيت فى مجال الفن المعاصر، أقنع سام بأن يرسم على ظهرِهِ عملاً فنيّاً حيّاً، مقابل أن يوفِّرَ له فيزا لمقابلة حبيبته فى بلجيكا التي تزوَّجَت الدبلوماسي السوري زياد واستقرَّت ببلجيكا "يُمْكِنُنى أن أقدِّمَ لك بساطاً سحريّاً لتسافر بحرية". ولكى يتمكن سام من السفر إلى بلجيكا ليعيش مع حبيبته فيها، بروكسل هي المكان الذي تعيش فيه صديقته السابقة عبير (ديا ليان) الآن مع زوجها الدبلوماسي زياد عبد الله (سعد لوستان) وتعمل مترجمة للغة العربية في السفارة السورية. يعقد صفقة مع فنان واسع الشهرة تقضى بأن يقبل بوشم ظهره وأن يعرضه كلوحة أمام الجمهور ثم يباع فى مزاد مما يفقده روحه وحريته ، ويؤدى أدوار البطولة فى الفيلم الممثل السورى يحيى مهاينى ديا ليان والبلجيكى كوين دى باو والإيطالية مونيكا بيلوتشى . يقوم الفنان برسم وشم تأشيرة شنغن كبيرة (والتي تسمح بالسفر السلس داخل أوروبا) على ظهر سام ، مما يدل على كيفية توقف الحدود الوطنية للبشر فقط . في زمننا الحالي وكما توضحه مديرة أعمال الفنان الامريكي" ثريا" التي تقوم بدورها الفنانة (مونيكا بيلوتشي) في تداول السلع أكثر سهولة وحريّة من تداول البشر، ففي تحويله إلى نوع ما من البضائع وسيكون الشاب سام الآن قادراً على السفر وأن يستعيد إنسانيته وحرّيته.. هذه هي المفارقة" ، لكن "سام " يشعر في نوع آخر من العبودية في صالات العرض الضخمة ، حيث يتم التعامل معه على أنه كائن فني غير حي . يُمكن لسام التواجد في أوروبا، والعيش بشكلٍ لم يحلم به إطلاقاً مقابل ساعات يقضيها جالساً في المتاحف لعرض ظهره، الذي أصبح لوحة فنية تقدّر بملايين الدولارات الأميركية ، ويتسابق الناس على مشاهدتها. سام في أوروبا لا يُعتَبر ولا يُعامل كشخصٍ فارّ من بلد مزّقته الحرب، ولا كلاجئ يبحث عن بلد يحضنه، ولا كآدميّ له كرامته وحريته. هو مجرّد غرض يُنقَل من هنا إلى هناك، ويُباع ويُقتنى. يعرض كلوحة امام الجمهور تم يباع في مزاد مما يفقده روحه وحريته تأشيرته لم تُمنَح لشخصه ، بل لقيمة ما يحمله على ظهره وأهميته. تروي أحداث الفيلم معاناة بعض السوريين ممن اضطروا لمغادرة سوريا في سنوات الحرب ورحلة المعاناة التي عاشوها بداية من خروجهم من بلادهم ثم لجوئهم إلى “أوروبا” وحتى بعد الوصول وما تخلله ذلك من استغلال جسدي ومادي وممارسات عنصرية تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان . وذلك من خلال قصة لاجئ سوري يعيش في لبنان ويرغب في دخول أوروبا، مما يجعله يقبل بفكرة رسم وشم على ظهره يمثل تأشيرة عبور له حتى يتمكن من السفر إلى أوروبا. وبذلك يكتشف اللاجئ أن موافقته على العقد منحته حرية التنقل بين الدول ولكن سلبته كرامته وإنسانيته ، (سام) و(عبير) يعيشان قصة حب ولدت في سوريا وترعرعت في أزقتها رغم مرارة الحرب التي تهزّ البلد منذ عقد من الزمن. ضنك العيش أجبر «عبير» على الزواج والسفر إلى بلجيكا مع زوجها، تاركة وراءها «سام»، وسط عذابات التشرّد وغياهب السجون والإيقافات الأمنية، ما اضطره إلى اللجوء إلى لبنان، البلد الجار، هرباً من نار الحرب ونار الذكريات . في بيروت لم تكن الجنة المنشودة في انتظار اللاجئ السوري، الذي جعل من المعارض الفنية ملجأ يقتات من ملذات موائده ، ومن أجل تحقيق حلمه في اللحاق بحبيبته إلى بلجيكا. وهناك ترسم لنا المخرجة الرائعة( كوثربن هنية )ايضا صورة من واقع حال اللاجئين السوريين في لبنان ، حين يواظب الشاب سام ورفيقه بالعمل على زيارة المعارض الفنية للغرض الحصول على الاكل و الشرب من البوفيه المجاني ، وفي احدى زيارته الى معرض فنان عالمي ، يلتقي الشاب السوري سام بالفنان الشهير جيفرى غودفرا، في مجال الفن المعاصر، يقوم بدوره الممثل البلجيكي (كوين دي باو )، يتعرض سام الى الاساءة و الاهانه من قبل السيدة (ثريا ) مصممة المعارض لجيفري وتقوم بدورها الممثلة الايطالية الجميلة ( مونيكا بلوتشي ) سام يعتبرطريقة كلامها معه جرحاً لكرامته حين تخبره بانها ستجمع له الاكل المتبقي لكي ياخذه معه . يتدخل الفنان أمريكى ويعقد الصفقة معه . ويتفقا على أن يرسم على ظهره وشماً جاعلاً منه عملاً فنياً حياً ومقابل حصوله على تأشيرة للسفر للقاء حبيبته في بلجيكا . ويحقق هذا العمل شهرة كبيرة، ويقدر بمبالغ خيالية في مزادات سوق الفن لكنه يجابه بالسخط من ناشطي حقوق الانسان ليجد الشاب السوري"سام" نفسه في مأزق، يحاول الخروج منه واستعادة حبيبته. مع هذا الوشم يتحول جسد سام إلى قطعة فنية مرموقة، وسيدرك في ما بعد أن قراره قد يعني في الواقع أي شيء سوى الحرية جيفري الفنان ، من جانبه ، لا يبالي بما ينوي القيام به. يقول أنا مفيستوفيليس. يسأل سام: "هل تريد روحي؟" رد جيفري لا ، أريد ظهرك. الحافز أكبر من أن يقاومه سام. تقول له مديرة اعمال الفنان السيدة (ثريا) "إن سفر البضاعة أسهل من سفر الإنسان ، إذا كنت سوريًا أو أفغانيًا أو فلسطينيًا ". لكن الإنسان هنا يتحول إلى بضاعة ، فهل يجوز قلبه أن ينبض مثل قلب الإنسان العادي؟ وفي أحد مشاهد الفيلم الأكثر رمزية يخاطب الفنان التشكيلي اللاجئ السوري بالقول "سنحول هذا الإنسان الذي لا يحق له السفر إلى سلعة، لأننا في العالم الذي نعيش فيه السلعة أكثر حرية من الإنسان ". قدمت المخرجة ثريا بن هنية صورة للفنان لن نعتد عليها في السينما ، ففي العديد من الأفلام التي تتناول فناناً، عادة ما تكون الشخصية نمطية تواجه صراعاً ذاتياً، هذه الشخصية غالباً عبقرية يُساء فهمها ولا تلق ما تستحقه من تقدير، وأحياناً شخصية المدمن على الكحول.. لكن الفنانين المعاصرين مختلفون تماماً عن هذه الصورة ، لذا أردات تقديم هذا الفنان، له كاريزما، ويريد الترويج لبيع كافة أعماله. أردت تقديم شخصية الفنان في صورة جديدة ومن منظور مختلف. أنا أبيع المعنى " هذه هي قيمة الانسان عند الفنان الامريكي ( جيفري ) الدور الذي يؤدية الفنان البلجيكي الوسيم ( موين دي بو )، الذي يظهر بشكل شيطاني مع الكحل داكن وطلاء أسود للأظافر) ، يقترح استغلال الشاب السوري سام تحويل ظهره الى عمل فني يستحق الملايين ، رسم فيزا أو تأشيرة شنغن على ظهر سام ، وضمن عقد بين الطرفين سيحصل سام على ثلث أي عملية بيع أو إعادة بيع للعمل الفني ، ولكن في المقابل ، يجب أن يلتزم سام بحسن نية في التواجد والحضور في جميع المعارض التي سيقيمها الفنان الامريكي في العواصم العالمية ، الفيلم يركز حول سام علي وهو سوري نازح يحمل على ظهره عمل فني . من المفارقات أنه يصبح من الأسهل عليه السفر إلى أوروبا كعمل فني أكثر من كونه لاجئًا ، ينتقل سام الشاب السوري الذي يبحث عن الخلاص الى العيش في فندق خمس نجوم في بروكسل ، إنه يشعر ببعض الارتباك حيال رؤية ظهره يُباع على قمصان متاجر المتحف ويُعلن عنه على لافتات ضخمة. وليس لديه شعور أنه أساء تمثيل "وظيفته" لأسرته وحبيبته عبير، رمزية اللوحة وعبثية الوضعية، زادتا في شهرة الفنان، وأغدقتا على «سام» أموالاً كثيرة، لكنها انتزعت منه حريته وكرامته الإنسانية، لتحولاه إلى جماد بلا روح، وسلعة قابلة للعرض والبيع والشراء. قالها مُفَوّضُ هيئة اللاجئين معاتباً بطل الشريط الذي قبِلَ أن يكون ظهرُهُ حاملاً للوحة الفنية "أنت عارٌ على السوريين" ، وحتى أهله لم يستسيغوا أن يؤجِّرَ واحدٌ منهم ظهرَهُ. بل إنه أخفى عن حبيبته نوعيّةَ شُغْلِهِ، أعلَمَها فقط أنه يعتني بلوحات فنان ، وعلى الرغم من أنه يعلن بتحدٍ أن هذا كان اختياره ، إلا أنه بدأ يشكك في قراره. تزداد هذه الشكوك وتعاسته عندما يتم بيعه في وقت قصير لجامع أعمال سويسري (لا توجد قوانين ضد امتلاك عمل فني بشري في سويسرا) وبعد عرضه للبيع بالمزاد . شاءت الأقدار أن تعود اليه حبيبته السابقة «عبير» بعد طلاقها، ولم يستطع "سام" تحمل نير العبودية والاستغلال الذي أصبح يعيشه ما جعله يثور ودفعه لأن يترك كل شيء ويعود إلى سوريا وتحديداً إلى مدينة الرقة، معقل داعش ، فجاءت نهايته قتلاً برصاص الإرهابيين. موت «سام» دفع الفنان الأمريكي إلى المطالبة بأحقيته في الحصول على صورة الوشم ، باعتباره صاحبه ، ليتحول جلد «سام» إلى لوحة فنية، تجوب معارض العالم، وتروي قصة أحلام وعذابات لاجئ سوري، قصة يموت فيها الإنسان، ليعيش الفن على جلده . في التنفيذ السينمائي، تعيد المخرجة "كوثر بن هنية" صياغة أسطورة فاوست الذي باع روحه للشيطان، في إطارٍ معاصر، يسمح فيه لاجئ سوري لفنان أميركي باستخدام ظهره كلوحة مرسوم عليها وشمٌ يمثل "تأشيرة شنغن" ، في محاولة منه لتصحيح عواقب مجيئه إلى العالم في الجانب الخاطئ منه. سوري حكمت عليه الحرب بدخول السجن وملاحقته أمنياً ، ففرَّ إلى لبنان طلباً للأمان والحرية ، ولم يجدهما بل عانى مرارة العيش وشقاء الحياة . يجمع سيناريو بن هنية بين الأزمة الإنسانية في سوريا وتقلبات سوق الفن الدولي لطرح بعض الأسئلة غير المريحة حول تسليع الحياة البشرية وفي سردية مليئة بالأفكار والتغييرات المتكررة في النغمة ، تحويل الإنسان إلى سلعة ، مثل قطعة فنية باهظة الثمن سترغب المتاحف في عرضها ، سيسمح لسام بعبور الحدود بسهولة أكبر بكثير من كونه رجل مجهول من دولة مزقتها الحرب ويأمل في حياة أفضل في مكان آخر. وهذا بدوره يلقي بظلاله على ما هي الأولويات التي حددها الغرب لنفسه - هل "الفن الجديد" بالنسبة لـ 1٪ أكثر أهمية حقًا من الحياة البشرية؟ - ويتساءل عما إذا كان الفن يمكنه حتى لفت الانتباه إلى كوارث حقوق الإنسان دون استغلال الأشخاص الذين يصورهم ، هذه كلها مفاهيم استفزازية تم اقتراحها أكثر من استكشافها حقًا، الفن والتجارة والهجرة مرتبطون بشكل لا ينفصم في فيلم كوثر بن هنية المرحة والمتحركة بلطف ، وإن كانت غير متساوية ، الرجل الذي باع جلده. يبدو غريبًا وغير قابل للتصديق رغم أن الكاتبة (كوثر بن هنية) مستوحى من القصة الحقيقية لرجل تم رسمه بالوشم من قبل الفنان البلجيكي المثير للجدل ويم ديلفوي وبيعه في عام 2008 . هذا عمل محفز يسلط الضوء على قضايا مهمة ويؤكد مرة أخرى أن المخرجة التونسية " كوثربن هنية موهبة كبيرة . التراكيب الذكية والصور الحسية الملونة التي قدمها المصور السينمائي اللبناني كريستوفر عون الذي عمل مع المخرجة اللبنانية " نادين لبكي ) في فيلمها ("كفرناحوم") الذي أبدع في إستخدام زوايا التصوير والحيلة باستخدام شاشات الكمبيوتر والمرايا والزوايا الفردية. كما أن نغمات الملحن "أمين بوحافه " اضافة للفيلم الكثير من الجمال و الابداع . ويبقى مشهد النهاية بالفيلم ليضع المشاهد أما تساؤلات عدة ، وفسر هذا بظهور البطل لنعرف أن ثمة اتفاق تم مع الدواعش من قبل الفنان لتمثيل هذا المشهد بدون أن يذكر هذا الفيلم، وكأنه اتفاق بين عالمين، كلاهما ضد الإنسانية ولكن النتيجة كانت حرية البطل الذى أعلن وفاته أمام العالم أجمع . في توليفة رائعة، وحبكة ذكية استطاعت المخرجة كوثر بن هنية أن تجمع بين قضيتين من عالمين مختلفين على شاشة واحدة وفي فلم واحد دون تناقض أو تنافر. لقد نجحت صاحبة «الرجل الذي باع جلده » أن تقتحم كواليس سوق الفن العالمية من جهة، وأن تسلط الضوء على معاناة اللاجئين السوريين من جهة أخرى في ربط ذكي وطريف. لكن هناك مشاهد مبالغ فيها وغير معقولة مثلا ، مشهد أيضاً العراك في المتحف ، وتدمير لوحة فنية ثمينة ، يبلغ سعرها الملايين من اليورو ، على يديّ زوج عبير ، يتغاضي مدير المتحف عن القضية ودفع ثمن اللوحة بعد تدخل سام وتوسّطه. مسائل يتنافى طرحها مع أبسط قواعد المنطق. طبعاً، هناك الخاتمة، وعودة الحبيبين إلى سورية من دون مشاكل ليبدآ معاً حياة سعيدة هانئة ، مقابل صفقة أخرى لا تقل غرابة عن الصفقة الأول بين السوري والفنان .الحروب تجر الحروب و الدمار للشعوب حتى تبقى الناس سلعة رخيصة لدى الشعوب الغنية إلى ان يجعلونك مقتنع بأستغلالهم ، قصة اذلال بسيطه وعميقة و كتابة العلاقة غاية الجمال في كل حالاتها ، لاسيما أن مرحلة الكتابة قد استغرقت عام ونصف العام، ذكرت المخرجة " أنا أكتب أفلامي بنفسي لأنني لم أعثر حتى الآن بعد على الكاتب الذي يتوافق معي فكرياً وروحياً، فيما استغرق تصوير الفيلم ثلاث سنوات ما بين تحضير وتصوير". حين بدأت بكتابة الفيلم، كنت مهتمة جداً بآلية عالم الفن ، فهو عالم مذهل بالنسبة لي ، ولدي وجهة نظري الخاصة حول الفن . فماذا يعني الفن المعاصر اليوم؟ ولماذا يقتصر على النخبة. لديك مجموعة من الأشخاص السعيدين والقادرين على دخول هذا العالم الذي تحوّل إلى سوق يستثمرون فيه أموالهم. فهو أكثر وأكبر من مجرد فن. كنت كذلك مهتمة للغاية بمصير أولئك اللاجئين في أوروبا. لذا جمعت بين الموضوعين اللذين شغلا تفكيري، مما أتاح لي فرصة مواجهة هذين العالمين المتباعدين . نقيضان و لا يجمعهما إلا مخيلتك كفنان تروي هذه القصة. فماذا لو أصبح اللاجئ البسيط جزءاً من عالم الفن ، هل نستطيع فهمه بشكل أفضل لأنه لا يقدّم وجهة النظر الرسمية المعتمدة؟ هكذا تحدث الأمور، فأنا لا أفكّر بالمواجهة، وإنما أفكّر بالمواضيع التي تشغلني وتشدني" وتضيف المخرجة كوثر بن هنية في لقاء معها بعد عرض فيلمها في مهرجان فينسيا الدولي " حين تكون كاتباً لديك الفرصة لتجاوز جنسك أو مظهرك. فرصة لتعيش نسخة أخرى منك. كل شخصية أكتبها فيها شيء مني، شيء خاص بي. قد تقول بأن شخصية سام علي هي شخصية رجل، سوري، وأنا لست برجل، ولا سورية، ولا لاجئة، ولم أعش تجربة كهذه من قبل. لكن بالنسبة لي السياق هو العنصر الأهم، فهمي الأول ليس جنس الشخصية وإنما رحلتها وتجربتها العاطفية. سام علي هو شخصية عفوية ومتحررة. يعيش في عالم تقيّده القواعد والشروط، تحت سلطة دكتاتورية. وأنا أيضاً عشت تحت سلطة دكتاتورية في تونس قبل الثورة. سام علي هو شخص لا يستطيع التعبير عن نفسه، وحين يفعل يجد نفسه في موقف حرج وصعب. ولأنه ولد في هذا الجزء من العالم، يجد نفسه غير قادر على السفر إلى حيث يريد . أنا كذلك أحمل جواز سفر تونسي. كثيراً ما دُعيت إلى مهرجانات سينمائية دولية ولم أتمكن من الذهاب لأنني بحاجة لتأشيرة سفر، والحصول عليها معقد وصعب. أجد هذا الأمر سخيف للغاية، فأنا لا أشعر بأنني أقل من أي شخص فقط لأنه ولد في ”المكان المناسب“. تجدنا نرث حالة عدم المساواة هذه، وهو ما أعيه بشكل كبير." ، يسجل للمخرجة نجاحها في الربط ببراعة بين عالمين مختلفين عالم الفن المعاصر بكل ترفه وعالم اللاجئين بكل فقره ومعاناته ، وعلى عكس أفلام عديدة عالجت قضايا الهجرة واللجوء إبتعدت المخرجة التونسية "كوثر بن هنية "عن مشاهد الحرب ومخيمات اللجوء وقوارب الموت لتطرح قضية كونية تتعلق بهتك كرامة الإنسان وتحويله إلى بضاعة تباع وتشترى باقتحام عالم الفن التشكيلي المعاصر ، وتعلق المخرجة عن ذالك "قصة الفيلم لم أردها قصة نمطية تعالج قضية اللجوء بشكل كلاسيكي ، بل أردتها من خلال اقتحام اللاجئ السوري بوابة الفن المعاصر المليء بالبراغماتية والثراء الفاحش لأكشف من خلاله تناقضات شتى". أدوار الفيلم الرئيسة، يؤديها الممثل الكندي من أصل سوري، يحيى مهايني، إلى جانب الممثلين الفرنسيين ليا ديان، وكريستيان فاديم، والبلجيكي كوين دي بو ، والإيطالية مونيكا بيلوتشي، واللبنانية السورية دارينا الجندي، والتونسيين نجوى زهير وبلال سليم . بدوره استطاع الممثل السوري الشاب "يحيى مهايني" أن يشد إليه الأنظار بعد تألقه في دور البطولة وتجسيد دور اللاجئ السوري(سام علي) الذي باع ظهره، يرسم الممثل الرئيسي" يحيى " صورة التناقضات ببراعة: التحول والاستقرار ، الصلابة والضعف ، التأمل والنشاط المفرط . رغم بعض المتاعب التي واجهها عند رسم التاتو/اللوحة التي رُسِمَت مع المختصين ، وكانت بعض الجلسات تتطلب 3 ساعات، كان يجلس دون حركةٍ حتى يُنهي خبراء الماكياج عملهم ، تقول المخرجة كوثر بن هنيّة"إن اختيار ممثلين من جنسيات وأصول ولغات مختلفة، يعبّر عن طموحها في تجاوز الحدود الجغرافية، والارتقاء إلى الاهتمام بالقضايا الإنسانية. رداً على سؤال حول اختيار مونيكا بيلوتشي، التي لعبت دور «ثريا»، مسؤولة عن تنظيم المعارض الفنية، قالت بن هنيّة إنها اختارت النجمة العالمية، أولاً لأنها تحبها، ولإيمانها أنها ستقدم الإضافة للعمل ، وهي شخصية بسيطة ومتواضعة للغاية ، لدينا هذه الصورة بأنها نجمة وأيقونة الجمال ، لكن خلف هذه الصورة كنت مندهشة حين التقيت امرأة حساسة للغاية وذكية ورائعة ، لم يستغرق إقناعها وقتاً ، مشيرة إلى أن بيلوتشي وافقت دون شروط على المشاركة في الفيلم، وذلك بعد مشاهدتها لفيلم «على كف عفريت»، الذي كتبته وأخرجته كوثر بن هنيّة. فيلم "الرجل الذي باع جلده " هو دراما جريئة متقنة الصنع تلتقي فيها السخرية اللاذعة في عالم الفن بالتعليق الماكر على أزمة اللاجئين العالمية ، وقالت الكاتبة والمخرجة “كوثر بن هنية” إنها «أرادت عبر الفيلم معالجة مسألة حرية التنقل التي يعاني منها السوريون ويتم منعهم من السفر لمجرد أنهم يمتلكون جواز سفر دولة بعينها). وتقول المخرجة : "هاجسي الرئيسي كيف أجعل من الشخصية الرئيسية بطلا معاصرا تنتهي مغامرته الشاقة لصالحه"، مضيفة: "سئمت الخطاب الذي يرى في اللاجئ فقط ضحية"، فيما يستطيع أن يكون في موقع "الند للندّ" مع الفنان ، ويتجلى ذلك من خلال نهاية الفيلم بـ"انتصار" البطل مع استرجاع "ملكيته لجسده التي انتزعت منه". الفيلم يحمل عدة رسائل ، كما ذكرت المخرجة في لقاء لها مع قناة BBC (بي .بي .سي )" في جانب من الفيلم يكشف فيها الجانب الاستغلالي والاستعماري للدول الاستعمارية والنظرة الفوقية اتجاه للشعوب المضطهدة في بداية القرن الماضي ، وعرض هؤلاء الناس (المتوحشين) والبعيدين عن الحضارة والتفرج عليهم . وهذا العمل يذكر الاوروبيين بذاكرة سيئة عملوها في بداية القرن الماضي وفيها استغلال البشر فيها ابشع استغلال ، وفي نفس الوقت ، الفيلم يحمل جانب آخر وهو الاستهزاء في سوق الفن المعاصر ، واعجبت بالفكرة لانها مستفزة وغريبة ، الذي يهمني هو ميكانيزم الهيمنة " .
حصد الممثل السوري “يحيى مهايني” جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “الرجل الذي باع جلده” ضمن مهرجان “فينسيا” الدولي في دورته الـ 77 . تكّرم فكرة الفيلم أعمال الفنان البلجيكي ويم ديلفوي الذي اشتهر بوشم ظهر شخص وعرضه كلوحة فنية. استعانت المخرجة بهذا الفنان لإنجاز فيلمها. بالضبط، تلك كانت بذرة الفيلم ، " ويم ديلفوي " هو فنان معاصر استطاع تسليط الضوء على حدود وأبعاد سوق الأعمال الفنية . في الختام ": الفيلم صرخةٌ ضد الواقع المرير الذي يعيشه اللاجئون المعرَّضون لكافة أشكال الاستغلال . لكن المخرجة كانت أعمق في طرحها حيث جمَعَتْ بين عالمَيْ الفن والهجرة من خلال توليفةٍ نادرةٍ: ما هو الفن المعاصر؟ ولماذا تحْتَكِرُهُ النخبة؟ ومن هي المافيا التي تسيطر على سوق الفن وتجني منه الملايين؟ ، فضح الفيلم سماسرة الفن التشكيليّ بصفةٍ خاصة، ومتاحِفِهِ، من الذين! سلَّعوا الفن وصار همَّهم البيع والشراء، والحديث عن التأمين . وبدلاً من أن يكون الفن عاملاً لتحرير الجسد صار وثاقاً وقَيْداً يستعْبِدُه ، ورغم أن هذه القصة مستوحاة من فنان الوشم السابق ، اللندني المولد في سويسرا ، تيم شتاينر ، الذي باع ظهره كلوحة فنية للفنان البلجيكي ويم ديلفوي (الذي ظهر لفترة وجيزة كوكيل تأمين في هذا الفيلم) ، لكنه يسخر من عالم الفن وأسواقه ومؤسساته ، لكن المخرجة "كوثر بن هنية " توسع الحكاية إلى مناطق أكثر حدة وسياسية من خلال النظر في ما يمكن أن يحدث إذا تم "تحويل" اللاجئ السوري إلى سلع بهذه الطريقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه