الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماية الإبداع والمبدعين، لماذا وكيف؟

جابر حسين

2021 / 4 / 9
الادب والفن


-------------------------------------حماية الإبداع والمبدعين، لماذا وكيف؟
-------------------------------------

( في الأشجار أري العواصف
تدق علي نوافذي المرتعدة
أسمع الأشياء القاصية تقول:
الأشياء التي لا أقوي عليها دون صديق
ولا أستطيع أن أحبها دون أخت،
هناك العاصفة المتقلبة
تمر عبر الغابة وعبر الزمن.
كل شئ كأن لا عمر له
منظر الأرض كشعر المزامير
شدة وعنف وأبدية.
ما أصغر الذي تصارعه
وما أكبر الذي يصارعنا.
لو هزمتنا العاصفة كما هزمت الأشياء
لإتسعنا وغدونا بلا أسماء )...

- قصيدة " المتأمل " للشاعر الألماني راينر
ماريا ريلكه -

المثقف، ونعني به، الشاعر والروائي والقاص والمسرحي والتشكيلي والموسيقار والمغني، نساء ورجالا، هم، علي اطلاقهم، يعيشون في بلادنا، وعند غيرنا، أوضاعا حياتية مزرية، في ظل اهمال وتجاهل(متعمد)، أو، لنكون حسنو النية، فنقول لعدم وعي الجهات التنفيذية في الدولة للدور بالغ القدر لهم، ولأعمالهم الإبداعية في نهضة الدولة وازدهارها وجعلها في المسار المحتوم للتقدم والرفاه لشعوبها في الحقول كافة. لقد رأينا وعشنا، بأسف عميق وحسرات كثار، كيف نالت جائحة الكورونا، في موجتها الأولي والثانية وحتي اليوم، من مبدعين كثر فأودت بهم، فهم، علي أية حال، نعدهم في الفئات الأضعف، ماديا ونفسيا، من فقراء بلادنا، وهم أيضا، يشكلون الأغلبية الساحقة من بنات وأبناء بلادنا. وبالأمس القريب، رحل عنا، بذات التجاهل تجاه المبدعين، التشكيلي والكاتب المبدع علاء الدين الجزولي، ونحن غارقون، بكلياتنا، في صراع المحاصصات واقتسام ما يجود به عليهم من نضالهم لنيلها، وفي خضم القتل المجاني في نيالا والجنينة، والمليشيات المدججة بالسلاح الفتاك تجوب البلاد من أقصاها إلي أدناها، في انفلاتات مرعبة من قتل ودماء تسيل في كل حين وفي كل مكان، وحكومة الثورة في نعيم سباتها، لا تسمع الإستغاثات والأنين والألم ولا تري إلا ما يدور في ردهات مكاتبها ووعيها الزائف! وها هو الشاعر الكبير محمد طه القدال، يرقد مريضا، وقد علمنا، وفقا لبيان توضيحي من أسرته، أنه بدأ يعاني من آلام لازمته في الأونة الأخيرة، وبحسب من فحوصات أجريت عليه من اختصاصين بالخرطوم أن هنالك أورام ، وشرعت تنتشر، من البنكرياس! وفي التسريبات، وكذلك تصريحات رسمية، تقول أنه نقل إلي أحد مشافي الدوحة علي نفقة الدولة علي ما أمر به رئيس الوزراء، هو وليس وزير الثقافة، لكننا، والحال كذلك لن نقولها ( شكرا حمدوك ) حتي يستوي حال الفترة الانتقالية برمتها، حتي تصحو وتنهض لتكون، بالفعل، في صف الثورة والثوار/ت وفي صف شعوبنا بلا أية مزايدات والتفافات!

الإبداع في الراهن من عالمنا، كيف يفهم ويكون؟

مع بدايات الألفية الثالثة، ظل خبراء الاقتصاد الحقيقيون يشيرون، استنادا إلي العلم والواقع الماثل، إلى أن القرن الحادي والعشرين بدأ يشهد تحولاً في ثروات الأمم، وأن القدرة العقلية والخيال والابتكار وتنظيم التقنيات الحديثة هي العناصر الإستراتيجية الأساسية في التقدم الاقتصادي، هل توافقونني يا صدقي كبلو وكمال كرار؟، فالمعارف والمهارات هي التي سيكون عليها المعول الأساس في أية مشاريع تنموية حقيقية. وسيعاد توزيع القوى على الأرض، لتنتقل الراية من الأمم التي تمتلك المصادر الطبيعية ورأس المال، إلى الأمم التي تجعل شعوبها مبتكرة ، تشتغل علي الخيال المبدع والرؤيات التي ينتجها المبدعون، وتعرف كيف توظف رأس المال وتستغل الموارد الطبيعية لدى الدول الأخرى لمصلحتها هي ولتقدمها في الحياة المعاصرة.
( فالمفهوم العام للتفكير الابتكاري الخلاق يمكن أن يشترك فيه كل إنسان على قدر جهده واجتهاده ومعلوماته وحدود التغيير التي يملكها، متى وأينما توافرت الظروف له، ومتى كان المجتمع أو البيئة تشجعه على ذلك. فمجتمع الموظفين الروتيني يحارب الموظف المبتكر، لأنه متحصن باللوائح والمستندات والأوراق، غير ناظر إلى قضية النهضة والتنمية، وحاجات الناس المتزايدة. أما قادة الاقتصاد الإبداعي، فيرحبون بكل من يتفنن في طرح المزيد من الأفكار التي تطور المنتجات، وفق احتياجات الناس، وأذواقهم المتغيرة، ولكل سبل تزيد من تسويقها وتفتح آفاقاً جديدة، أو تلك التي تختصر مراحل الإنتاج وتقلل التكلفة)*.

ضرورة أن يكون تفكيرنا خلاقا ومبدعا.
لقد أصبح من البدهي في عالمنا اليوم، أن التفكير الخلاق ضرورة وطنية لابد منها لدى أي مخطط إستراتيجي تنموي، لأن (المجتمع الإنساني يواجه على اختلاف مستوياته عالماً بالغ التعقيد، تتكاثر مشكلاته بمعدل يفوق قدرة بشره على حلها)*. وهذا، بطبيعة الحال، يفتح المجال واسعاً، من أجل فتح الآفاق أمام مختلف المبدعين والحالمين والمخططين، على مختلف الأصعدة والمجالات، وهنا يأتي ما يسمى الاقتصاد الإبداعي، الذي يعني، من ضمن الكثير الذي يعنيه، إفساح المجال لدعم المبدعين والمتميزين والمخترعين، مادياً ومعنوياً، وتمكينهم على المستوى القيادي، الذي يمكنهم، هم لا غيرهم، من وضع واقرار الخطط والبرامج والاشراف الكلي علي تنفيذاتها.
ومفهوم الاقتصاد الإبداعي، الذي يعتمد على فكرة استثمار الإبداع، له مفهومان: الأول وهو المفهوم الشامل، ويخص كل أشكال الإبداع في شتى المجالات: العلمية، الثقافية، التقنية، الإدارية، التربوية، الرياضيةوغيرها.
ويرتكز الاقتصاد الإبداعي على قياس مدى تقدم المجتمعات والدول في إبداعاتها التنموية بشكل عام، ويتحدد من نسبة الإنفاق على البحث والتطوير إلى الناتج القومي، ومدى مشاركة القطاع الصناعي في الإنتاج القومي، إضافة إلى عدد الشركات التقنية المدرجة في سوق الأسهم، (ويُقصد بالشركات التقنية هنا الشركات التي تستثمر في البحث والتطوير سواء كانت شركات أدوية أو شركات الإلكترونيات أو الطاقة المتجددة أو شركات الإنترنت أو غيرها من الشركات التي تتخذ من المعلوماتية الجديدة والأبحاث سبيلاً لنهضتها. كما يشمل أيضاً عدد خريجي المؤسسات التعليمية سواء كانوا مهندسين أو حاصلين على شهادات عليا ممن ينضمون إلى مشاريع البحث والتطوير، إضافة إلى نسبة حمَلة الشهادات العليا من مجموع السكان)*.

هكذا، يمكننا أن نري، أنه قد أصبح الاقتصاد الإبداعي جزءاً أساسياً من التطور الذي وصل إليه الاقتصاد العالمي، وبات يشكل تحولاً كبيراً في بنية الاقتصاد ذاته. فبدلاً من الاقتصاد التقليدي المعتمد على المواد الخام، أو الزراعة، أو الصناعة، صار الاقتصاد الإبداعي رافداً مهماً لا غنى عنه من قبل صناع السياسة الاقتصادية، لأنه يشكل إضافة نوعية من جهة العوائد المالية، ومن جهة توفير فرص العمل وعائدات الصادرات أيضاً. والأهم من هذا، أنه يفتح مجالات جديدة لاستيعاب طاقات بنات وأبناء المجتمع، وحفزهم على المزيد من الابتكار والإبداع. ولنا أن نتخيل عندما يجد المبدع نفسه وقد صارت أفكاره وإلهاماته سبباً في مدخول مالي إضافي، ما يشجعه على بذل المزيد من التخييل والجهد الذي سيعود عليه وعلى وطنه بالنفع.

الأمر الذي يجعل أصحاب المخيلة وتفكراتها، هي، وهم قادة الأمم، وأن المبدعين هم الذين في طليعة العمل، ولا نعني بالقيادة هنا القيادة السياسية، وإنما القيادة العلمية والإدارية والإرشادية والبحثية، أما دور السياسيين فهو توفير المناخ وفرص العمل للجميع وتنفيذ الخطط؛ دون تمييز لفئة على فئة، أو أن تستأثر فئة بعينها بالمناصب وتحرم المستحقين، كما هو، للأسف، ما يجري الآن عندنا!
( ففي الماضي، كان أقصى وسيلة للمبدع، أن يتربح من بيع رواية يؤلفها، أو عمل تشكيلي يبيعه، أو قصائد ومقالات ينشرها، وغالباً ما تعود عليه بالقليل. أما المخترعون فقليل ما نالوا المكانة، وحققوا ما يريدون. لذا، نعرف أن كثيراً من المبدعين والمخترعين عاشوا وماتوا فقراء، ولو عاصروا زمننا لوجدوا أن خيالاتهم قد تكون سبباً في ثرائهم، على شريطة أن تتوجه إبداعاتهم دعماً للنهضة والتنمية)*.

إن فلسفة الاقتصاد الإبداعي تلتقي مع مفهوم «التفكير الخلاق» الذي لا يقتصر على فئة واحدة من الناس هم العلماء والمبدعون والمبتكرون كما يتوهم البعض؛ وإنما له مفهوم واسع يتمثل في كونه ملكات عقلية موزعة عل البشر جميعاً، بمستويات وأشكال واتجاهات مختلفة،( تتمثل في القدرة على الدفع بالتفكير ليولد أفكاراً جديدة، معتمداً على مقومات متعددة، منها: مساءلة الفروض الراسخة، وتحدي الأوضاع القائمة، والتخلص من قبضة المتحكمين في الأوضاع)*.

فالمجتمعات الحديثة المعاصرة معقدة في تركيبها المؤسسي: الاقتصادي والصناعي والمعرفي وأيضاً الاجتماعي، بعكس المجتمعات القديمة: الزراعية أو الرعوية، التي عاشت على بنية اجتماعية تراتبية، واقتصاد متوارث، معلومةٌ مشكلاتها وحلولها، بعكس المجتمعات الصناعية أو المعلوماتية المعاصرة، بمصانعها التي يعمل فيها مئات الآلاف، وأسواقها التي تشمل ملايين البضائع والأصناف، وموانئها ذات الحاويات العملاقة التي تبحر في المحيطات والبحار، حاملة ملايين الأطنان من المنتجات ما بين مواد خام أو مصنوعات، ناهيك عن البحارة الذين يعملون عليها، ما يعني الحاجة المتزايدة للإبداع والمبدعين.
وهذا كله، يجعل أي تنمية تنظر إلى الشعب على أنه طاقة فاعلة في العمل وفي الابتكار وفي الإنتاج، فهي في حاجة لكل فكر وابتكار وجهد وذراع.

( كما يلتقي الاقتصاد الإبداعي مع فلسفة التنمية المستدامة، والتي تشمل أبعاداً ثلاثة: التنمية الاقتصادية، والإدماج الاجتماعي، والاستدامة البيئية، مدعومة بالحكم الرشيد. كما تعد نظم القياس والبيانات السليمة حاسمة لتحويل أهداف التنمية المستدامة إلى أدوات عملية لحل المشكلات وتحريك الحكومات والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني وقطاع الأعمال، توفير بطاقة تقييم لمتابعة التقدم المحرز وضمان تحقيق المساءلة)*. وسنلاحظ هنا، أن المسألة لم تعد محصورة في وجود أشخاص، وإنما إستراتيجية تنتهجها الدولة، على مستويات عدة، من أجل تحقيق أهدفاً، تمثل في التنمية المستدامة، التي سترعى كل فئات الشعب، بمختلف شرائحه، وأبرز هذه الأهداف: القضاء على الفقر، والجوع، وتوفير بيئة سليمة، ومدن صحية، وتعليم جيد، ومساواة، وطاقة نظيفة، وفرص عمل، تحقيقاً لمجتمع الرفاه، وهذه هي، علي التحديد ما نادت بها شعارات ثورتنا المجيدة.
ولا شك أن هذه الخطط والإستراتيجيات، ستوجد، بالضرورة، مجتمعاً منتجاً مبتكراً، نشيطاً وفاعلاً، يستخدم موارده بشكل صحيح، ويستفيد من عقول أبناء وطنه، ويوقف نزيفها المستمر بالهجرة إلى الخارج، أو بالانكفاء في الداخل.
الأمر الأخر، فيما يختص بالاقتصاد الإبداعي، هو المفهوم الأضيق الذي يختص بالإبداع في أبعاده الثقافية والفلسفية والفكرية والتشكيلية والسينمائية، حيث ينظر إلى أثر الفنون والآداب والفكر في البنية الاقتصادية والاجتماعية، ومنتجاتها ومخرجاتها، وهي تحمل بعداً رمزياً وأيدلوجياً يعبر عن ثقافة المجتمع وهي تراعي، عادة، الاعتبارات البيئية، وتتركّز في المناطق الحضرية الرئيسية الواسعة، وتَستخدم كثيراً عمالاً من ذوي المهارة الرفيعة، وتعتمد اعتماداً كبيراً على النظم والأنشطة والمؤسسات الثقافية غير الرسمية. ( وتعود أيضاً هذه الصناعات بالمنافع التي لا يمكن قياسها باعتماد أسعار السوق وحدها والتي تعمل عوضاً عن ذلك على تأكيد الهوية الثقافية المميزة للأماكن التي تنشأ فيها هذه الصناعات وتتنامى، مما يتيح تحسين ظروف الحياة والارتقاء بصورة المجتمعات المحلية وبهيبتها*).
سنلاحظ هنا أيضا، أن الثقافة بمختلف أشكالها هي المؤثر الأكبر على الاقتصاد الإبداعي، لأنه لا اقتصاد ولا صناعة ولا تقنيات بدون غطاء ثقافي وفكري وفني.
( ولكي نوضح الصورة أكثر فإن غالبية المنتجات التي تأتي إلينا مستوردة من بلادها، تحمل شعارات وأسماء وأشكالاً تعبر عن ثقافة هذه البلاد، وما انتشار الثقافة الأمريكية إلا بسبب انتشار صناعاتها، مصحوبة بإنتاج فني عملاق في السينما، بجانب تحكمها في عالم الحواسيب والشبكة العنكبوتية. وهذا يؤثر على خيارات المستهلكين أنفسهم، فإذا أحببنا نموذجاً ثقافياً وفكرياً، فهذا ناتج عن القوة الناعمة التي تروّج لهذا النموذج، ما يجعل الناس تقبل على شراء هذه المنتجات، وتتذوق أعماله الفنية، وتردد كلماته وعباراته وشعارات وفلسفاته)*.
إن هذا، بلا شك، يحتاج إلى طاقة البشر الإبداعية والابتكارية، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، فهي العامل المحرّك الرئيسي لهذه الصناعات، والمغذية له فنياً وفكرياً، ( وقد أصبحت هذه الطاقة هي الثروة الحقيقية للبلدان في القرن الحادي والعشرين. وتؤثر بصورة غير مباشرة، وبشكل متزايد على فهم المرء أينما كان للعالم المحيط به، وعلى المعنى الذي يعطيه لوجوده فيه، وعلى الطريقة التي يؤكد بها حقوقه كإنسان ويبني بها علاقات مثمرة مع الآخرين )*.

ومن هنا، فقد أصبح الفنانون والمبدعون يشكلون الصف الموازي في التنمية والنهضة، فلا يمكن لأي مجتمع يريد الحفاظ على هويته الحضارية، أن يقوم بصناعات، وينشئ المدن، معتمداً على غير ثقافته وأفكاره. وإلا سيكون مجتمعاً مسلوب الإرادة والثقافة، مشلول الفكر والإبداع، وستكون تنميته تقليداً للآخرين.
وهذا يقودنا إلي التساؤل المركزي في هذه الحالة: أليس من الضروري، والموضوي، والعلمي معا، أن تكون لنا ( مفوضية ) تنشأ بقانون يحكم عملها، وعليها، وحدها، الأشراف علي عملها وتنفيذاتها؟ ذلك من شأنه، إذا تم، أن يجعل العمل الثقافي، بكل محمولاته، في الجوهر من مشاغل واشتغالات الفترة الانتقالية التي، نفترض، أنها من أعمدة وأساسيات مقومات الفترة الانتقالية التي نصت عليها أهداف ومواثيق الثورة. ثم، ومن باب الأسئلة الموضوعية، ألا يحق لنا أن نسأل، في الملأ من حيثيات الثورة، ومن أهم واجبات الفترة الانتقالية، ضرورة أن تكون لنا، في هذه المرحلة الهامة من مسار ثورتنا، أن تكون لنا ( مفوضية ) للثقافة، تعني، بكامل مسئولياتها، بحال الإبداع والمبدعين؟! ، وكم يحزنني، شخصيا، حرمان مبدعينا من ( منحة ) التفرغ التي تتيح لهم تقديم أعمالا إبداعية، فكرية وأدبية، وهم في أفضل الأوضاع التي توفرها لهم، باستحقاق لا شك فيه، الأمر الذي ظل معمولا به في مصر منذ عبد الناصر، ولا يزال، فأين نحن منهم يا ( كهنة ) الثقافة الرسميون في وزارة الثقافة وحكومتنا؟!
هذه، مجرد خواطر، رؤي وتفكرات، في شأننا الثقافي، نقدمها، بتجرد وتواضح، لتكون، كما نأمل، أن تكون مدخلا موضوعيا، لمناقشة، واجراء حوار جاد حول واقعنا الثقافي، نتناول عبره، حال الإبداع والمبدعين، وما نسعي، جميعنا، ليكون، هذا الحال، الضروري المهم، في خططنا ورؤانا فيما يخص شأننا الثقافي.
ليتنا، نري، ونقرأ، هذا الحوار يحوز علي مقدمة اهتمامنا في هذه المرحلة من عمر ثورتنا المجيدة، ننتظرإذن، لنري.

هوامش:
--------
* د. مصطفي عطية جمعة 11/9/2018، صحيفة البيان الليكترونية.
*رؤى مستقبلية: كيف سيغير العلم في القرن الواحد والعشرين؟ ميتشيو كاكو، ترجمة: د.سعد الدين خرفان، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2001م، ص23، 24.
* المصدر السابق، ص(79),
* الاقتصاد الإبداعي، د. عبد الله الردادي، جريدة الشرق الأوسط، لندن، 29 يناير 2018م، العدد (14307).
* العقل العربي ومجتمع المعرفة: مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول، د. نبيل علي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2009م، ج2، ص75.
* مؤشر أهداف التنمية المستدامة ولوحات المعلومات، التقرير العالمي، مؤسسة برتلسمان وشبكة حلول التنمية المستدامة، نيويورك، يوليو 2017م، ص11.
* المصدر السابق، ص12.
* الاقتصاد الإبداعي، د. عبد الله الردادي، م س.
* تقرير عن الاقتصاد الإبداعي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، منشورات مجمع أبوظبي للثقافة والفنون، 2013م، ص17.
* السابق، ص15.

د. مصطفى عطية جمعة Sep 11, 2018اقتصاد




( في الأشجار أري العواصف
تدق علي نوافذي المرتعدة
أسمع الأشياء القاصية تقول:
الأشياء التي لا أقوي عليها دون صديق
ولا أستطيع أن أحبها دون أخت،
هناك العاصفة المتقلبة
تمر عبر الغابة وعبر الزمن.
كل شئ كأن لا عمر له
منظر الأرض كشعر المزامير
شدة وعنف وأبدية.
ما أصغر الذي تصارعه
وما أكبر الذي يصارعنا.
لو هزمتنا العاصفة كما هزمت الأشياء
لإتسعنا وغدونا بلا أسماء )...

- قصيدة " المتأمل " للشاعر الألماني راينر
ماريا ريلكه -

المثقف، ونعني به، الشاعر والروائي والقاص والمسرحي والتشكيلي والموسيقار والمغني، نساء ورجالا، هم، علي اطلاقهم، يعيشون في بلادنا، وعند غيرنا، أوضاعا حياتية مزرية، في ظل اهمال وتجاهل(متعمد)، أو، لنكون حسنو النية، فنقول لعدم وعي الجهات التنفيذية في الدولة للدور بالغ القدر لهم، ولأعمالهم الإبداعية في نهضة الدولة وازدهارها وجعلها في المسار المحتوم للتقدم والرفاه لشعوبها في الحقول كافة. لقد رأينا وعشنا، بأسف عميق وحسرات كثار، كيف نالت جائحة الكورونا، في موجتها الأولي والثانية وحتي اليوم، من مبدعين كثر فأودت بهم، فهم، علي أية حال، نعدهم في الفئات الأضعف، ماديا ونفسيا، من فقراء بلادنا، وهم أيضا، يشكلون الأغلبية الساحقة من بنات وأبناء بلادنا. وبالأمس القريب، رحل عنا، بذات التجاهل تجاه المبدعين، التشكيلي والكاتب المبدع علاء الدين الجزولي، ونحن غارقون، بكلياتنا، في صراع المحاصصات واقتسام ما يجود به عليهم من نضالهم لنيلها، وفي خضم القتل المجاني في نيالا والجنينة، والمليشيات المدججة بالسلاح الفتاك تجوب البلاد من أقصاها إلي أدناها، في انفلاتات مرعبة من قتل ودماء تسيل في كل حين وفي كل مكان، وحكومة الثورة في نعيم سباتها، لا تسمع الإستغاثات والأنين والألم ولا تري إلا ما يدور في ردهات مكاتبها ووعيها الزائف! وها هو الشاعر الكبير محمد طه القدال، يرقد مريضا، وقد علمنا، وفقا لبيان توضيحي من أسرته، أنه بدأ يعاني من آلام لازمته في الأونة الأخيرة، وبحسب من فحوصات أجريت عليه من اختصاصين بالخرطوم أن هنالك أورام ، وشرعت تنتشر، من البنكرياس! وفي التسريبات، وكذلك تصريحات رسمية، تقول أنه نقل إلي أحد مشافي الدوحة علي نفقة الدولة علي ما أمر به رئيس الوزراء، هو وليس وزير الثقافة، لكننا، والحال كذلك لن نقولها ( شكرا حمدوك ) حتي يستوي حال الفترة الانتقالية برمتها، حتي تصحو وتنهض لتكون، بالفعل، في صف الثورة والثوار/ت وفي صف شعوبنا بلا أية مزايدات والتفافات!

الإبداع في الراهن من عالمنا، كيف يفهم ويكون؟

مع بدايات الألفية الثالثة، ظل خبراء الاقتصاد الحقيقيون يشيرون، استنادا إلي العلم والواقع الماثل، إلى أن القرن الحادي والعشرين بدأ يشهد تحولاً في ثروات الأمم، وأن القدرة العقلية والخيال والابتكار وتنظيم التقنيات الحديثة هي العناصر الإستراتيجية الأساسية في التقدم الاقتصادي، هل توافقونني يا صدقي كبلو وكمال كرار؟، فالمعارف والمهارات هي التي سيكون عليها المعول الأساس في أية مشاريع تنموية حقيقية. وسيعاد توزيع القوى على الأرض، لتنتقل الراية من الأمم التي تمتلك المصادر الطبيعية ورأس المال، إلى الأمم التي تجعل شعوبها مبتكرة ، تشتغل علي الخيال المبدع والرؤيات التي ينتجها المبدعون، وتعرف كيف توظف رأس المال وتستغل الموارد الطبيعية لدى الدول الأخرى لمصلحتها هي ولتقدمها في الحياة المعاصرة.
( فالمفهوم العام للتفكير الابتكاري الخلاق يمكن أن يشترك فيه كل إنسان على قدر جهده واجتهاده ومعلوماته وحدود التغيير التي يملكها، متى وأينما توافرت الظروف له، ومتى كان المجتمع أو البيئة تشجعه على ذلك. فمجتمع الموظفين الروتيني يحارب الموظف المبتكر، لأنه متحصن باللوائح والمستندات والأوراق، غير ناظر إلى قضية النهضة والتنمية، وحاجات الناس المتزايدة. أما قادة الاقتصاد الإبداعي، فيرحبون بكل من يتفنن في طرح المزيد من الأفكار التي تطور المنتجات، وفق احتياجات الناس، وأذواقهم المتغيرة، ولكل سبل تزيد من تسويقها وتفتح آفاقاً جديدة، أو تلك التي تختصر مراحل الإنتاج وتقلل التكلفة)*.

ضرورة أن يكون تفكيرنا خلاقا ومبدعا.
لقد أصبح من البدهي في عالمنا اليوم، أن التفكير الخلاق ضرورة وطنية لابد منها لدى أي مخطط إستراتيجي تنموي، لأن (المجتمع الإنساني يواجه على اختلاف مستوياته عالماً بالغ التعقيد، تتكاثر مشكلاته بمعدل يفوق قدرة بشره على حلها)*. وهذا، بطبيعة الحال، يفتح المجال واسعاً، من أجل فتح الآفاق أمام مختلف المبدعين والحالمين والمخططين، على مختلف الأصعدة والمجالات، وهنا يأتي ما يسمى الاقتصاد الإبداعي، الذي يعني، من ضمن الكثير الذي يعنيه، إفساح المجال لدعم المبدعين والمتميزين والمخترعين، مادياً ومعنوياً، وتمكينهم على المستوى القيادي، الذي يمكنهم، هم لا غيرهم، من وضع واقرار الخطط والبرامج والاشراف الكلي علي تنفيذاتها.
ومفهوم الاقتصاد الإبداعي، الذي يعتمد على فكرة استثمار الإبداع، له مفهومان: الأول وهو المفهوم الشامل، ويخص كل أشكال الإبداع في شتى المجالات: العلمية، الثقافية، التقنية، الإدارية، التربوية، الرياضيةوغيرها.
ويرتكز الاقتصاد الإبداعي على قياس مدى تقدم المجتمعات والدول في إبداعاتها التنموية بشكل عام، ويتحدد من نسبة الإنفاق على البحث والتطوير إلى الناتج القومي، ومدى مشاركة القطاع الصناعي في الإنتاج القومي، إضافة إلى عدد الشركات التقنية المدرجة في سوق الأسهم، (ويُقصد بالشركات التقنية هنا الشركات التي تستثمر في البحث والتطوير سواء كانت شركات أدوية أو شركات الإلكترونيات أو الطاقة المتجددة أو شركات الإنترنت أو غيرها من الشركات التي تتخذ من المعلوماتية الجديدة والأبحاث سبيلاً لنهضتها. كما يشمل أيضاً عدد خريجي المؤسسات التعليمية سواء كانوا مهندسين أو حاصلين على شهادات عليا ممن ينضمون إلى مشاريع البحث والتطوير، إضافة إلى نسبة حمَلة الشهادات العليا من مجموع السكان)*.

هكذا، يمكننا أن نري، أنه قد أصبح الاقتصاد الإبداعي جزءاً أساسياً من التطور الذي وصل إليه الاقتصاد العالمي، وبات يشكل تحولاً كبيراً في بنية الاقتصاد ذاته. فبدلاً من الاقتصاد التقليدي المعتمد على المواد الخام، أو الزراعة، أو الصناعة، صار الاقتصاد الإبداعي رافداً مهماً لا غنى عنه من قبل صناع السياسة الاقتصادية، لأنه يشكل إضافة نوعية من جهة العوائد المالية، ومن جهة توفير فرص العمل وعائدات الصادرات أيضاً. والأهم من هذا، أنه يفتح مجالات جديدة لاستيعاب طاقات بنات وأبناء المجتمع، وحفزهم على المزيد من الابتكار والإبداع. ولنا أن نتخيل عندما يجد المبدع نفسه وقد صارت أفكاره وإلهاماته سبباً في مدخول مالي إضافي، ما يشجعه على بذل المزيد من التخييل والجهد الذي سيعود عليه وعلى وطنه بالنفع.

الأمر الذي يجعل أصحاب المخيلة وتفكراتها، هي، وهم قادة الأمم، وأن المبدعين هم الذين في طليعة العمل، ولا نعني بالقيادة هنا القيادة السياسية، وإنما القيادة العلمية والإدارية والإرشادية والبحثية، أما دور السياسيين فهو توفير المناخ وفرص العمل للجميع وتنفيذ الخطط؛ دون تمييز لفئة على فئة، أو أن تستأثر فئة بعينها بالمناصب وتحرم المستحقين، كما هو، للأسف، ما يجري الآن عندنا!
( ففي الماضي، كان أقصى وسيلة للمبدع، أن يتربح من بيع رواية يؤلفها، أو عمل تشكيلي يبيعه، أو قصائد ومقالات ينشرها، وغالباً ما تعود عليه بالقليل. أما المخترعون فقليل ما نالوا المكانة، وحققوا ما يريدون. لذا، نعرف أن كثيراً من المبدعين والمخترعين عاشوا وماتوا فقراء، ولو عاصروا زمننا لوجدوا أن خيالاتهم قد تكون سبباً في ثرائهم، على شريطة أن تتوجه إبداعاتهم دعماً للنهضة والتنمية)*.

إن فلسفة الاقتصاد الإبداعي تلتقي مع مفهوم «التفكير الخلاق» الذي لا يقتصر على فئة واحدة من الناس هم العلماء والمبدعون والمبتكرون كما يتوهم البعض؛ وإنما له مفهوم واسع يتمثل في كونه ملكات عقلية موزعة عل البشر جميعاً، بمستويات وأشكال واتجاهات مختلفة،( تتمثل في القدرة على الدفع بالتفكير ليولد أفكاراً جديدة، معتمداً على مقومات متعددة، منها: مساءلة الفروض الراسخة، وتحدي الأوضاع القائمة، والتخلص من قبضة المتحكمين في الأوضاع)*.

فالمجتمعات الحديثة المعاصرة معقدة في تركيبها المؤسسي: الاقتصادي والصناعي والمعرفي وأيضاً الاجتماعي، بعكس المجتمعات القديمة: الزراعية أو الرعوية، التي عاشت على بنية اجتماعية تراتبية، واقتصاد متوارث، معلومةٌ مشكلاتها وحلولها، بعكس المجتمعات الصناعية أو المعلوماتية المعاصرة، بمصانعها التي يعمل فيها مئات الآلاف، وأسواقها التي تشمل ملايين البضائع والأصناف، وموانئها ذات الحاويات العملاقة التي تبحر في المحيطات والبحار، حاملة ملايين الأطنان من المنتجات ما بين مواد خام أو مصنوعات، ناهيك عن البحارة الذين يعملون عليها، ما يعني الحاجة المتزايدة للإبداع والمبدعين.
وهذا كله، يجعل أي تنمية تنظر إلى الشعب على أنه طاقة فاعلة في العمل وفي الابتكار وفي الإنتاج، فهي في حاجة لكل فكر وابتكار وجهد وذراع.

( كما يلتقي الاقتصاد الإبداعي مع فلسفة التنمية المستدامة، والتي تشمل أبعاداً ثلاثة: التنمية الاقتصادية، والإدماج الاجتماعي، والاستدامة البيئية، مدعومة بالحكم الرشيد. كما تعد نظم القياس والبيانات السليمة حاسمة لتحويل أهداف التنمية المستدامة إلى أدوات عملية لحل المشكلات وتحريك الحكومات والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني وقطاع الأعمال، توفير بطاقة تقييم لمتابعة التقدم المحرز وضمان تحقيق المساءلة)*. وسنلاحظ هنا، أن المسألة لم تعد محصورة في وجود أشخاص، وإنما إستراتيجية تنتهجها الدولة، على مستويات عدة، من أجل تحقيق أهدفاً، تمثل في التنمية المستدامة، التي سترعى كل فئات الشعب، بمختلف شرائحه، وأبرز هذه الأهداف: القضاء على الفقر، والجوع، وتوفير بيئة سليمة، ومدن صحية، وتعليم جيد، ومساواة، وطاقة نظيفة، وفرص عمل، تحقيقاً لمجتمع الرفاه، وهذه هي، علي التحديد ما نادت بها شعارات ثورتنا المجيدة.
ولا شك أن هذه الخطط والإستراتيجيات، ستوجد، بالضرورة، مجتمعاً منتجاً مبتكراً، نشيطاً وفاعلاً، يستخدم موارده بشكل صحيح، ويستفيد من عقول أبناء وطنه، ويوقف نزيفها المستمر بالهجرة إلى الخارج، أو بالانكفاء في الداخل.
الأمر الأخر، فيما يختص بالاقتصاد الإبداعي، هو المفهوم الأضيق الذي يختص بالإبداع في أبعاده الثقافية والفلسفية والفكرية والتشكيلية والسينمائية، حيث ينظر إلى أثر الفنون والآداب والفكر في البنية الاقتصادية والاجتماعية، ومنتجاتها ومخرجاتها، وهي تحمل بعداً رمزياً وأيدلوجياً يعبر عن ثقافة المجتمع وهي تراعي، عادة، الاعتبارات البيئية، وتتركّز في المناطق الحضرية الرئيسية الواسعة، وتَستخدم كثيراً عمالاً من ذوي المهارة الرفيعة، وتعتمد اعتماداً كبيراً على النظم والأنشطة والمؤسسات الثقافية غير الرسمية. ( وتعود أيضاً هذه الصناعات بالمنافع التي لا يمكن قياسها باعتماد أسعار السوق وحدها والتي تعمل عوضاً عن ذلك على تأكيد الهوية الثقافية المميزة للأماكن التي تنشأ فيها هذه الصناعات وتتنامى، مما يتيح تحسين ظروف الحياة والارتقاء بصورة المجتمعات المحلية وبهيبتها*).
سنلاحظ هنا أيضا، أن الثقافة بمختلف أشكالها هي المؤثر الأكبر على الاقتصاد الإبداعي، لأنه لا اقتصاد ولا صناعة ولا تقنيات بدون غطاء ثقافي وفكري وفني.
( ولكي نوضح الصورة أكثر فإن غالبية المنتجات التي تأتي إلينا مستوردة من بلادها، تحمل شعارات وأسماء وأشكالاً تعبر عن ثقافة هذه البلاد، وما انتشار الثقافة الأمريكية إلا بسبب انتشار صناعاتها، مصحوبة بإنتاج فني عملاق في السينما، بجانب تحكمها في عالم الحواسيب والشبكة العنكبوتية. وهذا يؤثر على خيارات المستهلكين أنفسهم، فإذا أحببنا نموذجاً ثقافياً وفكرياً، فهذا ناتج عن القوة الناعمة التي تروّج لهذا النموذج، ما يجعل الناس تقبل على شراء هذه المنتجات، وتتذوق أعماله الفنية، وتردد كلماته وعباراته وشعارات وفلسفاته)*.
إن هذا، بلا شك، يحتاج إلى طاقة البشر الإبداعية والابتكارية، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، فهي العامل المحرّك الرئيسي لهذه الصناعات، والمغذية له فنياً وفكرياً، ( وقد أصبحت هذه الطاقة هي الثروة الحقيقية للبلدان في القرن الحادي والعشرين. وتؤثر بصورة غير مباشرة، وبشكل متزايد على فهم المرء أينما كان للعالم المحيط به، وعلى المعنى الذي يعطيه لوجوده فيه، وعلى الطريقة التي يؤكد بها حقوقه كإنسان ويبني بها علاقات مثمرة مع الآخرين )*.

ومن هنا، فقد أصبح الفنانون والمبدعون يشكلون الصف الموازي في التنمية والنهضة، فلا يمكن لأي مجتمع يريد الحفاظ على هويته الحضارية، أن يقوم بصناعات، وينشئ المدن، معتمداً على غير ثقافته وأفكاره. وإلا سيكون مجتمعاً مسلوب الإرادة والثقافة، مشلول الفكر والإبداع، وستكون تنميته تقليداً للآخرين.
وهذا يقودنا إلي التساؤل المركزي في هذه الحالة: أليس من الضروري، والموضوي، والعلمي معا، أن تكون لنا ( مفوضية ) تنشأ بقانون يحكم عملها، وعليها، وحدها، الأشراف علي عملها وتنفيذاتها؟ ذلك من شأنه، إذا تم، أن يجعل العمل الثقافي، بكل محمولاته، في الجوهر من مشاغل واشتغالات الفترة الانتقالية التي، نفترض، أنها من أعمدة وأساسيات مقومات الفترة الانتقالية التي نصت عليها أهداف ومواثيق الثورة. ثم، ومن باب الأسئلة الموضوعية، ألا يحق لنا أن نسأل، في الملأ من حيثيات الثورة، ومن أهم واجبات الفترة الانتقالية، ضرورة أن تكون لنا، في هذه المرحلة الهامة من مسار ثورتنا، أن تكون لنا ( مفوضية ) للثقافة، تعني، بكامل مسئولياتها، بحال الإبداع والمبدعين؟! ، وكم يحزنني، شخصيا، حرمان مبدعينا من ( منحة ) التفرغ التي تتيح لهم تقديم أعمالا إبداعية، فكرية وأدبية، وهم في أفضل الأوضاع التي توفرها لهم، باستحقاق لا شك فيه، الأمر الذي ظل معمولا به في مصر منذ عبد الناصر، ولا يزال، فأين نحن منهم يا ( كهنة ) الثقافة الرسميون في وزارة الثقافة وحكومتنا؟!
هذه، مجرد خواطر، رؤي وتفكرات، في شأننا الثقافي، نقدمها، بتجرد وتواضح، لتكون، كما نأمل، أن تكون مدخلا موضوعيا، لمناقشة، واجراء حوار جاد حول واقعنا الثقافي، نتناول عبره، حال الإبداع والمبدعين، وما نسعي، جميعنا، ليكون، هذا الحال، الضروري المهم، في خططنا ورؤانا فيما يخص شأننا الثقافي.
ليتنا، نري، ونقرأ، هذا الحوار يحوز علي مقدمة اهتمامنا في هذه المرحلة من عمر ثورتنا المجيدة، ننتظرإذن، لنري.

هوامش:
--------
* د. مصطفي عطية جمعة 11/9/2018، صحيفة البيان الليكترونية.
*رؤى مستقبلية: كيف سيغير العلم في القرن الواحد والعشرين؟ ميتشيو كاكو، ترجمة: د.سعد الدين خرفان، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2001م، ص23، 24.
* المصدر السابق، ص(79),
* الاقتصاد الإبداعي، د. عبد الله الردادي، جريدة الشرق الأوسط، لندن، 29 يناير 2018م، العدد (14307).
* العقل العربي ومجتمع المعرفة: مظاهر الأزمة واقتراحات بالحلول، د. نبيل علي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2009م، ج2، ص75.
* مؤشر أهداف التنمية المستدامة ولوحات المعلومات، التقرير العالمي، مؤسسة برتلسمان وشبكة حلول التنمية المستدامة، نيويورك، يوليو 2017م، ص11.
* المصدر السابق، ص12.
* الاقتصاد الإبداعي، د. عبد الله الردادي، م س.
* تقرير عن الاقتصاد الإبداعي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، منشورات مجمع أبوظبي للثقافة والفنون، 2013م، ص17.
* السابق، ص15.

د. مصطفى عطية جمعة Sep 11, 2018اقتصاد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم