الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعيداً عن ما يسمى بالإنتماء الوطني والقومي...!

عماد يوسف

2006 / 8 / 1
العولمة وتطورات العالم المعاصر


طرحت التطورات العالمية الأخيرة رؤى جديدة في تعاطي الشعوب والدول فيما بينها، وقد شكلت بذلك قطيعة تاريخية كبيرة مع الكثير من مفاهيم الإنتماءات، سواء الوطنية منها أو القومية، لدرجة أن التماهي في هذه المفاهيم أصبح لبوساً فكرياً غارقاً في الإشكالية التي تقف عائقاً أمام تحديده كمفهوم، وبالتالي تحديد علاقته الجدلية أصلاً بحياة الفرد، كفرد بالمعنى المجرد، وبالتالي علاقة هذا الفرد بالمحيط الجغرافي الذي ينتمي إليه .
في إحدى المناسبات القديمة قال الشاعر محمود درويش: " لا ينتمي الإنسان إلى أرض ليس له موتى تحت ترابها " ، واليوم نتساءل إلى أي مدى تحتفظ هذه المقولة ببريقها، وإلى أي مدى مازال الإنتماء إلى مفهوم الوطن، الأرض، القومية، الموروث الثقافي والفكري "وهو الأكثر أهمية هنا، ويتكون من عوامل كثيرة كالدين والعادات والتقاليد والقيم التي يتشربها الفرد في محيطه الجغرافي والديموغرافي والاجتماعي "، إلى أي درجة بقي هذا الإنتماء عالقاً في البنية العقلية والفكرية للفرد في عالم اليوم، وهل استطاعت العولمة حقاً أن تقضي على مفهوم الإنتماء الوطني والقومي ؟؟! وهل استطاعت أن تشكل بديلاً عن هذا الإنتماء الذي يبقى في قلوب الناس روحياً ومعنوياً أكثر منه ماديا ومحسوساً ..!
في المجازر التي ترتكب في لبنان اليوم من قبل القوى الصهيونية المفرطة في التعصب والشوفينية الدينية، قامت الكثير من الدول بإجلاء رعاياها من الأراضي اللبنانية خوفاً عليهم من القصف والقتل الإسرائيلي، وقد سجلت بعض الحالات التي تلكأت فيها الكثير من سفارات الغرب في نجدة رعاياها، فقط لأنهم من أصول عربية لبنانية، أو لأن سحنتهم سمراء وعيونهم بنية اللون، وليست زرقاء والشعر أشقر، نتساءل، والسؤال هنا مشروع ؟ لماذا لم تقم هذه القوى بإخلاء كل اللبنانيين، كل المدنيين اللبنانيين، فإذا ما كنا في زمن العولمة، والعالم هو عبارة عن قرية صغيرة، يتحكم فيها مختار واحد إسمه أمريكا، فلماذا لم ينقذ هذا المختار أهل هذه القرية جميعاً من القتل والتدمير، ولماذا اختار مجموعة دون أخرى ، ألم تتماهى الأوطان والأزمان والقوميات وكل شيء ..؟ أوليس هؤلاء الذين يقتلون من هذا العالم الذي وسمته العولمة بأنه قرية كونية صغيرة، وهذا يعني بالضروروة أن كل سكان هذه القرية مسؤولون من راعيها، أو القيمّ عليها، وإن لم يكن ذلك فهذا يعني، بؤس العولمة التي تضر ولا تنفع ، وتقتل و لاتحيي، وتدمّر ولا تعمّر، وتلحق الناس بأذنابها طالموا هم ليسوا ثقلاً عليها، ولكن عندما يشعرون بأن هؤلاء يشكلون ثقلاً مهما كان بسيطاً عليهم، يقذفونهم خارج السرب بتلويحة ذنب من أذنابهم الطويلة التي تمتد إلى كل بقاع الأرض..!
ونعود هنا للتساؤل، وربّما كان العود أحمد’،إلى هؤلاء الذين قالوا، وتبنّوا، وروّجوا، وسوَقوا ، لمقولة أمريكا اليوم هي السيد، ولا مناص من الدوران في فلكها، والانصياع لقوانين العولمة، وأن زمن الإنتماءات الوطنية قد ولىّ، وأن مفهوم القومية أضحى من الماضي كزمن بسمارك وهتلر وموسوليني وغيرهم، ولنفترض جدلاً أننا حزمنا عديدنا وعدّتنا وذهبنا نبحث عن موطىء قدم في هذا الفلك العظيم " أي العولمة "، ألا يترتب على هذه المعادلة حقوق وواجبات، والواجبات كثيرة نقدمها ونحن مسرورين، مبسوطين، خانعين، ولكن ماذا عن حقوقنا، في الحياة والرعاية، التعليم والحرية، السكن والتربية والغذاء والأمن ، والسلام العالمي ...؟؟؟!! ماذا عن كل هذا؟؟ هل سعت هذه القوى إلى تقديم كل هذه الحقوق لأهلها، هناك أمثلة كثيرة جلّية ومعاصرة عن الطريقة التي حصلت فيها بعض هذه الشعوب على حقوقها: كما حصل في أفغانستان والعراق وفلسطين، وفي لبنان وأمريكا اللاتينية وغيرها من بؤر التوتر والصراع في أرجاء العالم ...!!!
’كثر نادوا بأن سياسات بعض الدول المناهضة لأمريكا خاطئة، واليوم يجب أن ننفتح على العالم وإلاّ كان التكّلس والتخلف مصيرنا المحتّم، وسبقتنا ريح الحضارة وعظمتها، وتحولنا إلى مجتمعات تعيش على هامش التاريخ ، وأعود هنا للتساؤل ؟ ماذا لو حصل ما يحصل في لبنان في أمريكا اللاتينية مثلاً، والتي لا تنتمي إلى نفس القومية، ألن تهبّ جميع دول أمريكا اللاتينية لنجدة جارتها التي تتعرض لهذا النوع من الوحشية التي تجاوزتها البشرية منذ سنوات طويلة، ولماذا لم تهب ولا دولة عربية واحدة لنجدة لبنان، بل على العكس من ذلك، دول عربية كثيرة منحت الغطاء السياسي للقتل الإسرائيلي، وإذا كان هؤلاء وأمثالهم ممن يتنشقون نسائم العولمة في الصباحات الجميلة، يقّرون بأن العولمة تلغي القومية والإنتماء الديني والمذهبي، فلماذا ’يحارب اللبنانيون وحزب الله لأنهم من المذهب الشيعي، ولماذا ’يقتل اللبنانيون لأنهم لا يرضخوا لإرادة إسرائيل في التبعية لها ومباركة دولتها التي تقوم على العنصر الديني، وإذا ما كان هذا حال العالم اليوم، فلماذا تقوم في أمريكا مئات الأحياء التي تجمع أناس من جنسية وقومية واحدة: الحي الصيني، الياباني، العربي، المكسيكي، البرزيلي.. إلخ ؟!! لماذا لم تستطع العولمة في عقر دارها أن تقضي على النزعات القومية والدينية بين أهلها الذين اكتسبوا الجنسية الأمريكية في أراضيها، ولماذا لا تسعى إلى إلغاء نزعاتهم القومية قبل أن تأتي إلى ديار الغير لتلغي وجوده وكيانه وحضارته وتراثه الفكري والإنساني العريق، كما حصل في العراق، وفلسطين وما يحاولو أن يصنعوه اليوم في لبنان .. ؟؟!
وإذا ما ابتعدنا عن الخط القومي الذي يشكل الإنتماء المشترك لشعوب المنطقة بغالبيتها، فكيف نفسر حملة صلاح الدين الأيوبي "وهو من القومية الكردية " التي هزم فيها الصليبيين وطردهم من القدس، و ربّ مشكك يقول بأن ذلك حصل تحت راية الدين الإسلامي الذي يجمع شعوب المنطقة بغالبتنها أيضاً، وإذا كان هذا صحيحاً فهل تغير الإنتماء الديني اليوم ؟؟! هل تغير الإسلام ؟!
ونقول هنا بأن هذا القائد الفذّ العظيم صلاح الدين لم يذهب من شمال سوريا إلى القدس بإسم الدين الإسلامي فقط، بل هو كان عسكرياً استراتيجياً، شعر بأن الوجود الصليبي في القدس سيشكل تهديداً على الأمن القومي في المنطقة برّمتها، وأن المنطقة ستقع كلها تحت براثنهم فيما لو استمروا في وجودهم فيها، لذلك حاربهم وهزمهم وطردهم إلى بلادهم ، واليوم يعود السيناريو بشكل مختلف ليهدد ليس فقط الأمن القومي للمنطقة ، بل ليهدد وجود المنطقة برمّتها، تاريخها، تراثها، وجودها البشري والوطني والقومي ، فإذا كانت النزعة القومية قد ذهبت أدراج الريح لدى الكثيرين من أصحاب العماء الفكري الذين أصابهم السواد في قلوبهم، وإذا كان الدفاع عن لبنان أو مؤازرته، أو حتى إدانة ما يحصل فيه يندرج تحت إسم القومية العربية المشتركة، وهي منبوذة من قبلهم، أفلا يفعلون ذلك تحت راية حماية أمنهم القومي والإستراتيجي البعيد المدى ، أم أن هذه النخب السياسية والفكرية قد باعت نفسها لشيطان أعمى سيقتلع جذورهم يوماً دون أن يميز بين عدو وصديق ..؟؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو