الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة الحزين في فقدان رجل مناضل جهبذ وبن شهيد حرب الريف

عزالدين غازي

2006 / 8 / 1
سيرة ذاتية


يا علي ...
لماذا تركتنا ورحلت عنا ؟

أبي حبيبي وعزيزي , دعني أسألك بهدوء الآن : لماذا تركتنا ورحلت عنا ؟ ألهذا الحد كنت متعجلا للفراق والرحيل ؟
دعني أسألك بالله : ألهذا القدر كنت مصرا على الفراق والسفر في رحلتك الأبدية إلى حيث صعدت روحك الطاهرة عند بارئها ؟ ألهذا الحد فضاؤنا قذر ؟ لماذا خرجت من فضاءنا المستحيل ؟ وما هذا الفضاء الذي تبحث عنه؟ هل هو منا ؟ أم نحن منه ؟ ومن منا يحمل بعضا من البعض الآخر؟ هل كانت موجودة في هذه الكينونة حقا ؟ ألم يكن وان كانت موجودة , فلماذا لم تلمس أرواح من مشوا خلف النعش حين زفت الملائكة نعشك الأبيض في يوم الجمعة الأسود
والشهود صامتين و...؟
عذرا يا أبي, أنا أول المقصرين ،على الرغم.. , وقد لا تصدقني إذا قلت لك يا أبي أنني كنت مشتاق إليك دائما وأبدا أكثر من شوقي إلى ذاتي , كنت متشوقا طيلة السنوات الست التي باعد فيها مرضك البغيض فيما بيننا لكي أجلس معك متأملا ونتحدث أنت وأنا وأبناؤك أحمد وخد وج وإدريس ومحمد وفاطمة وخالد وفاطمة وفظيلة وصباح وبوشرى والهادي وبدر وليلى وسعيدة وطارق وزيد وسارة وأشرف وكلهم جميعا... مثل أطفال وقعت أعينهم عليك لأول مرة !
لقد كنت – يا أبي - أهيئ نفسي إلى رحيلك الحزين فكنت ألهو وأضحك (كلما سنحت لي الفرصة) معك في محاولة لترميم القلب المكسر إثر غياب الوالدة الحبيبة -عائشة – رحمهما الله ورحم موتانا جميعا - .
كنت استجمع أشواقي و أخبئها استعدادا للسفر البعيد , كنت أغالب دموعي قهرا، ليلة أن تحدثت إليك قبل أيام لكي ترثيني لوفاة والدتي / زوجتك / حبيبة عمرنا , زوجتك المكلومة , التي لم أراها منذ ستة أعوام بالتمام.
رغم أنك لم تجب على تساؤلاتي أقول لك بلا غضب : أنا حزين أكثر من حزني إلى نفسي , لأنني كنت مستعدا لسفرك إلى دار الآخرة ،بلا إلى الجنة خالدين فيها... حتى استمع إلى ضحكاتك ومشاجراتك ومشاكساتك ولعبك مع أطفالك الأكثر جمالا في هذا الكون , مازلت أذكرهم وأراهم متحلقين حولك مثل فراشات في بستان ربيعي في ربى أسرتك الجريحة .
وتركتني – يا أبا عزا لدين - ورحلت مع الراحلين بلا موعد مسبق دون أن تكمل احتفالك وفرحتك بزواجي !
ست سنوات قمرا ونجمة سهرت ليلك الطويل على فراش ممدود وعلى كرسيك المتحرك تتحدث وتتذكر وتلهو وتمزح ... يا عاشق الأرض والوطن والزهر الجميل , في (الورد زاغ ) كلها سوف تضمك وتحمل روحك في السفر الطويل ولن تفارقك في خلودك الأبدي الطويل ,
لا أستطيع بعد اليوم- يا علي - أن أصف لك حزني لانك ألغيت الموعد ولم تنتظر ولو لبضعة أيام أخر , ويبدو أن صبرك كل السنين الفائتات في المرض قد نفذ , ويبدو أن أمر الله قد نفذ في موعد لا يستطيع أن يؤخره أحد !
لا أخفيك سرا – يا أبتي - حين أقول باني تركت سماعة لحظاتي ترن ,وترن.. , تدوي بالصوت الحزين آه, آهات الألم ، ليلا , كانت تلك اللحظات المريبة العصيبة ، بصوت رهيب ودعتنا تإن ألمك الشديد ، في ليلة اليوم العشرين من يوليو 2006 حين رايتك تحتضر فجرا تجهد نفسك للبقاء بعد أن تفوت صلاة الظهر ، بلا قد كنت لعهد الله موعودا وأنت الذي عهدتك صارما وحازما للدنيا و للآخرة, انك لحقت بالإحياء الراحلين الذين ترجلوا واحدا بعد الآخر إلى لقاء الله الواحد الأحد , لم اصدق اللحظة، وظننت انه كان يهذي ليلا في ذات الليل الطويل والضجر والغربة القسرية!

كنا لا ندري أننا نسارع رحيلك بدواء الطبيب الذي لا قدرة له ولا قوة أمام القدر... ولأننا ابتغينا عودتك ولو للحظة لتودعنا...فبخلت علينا ملائكة الموت بلحظة الرجوع ؟ أفلا يأخر الوعد الموعود؟
والدموع منذ تلك اللحظة لم تفارقني والحزن حاصرني , ويبدو أنه وجد ضالته في منذ رحلت والدتي قبل أن تطفئ شمعتها الرابعة والسبعين , يوم 05 يوليو 2000 رحلت هي أيضا بلا موعد دون أن تودعني أو تقبلني أو تضمني إلى جسدها النحيل ! كم أنا حزين ؟
أعدكما – يا أحبائي الراحلين – بأنني لن أفرح بعد الآن ! فلم يعد متسع للفرح في قلبي , حتى عيناي طار منهما لون الفرح وظللت أعد تلك الذكريات الجميلة التي جمعتني بكما بعد هذا الغياب الطويل .
أنا الحزين يا علي , ويوم رحيلك بغدر الموت هو شهادة ميلاد حزني الأبدي , وسوف أمضي في هذا الطريق حتى ألقاك يا حبيبي الصادق أبدا , لانك سقطت مثل فارس علي فراش الموت مستسلما لقدر الله .
أنا الحزين عليك يا علي , حزين على رحيلك الباغث , يا شهيد ابن الشهيد ويا شهيد الفوضى والفساد الإداري والسياسي بالسلاح وبالسلام الاجتماعي وانعدام الأمن والقانون , رحيلك يا أبي هو اعتراف بالقدر المحتوم , كنت أنت الشهادة على كل شيء وكنت أنت الشامخ في موتك أبدا , كنت أنت- يا أبي علي - افضل منا جميعا لانك آثرت الصمت والرحيل الهادئ إلى خالقك وخالق كل البشر.

ويتساءل أشقائي و يبكون نحبهم - قائلين : هل سمعتنا يا أبتي ونحن نبكي حتى ... في الحقيقة نحن نبكي على أنفسنا فكم هي الصدمة شديدة والمصاب جلل ؟ لماذا لا يكون الموت معلنا ؟ لماذا يموت الأحباء والمحبين فقط ؟ لماذا لا يموت الأعداء والقتلة والمجرمين ؟ لماذا يموت الذين نحبهم ؟
وتختتم أحاديثهم المغلفة بالدمع والبكاء والحسرة بالحكمة التالية
لن ننساك ما حيينا حتى يلحقنا الموت حيث لا فرار من الموت إلا إلى الموت.

وأنا أقبل بقضاء الله وقدره أقول لك – يا علي – ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله

إني أعزيك لا أنى علي طمـعٍ من الخلود ولكن سنـة الديـن
فما المعزي بباقٍ بعد صاحبـه ولا المعزى وإن عاشا إلى حين

وأنا أودعك اليوم , أقول لك - يا علي- أنت الرجل الجهبذ :عش على عشية الخلود التي زرعتها في أسرتك وعائلتك وعشيرتك ومجتمعك ووطنك، واطلق العنان لجسدك كي يستريح , واعلم أن خلود الإنسان يكمن في الأثر الذي يتركه ,فتركت الرجال ، وبذلك يصبح الموت رحلة وبوابة لحياة جديدة مع الشهداء والصديقين والصالحين , سوف تظل في ذاكرتنا كما أنت وكما عرفناك شيخا شامخا رائعا , شهما أصيلا ,
طالما كتبت لنا الحياة .
ابنك الحزين : عزا لدين علي غازي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط