الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البُعد الإنساني في قصيدة - نعم أنا شاعرة - للشاعرة العراقية البابلية زينب كاظم البياتي.

غانم عمران المعموري

2021 / 4 / 11
الادب والفن


حوار حيّ بين الشاعرة وذّاتها يحمل في طياته حركة الحياة الدؤوبة ونبض الواقع بمأساته وآلامه الذي أثرى من مخيلتها المُبدعة وقدرتها على إزالة الغبار لترى الأشياء بمنظارها الحقيقي وذلك حسب فلسفتها الشخصية عن طريق ادراكاتها الحسيّة وانفعالاتها النفسية بالإضافة إلى مرجعياتها الثقافية وتأملاتها الفكرية كل ذلك كان له الأثر البالغ في بلورة الفكرة التي غالباً ما تأتي حين " ينبري العقل البشري لترتيب الفكرة, يوضحها ويبسطها ويستخدم الأدلة والبراهين والأفكار الجزئية على شكل مقاطع تخدم الفكرة الأساسية بقوالب لغوية مختلفة تعتمد في جودة سبكها على مقدرة ابن اللغة ( المنتج ) وتمكنه من أساليب لغته فنجد النص البليغ بدرجاته وحسب الشريحة التي يريد مخاطبتها, واللغة العربية من المرونة بمكان إذ يمكن استعمال المستوى البسيط في إطار فصاحة اللغة إلى أعلى مستوى في مخاطبة المثقفين" 1.
لذلك جاء عنوان القصيدة " نعم أنا شاعرة " نقطة انطلاقة لتعريف المتلقي عن مدى الألم والإحساس الذي يحمله الشاعر أو الشاعرة وتحسسه بالعالم الذي يحيط به بتناقضاته ومشاكله الاجتماعية والسياسية وفوضى عدم الاستقرار الفكري والميّول المتفاوته باعتبارها صاحبة رسالة انسانية مُلقاة على عاتقها بالتصدي لكل مظاهر الفساد والجهل عن طريق كتاباتها وبأسلوب متمرد على الواقع المُزْري..
كما في نصها:
شاعرة بالبرد الذي تقشعر له أبدان الفقراء
و بالجوع الذي يخيط من أمعاء الأيتام
جيوباً لسرّاقنا الكبار


وصفت لنا الشاعرة الوجع والهمّ العراقي بأسلوب دراميٍّ يعتمد على منح الصور الشعرية طاقة حَرَكية إيقاعية ذات نسيج وسبك سَرّدي منتظم نتيجة تأثرها بالبيئة المكانية والواقع الاجتماعي والنفسي المُحيط بها وكأنها تُمثّل دور البطل في دراما نصوصها مما تجعل المتلقي يعيش حالة البطل في كل مقطع تذكره لإستثمار طاقتها الحسيّة وفضاء خيالها الواسع الخصب الناتج عن موهبتها ونهلها للمعارف وتأثرها بالأدب العراقي والعربي والعالمي كل ذلك ساعدها في إنتاج صور شعرية تخترق من خلالها كل العراقيل لتكشف لنا الفساد والهشاشة والظلم الظاهري والخفي في المجتمع وبذلك كانت نصوصها على تماس من واقع وحياة أبناء بلدها بكل تفاصيلها وأشيائها واثبات حضورها, فقد وصفت لنا ألم ومعاناة الفقراء وهم يعيشون في العراء رغم قسوة البرد بينما ينعم سُرّاق البلد بالخير, نقلت لنا تلك الآلام بحسٍ شعري واقعي بلسانها لتبين مدى قُربها من الوجع العراقي وما يُعانيه الفقراء وحرمانهم من أبسط حقوقهم المشروعة وماخلفته الحرب طيلة فترة امتدت من الحكم الدكتاتوري وحتى الديمقراطية المُزيفة من دمار في البُنى التحتية وتدنيّ مستوى الخدمات وكثرة الأرامل والشهداء والألم الذي رافق أمُّ الشهيد كما وصفتهم بنصها :
شاعرة بالأرملة التي تكتحل
لتلتقي زوجها في المنام
و بأمّ شهيد تفزّ من حلمها المكرر
إن ابنها على الباب

حتى تنقلنا بأسلوب سرّدي شعري بعيداً عن الملل والرتابة وبعيداً عن الحكائية واستثمار ظاهرة تكرار كلمة " شاعرة " كما في نصها :
شاعرة بوطني المنفي
وطيوره المهاجرات
والشيخ الذي تركه أولاده على رصيف هزيل
يرتبط التكرار بعلاقة وطيدة بصاحبة النص محاولةً منها في تأكيد فكرتها التي تروم طرحها ضمن رسالة انسانية ومن خلال تشكيل موسيقي داخلي له الأثر الفعال في نفس المتلقّي عِبْر تقطيعات نغمية توحي إلى أهمية المُكرر في النص لتثري من خلاله الصورة الشعرية بتنامٍ وتصاعد وتحفيز نفسيّ وانفعالي حيث أنه " أقوى وسائل الإيحاء وأقرب إلى الدلالات اللغوية النفسيّة في سيولة أنغامها " 3.
تشير الشاعرة إلى التفكك الاجتماعي والأسري وما صاحبه من مظاهر سلبية كما ذكرته في نصها " الشيخ الذي تركه أولاده على رصيف هزيل " وعدم التفات السلطات إلى تلك الظاهرة حيث عدم توفير فرص عمل للشباب وما يحتاجوه من وسائل تضمن لهم العيش في حياة كريمة جعل الهجرة إلى بلاد الغرب مطلبهم وأملهم الوحيد ..
شاعرة بالجسد ومعاناته وغربة الروح
وبعاشق كل رصيده الإفلاس
شاعرة بشمسٍ كُسفت قبل موعد الشروق
وزهرة حالمة بقطرةِ عناق

يضفي التكرار لكلمة " شاعرة " على النص الشعري دلالة موحيه ويترك أثراً فعالاً في ذهن المتلقي لما يشتمله من إيقاع موسيقي وتنامٍ جمالي لإرتباطه بالفكرة العامة التي تُريد الشاعرة إيصالها عِبْرَ رسالة اتصالية أحد قُطبيها المتلقي وما يشعر به إزاء صدى تلك المقاطع الموسيقية المتولده من صور شعرية تتدرج وتتنامى وفق موّجات نغميّة لتُشَّكل مشهداً دراميّاً يجعله يعيش ويتنقل ويتحسس كل انتقاله أرادها الشاعرة من خلال نصها حيث أنَّ " القاعدة الأساسية في التكرار أن اللفظ المكرّر ينبغي أن يكون وثيق الإرتباط بالمعنى العامّ وإلّا كان لفظية متكلّفة لا سبيل إلى قبولها, كما أنّه لابدّ أن يخضع لكل ما يخضع له النصّ عموماً من قواعد ذوقية وجمالية " 4.
تنهي لنا الشاعرة قصيدتها بوجع وحسرة على كل ما تراه وتتحسسه من الواقع البيئي والظروف الخارجية الاجتماعية والنفسية الخاصة والعامة التي كان لها الأثر الفعال والمُحرّك الأساسي للفكرة والمعنى الشامل للنص واخراجه بصيغة صور شعرية باعتبار الشعراء والكُتاب والمثقفين في البلد يقع عليهم عبء التصدي لكل المظاهر السلبية عِبْر السيّل المتدفق من أقلامهم الحُرة عكس ذو الأقلام المتملقة التي همّها الحصول على المكاسب المادية والمعنوية وليّ قصة قصيرة جداً بهذا الخصوص بعنوان " خذلان : القلم الذي تَرجَم أحزانه وصَرخة روحه, حَفظ سِرهُ وأسرَ إليه شَكواه؛ نَزَفَ دمًا عندَما اكتشف قُبحَ صاحبه." 5.
هذه القصيدة تُشكل همّ الفرد العراقي وتنقل أحاسيسه وما يُريد أن يقوله وذلك بقصيدتها " نعم أنا شاعرة "



نعم أنا شاعرة
شاعرة بالبرد الذي تقشعر له أبدان الفقراء
و بالجوع الذي يخيط من أمعاء الأيتام
جيوباً لسرّاقنا الكبار
شاعرة بالأرملة التي تكتحل
لتلتقي زوجها في المنام
و بأمّ شهيد تفزّ من حلمها المكرر
إن ابنها على الباب
شاعرة بوطني المنفي
وطيوره المهاجرات
والشيخ الذي تركه أولاه على رصيف هزيل
شاعرة بالجسد ومعاناته وغربة الروح
وبعاشق كل رصيده الإفلاس
شاعرة بشمسٍ كُسفت قبل موعد الشروق
وزهرة حالمة بقطرةِ عناق
شاعرة .. أنا
وليتني لم أشعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم