الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(ماركو فيري):The Seed Man 1969 ما هو الممكن المختلف في هذه الحبكة المكررة

بلال سمير الصدّر

2021 / 4 / 12
الادب والفن


نحن حائرين في الترجمة فكلمة Seed تعني البذرة،والبذرة هي البذرة البشرية(النطفة)
مع بداية الفيلم(المقدمة التعريفية)،هناك وجوه بائسة مع خلفية صامتة تماما لنساء ورجال وشيوخ واطفال،ويظهر منهم لاحقا رجل مقنع بقناع الموت،وبداية الفيلم تشبه الوثائقية ولكنها ستقلب وكأنها نموذج فلسفي.
الفيلم مستقبلي،أو عن احتمالية مستقبلية ممكنة،فالفناء البشري من الممكن ان يحصل بسبب الأوبئة أو بسبب الحروب أو بسبب الكوارث الطبيعية.
طبعا،هذه الفكرة مكررة-خاصة في هذا الزمن الذي يفصله عن زمن انتاج الفيلم ما يقارب الخمسين عاما-على ان ماركو فيري لن يروي هذه القصة بطريقة غير ملفتة للنظر على الاطلاق...باختصار
الحضارة دمرت بكاملها وعلينا أن نبدأ من جديد...
في الحقيقة،لايشير الفيلم أبدا الى اي نظرية عن غضب الهي،ولكن مسار الحبكة غامض ويسير أحيانا بالتلميح،ويعتمد بشكل كبير على الاستنتاج والتخمين،ففي لحظة ما،نشعر ان بطلي الفيلم هما في خضم خوض تجربة تتعلق بالجنس البشري على النحو العام المنطقي للمسار،ولكن تختفي هذه التجربة واحداثياتها تماما فجأة أو حتى ما يشير اليها لنخوض في نظرية اخرى اشبه بتكون أو حدوث عالم الرجل الأخير والمرأة الأخيرة في كناية ربما عن آدم وحواء،على انها ذات تشعبات أخرى غير واضحة لأننا سنكتشف بأنهما ليسا الوحيدين على سطح هذا الكوكب...
فهل دورا،وسينو يخوضان في تجربة بشرية بيولوجية من أي نوع كانت...؟
أم هل هو دمار فعلي ونكوص غير متوقع نحو البدائية...؟
يسير الفيلم-بكامله تقريبا-ضمن النظرية الثنائية،ولكن نهاية الفيلم ترجح تماما الخيار الأول،وسنعود الى ذلك مع قليل من التفصيل.
من الواضح أن افلام ماركو فيري قد اصبحت تأخذ المنحى التام للفكرة،وكأنها قصة ذات طابع وجودي أو بيولوجي او حتى تاريخي،وهي تستند الى شخصية مركزية كأستناد او نموذج لشرح نمط فلسفي بيولوجي (فلابيولوجي) ذو طابع تركيبي،فالمعطيات الفيلمية عنده اصبحت ذات شكل للنموذج المصاحب للفكرة،كما استخدم الوجوديون تماما الرواية لشرح الفلسفة الوجودية....
ولكن القصة مختلفة نوعا ما عن البدائية،أو العودة الى البدائية...هي بدائية محفوفة بالشكل المتحضر...عن تلك الذاكرة التي تختزن ذلك المخزون البنيوي عن الحضارة...فاشياء العالم الحديث ذات بعد متحفي(اشتقاق الكلمة من متحف).
زجاجة كلونيا...ساعة يد...ثلاجة...تلفزيون صغير من النوع المحمول...سيارة قديمة
إذا قررنا بأن جميع الأشياء في التاريخ،مثل التاريخ نفسه،هي من صنع الانسان،فاننا نستطيع ان ندرك بتقدير الى اي مدى يمكن لكثير من الموجودات والأمكنة أن تخصص بأدوات ومعان محددة لا تكتسب سلامة موضوعية الا بعد ان تتم عملية التخصيص المذكورة.
ويصدق هذا الحكم بشكل خاص على الاشياء قليلة الشيوع نسبيا،مثل الاجانب والمولدات التهجينية والسلوك غير السوي...؟
هل هذا الاقتباس من الاستشراق-ادوارد سعيد-في مكانه؟
اليس هذا الفيلم عن تاريخ مستقبلي متوقع...ربما مبتذل من شدة التكرار؟
الشيء الملفت للنظر،أن علاقة الناس بالاشياء التي كانت في ما مضى(أقل من عادية) قد اصبحت مختلفة،فالظروف الحالية خلفت نوعا من اهمية العلاقة القصوى بين هذه الاشياء والانسان،وهذا الاختلاف في طبيعة العلاقة لاتفصله مدة زمنية أو تاريخ طويل(الفترة الفاصلة بين الحضارة والزمن الانقراضي).
وسيعين سينو من قبل القبيلة الدينية التي تبدو بأنها الحاكمة الآن كوصي على هذا المتحف والذي يحمل مفارقة كبيرة...فهو متحف لحفظ الأشياء الحديثة المتخلفة من الحضارة وليس العكس،أي من الممكن القول ان الماضي بات حديثا،أي ان المتحف معكوس وهي فكرة تجدر الاشارة اليها بالتأكيد....الحديث متعلق بمتحف القدم...هذا ما يدعى بفلسفة الفيلم
قلنا ان القبيلة التي تبدو بأنها الحاكمة هي قبيلة دينية-مسيحية-فالعلاقات التي تحكمهم علاقات حضارية متقدمة عن شكل الزمان الذي يعيشون فيه،هدفهم الحضاري الأول والأكبر:التكاثر
تتطور الحبكة ببطئ شديد واحيانا تدفع الى الملل،ولكن اذا كان الانسان الآن في حقل تجريبي-كاحد الافتراضات اعلاه لفهم الحبكة-فمن الطبيعي امرأة عصرية(عصرنة الماضي)من اللامكان،وكأن ماركو فيري يسأل حائرا:
ما هو الممكن المختلف في هذه الحبكة المكررة...؟
هل-في ظل الانقراض البشري-مكان للغيرة...؟
وايضا:هل هذا من الممكن ان يكون تفصيل وثائقي بالنسبة للحبكة ذات المسار التجريبي افتراضيا...؟
القادم الغريب الأجنبي تحاول قتل دورا،ولكن دورا هي التي انتصرت،فمن الممكن القول انه مهما كان هذا الواقع تجريبيا،أو حتى مشكلا حساسا متعلق بالوجود الأول أو الأخير،فلا بد-ضمن هذا الواقع-أن يكون هناك نكوص نحو البدائية لأن الطبيعة البشرية واحدة،تتغير وتتبدل ضمن الانسان نفسه،وليست مثل الشكل الحضاري الذي يخلق الانسان نفسه.
وعندما تقوم دورا بتقطيعها وأكل لحمها،فهذا اشارة واضحة الى طبيعة بدائية-تكمن بالانسان-ونحن نعرف ان موضوع الكانبالية ذو سلطة طاغية وحضور واحد ومتكرر عند ماركو فيري،على ان الكانبالية هنا ذات منحى معكوس مختلف،فهي تبدو بانها ليست بسبب الامتلاك-الامتلاك المتطرف من قبل المرأة للرجل أو العكس-بل بسبب الندرة،ندرة الرجل على افتراض،والكثرة اي الرغبة في التكاثر،فما حدث من كانباليةكان بين أمرأة وأمرأة،بينما كان الرجل يأكل اللحم مستمتعا من دون ان يعرف ماذا يأكل فعلا....
عندما يطلق بذرته في دورا يرقص مستمتعا بانتصار البشرية...تصرخ دورا:
ليس لنا الحق في فعل ذلك....ثم يحدث انفجار مفاجئ-يخصهما وحدهما-يمحيمهما عن وجه الارض..
ما سر هذا الانفجار الخفي...؟
ومن هو الشخص التي كانت تصرخ دورا بأنه لم يعطيهما الحق في ذلك...؟
ما حدث هو تناقض بين واقع طبيعي معاشي وواقع تجريبي،اي هناك فكرة الحادية تختفي في ثنايا الموضوع برمته...
القبيلة الدينية كانت تطالب بالتكاثر وحفظ الكائن الحي،بينما دورا كانت تتلقى الأوامر من واقع التجربة البيولوجية التي يخوضونها...
وكأن الدين يطالب الانسان بالعودة والبقاء،بينما الانسان بعدما رأى قصة حضارته اصبح يطالب نفسه بعدم وجوده...أي تغليط الله في الخلق..
لكن ان كان-اكرر على كلمة ان كان-الانفجار الأخير انفجار انفعالي اعجازي من الواضخ انه رباني،فيبدو ان الله-استغفر الله-لايريد ان يكرر خطأه او انه اصبح واثقا أكثر باختيارات مخلوقاته..أي البشر انفسهم
بالرغم من كل ذلك،فالفيلم أقل من المتوقع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي


.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه




.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان