الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الدولة الدينية .. دمار حتمي للعراق ؟

داود البصري

2003 / 5 / 6
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                 

السقوط السريع لنظام البعث الصدامي والإنحلال الشامل للمنظومة الأمنية والإستخبارية والحزبية التي طوقت العراق بأسوار الرعب والدم طيلة مايقارب الأربع عقود من الزمن العراقي المستباح ، قد خلقت لدى بعض القوى الطائفية والدينية تصورات واهمة حول حدود القوة وإمكانياتها ! كما خلقت لدى بعض الجماعات السياسية ذات النفس الديني والإيحاءات الطائفية العربية إشارات إلى إمكانية تحويل هزيمة المشروع الشمولي البعثي في العراق لنصر يصب في مجرى تيار الجماعات الأصولية التي تتحين إقتناص فرص الضعف السلطوي لبناء قواعدها والمجاهرة بآرائها ، ومحاولة ركوب الموجة للظهور من جديد وسط أنقاض الأحباط الشعبي وحالة الهزيمة! وهو ماتتبعه جماعات ( الإخوان المسلمون ) ! أو بقايا ( حزب التحرير الإسلامي )! والذي نعلم جميعا من أن له مريديه بين بعض الأوساط العراقية في الخارج والذين يحاولون عبر إمتداداتهم الداخلية وعلاقاتهم العشائرية والعائلية أن يجدوا تعبيرا لسياساتهم وسط حالة الفوضى والترقب القائمة في العراق اليوم .

والخريطة السياسية والمذهبية والدينية للمجتمع العراقي الحديث لاتتيح أي إمكانية للحديث عن قيام دولة ونظام على أسس دينية أو مذهبية ! ، فبرغم كل الشعارات التوحيدية التي تطرحها الشعارات المرفوعة في يافطات بغداد اليوم ، إلا أن تلك الشعارات تظل مجرد حالة إستهلاكية لايمكن تطبيقها في حالة اللجوء لتنصيب وإعتناق نظام ديني سيمهد الأساس الشرعي والقانوني والدستوري لفرض سياسة الحزب الواحد ، والدستور الرباني ، وتأليه وتقديس القيادة ! وفي ظل الفشل الإسلامي الواضح للوصول لنظام حكم إسلامي حقيقي لايكون إستمرارا لنظام هيمنة الفئة أو الحزب أو الطائفة الواحدة! وهو أمر متعذر في ظل التعددية الدينية والمذهبية في المجتمع العراقي المكون من أعراق وقوميات وملل ونحل تبدأ من الإسلام وتمر بالمسيحية وتنعطف نحو اليهودية هذا غير جماعات الصائبة المندائية ومذاهب الفرق السنية الأربعة والشيعة الإمامية بتفرعاتهم الأصولية والإخبارية! عدا عن الصراعات المستحدثة داخل الفرقة الواحدة كالصراع الدموي القائم حاليا بين دعاة الحوزة العلمية الشيعية العراقية ، وجماعة خط ولاية الفقيه السياسي الإيرانية!! وهو صراع خطير ومؤسف ولكن يمكن ترشيده لصالح إستقلالية القرار السياسي الشيعي العراقي عن المؤثرات الإيرانية ، وبما يؤمن الخصوصية الوطنية العراقية المحضة وفي إطار الحاجة الوطنية العراقية الخالصة وهو الأمر الذي لجأ إليه الإيرانيون ذاتهم خلال سنوات تعاملهم الطويلة والمجحفة مع شيعة العراق الذي عانوا الأمرين من القوانين الإيرانية ذات البعد الوطني الإيراني الخالص رغم أنهم في دولة ( الولي الفقيه )!! وكان تحجج رجال الدين في إيران دائما من أنهم يراعون الخصوصية الإيرانية!!! وقد جاء ت اليوم مرحلة الرد الشيعي العراقي على عذاب السنين الإيراني! هذا غير الصراعات والمطامح الشخصية للزعامات المتنافسة والتي تدخل ضمن إطار التنافس السياسي بأشكاله المعلنة أو السرية؟ ، أما بالنسبة للسنة والذين شهدت الدولة العراقية ومنذ بواكير نشوئها في 1921 هيمنة لرجالها على مؤسساتها الفاعلة رغم أن تلك الهيمنة لاتتم وفقا لشعارات طائفية رسمية ومعلنة بل وفقا لترتيبات تهيأت أسسها منذ  أيام الإحتلال البريطاني وبسبب الأخطاء السياسية والمواقف السلبية للشيعة بالإبتعاد عن التعامل الرسمي مع الدولة الجديدة فقد عزلوا أنفسهم قبل أن تتكفل الماكنة الطائفية الرسمية بتخطيط الأسس الفاعلة لتهميش الشيعة وإستغلالهم والتشهير بأصولهم ووطنيتهم وهو ماعبر عن نفسه بأبشع صورة من خلال نظام صدام البائد والذي لايمكن إعتباره نظاما سنيا خالصا بل نظاما فاشيا عشائريا لاعلاقة له بالدين والمذهب بل إستغل التطيف لأعراضه الخاصة ومارس أبشع سياسات القمع العنصرية تحت الشعارات البعثية والقومية المزيفة الغريبة عن تراث الأمة العربية والإسلامية رغم إفراطها في التمسح بأهداب الرسالة العربية الخالدة التي لم تتحقق بل سجلت أبرز مشروع هزيمة قومية شاملة عانتها الأمة العربية في تاريخها الحديث ، لذلك فطائفة السنة في العراق تعاني بلاشك من مخاوف تغذيها طبيعة التدخلات الإقليمية في الملف العراقي مع ضبابية المواقف الأميركية التي لم تحسم الموقف الميداني بشكل واضح ، ولعل تحركات الشيخ أحمد الكبيسي وخطبته البتراء في مسجد أبي حنيفة قد أثارت مخاوف معينة رغم أنها لم تكن سوى بالونة إختبار لقياس رد فعل الشارع السني ولجس نبض دول الجوار العراقي ، وسرعان ماتراجع الكبيسي عمليا عن كل صيغ التهديد والوعيد الذي تضمنها خطابه ألأول وتراجع عن لغة الصقور ليكون حمامة سلام ووئام وسط مخاوف الحرب والدمار وبما يوفر إنطباعا واضحا عن دور السنة المرن في أية ترتيبات مستقبلية قريبة لمعالجة مسألة الحكم في العراق ! وبرغم الإحتقان السياسي في الفلوجة التي تعتبر موقعا أصوليا مهما في العراق إلا أن تداخلات خارجية لعبت دون شك لعبتها في توتير الأوضاع ، ثم أن المشروع السياسي الإسلامي السني يظل تقليديا مرتبطا بالدعوة لإقامة دولة الخلافة الإسلامية!! وهي دعوة عائمة تتجاوز الإمكانيات الوطنية العراقية وتدخل ضمن المشروع الإسلامي والأممي العام ؟ على العكس من نظرية ( ولاية الفقيه ) الشيعية والتي لها تجسيد وإمتداد إيراني لايحظى بحماس شيعة العراق بسبب الحساسيات المعروفة بين الجماعات السياسية والفقهية الشيعية العراقية ، هذا دون أن ننسى أنه في سنوات صدام الأخيرة تغلغل الفكر الديني الوهابي ضمن بعض التجمعات الشيعية ذاتها بفعل التبشير المذهبي المقترن بتوزيع المساعدات المادية بسبب حالة الأزمة الإقتصادية التي يعانيها القطاع الأكبر من الشعب العراقي ! وبما يخلق نقاط توتر حادة نسبيا ، وما يحتاجه العراقيون الآن ليس مزيدا من الإنقسام ، وليس إعتناق النظريات المذهبية والفقهية والصراع حول مفهومي الخلافة أو ولاية الفقيه ؟ فتلك الصراعات لم تكن يوما هاجسا للشارع العراقي المسيس بطريقة حداثية وحضارية وعلى أسس وطنية شاملة تتجاوز إطار الإنتماء المذهبي الضيق ، لأن التحديات التي تواجه السنة والشيعة لايمكن تجزئتها طائفيا لأنها تتعلق بمستقبل العراق ووحدة أرضه وحفظ شعبه وتقرير مستقبله وهي مهمة شاملة لايمكن أن تنهض بأعبائها فئة دون أخرى ، وينبغي على العراقيين جميعا إظهار الولاء الوطني وإجبار قوى الإحتلال على تنفيذ الوعود بالمساعدة في ترسيخ الأسس الكفيلة بقيام نظام دستوري ديمقراطي ينقذ العراق من المأزق الخطير الذي قادته الفاشية إليه ، وثقتنا كبيرة بالشعب العراقي في التعالي والتسامي على كل الخلافات المذهبية الضيقة ، وكيان العراقيين الحضاري يكون بالدفاع عن الوحدة الوطنية العراقية والوقوف بحزم ضد كل محاولات التجزئة والتفتيت ، فالعراق للعراقيين بمختلف إنتماءاتهم وعرقياتهم.

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد