الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقوى رجل في العالم

ملهم جديد

2021 / 4 / 13
الادب والفن


في البيت المهيب المطلي باللون الأبيض وسط عاصمة الإمبراطورية ، و وراء المكتب الأنيق المصنوع من خشب اللوز، و الذي كان قد جلس خلفه الآباء المؤسسون على مدى أكثر من مائتي عام ، يجلس من مازال رسميا الرجل الأقوى في العالم . تأمل ساعة الحائط قبالته ،و فكّر بأنها ربما هي الأخرى قد تحالفت مع أعدائه ، فلم تتوقف ، أو على الأقل تتباطأ ، لتتيح له ما يكفي من الوقت من أجل التفكير في طريقة يعكس فيه قدره السيء ، و كان حنقه يزداد ، كلما حدس بأن عقاربها أصبحت أكثر تسارعا مما كانت عليه في السابق ، فلا يستبعد أنها ربما هي ، أيضا، سوف تمد له ألسنتها في تمام الساعة الثانية عشر من ظهيرة يوم الأربعاء القادم ،عندما يصبح الرئيس السابق " المواطن دونالد ترامب" و الرجل الأكثر ضعفا في العالم . ضاق صدره، و اجتاحته قشعريرة رجل معلق بحبل متآكل يتمزق ببطء ، بينما يحاول و هو يتأرجح في الهواء ، التمسك به بكلتي يديه، متجنبا ما استطاع، النظر نحو قاع البئر ،حيث تنتظره العقارب و الأفاعي الذي كان قد ربّاها و درٌبها أعداؤه طيلة السنوات الأربع الماضية منتظرين هذه اللحظة . وقف فجأة و صرخ " لكني ما زلت الرئيس " ،و خبط بيده البيضاء الصغيرة على سطح المكتب الزجاجي، فاهتزت الصورة العائلية التي كان مصور الرئاسة قد التقطها أيام الزمن الجميل للعائلة السعيدة في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض . و كان مازال واقفا ، عندما ازداد غضبه، فخبط بيده للمرة الثانية، مرددا نفس العبارة " لكني مازلت الرئيس "، و مرة أخرى اهتزت الصورة العائلية ، ثم لم تلبث أن سقطت من على المكتب، فَسَمع صوت تحطم زجاج إطارها على البلاط اللامع ، و خشي أن يدور حول المكتب لتيفحصها ،فتتأكد هواجسه بشأن الأيام السوداء التي تنتظره خارج السور المُحصَّن . و كان من الممكن ،في الظروف العادية، أن يجلب صوت الخبطتين عشرات المعاونين و المستشارين للإطمئنان على أن الرئيس بخير ، غير أن السكون لم يلبث أن عاد أكثر ثقلا . شعر بألم في الركبتين، و جلس متهالكا على الكرسي الوثير، بعد أن اختطف نظرة نحو باب المكتب الذي لم يفتحه أحد طيلة الأربع و العشرين ساعة السابقة ،سوى خادمه الذي كان قد سأل فيما إذا كان عليه جلب الطعام في الوقت المعتاد ، فأشار الرئيس "بلا" ثم قال "لا تفتح الباب مرة أخرى إذا لم أطلبك " أمرك سيدي " قال الخادم ، أغلق الباب بهدوء ،و مشى في الممر الطويل نحو جناح الخدمة، نظر الخادم إلى ساعة يده ،و شعر بأن الساعة بطيئة على غير عادتها ، نزعها من معصمه ،و حركها بقوة آملا أن تتسارع عقاربها ،و تحل ظهيرة يوم الأربعاء القادم قبل وقتها المعتاد ، و ابتسم للخاطر الذي راوده " كم كان جميلا لو كان الوقت عبدا للرغبات "، من دون أن يدري ،بأن الرئيس ،الذي كان ما زال مسترخيا بيأس على كرسيه ،يردد و هو مغمض العينين ،نفس العبارة ! .
تناول الرئيس هاتفه النقال، فتحه ثم أطفأه عدة مرات ، متحاشيا النظر إلى أيقونة "تويتر" ،حيث ينتظره خلفها أكثر من ثمانين مليون متابع ، لكنه، و هو الرجل الأقوى في العالم ،لا يستطيع مخاطبتهم بحجة تهديد ما يقوله للأمن القومي في البلد الشاسع الذي يتربع على سدة عرشه! "يا للمفارقة" ، هكذا عنونت إحدى الصحف ،المتناثرة على مكتبه الوضع الذي وجد نفسه فيه ، نهض غاضبا مرة أخرى ، تفوه بكلمات بذيئة ،و صرخ " إنها مؤامرة و ليست مفارقة يا أولاد القحبة " ،ثم شعر برغبة بالبكاء ، غير أنه تمالك نفسه ، عاد و جلس، بينما شفتاه ترتجفان، من دون أن يستطيع استيعاب كيف من الممكن لفقير في جبال الهملايا ، أو لعامل مكسيكي يحاول قطع الصحراء الحدودية للوصول إلى أميركا ، أو لمسلم ممنوع من دخول البلاد ، أو لعدة مليارات من البشر الذين لا يحبهم و يحتقرهم ،أن يستطيعوا التواصل من خلال هذه المنصة الأمريكية ،و لا يستطيع هو ،الذي ما زال الرئيس الرسمي لأمريكا، و الرجل الأقوى في العالم، من استعمالها ! و إذا لم يكن في الأمر مؤامرة ، ماذا يمكن أن يكون ! فتح هاتفه مرة أخرى و لمس أيقونة تويتر ، حاول فتح حسابه، و لمعت أمام عينيه للمرة الألف عبارة " آسفين حسابك مغلق "، ازداد غضبه، فأخذ يتمتم تارة ، و يصرخ تارة أخرى ،من دون أن يكف عن لمس حسابه محاولا فتحه ، ليقرأ نفس العبارة الباردة و الحاسمة . تناول الريموت كونترول و فتح التلفزيون ، فجمدت عيناه على لقطة من فيلم أجنبي يتحدث فيه الناس بلغة غريبة ، بينما ركًّزت الكاميرا على مشهد كلب مربوط بشجرة على الرصيف المقابل لمطعم مختص بشواء اللحم ، كان الناس يدخلون و يخرجون ، يأكلون و يتجشأوون ، فيدور الكلب حول نفسه تارة ، و حول الشجرة تارة أخر ، تارة يعوي، و تارة يلحس لعابه، من دون أن يلتفت إليه أحد ، و بحركة لا إرادية، نظر الرئيس إلى الهاتف الذي كان ما زال في يده ، فتحه ، فلمعت أيقونة " تويتر" مرة أخرى ، و من جدوى ، و بأصابع مرتجفة ، استمر ، و بيأس قاتل، محاولا فتح حسابه ، و مضى بعض الوقت، قبل أن ينتبه ،إلى أنه كان قد أخذ يدور حول نفسه تارة ،و حول مكتبه تارة أخرى! وللمرة الأولى في حياته، اختبر الرجل الأقوى في العالم معنى أن يكون وحيدا و لا يلتفت إليه أحد ، بينما كان بالكاد يستطيع سماع عواء خافت طويل يخرج من النقطة الأبعد في حنجرته . وقف قبالة الشاشة الكبيرة ، و قذف تلفونه اتجاهها ،بعد أن شعر بأن ما يشاهده على الشاشة، و ما يشعر به في أعماقه، ليس مصادفة بريئة ! و لم يكد يعود إلى كرسيه ، حتى شعر بالإعياء، أغمض عينيه ،و كانت هذه هي المرة الأولى التي يغفو فيها طيلة اليومين السابقين ، بينما تابعت العقارب الرشيقة للساعة حركتها ، و قطعت ما يكفي من الوقت ،لتؤكد ،ما فتئت توكده منذ اختراعها، بأن الوقت مثل الموت ، قدر لا يستطيع، حتى الرجل الأقوى في العالم ،الهروب منه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا