الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا النشوء والتطور حقيقة؟

اشواق سلمان حسين
(Ashwaq Salman)

2021 / 4 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


(نظرية دارون ) تلك النظرية الجدلية التي احدثت قفزة هائلة في مفهوم نشأة الكائنات والتي اثارت حفيظة ( الخلقيين ) الذين يؤمنون بنظرية الخلق اي ان كل شئ قد تم خلقه على حدة دون المرور بأي عملية تطور ودون وجود اي روابط بين المخلوقات ولا اي ادوار تطور حصل فيها.
تلك النظرية التي تتحدث عن إن اشكال الحياة هي منتج للتطور وان تلك العملية قيدت الى حد بعيد بالانتخاب الطبيعي ، يمكن القول انها اعظم نتيجة توصل اليها البحث وراء نشأة الكائنات.
ولأهمية موضوع التطور ولأرتباطه بالكثير من العلوم التي تنهل منه مصادرها وتحليلياتها فقد تم البحث فيه من خلال مؤلفات وبحوث فخمة في محاولة لفهم وتفسيروتوضيح تلك النظرية ، ومن بين تلك المؤلفات التي احاول تسليط الضوء عليها وتلخيصها قدر المستطاع كتاب ( لماذا النشوء والتطور حقيقة؟ )حيث يضع فيه المؤلف ( جيري ايه كوين ـ أستاذ بيولوجيا أمريكي في جامعة شيكاغو) الكثير من التوضيحات بشأن ما تم العثور عليه من احفوريات وغيرها من براهين هي بمثابة ادلة دامغة تدل على صحة نظرية التطور بما لا يقبل الشك.
ولكن قبل كل شئ علينا معرفة معنى التطور.
هناك سمات وراثية تنتقل بين افراد التجمع الأحيائي وحين يحدث تغيير في هذه السمات فهذا يعني ان تلك السمات الوراثية قد تطورت بأحداث تغيير جوهري او ظاهري في الكائن الحي من نتائجه ان تستحدث وظائف جديدة او اعضاء جديدة لكن من نفس النوع السالف وليس بمعزل عنه.
هذا هو معنى التطور باختصار شديد لكن هناك تفاصيل واساسيات علينا معرفتها ليتم صقل فهمنا له ولتتسنى لنا رؤية اوضح تجعلنا قادرين على استيعاب قدر كبير من حيثياتها.
على ماذا تستند نظرية التطور؟
يمكننا القول ان نظرية التطور تستند على ستة عناصر وهي:
1. فكرة التطور نفسها.
2.التدرجية.
3.الأستنواع (الإنقسام الى انواع).
4.السلف المشترك.
5.الإنتخاب الطبيعي.
6.آليات التغير التطوري غير الأنتخابية.
ولتوضيح كل من العناصر لنأخذ كل منها على حدة بشكل موجز:
1.( فكرة التطور نفسها).
وتعني ببساطة ان النوع ( اي نوع من الكائنات الحية ) يخضع لتغيرات جينية عبر الزمن ، مما يعني انه خلال اجيال كثيرة يمكن للنوع ان يتطور الى شئ مختلف تماما ، وهذه الأختلافات تقوم على التغير في الحمض النووي منزوع الأوكسجين والتي تنشأ كطفرات ، اي ان انواع الكائنات الحية بما فيها الحيوانات والنباتات والبشر ، لم تكن منتشرة هنا وهناك في الماضي ، بل تحدرت من تلك التي عاشت في زمن اقدم ، فالإنسان على سبيل المثال تطور من كائن (شبيه) بالقرد العلوي ، لكنها ليست ذات القرود العليا المعاصرة.
ورغم ان كل الأنواع تتطور إلا ان معدل تطورها مختلف فهناك من الأنواع يكون تطوره ضئيل ليصل الى ملايين السنين وهذا يعتمد على ما يتعرضون له من الضغوط التطورية.

2.(التدرجية).
يستغرق الأمر اجيالا كثيرة لإنتاج تغير تطوري ضخم ، كتطور الطيور من الزواحف مثلاً ، واذا تحدثنا عن تطور صفات جديدة كالأسنان والفكين المميزين للثديات عن الزواحف فهي لا تحدث في جيل واحد او اجيال قليلة فقط ، بل ان تلك الصفات الجديدة تتدرج في الظهور من جيل لآخر عبر مئات او آلاف او حتى ملايين الأجيال ، بأستثناء بعض التغيرات التي يمكنها الحدوث سريعا كما يحدث مع الميكروبات حيث ان لها اجيال قصيرة جدا بعضها لا يتجاوز في حدوث التغيير مدة 20 دقيقة ، وهذا يعني ان هذه الأنواع يمكن ان تخضع لقدر من التغيير في وقت قصير ، على سبيل المثال ايضاً ما يحدث من نشوء سريع في البكتيريا والفايروسات المسببة للأمراض في مقاومة العقاقير ، وهذا يعني ان النوع الواحد يتطور اسرع او ابطأ حسب تزايد او تضاؤل الضغوط التطورية كما تم ذكره مسبقا.

3.(الاستنواع) .
4.(السلف المشترك)
لن يكون شرح العنصرين على حدة بل مع بعضهما لأن كلاهما هما وجهان لنفس العملة ان صح التعبير.
مهما كثر عدد الأنواع الحية من اصغرها لأكبرها ، انتم وانا والقطط والفيلة والنباتات والانواع العديدة الأخرى كلها تشترك بصفات اساسية ، من بينها السبل الكيميائية الحيوية التي نستخدمها لإنتاج الطاقة وكذلك البروتينات التي يتم ترجمتها من DNA ، هذا يخبرنا ان كل الانواع تعود الى سلف مشترك واحد ، سلف كان لديه هذه الصفات المشتركة ومررها الى المتحدرين منه ، ولو كان التطور يفيد تغيراً جينياً تدرجياً خلال نوع واحد فقط لما كان لدينا اكثر من عشرة ملايين نوع يسكن كوكبنا اليوم ، عرفنا اكثر من ربع مليون منها كمتحجرات.
لكن كيف نشأ هذا التنوع من نموذج سلفي واحد؟
كان الأستنواع من سلف مشترك هام جدا بالنسبة لدارون حتى انه جعله عنواناً لأشهر كتبه ( اصل الأنواع )حيث قدم فيه بعض الأدلة على الأستنواع ، لكن دارون لم يستطع شرح كيفية نشوء نوع جديد ، بمعنى انه كان يعرف ان هناك انواع تنشأ من انواع قبلها إلا انه لم يكن يعرف آلية هذا النشوء حيث ان علم الجينات والوراثة في زمن دارون لم يكن قد عُرف بعد ، وتم اكتشافه في ثلاثينيات القرن العشرين ، مما ساعد الباحثين والعلماء بعد دارون الى مواصلة بحوثهم في التطور حتى تم التوصل الى نتائج وبراهين مذهلة تؤكد وتواصل ما بدأه دارون.

5.(الإنتخاب الطبيعي)
وهذه الفكرة لم ينفرد بها دارون لوحده ، بل ان معاصره عالم التاريخ الطبيعي ( الفريد راسل والس ) توصل اليها في نفس الوقت تقريباً ، إلا ان دارون كان له نصيب الأسد لأنه في كتابه ( اصل الأنواع ) طور فكرة الإنتخاب الطبيعي بتفصيل عظيم ، معطياً الأدلة عليه ومستكشفاً نتائجه الكثيرة.
الإنتخاب الطبيعي اعتبر الجزء الأكثر ثورية لنظرية التطور وبالأخص في عصر دارون ، ولا زال مزعجاً للكثيرين لأنهم اعتبروه فكرة علمية مقلقة حيث انها تفسر التصميم الظاهر في الطبيعة بعملية مادية صرفة لا تتطلب خلقاً او توجيهاً من قوى فوق طبيعية.
اذن ماهو الإنتخاب الطبيعي ؟
لفهمه جيدا دعونا نأخذ مثالاً يساعد على صياغة تعريف واضح له.
لنفترض ان هناك مجموعة من الفئران غامقة اللون ( مابين رمادي وأسود ) استوطنت بمنطقة صخرية سوداء ، وصادف في المنطقة ذاتها تواجد صقور آكلة للحوم ، ولو تساءلنا اي اللونين من الفئران كان عرضة لأفتراس الصقور ؟ بالتأكيد الإجابة ستكون الفئران الرمادية اللون هي اكثر عرضة للأفتراس لأن اختلاف لونها عن الصخور يجعلها مميزة لدى الصقور فيسهل رؤيتها وافتراسها ، معنى هذا ان فرصة الفئران السوداء للعيش اكبر وبهذا ستكون قادرة على التكاثر ونقل صفة سواد الفراء الى الأجيال اللاحقة ، اما الفئران الرمادية فإنها ستكون عرضة للأنقراض إلا ان حدثت فيها طفرات وراثية تغير لونها الى الأسود لتمنحها فرصة البقاء.
ماذا حدث في هذا المثال؟
ماحدث ان الأصلح للعيش في هذه البيئة هو من نال فرصة البقاء ، بمعنى ان الطبيعة اختارت وانتخبت وانتقت من يستطيع الصمود في بيئتها ، وبمرور الزمن ستصير المجموعة تدريجياً متلائمة اكثر فأكثر بسبب نشوء طفرات وراثية مفيدة وانتشارها في المجموعة بينما الطفرات الضارة تستأصل.
هذا يأتي بنا الى الى العنصر السادس والأخير من عناصر النظرية التطورية وهو:
(آليات التغيرالتطوري غيرالإنتخابية) وهو تغير عشوائي في نسب الجينات السبب فيه هو حقيقة كون الأسر المختلفة لها اعداد متباينة من النسل وهذا بدوره يؤدي الى تغير عشوائي لا يمكنه عمل شئ بصدد التكيف لكونه عشوائيا اي ليس لديها فرصة للأنتخاب الطبيعي المقولبة.

إن فكرة التطور لم يأت بها دارون لوحده ولم يكن هو الوحيد الذي افترض اصلاً واحداً للحياة بل ان هذا يعود قبله لكثير من الفلاسفة الذين كانوا يحاولون جاهدين التوصل لحقيقة الكون والكائنات ، فعلى سبيل المثال افترض الفيلسوف طاليس بأن " مياه البحر هي الأم التي نشأت منها كل انواع الحياة " ، اما الفيلسوف انكسمندر فقال ان " الطين هو اصل الحياة " ، بينما افترض ارسطو " ان الحياة بدأت بالنبات. "
وايضا بعد ذلك بقرون وخلال الثورة الفرنسية جاءت ( النظرية اللاماركية ) التي اتى بها جان باتيسيت لامارك ذلك العالم الفرنسي الذي قال بأن مظاهر الحياة تتطور تدريجياً من نوع الى نوع رغم ان نظريته كانت لا تخلو من تفسيرات خاطئة كثيرة وقع فيها.
إلا انهم جميعاً لم يتمكنوا من وضع نظرية لها ادلتها وبراهينها كما فعل دارون ، اي انه استفاد من افكار من سبقه وتعمق فيها وتركها للباحثين من بعده لتكون خير عون لهم على اكمال استكشافاتهم وبحوثهم مع استخدامهم للتقنيات التي لم تكن متوفرة لدى دارون في زمنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - nice summary
د مظفر يعقوب ( 2021 / 4 / 16 - 12:05 )
You have nicely summarised the issue. Well done


2 - الية التطور والارتقاء
منير كريم ( 2021 / 4 / 16 - 18:16 )
تحية للاستاذة
مقال ممتاز ومفيد جدا
لو تفصلي اكثر في الالية الجينية لاحداث التطور والارتقاء سيكون افضل
لان البعض مازال يعتقد بانجلس الذي كتب عن دور العمل في تحول القرد الى انسان !!!!ه
شكرا لك


3 - د.مظفر يعقوب
اشواق سلمان حسين ( 2021 / 4 / 16 - 19:44 )
Thank you very much, Dr. Jacob


4 - الأستاذ منير كريم
اشواق سلمان حسين ( 2021 / 4 / 16 - 19:47 )
شكرا جزيلا لقراءتك استاذ وربما سأحاول التفصيل في منشورات لاحقة...تحياتي واحترامي.

اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ