الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث الموسيقي في العراق

بكر محي طه
مدون حر

(Bakr Muhi Taha)

2021 / 4 / 16
الادب والفن


ان المجتمع في بلاد وادي الرافدين كان ولايزال حيا قلبه نابضا بالحياة وصاحب ذوق فريد، حيث أتخذ من الموسيقى والغناء والاناشيد اساسا للتعبير عن مشاعره بصورة مباشرة، فالموسيقى والغناء ذات اهمية بالغة لدى الانسان العراقي القديم ويتضح ذلك من خلال الرقم والالواح الطينية التي نقشت عليها بعض الالات الموسيقية والانغام التي كتبت بالنصوص المسمارية ورافقت حياة الانسان انذاك، اذ ان الاناشيد والاغاني والتراتيل كانت تلقن للاطفال وهي مصحوبة بالألحان الموسيقية فضلا عن تلقي طلبة المدارس دروسا مكثفة في الموسيقى والغناء، وكذلك كانت الالات من المستلزمات الاساسية لاقامة طقوس الدفن, وبعضها يوضع مع جثمان المتوفى من الملوك كما في المقبرة الملكية في اور.
فالترانيم الجنائزية ماهي الا تعبيرا عن الفاجعة التي حلت بالبلاد، ليُعبر فيها عن حزنها وألمها, باداءٍ ترتيلي بمصاحبة الآلات الموسيقية، أما مراثي ايرشيما فهو نمط أدبي ديني عرف في العصر البابلي القديم يستخدم عرض قطعاً شعرية في الغالب كمرثيات بمصاحبة الطبل، وفي المقابل عبرت الموسيقى والنغم والالحان بمصاحبة الاغاني والاناشيد عن وجه الحياة المتجددة في احتفالات رأس السنة والاعياد والاحتفالات الرسمية ومراسم تتويج الملوك والى غير ذلك من المناسبات الاحتفالية، وقد استمر بعض هذه الالات حتى وقتنا الحاضر مع قلة استخدامها كالقيثارات والمزمار السومري الخ...
واظهرت التنقيبات في اور وكيش ونمرود تاريخ عريق وأصيل للالات الموسيقية يرجع الى عدة الاف من السنين قبل الميلاد حيث كان يُعزف عليها من قبل البابليين والاشوريون وموجودة الى الآن في المتحف العراقي والمتحف البريطاني ومتحف الجامعة في فيلادلفيا الولايات المتحدة الامريكية، وظهرت كذلك مجموعة كبيرة من الاثار التي نقشت عليها رسوم الالات الموسيقية المتنوعة التي استعملها سكان العراق القدامى عبر العصور المختلفة.

تصنيف الآلات الموسيقية:-
ان الطريقة التي اتبعها سكان العراق القدمى في كتابة اسماء الالات الموسيقية قادت الباحثين الى القول بان تصنيف الالات في العراق القديم كان طبقا لنوع المادة المعموله منها الة الموسيقية فهناك مجموعة الآت موسيقية تسبق اسماءها العلامة الدالة على الخشب ومجموعة ثانية تسبقها العلامة الدالة على الجلد ومجموعة ثالثة تسبقها العلامة الدالة على القصب ومجموعة رابعة تسبقها العلامة الدالة على النحاس ومجموعة خامسة تسبقها العلامة الدالة على البرونز، مع العلم ان ذكر المادة المصنوعة منها الالة هو ليس السبيل العلمي الدقيق لتحديد نوعية الالة، لذا فان الباحثين والعلماء قد اتخذو من كيفية خروج الصوت من الالة اساسا للتصنيف واستنادا على ذلك قد قسموا الالات الموسيقية الى عدة اقسام وكما يلي:

الآلات الوترية:-
الحنك:- تاريخ هذه الالة قديم طويل ففي العراق يرجع تاريخ ظهورها الاول في الوركاء الى حدود 3000 سنة قبل الميلاد وبعد استعمالها من قبل السومريين استعملها الاكديون والبابليون والكيشيون، ان اول واقدم الة الحنك هو النوع المقوس او المنحني الذي يرعى فيه علماء الموسيقى بأنه قد تطور من قوس الرماية اما النوع الثاني هو جنك الزاوية حيث تنشأ زاوية قائمة اوحادة من اتصال حامل الاوتار بالصندوق الصوتي.

الكنار:- ترجع في اصلها الاسم البابلي كنارم الذي ورد في ألكتابات المسمارية من العصر البابلي القديم وثبتت الشواهد الاثرية ان اقدم ظهور واستعمال لالة الكنار في العالم القديم كان عند السومريين في بلاد مابين النهرين في نهاية عصر جمدة نصر.

لقد مرت هذه الالة عبر تاريخها الطويل في العراق بمراحل تطور وتغير فيها المظهر العام لشكل الصندوق الصوتي وازداد عدد اوتارها واضيفت فيها الملاوي وفتحات الصندوق الصوتي (الشمسية) لتقوية الصوت الخارج من الالة. فالكنار السومرية ظلت تمتاز بان صندوقها الصوتي كان يشبه الحيوان تماما او انه قرب الشبة او يتصل به تمثال حيوان صغير ولعل اشهر الكنارات السومرية هي الكنارة الذهبية التي عثر عليها في المقبرة الملكية في اور، ويرتقي تاريخها الى حدود (2450 ق.م) وهي تمتاز برأس الثور الذهبي في العصر الاكدي (2371- 2230) عرفت بلاد مابين النهرين استعمال اشكال من الكناري.

العود:- ان أقدم ظهور للعود كان في العراق القديم في العصر الاكدي (2350- 2170 ق.م) وتشير الشواهد الاثرية الكثيرة الى ان العود كان منتشرا في جميع انحاء العراق وانه اصبح الالة المفضلة في الحياة الموسيقية في العصر البابلي القديم (2000- 1600 ق.م) .

الآت النفخ:-
الصفارة:- ان احدث المكتشفات الاثرية لالة النفخ المعروفة بأسم الصفارة هي التي عثر عليها في احدى غرف الطبقة الخامسة من تل يارم تبه التي تعود اواخر العصر

الحجري:- (عصر حسونه) وهذا الاثر عبارة عن قطعة فخارية تشبه شكل (السيكار) ينتهي براس خروف وهناك بعض الثقوب المنتظمة على سطح الانبوب الفخاري الامر الذي يشير الى استعماله كالة نفخ.

وفي تبة كورا بمحافظة نينوى عثر على بعض الصفارات العظمية التي تعود الى عصر العبيد وهي تحتوي ايضا على بضعه ثقوب لاخراج الصوت، وفي الوركاء وبورسبا (برس نمرود) عثر على كسر فخاري من صفارات واستمر استعمالها في العصور اللاحقة على شكل طيور او اشكال اخرى استعملت للاطفال حتى وصلت الى يومنا هذا مع فارق واحد هو اختلاف المادة حيث اصبحت الان تصنع من البلاستك.

الناي:- وهو عبارة عن قصبة جوفاء مفتوحة الطرفين ويقع النفخ فيها مباشرة على حافتها المواجهة لشفتي النافخ ويضع الناي عادة من القصب الغاب او من الخشب واحيانا من المعدن وفي المقبرة الملكية في اور عثر على اجزاء من الناي الاصلي مصنوع من الفضة طوله حوالي (26.7) ويحتوي على اربعة ثقوب متساوية الابعاد فيما بينها وهو موجود في متحف الجامعة في (فيلادلفيا – امريكا) ويعود تاريخ هذا الناي الفضي الى 2450 ق.م.

الناي المزدوج:- ان اقدم اثر للناي المزدوج في العراق يعود الى عهد الملك السومري اورنمو مؤسس سلالة اور الثالثة في 2113 ق.م حيث نرى هذه الالة منحوتة على القسم الخلفي من مسلتة المشهورة الموجودة في متحف الجامعة في فيلادلفيا، كما ان طبيعة المادة التي تصنع منها هذه الالة النفخية وهي قصب سريع التلف والكسر وقد حالت دون وصول قطع اصلية لهذه الالة بعكس الناي الفضي.

البوق:- وهذه الالة عبارة عن انبوب من النحاس ذات شكل اسطواني. المسافة تتجاوز النصف ثم يصبح شكلها مخروطيا وينتهي باتساع يشبه الجرس. ان اقدم اثر عراقي يرينا اثر استعمال هذه الالة يعود الى عصر فجر السلالات الثاني (2600- 2500 ق.م) وكذلك في الاوتار الاشورية التي تعود للملك سنحاريب (704- 681 ق.م) مستعملا في عملية نقل الثور المجنح.

القرن:- تعمل هذه الالة من القرون المجففة لبعض الحيوانات مثل الثيران ثم تثقب عندئذ ينفخ عليها كالة موسيقية. وتذكر احد النصوص من عصر ايس لاسا يخبرنا عن تجوال الناي في شوارع المدينة ونفخة في القرن معلنا ضياع ختم اسطواني يعود لاحد التجار ويستنتج من هذا النص ان القرن كان يستخدم انذاك كوسيلة من وسائل الاعلام الرسمية وايصال الاخبار والمعلومات، ورسمت هذه الالة على جدران قصر ماري الذي يعود الى العصر البابلي القديم حيث ان الملكه كان معاصر للملك حمورابي.

الشعبية:- وهي من آلات النفخ تتالف من عدة انابيب تختلف في الطول وتوضع في داخل الاطار بصورة راسية متوازية وينفخ العازف في الفتحات العليا لهذه الانابيب اذ ان النهايات السفلى للانابيب تكون مسدودة وهناك امثلة تكون فيها الانابيب متساوية الطول في القسم العلوي الظاهري اما من الداخل فتكون مختلفة في الطول تاخر ظهور هذه الالة الى العصر الهلنستي والواقع ان اصل ومواطن الة الشعبية لايزال في ظلمات وغير معروف خاصة اذا علمنا ان الة الشعبية قد وردت في (الالياذة) باعتبارها الة اجنبية.

الآلات الايقاعية الجلدية:

الطبل:- للطبول تاريخ طويل تنوعت خلاله اشكالها وحجومها فهناك الطبل المستدير الكبير والطبل اليدوي والطبل الطويل المخروطي والطبل الاسطواني وتعمل اطارات هذه الطبول اما من المعدن واما من الخشب واما من الفخار ويكون االقرع اما باليد اوبالعصا، كما وان الاثار العراقية المعروفة في الوقت الحاضر تثبت استعمال السومريين للطبل الكبير المدور اواخر النصف الاول من الالف الثالث قبل الميلاد من خلال المشاهد المنقوشة على الاثار السومرية، فقد عثر في المقبرة الملكية في اور على بقايا الكسر من اطارات اصلية للطبول المعمولة من البرونز.
وفي منحوتة جدارية من عهد الملك الاشوري اشور بانيبال (668- 626 ق.م) عثر عليها في القصر الشمالي في نينوى ونقلت الى المتحف البرطاني نشاهد مشهد شرب نخب انتصار الملك الاشوري على ملك العلاميين على انغام الالات الموسيقية ومنها الطبل الطويل الذي يضيق في النهاية السفلى اما النهاية العليا فانها اوسع وقد ثبت عليها الجلد كما يستدل ذلك من الدوائر الاربعة التي تدل على المسامير المرسومة بين اطارين رفيعين. يحمل العازف هذا الطبل على بطنه ويعزف عليه بكلتا اليدين.

التمباني:-ان التمباني آلة ايقاعية جلدية معروفة في الوقت الحاضر بتسميتها الايطالية تمباني، كانت معروفه ومستعملة في العراق في العصر البابلي القديم، وكانت هذه الالة تسمى بالاكدية باسم (ليليسو) اذ عثر في مدينة الوركاء على نص مسماري من العصر السلوقي يحتوي على رسم لهذه الالة مع اسمها القديم ومراحل صناعة جلد هذه الالة، وهذه هي اول حالة في العراق نجد فيها اسم المسماري القديم للالة الموسيقية مكتوبا بجانب رسم لها في ان واحد.

الطبلة:- الطبلة وتسمى في العراق ايضا باسم (الدنبك) وتعرف في بعض الاقطار العربية باسم (الدربوكة) ان الطبلة بشكلها المعروف في الوقت الحاضر كانت مستعملة في العراق في العصر البابلي القديم اي قبل ظهور الفرس استناداً الى الدمية الطينية.

الدف:- تختلف الدفوف من حيث الشكل والحجم فهناك دفوف مستديرة صغيرة، وكبيرة فهناك دف مربع، ان اقدم اثر عراقي يعود الى عصر فجر السلالات وتشير الاثار العراقية الى وجود عدة طرق لمسك الدف فالطريقة الاولى:- فيكون الدف فيها ممسوكا امام الصدر.... اما الطريقة الثانية:- فيكون الدف ممسوكا الى خارج الكتف او الجانب الايسر. لقد ظهرت الطريقة الثانية لاول مرة في العصر البابلي القديم ويتضح من المشاهد المختلفة للدف ان النقر عليه كان تيم من قبل الرجال والنساء وان استعماله كان في مناسبات السلم والحرب.
اما عن الدف المربع فهناك منحوتة جدارية تعود لزمن الملك الاشوري سنحاريب (704- 681 ق.م) عثر عليها في نينوى ونقلت الى متحف الشرق الادنى في برلين الديمقراطية تشير الى استعمال الدف المربع.

الآلات المصوتة بذاتها:-
هي الالات التي تخرج الاصوات بذاتها عن طريق تصادم جزيئاتها بعضا ببعض او عن طريق القرع او الضرب او عن طريق اهتزاز يسبب تلاطم الاجزاء المكونة للالة ببعضها وتشمل هذه الفضيلة على سبيل المثال الصنوج اليدوي والخرخاشات والمضارب الرنات والاجراس.

الصنوج اليدوي:- ان اقدم استعمال للصنوج اليدوي (سيمبال) كان في عهد الملك السومري اورنامو مؤسس سلالة اور الثالثة وليس في العصر البابلي القديم واستمر استعمال هذه الالة في العصور الاحقة وكذلك تم العثور على الصنوج اليدوي في نمرود تعود الى القرن التاسع – الثامن قبل الميلاد.

الخرخاشات:- اظهرت التقنيات في مدن كثيرة من بلاد مابين النهرين خرخاشات مختلفة الاشكال تعود الى العصر البابلي القديم بعضها يمثل حيوانات مثل الخنزير والضفدع وحيوانات اخرى لايمكن تحديد نوعها لعدم وضوح المعالم. وهناك نوع يتالف من مقبض رفيع ينتهي من جهه واحدة بجسم كروي على قطع صغيرة من الحجر تصوت عند اهتزاها وارتطام بعضها ببعض وكذلك عند ارتطامها بالجسم الكروي ذي ثقوب وهذا الشكل لايختلف عن الالة المستعملة في الموسيقى الراقصة في اوربا وامريكا اللاتينية في العصر الحديث او الالة التي تستخدم من قبل الاطفال التي تصنع من المعدن اواللدائن البلاستيكية او سيقان الحنطة التي تعرف باسم (القشقوشة) . وفي العصر السلوقي اذي اعقب وفاة الاسكندر الكبير ظهر شكل جديد للخرخاشات الفخارية في بلاد مابين النهرين حيث اصبح بشكل النصف العلوي للانسان وهو نوع لم يعرف في بقية حضارات العالم القديم وهناك نوع اخر بشكل كروي مقرنص ذي نتوءات يعود الى العصر البابلي القديم.

الاجراس:- وهي الالات المصوتة كانت تعلق في رقاب الخيول والحيوانات الاخرى وكذلك في ملابس بعض الكهنة كما يتضح ذلك في المنحوتات الاشورية من القرن التاسع قبل الميلاد وهي تعود الى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وفي بابل عثر على اجراس من الفخار يعود الى العصر البابلي الاخير وعثر في الحضر على مجموعة متنوعة من الاجراس المعدنية التي تعود الى فترة الحضر.

المضارب الرنانة:- وهي عبارة عن قطع معدنية شبيه بالمنجل تقريبا ذات نهاية رفيعة واخرى عريضة تمسك باليد وتطرق الواحدة بالاخرى.ان اقدم المضارب الرنانة قد عثر عليها في كيش تعود الى عصر فجر السلالات الثالث (2500- 2400 ق.م) حيث عثر على كل قبر على زوج واحد من هذه المضارب الرنانة المصنوعة من النحاس استمر استعمالها ايضا في العصر الاكدي وهناك اثار من اور وكيش وماري تحمل مشاهد منقوشة لهذه الالة.

الصلاصل:- وهي الة معدنية تشبه شوكة الطعام او الملقط تثبت في سيقانها جلاجل او صنوج معدنية صغيرة متحركة وعند اهتزاز الشوكة يخرج الصوت من جراء ارتطام الصنوج.

اما في العصر الحديث فقد اتخذت الموسقى العراقية شكلا ولونا ضاهره حداثة وجوهره تراث شعبي وحياتي يمس الحياة الواقعية وشخصية الفرد، فمثلاً:-

المقام العراقي:-
وهو فن المقام الغنائي المحدث الذي استعاض عن الشعر الفصيح بالشعر العامي، فقد جاء به الملا جادو الزهيري، ولا يعرف على وجه التحديد أصل نشأة فن المقام العراقي، والمقام بوصفه مصطلحاً موسيقياً، هو بناء أو قالب في الموسيقى العربية لايعتمد في درجات أصواته على نظام خاص يحدد أبعاده أو مسافاته أو انتقالاته النغمية فحسب، وإنما يشير إلى الحالة العامة التي يضع السامع فيها، وهو أهم عنصر من العناصر التي قام عليها فن المقام. والمقام عملية فنية ارتجالية في الموسيقى العربية، تمارس على نطاق واسع في العراق والدول المجاورة له كإيران وتركيا، وآسيا الوسطى والهند.
والمقامات على نوعين: ما كان شعراً فصيحاً، تستخدم فيه مقامات «الحسيني والحجاز والصبا والنوى والمنصوري». والثاني «الزهيري» أي ما كان شعراً عامياً، يستخدم في غنائه عشرة مقامات هي: ناري، وحديدي، مخالف، عربيون عرب، مدمى، حليلاوي، جبوري، قطر، شرقي أصفهان، شرقي دوكاه، وجلَّ هذه المقامات هي فروع من مقامات أساسية، مثال ذلك مقام البياتي الذي تنبثق عنه نغمات «الناري، والطاهر، والمحمودي، والسيكاه، والمخالف، والحليلاوي»، ويمر غناء المقام بأدوار ثلاثة هي: التحرير، الميانة أي الوسط، الختام. وهناك أيضاً المقامات الدينية وتؤدى في التكايا والمساجد، وفق القالب الفني الذي سبق ذكره، ولكن من دون آلات موسيقية مرافقة باستثناء بعض الآلات الإيقاعية الخالية من الصنوج كالدف الكبير والدف الصغير، ويؤدي هذا النوع من المقامات الدينية قراء متمرسون بفن المقام، وأهم الإيقاعات المتداولة فيها هي: الواحدة الطويلة مقياسها 4/4، والجورجينة ومقياسها 10/8، والنواسي ومقياسه 18/8، ويكرك ومقياسه 12/4. وتتمسك المدن الكبيرة في العراق مثل بغداد والموصل وكركوك وأربيل بإقامة الاحتفالات الدينية، وخاصة عند عودة الحجاج من مكة المكرمة. كذلك تقام في المنقبات النبوية الشريفة في ليالي رمضان المبارك وأيام عيدي الفطر والأضحى، وأشهر من غنى المقام العراقي وقرأه في المنقبة النبوية الشريفة هو أحمد زيدان البياتي (1830ـ 1913) ويعد واحداً من المجددين في الغناء العراقي وخاصة المقامات التي رفع من شأنها بعد أن وضع لها التسليمات المناسبة. ومن مشاهير المغنين العراقيين، الشيخ الملا عثمان الموصلي (1853ـ 1923)، الذي اشتهر بدوره في غناء المقام العراقي وقراءة المنقبة النبوية، غير ان «سيد درويش» أخذ عنه فن الموشحات وسافر إلى تركيا إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني، فأقام في اصطنبول حيث عيَّنه السلطان مؤذناً ومقرئاً في جامع أيا صوفيا. وللشيخ ملا عثمان الموصلي تسجيلات نادرة على أسطوانات رافقه في عزف بعضها أشهر موسيقيي عصره التركي طمبوري جميل.
وهناك المقرئ عبد الستار الطيار المولود عام 1923 في منطقة فضوة، ففي الثامنة من عمره سمع في مقهى الفضوة صوت كل من محمد القبانجي، ورشيد القندرجي وعباس كمبير الشيخلي، فتعرّف أسرار الأنغام والمقامات الرئيسة، وكان يفكر منذ أصبح من قرّاء الموالد، وهو احتفال ديني يسمى «المولد» ـ جمعه موالد ـ في أن يجد اسلوباً خاصاً في إقامة المنقبات التي ظلت حتى عام 1953 تتبع أسلوب الملا عثمان الموصلي، وقد حقق ما يصبو إليه عندما ألَّف مجموعة من القراء آمنوا مثله بضرورة التجديد، فوضع أسلوبين مهمين للموالد، الأول يعتمد المنقبة التي تقام في المناسبات الحزينة، والثاني المنقبة التي تقام في الأفراح، واستفاد من الأغاني المشهورة الدارجة، فوضع لها كلمات مناسبة تقدم وصلات تكميلية، واعتمد المقام هيكلاً أو بناءً هندسياً لأنغامها وتخريجاتها، وفتح بذلك أفاقاً جديدة أمام القراء والمغنين على حد سواء لم تكن معروفة قبله.
أما الحاج عباس كمبير الشيخلي المولود عام 1883م في بغداد، فقد كان من طفولته شغوفاً بقراءة المقام، فشرع يسمع ويقلد ويسأل حتى تمكّن من أدواته النغمية والقواعدية، وأخذ يظهر في الحفلات والجالغيات، (الجالغي كلمة تركية أصلها جالغي طاقمي، أي جماعة الملاهي، وظلت هذه الكلمة مستعملة حتى اليوم في الفرقة التقليدية المؤلفة من عازفين اثنين على آلتي السنتور والجوزة وضابط إيقاع ومغنٍ) والشيخلي أفغاني الأصل، أخذ فن المقام عن خطّاب بن عمر، وأتم دراسته على يدي أحمد الزيدان البياتي، وهو ذو صوت رخيم، ولكن علمه بالمقام ضئيل على الرغم من أدائه الجيد في «التحرير» وضعيف في «الميانة». توفي الشيخلي عام 1967عن عمر يناهز السبعين عاماً. ويعد محمد القبانجي لدى العارفين بفن المقام من أشهر مغني المقام العراقي، إضافة إلى هاشم الرجب الباحث وقارئ المقامات القدير.

شخصيات موسيقية عراقية
ناظم الغزالي
صالح و داوود الكويتي
منير بشير
جميل بشير
سلمان شكر
غانم حداد
سالم حسين
حضير أبو عزيز
داخل حسن
ناصر حكيم
مائدة نزهت
انوار عبد الوهاب
عفيفة سكندر
زهور حسين
سليمة مراد
محمد القبانجي
حامد السعدي
فريدة محمد علي
كاظم الساهر
نصير شمة
أحمد مختار

الأبوذية
ثمة فن آخر يختلف عن المقام هو «الأبوذية»، وهو فن من فنون الغناء الشعبي العراقي، ويقوم أساساً على الشعر العامي، وقد كثر استعماله عند الأعراب، ولاسيما عند أهل البادية قبل أن يغزو المدن والحواضر، والأبوذية كلمة مركبة من «أبو» أي ذو أو صاحب، ومن «ذيه» وهي تخفيف «أذية» ومعناهما «صاحب الأذية»، وسمي كذلك لأنه لا ينظم إلا إذا تأثرت العواطف بتأثيرات الطبيعة. وقد ظهر هذا اللون نظماً وغناء في مناطق الجنوب العراقي. وأول من ابتكره وغناه «حسين العبادي»، وتاريخ ابتكاره يعود إلى عصر الانحطاط؛ لأن تركيبه الشعري يماثل الطابع المألوف للشعر العربي في عصر الانحطاط، وهو العصر الذي غلبت فيه الصنعة على الطبيعة. والأبوذية مثل «العتابا»، وللجناس أثر بارز في تركيبها الشعري، فهي مؤلفة من أربع شطرات، الثلاثة الأولى منها تنتهي بكلمة واحدة، متحدة في اللفظة مختلفة في المعنى، أما الشطر الرابع، فينتهي بياء مشددة وهاء مهملة، كقول الشاعر:

أهلن يا نسيم الروح يا الماس

على اللي شبهوا خده الورد بالماس

الورد يذبل يصاحب حين يلماس

وذا مهما تقبله احتمر ميه

لم يطرأ على الأبوذية منذ عُرفت أي تطور، إذ ظلت محافظة على طابعها الأصلي، وهي في الموضوعات التي تطرقت إليها لا تختلف عن موضوعات سائر الأغاني الشعبية، فهي دينية وغزلية ووصفية وحماسية وفخرية.
ليبقى الفن الموسيقي العراقي زاخراً ومتجدداً مرناً يحتوي كل زمان ومكان وموقف وحادثة ليميز نفسه عن اقرانه من الفنون الاخرى الموسيقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق