الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكونات الثلاثة المميتة للكيانية اللبنانية السائرة الى الانهيار

جورج حداد

2021 / 4 / 16
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إعداد: جورج حداد*


بعد مضي مئة سنة وسنة على تأسيس "دولة لبنان الكبير" لصاحبها الجنرال الفرنسي الغازي هنري غورو، فشلت هذه التركيبة، فشلا ذريعا، في تحقيق الهدف الجيوستراتيجي الاساسي الذي أوجدت لاجله، وهو انشاء "وطن قومي مسيحي متصهين"، تلتقي فيه وتتدامج مصالح الامبريالية الفرنسية والكتلة المالية الاحتكارية العالمية الاوروبية الكاثوليكية، مع مصالح اليهودية العالمية؛ وذلك على غرار ــ وفي تسابق مع ــ انشاء "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين، الذي التقت فيه وتدامجت مصالح اليهودية العالمية مع مصالح الامبريالية البريطانية (ولاحقا الاميركية) والكتلة المالية الاحتكارية العالمية الانجلو ـ ساكسونية، البروتستانتية.
والان يسير مشروع "دولة لبنان الكبير" نحو الاحتضار، الذي سيكون مقدمة تاريخية لاحتضار "دولة اسرائيل" ـ حجر الاساس لجميع كيانات تقسيم سايكس ـ بيكو، الذي ورثته الامبريالية الاميركية عن بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين.
وعبثا تحاول فرنسا الاستعمارية الان ان تنقذ سفينة الكيانية اللبنانية المفككة والمخلعة، من الغرق. والاقرب الى المنطق التاريخي القول ان فرنسا الاستعمارية ذاتها ستغرق، قبل ان تستطيع انقاذ الكيانية اللبنانية من الغرق.
وتجمع غالبية المحللين الان على القول ان الازمة اللبنانية الراهنة ليست ازمة مرحلية، بل هي ازمة وجودية تماما، عنوانها: هل تكون او لا تكون الكيانية اللبنانية الراهنة؟.
وهذا ما يجعل ارباب الكيانية اللبنانية الطائفيين ــ المذعورين حتى العظم ــ ينحطون الى درجة رفض الاوكسجين المقدم من سوريا لمساعدة المصابين بوباء كورونا، واتلاف الوف اطنان الطحين التي قدمها العراق كمساعدة للشعب اللبناني، ورفض شراء الوقود بالليرة اللبنانية من قبل العراق وايران، والامتناع عن قبول عروض التنمية الكبيرة، غير المشروطة، المقدمة من قبل الصين وروسيا. وكل هذه الجرائم ضد الشعب اللبناني ترتكب باسم "السيادة اللبنانية" المزعومة، والمحافظة على الهوية "الحضارية" الغربية للبنان.
وهذا ما يدفع هؤلاء الكيانيين ــ الطائفيين اللبنانيين، بدلا من كل ذلك، الى رفع شعار "الحياد" المزعوم، وفصل لبنان عن محيطه وانتمائه العربي، الا من خلال انظمة التطبيع مع اسرائيل، وحتى الى المطالبة بـ"تدويل" لبنان، واستدعاء الاحتلال الاجنبي للاراضي اللبنانية بحجة الحفاظ على "حياد لبنان" و"السيادة اللبنانية" المزعومة.
وكيفما كانت مخارج الازمة الراهنة لتشكيل الحكومة في لبنان، فإن ذلك لن يلغي ــ بل سيؤكد بشدة اكبر ــ الطابع الوجودي لازمة الكيانية اللبنانية. وأي تحليل علمي ــ تاريخي وموضوعي لهذه الازمة ينبغي ان يأخذ بالاعتبار، وينطلق، من المكونات السرطانية الثلاثة التي كُوّنت منها الكيانية اللبنانية، المعادية في الجوهر لوجود وحياة الجماهير الشعبية اللبنانية بمختلف فئاتها وطوائفها. وهذه المكونات السرطانية هي:
-1- الطائفية.
-2- الخيانة الوطنية.
-3- الفساد.
ولا بد من التأكيد ان هذه "الخصال" الثلاث لا توجد بشكل منفصل واحدة عن الاخرى، بل توجد بشكل متصل عضويا بعضها ببعض. فكل طائفي هو في الوقت ذاته خائن وطنيا وفاسد ــ مفسد. وكل خائن وطنيا هو فاسد وطائفي. وكل فاسد هو طائفي وخائن وطنيا. وهذه القنوات القذرة الثلاث تصب في مستنقع الارتباط والتبعية بالاستعمار والامبريالية والصهيونية والانظمة الرجعية النفطية والداعشية العربية.
وقد وجدت الكيانية اللبنانية بهذه المكونات السرطانية الثلاثة ليس صدفة واعتباطا، وليس دفاعا او ضمانا لمصلحة اي فئة او طائفة لبنانية، بل كادوات ووسائل رئيسية لانتاج مشروع "الوطن القومي المسيحي المتصهين" وملاحقه وزعانفه "الاسلامية"، تحت شعارات "العيش المشترك" و"الميثاق الوطني" و"الدمقراطية التوافقية". ووجود الكيانية اللبنانية هو متلازم مع وجود مكوناتها. فاذا ما سقطت هذه المكونات... تسقط حتما الكيانية اللبنانية.
ولعله من الضروري إلقاء نظرة على طبيعة وجود هذه الكيانية اللبنانية، من خلال كل من مكوناتها الوجودية:
اولا ـ لقد قامت الكيانية اللبنانية على "مبدأ اساسي" هو المحاصصة الطائفية.. مع اعطاء "افضلية" للطائفية المسيحية في جناحها الغربي، لما للنخبة القيادية في الطائفية المسيحية الغربية من علاقة تاريخية بالغرب الاستعماري. وكل شيء في الكيانية اللبنانية، حتى تركيب بلاطة رصيف في اي شارع في اي مدينة او قرية لبنانية، هو مرتبط بالمحاصصة الطائفية. ويسمون ذلك طبعا "التعايش المسيحي ــ الاسلامي" و"الاخاء الديني" و"الرسالة الى العالم" التي يقدمها لبنان، المذكور عشرات المرات في التوراة!!. فالانتماء للكيانية اللبنانية هو مرادف للانتماء الى المحاصصة الطائفية. ولا وجود البتة لهذا "اللبنانهم" الا بوجود نظام المحاصصة الطائفية، المأخوذ عن نظام الملل والنحل العثماني، وهو النظام الذي كرسه و"عصرنه" و"دستره" الاستعمار الفرنسي وشركاؤه وخلفاؤه.
ثانيا ـ قامت الكيانية اللبنانية على "مبدأ اساسي" ثان هو الخيانة الوطنية والتبعية والعمالة للاستعمار والامبريالية والصهيونية. فقد اعطيت الكلمة الاولى في "دولة لبنان الكبير" للسياسيين اللبنانيين "الكبار" (الآباء المؤسسين للدولة اللبنانية) الذين ساهموا في تشكيل "فيلق الشرق" في الجيش الفرنسي، اي "القوة المسلحة الفرنسية" المؤلفة من المتطوعين اللبنانيين والسوريين، وهو الفيلق ذاته الذي انبثقت عنه لاحقا القوات المسلحة، العسكرية والامنية، للدولة اللبنانية "المستقلة". وقد قاتل "المتطوعون اللبنانيون" الى جانب القوات الفرنسية الغازية في معركة ميسلون في اب 1920، التي اعلن على اثرها "استقلال" "دولة لبنان الكبير"، كما قاتلوا في صفوف القوات الاستعمارية الفرنسية ابان الثورة السورية الكبرى (1925 ـ 1927) التي امتدت الى بعض المناطق "اللبنانية".
وقد كتب حسن حمادة في جريدة "الاخبار" في 17 ايلول 2019، ان رئيس الجمهورية اللبنانية اميل ادة ورئيس مجلس الوزراء خيرالدين الاحدب، في 1938، كانا يؤيدان مشروع الوكالة اليهودية العالمية لتوطين اليهود الفارين من المانيا النازية في المنطقة الواقعة بين صيدا وصور، على ان تنضم هذه المنطقة لاسرائيل المزمع انشاؤها لاحقا، وذلك مقابل مبالغ من المال. وكان هذا المشروع يحظى بدعم رئيس الوزراء الفرنسي اليهودي ليون بلوم. ولكن المفوض السامي الفرنسي حينذاك دي مارتل، الذي كان يعارض توسيع نفوذ بريطانيا على حساب فرنسا، عطل هذا المشروع ووبخ اميل ادة وخيرالدين الاحدب.
كما نشر موقع ويكيليكس الفضائحي تقارير انجليزية عن العائلات اللبنانية من كبار الملاكين العقاريين، الذين باعوا اراض مساحتها الوف الدونمات في فلسطين، لليهود. ومن هذه العائلات: آل سرسق، آل سلام، آل تيان، آل تويني، آل الخوري، آل القباني، مدام عمران، آل الصباغ، محمد بيهم. كما جاء في تلك التقارير ان خير الدين الأحدب (رئيس وزراء) وصفي الدين قدورة وجوزف خديج وميشال سارجي ومراد دانا (يهودي) والياس الحاج أسسوا في بيروت، في 19/8/1935، شركة لشراء الأراضي في جنوب لبنان وفلسطين وبيعها لليهود.
وخلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان في 1982، سار الكيانيون "السياديون" اللبنانيون الخونة في ركاب المحتلين وقاتلوا الى جانبهم في بيروت والجنوب وكل لبنان، وقطعوا الكهرباء والماء والغذاء والدواء عن بيروت الغربية والضاحية الجنوبية اثناء الحصار الاسرائيلي لهما في صيف 1982، وبعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ارتكبوا مجزرة صبرا وشاتيلا، بحماية الجيش الاسرائيلي وبالتواطؤ مع المخابرات العربية المعنية.
وحينما فشلت اسرائيل في سحق المقاومة سنة 2006، فإن الخونة "السياديون" و"الحياديون" اللبنانيون شتموا المقاومة واقاموا المناحة وذرفوا الدموع علنا على هزيمة اسرائيل.
واليوم، على مشارف الهزيمة التاريخية في المنطقة، للامبريالية الاميركية والغربية واسرائيل والصهيونية، لا يتوانى الخونة الكيانيون عن استدعاء الاحتلال الاجنبي للبنان، تحت شعارات "التدويل" و"الحياد" و"السيادة اللبنانية" المزعومة.
ثالثا ـ في عهد الحكم الاجنبي "الاسلامي" للمنطقة العربية (ومنها لبنان)، اي في العهد الايوبي، فالمملوكي، فالعثماني، كان النظام الاجتماعي ـ الاقتصادي السائد نظاما اقطاعيا استبداديا من الطراز الشرقي، اي: جهاز دولة مستبدة منفصلة وغريبة عن الشعب، وشعب مقهور ومنهوب، منفصل وغريب عن الدولة. وكانت علاقة الدولة، بكل اتباعها المحليين (الامراء والولاة والباشاوات والبكوات والاغوات الخ)، بالشعب، علاقة استبداد وقتل وسلب ونهب "خارجي" و"فوقي". وفيما عدا هذا البلاء، كانت جماهير الشعب تعيش نظام اقتصاد طبيعي عائلي وقروي مغلق، يجتر نفسه او يعيد انتاج نفسه من جيل الى جيل. وكانت المقايضة العادلة والاخلاقية، والتكامل والتكافل الاجتماعي، هي السائدة في علاقات جماهير الشعب: المزارعين والحرفيين والمكارية والدكنجية والتجار الصغار. وفي ذلك النظام كان الفساد مستشريا في صفوف جهاز الدولة "الفوقية" و"الغريبة"، والطبقات والفئات الحاكمة والغنية المرتبطة بها. اما الجماهير الشعبية الفقيرة والمظلومة فبقيت محافظة على قيم الشرف والكرامة والتكافل الاجتماعي والاخلاق الشرقية والعربية الاصيلة.
ومع انهيار السلطنة العثمانية، انهار الى الابد ــ في لبنان ــ نظام الاستبداد الاقطاعي الشرقي. ومع تأسيس "دولة لبنان الكبير"، عملت الادارة الاستعمارية الفرنسية على إحلال النظام الرأسمالي في لبنان، بأبشع وأحط اشكاله، والقائم بكليته على الفساد والإفساد والغش والكذب والرشوة والنصب والاحتيال واللصوصية والسمسرات والصفقات المشبوهة. وفي غضون بضع سنوات، دخلت الرأسمالية (بكل اخلاقياتها المنحطة) في جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية الخ في لبنان. وكان الهدف الجيوستراتيجي من ذلك تسهيل مشروع تحويل لبنان الى "اسرائيل ثانية"، عن طريق اضعاف القوة او المناعة الاخلاقية الوطنية والحضارية للجماهير الشعبية اللبنانية، وتحويلها الى "خرقة بالية" ممزقة يمكن للرأسمالية الاحتكارية العالمية، اي الامبريالية، ان تمسح بها الارض ساعة تشاء.
وان الاعمى ذاته يرى اليوم ان كل ازمات لبنان المركبة الحالية، من تشكيل الحكومة الى التحقيق المالي الجنائي الى ثمن ربطة الخبز ترتبط بالفساد، وبالدولار، وبحاكمية البنك المركزي، اي ترتبط بالنظام الرأسمالي الذي فرضه في حينه الاستعمار الفرنسي على الكيان اللبناني. وبهدف تجويع وتركيع جماهير الشعب اللبناني، التي تحتضن المقاومة ضد اسرائيل والامبريالية والداعشية، يمنع الخونة "السياديون" اللبنانيون تشكيل حكومة "توافقية" لمواجهة اعباء الحكم ومكافحة الفساد، وفي الوقت ذاته يعارضون الشروع في التحقيق المالي الجنائي، بحجة ضرورة تشكيل الحكومة العتيدة التي يعرقلون هم تشكيلها..
والسؤال التاريخي اليوم هو: هل يمكن لهذه الكيانية اللبنانية ان تستمر بالوجود بدون مكوناتها الاساسية: الطائفية والخيانة الوطنية والنظام الرأسمالي الفاسد؟ وهل يمكن لجماهير الشعب اللبناني ان تستمر في العيش بوجود هذه الكيانية المرتبطة عضويا بالامبريالية الاميركية واليهودية العالمية والرجعية الداعشية العربية؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخونة يحاضرون في الوطنية
جورج حداد ( 2021 / 4 / 17 - 07:31 )
لا شك ان اوضاع الامة العربية هي اوضاع مأساوية بائسة ومتخلفة الى درجة ان تستطيع فصيلة استعمارية صغيرة هي اسرائيل ان تفرض نقسها كما نرى حتى الان على امة عريقة تعدادها اكثر من 300 مليون نسمة ووتمتد ارراضيها على مساحات شاسعة بين محيطين وثلاث قارات وتمتلك ثروات طبيعية تزيد بكثير عن الثروات الطبيعية للصين ذاتها وتكاد تضاهي ثروات روسيا. ولكن مهما كانت درجة مأساوية الاوضاع العربية ومنها لبنان فهذا لا يبرر ابدا خيار الخيانة الوطنية والاستسلام امام الامبريالية والصهيونية وتحميل االمقاومة للامبريالية والصهيونية مسؤولية الوضع المأساوي للامة العربية ومنها اليوم مأساة اليمن ومأساة لبنان. ان الذي يتحمل مسؤولية قتل اليمنيين بالجوع واذلال المواطنين اللبنانيين هو الامبريالية والصهيونية التي تمسك بزمام اقتصاد الدولار وتفرض على اليمن ولبنان الحصار. ولكن جماهير الشعب االلبناني البططل الذي هزم الاحتلال الاسرائيلي سينتصر اايضا ععلى الحرب الاقتصادية الحالية ولن يكون مصير الخونة الجعجعيين والسنيوريين افضل من مصير نوري السعيد الذي سحل في شوارع بغداد ذات يوم وانت ابشر يا سبينوزا الصهيوني

اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست