الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا من انذار خروشوف الى برغماتية بوتين

فالح الحمراني

2006 / 8 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


أعادت صحيفة روسية قبل ايام الى الأذهان مرور خمسين عاما على الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي اعلن فيه قرار تاميم قناة السويس ردا على سحب الولايات المتحدة وبريطانيا عرضهما بتمويل السد العالي، وما جره خلفه من أحداث تاريخية كبرى أسست لتغيرات عميقة في الموازين الإقليمية والدولية،لاسيما بعد شن فرنسا وبريطانيا وإسرائيل ما أطلق عليه العدوان الثلاثي على مصر. والمهم كان الحديث عن خلفيات الموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي بزعامة الرئيس الأسبق نيكيتا خرشوف، الذي تحرك بصورة سريعة خلال العدوان الثلاثي وهدد بالتدخل عسكريا إلى جانب مصر وطالب بوقف العدوان على مصر، وعزز مطالبته بوقف العدوان على مصر بارسال القوة البحرية المسلحة للبحر الابيض، فاستجابت الدول المعتدية حقا بوقف اطلاق النار. وقد فتح ذلك الابواب لدخول الاتحاد السوفيتي الى منطقة الشرق الاوسط التي كانت غالبية دولها خاضعة للدول الغربية. كان نيكتا خرشوف ذلك الزعيم الفريد بطبعه قادرا على السماح لنفسه بتوجيه الانذار لاؤلئك الذين يهددون المصالح السوفيتية، وكان صوت موسكو مسموعا لانها كانت قوية ولان القوى الدولية كانت تتحرك وفق قواعد معروفة مكتوبة او متفق عليها، كان عالم معروفا ومتوازنا.لقد اوقف انذار خروشوف العدوان على مصر وصب ذلك في مصلحة موسكو حيث عززت موقعها اقليميا وعالميا. ان السمة السائدة على ذلك العصر هي المواجهة على اكثر من صعيد. ولغة التهديد والوعيد والإنذار من مكونات خطابه. ووقف العالم على شفا حفرة من الهاوية النووية حينما ارسل خروشوف الصواريخ النووية لكوبا وهدد الرئيس الاميركي بعدم السماح لها من الاقتراب لشواطئ جمهورية " الحرية". وجرى ربط تلك الاحداث بما يجري اليوم في المنطقة خاصة على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية واحتمالات جر سوريا او ايران لحرب اقليمية واسعة النطاق.
واليوم وضمن الاصطفاف الدولي، والنظام الدولي الجديد فان موسكو لاتسمح لنفسها بتوجيه انذار للقوى التي تتطاول على مصالحها. لقد ابتلعت موسكو على مضض انسحاب امريكا من طرف من معاهدة سالت التي كانت الاساس للتوازن النووي في العالم خلال فترة الحرب الثانية، وتعايشت مع حقيقة توسيع حلف الناتو حتى تخومها وتغلغل قوى الغرب لمناطق مصالحها الحيوية في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق، واشعال ما يسمى بالثورات الملونة هناك لابعاد القوى الموالية لموسكو في عدد من الجمهوريات السوفيتية سابقا، واكتفت بالشعور بالصدمة حينما اتفقت اذربيجان مع الغرب على نقل نفط بحر قزوين في انابيب لاتمر بالاراضي الروسية مما ادى الى انحسار نفوذ موسكو ولم تحرك ساكن حينما بدات امريكا حرب على العراق الذي تعده من مناطق مصالحها الحيوية.
في كل هذه الحالات وغيرها لم يرفع الرئيس فلاديمير بوتين قبضته مهددا منذرا ومتوعدا ولم يضرب بحذائه في الامم المتحدة احتجاجا كما فعل خروشوف، لانه يدرك ان بلاده غير قادرة على الرد الذي يمكن ان يعود عليها بنتائج لايمكن التكهن بعواقب غير حميدة، وليس عليها وحسب. الرئيس بوتين يعمل الان على انهاض روسيا التي تسنم السلطة فيها وهي في حالة يرثي لها. ويصب الجهود لانجاز برنامجه الاستراتيجي في الانعاش الاقتصادي وتفعيل الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليم ويتجنب فتح مواجهات خارجية تصرفه عن جهوده الداخلية، وعلى خلفية ذلك يعمل على تهيئة روسيا لكافة الاحتمال بما في الرد على بانتاج صواريخ جديدة بعد ان قررت اميركا نصب الدفعات المضادة وعلى وقوف الناتو على تخوم روسيا بتعزيز القدرات العسكرية بما في ذلك النووية. لقد ادركت القيادة الروسية ان العالم تغير وان قواعد اللعبة الدولية قد تغيرات او بالاحرى لم تعد لها قواعد،ولابد من التكييف، ليس بمعنى الخضوع والتفريط بالمصالح فهناك خطوط حمراء، بل الاعداد لكافة الاحتمالات المقبلة، اما في الوقت الحاضر فينبغي تلافي التورط في المجابهات والمعارك مهما كان شكلها اقتصادية ام حربية.لقد بوتين ان عصر الانذارات او بالاحرى تحقيق الاهداف السياسية في هذا العصر بتوجيه الانذار قد ولى لان النتائج ستكون فادحة اكبر من تحقيق المصالح لان اية مواجهة تكلف ثمن باهض بالدرجة الأولى حياة الأبرياء والمدن ونزع الحياة التي وهبها الله تعالى لعباده. لان هناك اكثر قوة عسكرية واقتصادية تتحرك بعدوانية هنا وهناك وبإشكال مختلة.
ان بوتين ضمن هذا الإطار لايود فتح الجبهات مع أي طرف كان ويسعى تحقيق الاهداف بالتفاوض والإقناع وتقديم التنازلات وامتلاك أوراق رابحة يمكن اللعب فيها لنيل مكاسب لصالح بلده، وخلق اجواء يجد الطرف الاخر نفسه مضطرا لاخذ مصالح روسيا بنظر الاعتبار وتلبية واحترام مصالحها.أي تحقيق المصالح بالوسائل الدبلوماسية والسياسية. والادراك بان الدولة القوية اقتصاديا وتكنلوجيا والموحدة اجتماعيا وسياسيا التي لديها امكانات الردع قادرة على تحقيق مصالحها دون نزاعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دخل الاتحاد الأوروبي في مواجهة مع الجزائر؟ • فرانس 24 / F


.. الاتحاد الأوروبي يدين القيود الجزائرية المفروضة في حقه على ا




.. هانتر بايدن. ما صحة مزاعم تتهمه بالعنف والتحرش لجنسي؟ • فران


.. هل تقف مدريد وراء إطلاق الاتحاد الأوروبي إجراء بحق الجزائر؟




.. ما موقف الجزائر من إطلاق الاتحاد الأوروبي إجراء بحقها؟