الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قلوبنا سلام لفيروز

نائل الطوخي

2006 / 8 / 2
الادب والفن


تقوم فيروز بدور الصبية قرنفل في مسرحية "صح النوم"، تشكو للوالي سقوط سطح منزلها بسبب الأمطار، ولكن الوالي غير مبال، هو يصحو يوما و ينام تسعة و عشرين يوما. ليس التماثل بين اسمي فيروز و بيروت صوتيا فحسب، فمثل الصبية قرنفل، و بشكل ساخر، تنهار الآن منازل اللبنانيين فوق رؤوسهم، لا بسبب أمطار الرحمة و إنما بسبب القذائف الإسرائيلية، أمطار الصيف التي لم تغادر غزة حتى أمطرت فوق بيروت، و الضمير العالمي ينام طيلة أيام السنة و يصحو عندما يرتكب عمل ضد إسرائيل.
هذا التماثل بين فيروز و بيروت لم يحصرها في بقعتها الضيقة، فلعقود طويلة، ظلت ملهمة المثقفين و الكتاب و الفنانين في العالم العربي بأسره، لتصل إلى الحركة الأدبية الشابة الحالية في مصر. الشباب الذين تربوا على غنائها و على رمزيتها المكثفة للغاية. فهي في نظرهم المرأة التي تختصر مدينة و تاريخا.
يذكر الشاعر تامر فتحي عندما كان في التاسعة من عمره، أن أخاه كان يقتني شريط كاسيت عليه صورة جانبية لامرأة واجمة كأنها تنظر لشيء لا يراه احد سواها، تعجب وقتها كثيرا من تلك المرأة التي تغني عن بنت ذات أقدام حافية تريد أن تصعد إلي الشجرة العالية رغم أن خطابها كثيرون، ساعتها كان يري تلك البنت بأقدامها المتسخة ونهدها الناهد في استحياء ثمرات الليمون وملابسها المتربة وشعرها شبه المجعد، ووجهها الذي يحمل من المشاكسة نفس مقدار ما يحمل من البراءة. "اقتحمت فيروز مخيلتي الصغيرة ثم واصلت اقتحامها وتغلغلها، صارت طقسا أمارسه مع الكتابة ومع حماقات الاشتهاء الأولي. ومن ثمة راحت هذه المرأة تكبر، صار صوتها، خاصة مع موسيقي زياد رحباني، يزداد عمقا يشبه عمق المرأة التي تملك من الحب مقدار ما تملك من الحكمة، ومن الثورة مقدار ما تحمل من تأني الرؤية، ويزداد أيضا اتساقا مع حنين كنت أحسه تجاه أشيائي المحيطة، لكنها ظلت كما هي تنظر إلي الشيء الذي لا يراه احد سواها. "
في إحدى قصائده، يكتب الشاعر محمد أبو زيد "يا فيروز مدد". هو يتصورها قديسة، يسبغ عليها كل الصفات الرهبانية التي تقترن بصوتها الخاشع و وقفتها المتبتلة. يقول: "أول ما أحببته صورتها الزرقاء الساحرة، التي تبدو فيها كملاك حقيقي ، تحيطه هالة القديسين ، ملامحها الجادة وهي تغني ، غير المتجهمة و قسوتها أحيانها."
بالنسبة لجيل كامل من شباب المبدعين ينتمي إليهم محمد أبو زيد كان الوعي بالذات يقترن بحب فيروز. يقول: "في بداياتنا اكتشفنا أن اختلافنا يعني أن نحب فيروز، مع اكتشافنا لهموم الوطن أحببنا أغانيها التي رافقت اللبنانيين والعالم العربي منذ اندلاع الحرب عام 1975 ، شيئا فشيئا اكتشفنا أن فيروز تتسلل في كلمات قصائدنا ، لدرجة أنك لا تجد شاعرا ، أو روائيا من جيلنا لم يذكر في نص له فيروز وصوتها."
القاص و الروائي طارق إمام يتحدث عن علاقته المتأخرة بفيروز، و هي العلاقة المتأخرة لجيله كله: "وصلني صوت فيروز المتوهج بينما كنت المرأة الواقعية تشيخ في بيروت التي ظلت دائما مدينة خطرة.. ربما لهذا السبب بالذات كان الصوت مطالبا بألا يشيخ.. رغم كل المقادير المهيأة تماما لجسد فان." عندما وصلت فيروز إلى طارق إمام، كان زياد قد منحها جنونه بالفعل و جعلها تتنازل عن رومانسية زوجها و أخيه. يقول: " بينما كان زياد يمنح أمه بعضا من صخبه، يقربها لإيقاع أمثالي. أحببت "مش كاين هيك تكون"، و "كيفك إنت" و "ولا كيف". أحببت "صباح و مسا".. التي صاحبتني في قصة حب فاشلة.. فيروز التسعينيات كانت تصدح على قرع طبول أفريقية و موسيقى جاز مرتجلة و أمزجة موسيقية لم أعهدها في رسوخ فيروز القديمة.. فيروز أكثر نثرية و أقل انضباطا، كأنها تصغي للفوضى ذاتها التي أكتب في غمارها."
لا يتخيل طارق الآن ما تفعله فيروز. يخمن فقط: " ربما علي الآن أن أقنع نفسي بينما فيروز في ركن خافت الضوء تنصت للقصف أو تتهيأ لملاقاته.. أن ثمة أشياء تمنحك دائما مبررا لأن تغني، حتى لو توارت حياتك في خلفية المشهد".
أما القاصة أسماء ياسين فيكمن منجز فيروز الأساسي من وجهة نظرها في كونها تستطيع أن تجعلنا نصدق ما لا يصدق، تقرب الأسطورة منا. تقول: "حين تعرفت على فيروز وقعت فورا في إسار صوتها و موسيقا الرحابنة. أصبح سهلا أن أصدق فكرة وجود القمر، و اللوز الساقط من الشرفات، وروائح الياسمين المعبقة لكل ذرات الهواء. أصبح لدي أمل أن يعود الأحبة الراحلون منذ زمن بعيد."
تسترجع أسماء الأزمات السالفة التي عصفت بلبنان، و في كلها ظل صوت فيروز هو الموسيقى التصويرية للبنان: "في الحرب الماضية ظل صوتها عاليا صداحا رغم القصف و الدانات. لم توقفها الدهشة و لا الفزع. لم يوقفها تهاوي البيوت و العزائم أيضا. بيروت – المدينة يللي ما بتموت، هكذا قالت. وعدتنا وصدقناها." فمثل فيروز، السبعينية رائعة الصوت، و مثل أثار جبيل و الشواطئ التي لا تكل عن إنتاج الزبد، تؤمن أسماء بأن بيروت قادرة على الصمود.
أما الشاعر و الناقد الغنائي طارق هاشم فيسرد تاريخا طويلا شكلته فيروز عبر ما يزيد على خمسين عاما و خمسين ألبوما و أكثر و 12 مسرحية منها الشخص، عودة العسكر، جبال الصوان، ميس الريم و مسرحيات أخرى كثيرة، إضافة إلى أكثر من 400 أغنية توزعت ما بين الطقطوقة و الدور و الموشح و المونولوج".
لا يخلو ديوان لطارق هاشم من اسم فيروز و من أثرها عليه. يختصر هو إسهامها في أنه معها يمكن التجرد من الشر الصغير الذي يحاصرنا و من الهموم الصغيرة أيضا. لهذا يضيف قلقا: "حين وقعت بيروت تحت العدوان السافر من قبل هذه الدولة اللقيطة و المسماة بإسرائيل كان الرعب يملؤني على المواطن اللبناني و على أي إنسان في هذه البقعة و رعب إضافي على فيروز متسائلا ماذا تصنع فيروز الآن. هل تغني و هل سنتذكر معها "لبيروت" و "بحبك يا لبنان" و أغنيات اخرى غنتها في حب وطنها أم ترى هل تسكت فيروز. هل تفضل الصمت حرقا أم اختارت أن تلتقي بلبنانها في خلاء خاص. أم ستعود لتنزع عنا كآبتنا و شعورنا بسواد قد يطول؟"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب