الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصور العقل الغربي -حداثيا-؟/1

عبدالامير الركابي

2021 / 4 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


منذ اكثر من قرنين، عاشت اوربا والعالم شكلا من اشكال "الانتكاس الاعقالي المزدوج" رافق الادراكية المتاحة المرافقة لظاهرة هامة واساسية على مستوى المنجز العقلي على المستويات المختلفة، تداخلت مع انتقالة تاريخيه فاصلة على مستوى الإنتاج، من اليدوية الى الالية، وبدلا عن ان يخلص الغرب العقل البشري وقتها مما علق به من قصور تاريخي لازم وعيه للظاهرة المجتمعية ومنظوياتها، تركز منجزه في عنوان اوحد راهني، وجدت فيه اوربا نفسها والعالم، عرف بمفاهيم "العصر الحديث"، تمييزا له عن الفترات والمحطات التاريخيه التي سبقته، بحيث صار العالم طورين وتاريخين، هما ماقبل الحداثة الاوربية، ومابعدها، مع كل مايتصل بالحدث الكبير من افاق، ومن انفتاح وسائل وممكنات بدت هائلة على مستوى العيش واجمالي الحياة البشرية.
المتغير المنوه عنه لم تتوفر الأسباب، ولا سبق ان وضع تحت مجهر النظر بما خص ملائمه موضوعاته، واشكال الاعقال التي تولدت عنه، بالحقيقة الاشمل، ومدى قربه منها، او ابتعاده عنها،وهو مالم يكن متاحا ضمن اشتراطات اللحظة والمكان، ماقد ابقى ماهومؤجل ومسكوت عنه الى اللحظة الحالية، وتلك مسالة قد توضع في باب البداهة والمعتاد، فالعقل البشري بالطبيعة والتكوين، ومن حيث اليات تفاعليته مع الظواهر المجتمعية، محكوم لقانون ظل يفرض عليه التفارق والتأخر عن المتحقق خارجه وباستقلال عنه، فهو لم يدرك ومايزال على سبيل المثال، منطويات الظاهرة المجتمعية حتى بابسط واوليات بنيتها الابتدائية التاسيسية، وبناء عليه فانه لم يكن عند حصول المتغير الأوربي "الحديث"، قد وجد في وضع يؤهله لادراك حقيقة ماهو حاصل وقتها، ومنطوياته الاعمق والاشمل، الامر الذي كان يتطلب ـ وبعكس ماهو شائع ـ تراكما في الاختبار والتجربة، وفي درجات الاستيعاب ومساراتها، قبل ان يصير بالإمكان القول بان حالة الاعقال صارت ناضجة على طرفي، الحدث الانقلابي التراكمي، والاستيعاء العقلي.
يعني ذلك ان اشكال الوعي الابتدائي المرافقه للظاهرة مدار البحث، كانت استهلالا اقرب لان يكون مجرد تحسسات خاضعه لنوع من الانعكاسية والرغبوية المفتقرة لمقومات النظر الموضوعي، هذا بوجه عام واجمالي، بدون تفاصيل تخص علاقة العقل الأساس بالوجود الذي هو في غمرته، ومتصير ارتقاء داخله وضمن بوتقته، والمقصود هنا الموروث المحمول عقلا ووجودا من تاريخ العجز والقصور العقلي التاريخي إزاء الظاهرة المجتمعية، وهو ماقد تنبه له من بعض النواحي العقل الغربي الحديث وهويحاول ان يكتشف، وان تلمسا، ماقصد ب "علم الاجتماع" تحت واجهة تقول وتظهر وجها من وجوه المفارقة والنكوص العقلي الطويل الأمد، كما متمثل في عجز العقل البشري عن مقاربة "الظاهرة المجتمعية" بداهة، وكمظهر من المظاهر والخاصيات الملازمة لوجود الكائن البشري المجتمعي.
كل هذا ينبه الى ان ماكان العقل بصدده وواجهه مع الانقلابيه المعاصرة الاوربيه، ضخم وخطير من جهة التراكم والتقليد، او الخاصية التفارقية المستمر كخاصية ملحقة بالعقل وعلاقته بالوجود واعقاله، ومايمكن ان يكون عليه، او يتعامل معه اذا كان هذا من نوع وصنف الانتقالية الاستثنائية التي حلت على الغرب، بانتقاله الى الالية المصنعية البرجوازية، ولابد لنا هنا من ان نوازن بين طرفين، حال موضوعي انقلابي، يقابله عقل لم يعرف انقلابيه مساوية من حيث حدود الإحاطة المتاحة، بذاته، في الوقت الذي لم يعرف عنه كينونة انه قابل، او يمكن ان يكون استباقيا من حيث طبيعة علاقتة بالاشياء والظواهر، بقدر ماهو حاجة متشكله ومتصيرة ضمنها، ووفق نوع علاقة، المادة فيها هي الأول والمنطلق.
لو عدنا الى البدايات المجتمعية، والى الطور اليدوي من تاريخ الكائن البشري، واردنا ان نتوقف امام حالة او مجمل عمليه "الاعقال" البدئي البكوري العقلي، التي لاحياة ولاعلاقة بالوجود من دونها حينها، فان مانجده ومانعثر عليه في نهاية البحث، هوحصيلة اعقالية تلبي الضرورات الأساسية، من دون اشتراطات الادراكية الكليه، فالظاهرة المجتمعية بجوهرها وحقيقتها لم يحدث ان تعرف عليها العقل البشري، لافي الطور الابتدائي البكوري التاسيسي، ولا اليوم، الامر الذي مايزال سرا ومهمه مؤجله، وهذا ينسحب كما نوهنا، على حالة العقل الباقية الى اللحظة، ومايكتنف بناء عليه علاقته بالتحول النوعي الجديد الحاصل اليوم.
لكن الحالتين ليستا متساويتين، او من نفس النوع على صعيد المترتبات والنتائج، او بالأحرى المنطويات، فطور الإنتاجية اليدوية من حيث ابرز خاصياته، يمتاز بالتوافقية المنتجية المجتمعية، أي ان الجانبين ينشآن بالاصل متناغمين، ولا يعرفان سوى في حالة واحدة( حالة نمط الازدواجي لما بين النهرين )، تنافرا يصل بالمنتجية لما يقرب من "العيش على حافة الفناء"، تظل محكومة لاليات اليدوية المفتقرة الى العنصر الإضافي عدا(اليد والماء والأرض) كما هي حال الالة التي هي عنصر مختلف، مغير للعلاقة الثلاثية، ومخلخل لها، بالاخص من حيث كونه مغر بإمكانية التدخل في مساراتها، ونوع الياتها، وعملها، ماقد يشجع الكائن البشري، ويمنحه القدرة على الطموح الى التحكم بمسارات العمليه الإنتاجية، ووجهتها، مع كل مالمثل هذا الإحساس ومايترتب عليه من اختلال في التركيب التقليدي المجتمعي، على مستويات الشكل والتراتبيه، بمعنى اختلاف الحالتين عن بعضهما جوهرا، مالا يمنع الاعتقاد بمختلف الاحتمالات او التوقعات، بما فيها تلك الفنائية.
لم يخطر الاحتمال التشاؤمي أعلاه على البال، ليس من باب علو مستوى الادراكية، بل جاء ببساطة من رضوخ العقل للماضي، فالالة واحتمالاتها، نظر لها اليوم لابذاتها وكما هي مجردة، بل بناء على، وبالمقارنة بماسبق، أي بالطور اليدوي من المنتجية المجتمعية كمصدر قياس، ومثل هذا المنطلق وزاوية النظر، كان له مايسوغه ويعززه بالمقارنه الشكليه والاعتباط الذي يمكن ان يتكرس عن طريق سذاجات ونواقص تكوينه انسايوانيه، من نوع تضخم المنتجية، ومستوى القدرة والطاقة التي يتيحها العامل المستجد على مستوى مايعرف ب "الثروة"، بالاخص ابان البدايات خلال القرن التاسع عشر، قبل ان يأتي القرن العشرين وتتبين الجوانب المكربة من ملازمات واثار المتغير الجديد، معتقديا تفكريا، وعلى صعيد الممارسات التدميرية الكوكبيه، ومنها الحروب العالمية المدمرة، ناهيك عن شتى الفظائع والمظالم، والابادات المرتكبة باسم "التقدم" و"العصر" واستعماره، والاجحافية المطلقة على مستوى الكوكب بحق الغالبيه من أمم وشعوب المعمورة، وبالحصيلة انعدام أي مظهر من مظاهر العصرنه المتداولة على صعيد، وفي مجال العلاقة بين الكائنات البشرية، وصولا مع النصف الثاني من القرن العشرين، الى تبين نذر الدمار الذي يتعرض له الكوكب الأرضي حتى بدون حروب، بعد ماصار يتكشف من حرب قضاء على البيئة،ومدى واحتمالية استمرار صلاحيه الأرض للسكن.
على سبيل الاختبار الافتراضي، فان من الأفكار التي اشاعها الغرب، مسالة العلاقه بين الواقع والفكر او مايعرف بالبنيتين الادنى والاعلى، مع مايرافقها من اعتباط وآلية تقول باعتبار العقل وسيلة او عنصرا يوجد جاهزا او مكتملا، مع اطراح جانب التصيرية العقلية الاجبارية ضمن المجتمعية وشرط ارتقائها بالتفاعل معها، ماقد يجعل الوعي او الادراك متعذر، والطاقة العقلية قاصرة ولازمان طويله، فالعقل وجد ضمن المجتمعات ابتداء بحالة اولية، وظل غير مهيأ على مدى الاف السنين، لادراك ماهي الظاهرة المجتمعية، وتحديدا منطواها واغراضها، والعقل البشري الأوربي مع انبثاق الاله، عجز اليوم أيضا عن ان يتعرف عليها، وعلى اثرماهو مستجد وانبثق بمناسبة انقلابيه فاصلة داخلها، عدا انعكاس منطوياتها المحتمله، بينما كان مفروضا عليه ان يعيش في غمرتها، ويتعرف بالملموس على مكنونها، قبل ان يرتقي لمستوى ماتفرضه وماتتطلبة من اشكال اعقال، فالعقل واشتغاله ليس اليا، ولا انعكاسيا تصويريا، وتطوره واليات تصيّره، ابعد بما لايقاس من ان تلخص في موضوعة من نوع الانعكاس الاني اللحظوي المباشر،بالاخص بازء المتغيرات النوعيه العظمى.
وفي الملاحظة لما هو بين عيانا، نجد ان العقل الأوربي والبشري الحديث، قد ركز همه في صياغة "الايديلوجيا الالية"، المنصبة في الاعقال المتاح للظاهرة الحاضرة، بينما هو لم يذهب ولاتبين انه بصدد حل الاشكال الاولي البدئي، المتاتي من تأخر ونكوص العقل على مستوى استيعاب الظاهرة المجتمعية، هذا اذا لم يكن هو قد قبلها واعتمد عبورها والتغاضي عنها كمعضلة واجبة الحل، قبل التوفر على قراءة الحاضر والقياسات المستعملة لتقييمه، والتعرف على نوعه، بما كان قد أتاح و كرس بالاجمال، نوعا أساسيا متغلبا من الاعقال يمكن تسميته "الايديلوجي الالي"، مافوق، والشامل لما معروف من "ايديلوجيات" متداولة، بما هي مظاهر تفصيليه لانتكاسة عقلية غربيه معاصرة. خلفيتها مرتكز ايديلوجي اعم هو "الايديلوجيا الالية" المفعمة بتكرارالتجلي الراسخ الموروث الايهامي، الذي يهرب عمليا من محاولة معرفة المنطوى الالي بذاته مجتمعيا، لاستمرار قصوره ازاءه، ليقع في الحصيله تحت وطاة مفعوله دليلا علة تكرار نكوصي متصاغر دون المنجز الجديد.
استعجل الغرب تحت طائلة القصور العقلي الموروث، والميل البداهي للغلبه وتامينها واقعا، باعلانه وسعيه لتكريس مفهوم "الحداثة" المتلازمة مع الالة،كدلالة ايهامية، ترافق الانقلاب البرجوازي، فوضع عنوانا، المفترض انه واجهه مستقبلية لما لم يكن حدث بعد، واعتبره نافذا من ساعته وقبل ان تتسنى او تتاح الفرصة الضرورية، والاختبار الزمني اللزومي لاجل اماطة اللثام عن حقيقة المتغير المستجد، ومايخبئه وينطوي عليه. الى ان تحول السياق المشار له، الى عقيدة وجودية، وحالة حضور تغلبي، نزاع للسيادة خارج الأسس، أو المفترض والمطلوب على مستوى الوجود، وعلاقة المنجز المستجد به وبمساراته.
وفي التفاصل يمكن ان نلحظ نقيصة فادحه، استمر العقل الغربي يمارسها بما يشبه الخديعة للذات، ابرز وجوهها عدم فصل الطبقية عن الاله، وكمثال ابرز، الإصرار البداهي على القول بالثورة، او الانقلابيه "البرجوازية"، من دون تبيان حدود الطبقي، وحدود الالي في الانقلاب الحديث، ومامدى ونقطة حضور الالية باستقلال وتجرد عن "الطبقية"، مع مايفترض او يرافق ذلك من تميز نوعي لماهو حاصل مع الانقلاب الراهن، بالنسبة للطبقة "كطبقة"، الامر الذي لابد من العودة لاحالته الى نوعي الإنتاجية، والصله بينها وبين الطبقة، في الحالة او الزمن اليدوي، قبل ماحل محله اليوم من حضور الاله النوعي، وماقد يكون منطويا عليه من متغير جدير بالانتباه والتنويه، بالاخص لناحية توفير الاله لعنصر التدخليه الارادية البشرية في العملية الإنتاجية، أي انتقالها الى حالة نوعيه جديده من علاقة الكائن البشري والطبقة، بالعملية الإنتاجية، ليس من غير الوجيه التفكير بانه قد يتضمن احتمال الغاء الخاصية الطبقية في موضع وجودها النموذجي ؟.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE