الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيرورة التكوين العقلي لشخصية الجلاد

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هي الآليات العقلية التي تحكم التكوين البنيوي والوظيفي للجلادين والجلاوزة والعسس والبصاصين في النظم الاستبدادية على اختلاف أشكال تلك النظم وتلاوينها؟

مصعب قاسم عزاوي: حد الشعرة الفاصل بين السواء العقلي والانحراف المرضي يكمن في نجاح آليات الدفاع العقلي في الحفاظ على اتساق وتوازن مرهف بين ما يعتقد به الإنسان وبين ظروف وحقيقة واقعه الذي يعيش فيه. وإن أخفقت آليات الدفاع العقلي تلك في القيام بعملها المناط بها بشكل عقلاني و رشيد و موضوعي في آن معاً، فإن ذلك يفسح الفرصة لاستنهاض آلية دفاعية عقلية نكوصية من جعبة آليات الدفاع العقلي في الدماغ البشري تدعى «الكبت المعرفي الانتقائي» لتعمل على تعمية الحقائق التي تؤكد معرفة الإنسان المسبقة بخطل وزيف تلك التبريرات التلفيقية التي قد يقنع نفسه بها لغايات تكيفية أو انتهازية في نسق صيرورة تكون شخصية الجلاد؛ وهو ما يعني عملياً تسيد «نهج كبت العقلانية و الرشاد»، وتعزيز ذلك عبر آليات «الدفاع البيولوجي في الدماغ القديم» الذي يشترك فيه البشر مع كل أقرانهم من الكائنات الحية من الفقاريات، ويدعوه العلماء «دماغ السحالي» في بعض الأحيان، وهو الذي يشتغل أساساً وفق آليات التعزيز بالمكافأة، حيث يصبح السعي لإدراك المكسب والمغنم «ضالة العقل و سدرة منتهاه» بعد أن نَزَعت آليات «العقلنة السلبية النكوصية التلفيقية التبريرية» و«الكبت المعرفي الانتقائي» صفة اللاأخلاقية عن سلوك الجلاد ناظراً إلى نفسه، و أصبحت رافعة لتعزيز و توطيد و استشراب تلك التبريرات الخلبية، لتصبح بعد فترة من الزمن نموذجاً من الوعي والمنظار المعرفي لصاحبها، يحاكم من خلاله كل مسألة أخلاقية أخرى، ودون أن يكون الوصول إلى نفس النتائج التلفيقية بأشكال و تلاوين متعددة لا تغير من جوهرها شبه المتطابق أمراً صعباً، خاصة بعد أن تمت تنحية آليات «العقلنة الإيجابية و التفكير الموضوعي المنطقي» وفق آليات «الانطفاء العصبي في الدماغ البشري» لعلة وجود آلية منافسة أقوى أسست لتعزيز و توطيد العطب لعقلي و الوجداني و النفسي بأشكاله المختلفة في كينونة الجلاد البنيوية و الوظيفية.
وبشكل أكثر تبئيراً حول صيرورة تخليق الانتهازيين والجلادين فإن هناك آليتان عقليتان مهمتان تسريان في ركاب تلك الصيرورة، الأولى تدعى «العقلنة السلبية النكوصية»، والثانية هي «الاستبطان والاستشراب» لناتج تلك الآلية الأولى. والعقلنة السلبية النكوصية تفصح عن نفسها هنا بكونها أداة «للتبرير واستنباط حلول تلفيقية» لصراع بين الوعي والمصالح الشخصية الآنية. وهي آلية تجد مثالها الوصفي عندما يميل شخص ما للقيام بفعل ما يحقق له مكسباً ومنفعة، ويعرف حق المعرفة بأنه خطأ من الناحية الأخلاقية، فهنا لا بد من آلية دفاع عقلي لتحافظ على توازن الفرد و استقرار منظاره إلى ذاته و تقييمه لها، و أول تلك الآليات الحاضرة في أدمغة بني البشر هي العقلنة، فهي إما أن تؤدي بصاحبها لرفض تلك المنفعة والمغنم لعدم أخلاقيتها، و في هذا السياق تصبح العقلنة «إيجابية رشيدة»، أو تفضي إلى الاستسلام وإقناع الذات باختلاق مبررات تلفيقية بصحة القيام بذلك الفعل بالاستناد إلى نموذج «العقلنة السلبية» كأداة دفاعية نكوصية يتم تعزيزها مرة تلو الأخرى بمكاسب ومكافآت جمة مرتبطة وناتجة عن ذلك الفعل الذي كان في البداية تحدياً أخلاقياً ثم أصبح ضالة ينشدها مرتكبها في كل تفاصيل حياته للوصول إلى تلك المكاسب و المنافع. ويمكن إيراد مثال أكثر تشخيصاً عن ذلك النموذج في شخص الجلاد الذي قد يجد صعوبة في تعذيب إنسان آخر قد يكون جاره أو زميله في سابق الأيام، فيقوم بإقناع نفسه بأن ما يقوم به «حق زلال» الهدف الوحيد منه «حماية الوطن من المخربين» في استبطان استسهالي لخطاب المستبدين، وهو أحد أبسط الآليات الدفاعية العقلية البدائية، التي لا تستدعي جهداً عقلياً نقدياً، وإنما قبولاً لجملة من الأفكار والمعتقدات على عواهنها ما دامت تلبي حاجة غريزية أو نفعية لدى من يتبناها، ومن ثم الشروع في نسق آليات «العقلنة السلبية» لتوطيد ما تم استبطانه من آراء ومعتقدات، ولتبرير ذلك الفعل اللاأخلاقي، والذي ترفضه غريزة الإنسان في الحفاظ على النوع الإنساني، والذي يميل إلى إنقاذ الملهوف، وإغاثة المتوجع، وتحسس آلام الضعيف، و الذي لولا تلك النوازع الفطرية العضوية المبتناة في عمق الدارات الدماغية لبني البشر لما تمكن البشر من عبور رحلة تطور الجنس البشري الطويلة و العاصفة و المترعة بأكداس هائلة من المصاعب و التي امتدت على سبعة ملايين من السنين، وليكون ذلك «التبرير و التلفيق العقلي» مقدمة للاستحصال على مكتسبات الانخراط في عديد «جلادي ومرتزقة وانتهازيي الاستبداد» وما يجلبه ذلك من سلطة و ثروة ومنافع شخصية أخرى، تتحول بدورها إلى مكافآت تعزز من يقين ذلك الجلاد «التلفيقي» بصحة ما يقوم به من أفعال و ما تفضي إليه من مفاعيل، وتقوده تدريجياً إلى التحول وفق آليات «دماغ السحالي» التي يحكمها البحث الدائب عن «المكافأة» إلى جلاد محترف وقاتل بدم بارد، لا يرى ضيراً في القيام بكل ما ينافي الطبيعة الإنسانية للحفاظ على تلك المكتسبات و«المكافآت» التي تصبح بعد حين ضالة لا يمكن لدماغه المؤوف العيش من دونها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ