الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام الظلام - وجهة نظر صحفي من ها آرتس حول الحرب

جدعون ليفي

2006 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الحرب هي الحرب: اسرائيل آخذة في الغرق في اجواء شوفينية حماسية والظلام آخذ في تغطية كل شيء. الكوابح التي بقيت لدينا آخذة في الذوبان والبلادة الحسية والعمى اللذان ميزا المجتمع الاسرائيلي في السنوات الاخيرة آخذان في التعاظم والاشتداد. الجبهة الداخلية التي يكثرون الثناء عليها بترت الى اثنين: الشمال المثخن بالجروح والوسط اللامبالي. لكن النغمة الحماسية القاسية المشبعة برغبة الانتقام تسيطر على المكانين. الاصوات المتطرفة التي اقتصرت في السابق على الهوامش صارت الآن تنبعث من الوسط: اليسار يضل طريقه مرة أخرى. ويتلفع بالصمت او "يعترف باخطائه". اسرائيل تظهر وجهاً واحداً ذا ملامح قومية شوفينية.
الدمار الذي نزرعه في لبنان لا يهم أحداً تقريباً وغالبيته لا تظهر أمام أعين الاسرائيليين. من يريد ان يعرف كيف تبدو الآن مدينة صور عليه ان يتنقل بين القنوات الاجنبية. مراسل (هيئة الاذاعة البريطانية) البي بي سي يورد من هناك صوراً تقشعر لها الابدان ولا يتسنى لنا ان نرى مثلها عندنا. كيف يعقل ألا نشعر بالصدمة من معاناة الطرف الآخر الفظيعة التي الحقناها به حتى في الوقت الذي يعاني فيه شمالنا؟ اما القتل الذي نزرعه في هذه الايام في غزة أيضاً - قرابة 120 قتيلاً منذ خطف (الجندي) جلعاد شليت و27 قتيلاً في يوم الاربعاء الآخر وحده – فأقل تأثيراً في نفوسنا. مستشفيات غزة مليئة بالأطفال المحروقين ولكن من يبالي؟ ظلام الحرب في الشمال يغطي عليهم أيضاً.
منذ اعتدنا الاعتقاد ان العقاب الجماعي هو سلاح مشروع في أيدينا لم يعد غريباً ألا تثير معاقبة لبنان كله بصورة وحشية عن أعمال "حزب الله" اي نقاش أو جدل عندنا. ان كان ذلك مسموحاً في نابلس فلم لا يكون كذلك في بيروت؟ الانتقاد الوحيد الذي يتعالى ضد الحرب موجه الى الخطوات التكتيكية – كل واحد هو جنرال الآن – وهم يزجون بالجيش حتى يعمق عملياته. المحللون والجنرالات المتقاعدون والسياسيون يتنافسون في ما بينهم في طرح الاقتراحات المتطرفة. حاييم رامون "لا يفهم" كيف ان بعلبك لا تزال مضاءة. وايلي يشاي يقترح تحويل جنوب لبنان "صندوقاً رملياً". المراسل العسكري يؤاف ليمور من القناة الأولى يقترح عرض جثث مقاتلي حزب الله وقد تم القيام بمسيرة لاسراه وهم في ملابسهم الداخلية حتى "يعزز معنويات الجبهة الداخلية". ليس من الصعب ان نتخيل ما الذي كنا سنقوله عن قناة فضائية عربية لو ان مراسلها قال ما قاله مراسلنا العسكري ليمور. ولكن مع مزيد من خسائر الجيش الاسرائيلي واخفاقاته سرعان ما ستتحقق اقتراحات ليمور البائسة. وهل هناك اشارة اكثر وضوحا من فقدان النزعة الانسانية والعقلانية؟
الشوفينية ونزعة الانتقام يرفعان عقيرتهما. ان كانت شخصيات هذيانية مثل حاخام صفد الرئيس شموئيل الياهو فقط هي التي نادت "بازالة كل قرية تطلق منها النار على اسرائيل" فقد بات ذلك الامر شعارا ينادي به كل ضابط كبير في الجيش. ربما لم يتم تدمير قرى لبنانية عن بكرة ابيها، الا اننا استطعنا حتى الآن تدمير خطوطنا الحمر. اب ثكل ابنه وهو حاييم ابراهام وكان حزب الله قد خطف ابنه وقتله عام 2000 يطلق قذيفة امام وسائل الاعلام على جنوب لبنان انتقاما لمقتل ابنه. صورته وهو يمسك بالقذيفة المجيدة هي احدى الصور المشينة لهذه الحرب وهي لا تزال في بدايتها. مجموعة من الفتيات تلتقط صورة وهي تكتب امورا مروعة على قذائف الجيش. صفحات "فوكس" الاسرائيلية و"معاريف" المزينة بشعار شوفيني يذكّر بآلة دعاية هابطة بدرجة استثنائية "اسرائيل قوية" هي دلالة على ان اسرائيل ضعيفة وفي الوقت نفسه يأتي محلل تلفزيوني ليدعو الى قصف محطة تلفزيونية معادية.
لبنان الذي لم يقاتل قط ضد اسرائيل الدولة ذات الاربعين صحيفة يومية و32 جامعة ومئة بنك تدمر الآن تحت جحافل طائراتنا ولا يأخذ احد عندنا في الحسبان ثمن الكراهية التي نزرعها بايدينا. صورة اسرائيل في الرأي العام العالمي تتحول غولا. هذه مسألة لا تحسب بعد في ميزانية هذه الحرب. اسرائيل ملطخة بوصمات اخلاقية ثقيلة لن تزول بسرعة وعندنا فقط يرفضون رؤيتها.
الشعب يريد الانتصار ولا يعرف احد ما هو ثمن الحرب. الحرب التي لا توصل ابدا الى حسم نهائي تتورط وتتعقد من غير ان يعرف احد نهايتها.
اليسار الصهيوني تحول في مواجهة كل هذه الامور طرفا غير ذي صلة. اليسار فشل هذه المرة في مثل كل المفترقات (الانتفاضتين) في اللحظة التي يصير فيها صوته حيويا وضروريا كوزن مقابل ومعادل لطبول الحرب، ولماذا نحتاج الى هذا اليسار اذا كان ينضم الى الجوقة الوطنية في كل محك حقيقي؟ حزب العمل يظهر مرة اخرى كشريك تابع لكل حكومة وحتى يولي تمير او شيلي يحيموفيتش لم تعودا تنبسان ببنت شفة. "السلام الآن" صامتة صمت القبور و"ميرتس" صامتة في ما عدا زهافا غالؤون الشجاعة. اليسار المتطرف وحده هو الذي يصرخ، لكن احدا لا يصغي الى صوته هنا. والظلام يخيم على شفا الهاوية السحيقة. من قبل ان تحسم الحرب بكثير يمكن القول من الآن ان العمى الاخلاقي الآخذ في التفشي عندنا هو جزء من الثمن المترتب عليها وهو يهدد وجودنا وصورتنا بدرجة لا تقل عن تهديد الكاتيوشا التي يطلقها حزب الله.
ترجمة : رندى حيدر ـ النهار









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا