الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوال السعداوي : كاتبة ناضلت طوال حياتها ضد إضطهاد النساء ، 1931-2021

شادي الشماوي

2021 / 4 / 21
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


جريدة " الثورة " عدد 694 ، 5 أفريل 2021
https://revcom.us/a/694/nawal-el-saadawi-writer-and-lifelong-fighter-against-womens-oppression-en.html

( كلمة لمترجم المقال : بعد شهر من تغييب الموت الكاتبة المناضلة من أجل حقوق النساء بوجه خاص ، نتوجّه بتحيّة إكبار لها و لنضالاتها و ذلك من خلال ترجمة مقال عنها صدر بجريدة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية .)
----------------------
قالوا: " إنّك امرأة شرسة و خطيرة " [ فأجبت : ] " أنا أقول الحقيقة . و الحقيقة شرسة و خطيرة " – نوال السعداوي .
--------------------
توفّيت نوال السعداوي ، الكاتبة المصريّة و الطبيبة المحبوبة و المدافعة ببسالة عن حقوق النساء في 21 مارس 2021 بالقاهرة . و بجسارة و نشاط و مهارة فنّية ، رفعت راية الحقيقة بخصوص إضطهاد النساء .
و أثناء تأبينها ، إعتُبرت " المرأة المصريّة النسويّة الأكثر راديكاليّة و علمانيّة " و " رائدة تحرير المرأة " ى البلدان العربيّة و عالميّا . و قد ألّفت أكثر من خمسين كتاب في الرواية و القصّة و غيرهما و منها " امرأة عند نقطة الصفر " و " الوجه الخفيّ لحوّاء " و " مذكّراتى في سجن النساء ". و قد تمّت ترجمة أعمالها إلى عشرات اللغات ... و ألهبت القلوب و العقول .
و ترافقت الجسارة الفكريّة التي عُرفت بها السعداوي في بحثها بشأن و تشهيرها الشامل بعدّة أشكال من إضطهاد النساء مع إستخفافها بالتبعات الشخصيّة لذلك عليها و منها قمعها و سجنها من طرف السلطات المصريّة و حياتها تحت طائلة التهديدات بالقتل على يد المتزمّتين الدينيّين .
وُلدت نوال السعداوي في أسرة ريفيّة في المنطقة الفلاحيّة لمصبّ نهر النيلل في البحر الأبيض المتوسّط . و كان عمرها ستّ سنوات لمّا إنتزعت من فراشها وسط الليل و دُفعت دفعا إلى حوض حمّام تعرّضت فيه إلى ختان الإناث و كانت أمّها إلى جانبها . و بُعيد ذلك ، سعت جدّتها إلى تلقينها " وقائع الحياة " قائلة لها إنّ " صبيّا يساوى 15 صبيّة ". و قد تملّكها الغضب ، كتبت نوال أوّل نصّ لها بمثابة رسالة إلى الإلاه متحدّية إيّاه أن يشرح لها لماذا يُعامل النساء معاملة مغايرة لمعاملة النساء . و في معرض كتاب سنة 2014 ، ذكّرت بأنّه " لم يردّ أبدا على رسالتى فقلت له : " إذا لم تكن عادلا ، أنا غير مستعدّة للإيمان بك ".
تحدّى التقاليد الإستعباديّة و السلطات الرجعيّة
في كتبها " الوجه الخفيذ لحوّاء " ، فضحت السعداوي فضحا جارحا فظائع ختان النساء ما أدّى إلى صخب في مصر و حول العالم . و قد مزّق غضبها تواطئ اليسار المصري الرسميّ و أدّى إلى بثّ الذعر في صفوف عديد القوى التقدّميّة عبر العالم التي تجاهلت لمدّة طويلة جدّا هذه الجريمة النكراء بما في ذلك عبر التسوية النسبيّة مع " الممارسات الثقافيّة " لدى المضطهَدين . و بلا هوادة نظّمت نوال حملات ضد تشويه الأعضاء الجنسيّة الأنثويّة . و في 2008 ، صادقت مصر في النهاية على قانون يجرّم هذه الممارسة – إلاّ أنّه حسب إحصائيّات الأمم المتّحدة ن حوالي 87 بالمائة من النساء و البنات اللواتى تتراوح أعمارهنّ بين 15 و 49 سنة في مصر تعرّضن لتلك العمليّة . و يمثّل إستمرار هذه الممارسة الوحشيّة على نطاق واسع ،حتّى و نساء مصر قد خرجنا بصورة متصاعدة إلى العالم ، تمثّل ردّ فعل خبيث و تذكير و فرض للدور التبعيّ للنساء في نظام تفوّق الذكور السائد .
لكن العداوي لم تقف عند هذا الحدّ و لم تتراجع . فقد أصبحت طبيبة و شرعت في مسيرتها المهنيّة في ممارسة الطبّ في القرى الفقيرة غير بعيد عن المكان الذى نشأت فيه إلى أن نقلتها السلطات الطبّية نقلة عقوبة لتنظيمها حملات توعويّة في صفوف مرضاها . و بعد سنوات ، صارت مديرة للصحّة العموميّة لدى الحكومة المصريّة بيد انّها أعفيت من تلك المسؤوليّة عقب نشرها كتاب " المرأة و الجنس " الذى عرّى الإضطهاد الجنسيّ للنساء .
و من أكثر أعمالها تمجيدا ، " إمرأة عند نقطة الصفر " وهو عبارة عن قصّة حياة امرأة أجرت معها نوال حوارا صحفيّا في سجن النساء بالقاهرة مبارة قبل إعدام هذه المرأة لقتلها رجلا عذّبها منذ طفولتها و أجبرها على التحوّل إلى عاهرة . و سرعان ما إنتهت نوال نفسها إلى إعتقالها فى السجن ذاته . و في حوار صحفي مع البى بى سى الأنجليزيّة تحدّثت عن الوقت الذى قضّته هناك و كانت لها نقاشات مع الماركسيّين و جدالات شرسة ضد الأصوليّين الدينيّين . و الشرر يتطاير من عينيها و بحسّ فكاهيّ متحدّى لم تفقده أبدا ، سخرت من الصحفي المحاور لها قائلة : " يجب أن تذهب إلى السجن – أنصحك بذلك نصيحة صادة " لأنّه كان " تجربة غنيّة " جدّا . و قد كان يمنع على السجناء و السجينات السياسيّين الحصول على أيّة مواد للكتابة لذلك أقدمت على تهريب قلم كحل للعينين مدّتها به عاهرة كانت قابعة في زنزانة لصيقة لزنزانتها و إستخدمته لكتابة ما أضحى " مذكّراتى في سجن النساء " على ورق المرحاض .
و قد عاشت بقيّة حياتها عادة مطاردة و تحت التهديد ، و مع نموّ قوّة الأصوليّة افسلاميّة في مصر ، إضطرّت نوال السعداوي إلى اللجوء السياسي في الولايات المتحدة حيث درّست في عدّة جامعات منها دوك و هارفارد و بركلى . و لماّ عادت إلى مصر سنة 1996 ، كتبت مسرحيّة عنونتها " الإلاه يستقيل فى اجتماع القمّة " و فيها إنتصر جمع الرسل من الديانات التوحيديّة اليهوديّة و المسيحيّة و الإسلاميّة على الإلاه و جعلوه يقدّم إستقالته كي تتمكّن الإنسانيّة من التقدّم . قد أدانها الأزهر وهو مؤسّسة سلطتها في الإسلام السنّي تشبه سلطة الفاتيكان لدي المسيحيّين الكاتوليك ، أدانها رسميّا على أنّها مرتدّة ، و أمضت سنوات تحت سيل من التهديدات من المحاكم و من الإسلاميّين .
و حتّى بينما كانت تعارض معارضة جبّارة سلطات الدولة و السلطات الدينيّة ، إنخرطت نوال في نقاشات نقديّة طوال حياتها مع نساء أخريات في الحركات النسويّة التي وقفت مناهضة لإرتداء الحجاب أو أشكال أشدّ صرامة في الحجب . بأنّ مثل هذه الممارسات الإقطاعيّة كانت نوعا من التعبيرات الإيجابيّة عن الهويّة الثقافيّة . و قد أشارت إلى أنّه مهما كان ما تفكّ{ فيه بعض النساء ، فإنّه قد يكون قناعا للخضوع . و قد حاججت بأنّ فكرة النسويّة الإسلاميّة ذاتها خطيرة لأنّ الإسلاميّين لن يقبلوا أبدا بأيّ شيء أقلّ من الخضوع التام للنساء . و في حين ليس للنساء " مكان في الجنّة " وفق اللاهوت الإسلامي ، كما أعربت عن ذلك ، النظام الأبوي / البطرياركيّة ظاهرة عالميّة في كافة المجتمعات الإنسانيّة و ليس أقلّ في " الغرب" منه في الشرق الأوسط : " أنا أعاض كلّ من تغطية أجساد النساء و تعريتها ".
مناهضة الإمبرياليّة و الصهيونيّة ؛ الإلتحاق بإنتفاضة ساحة التحرير سنة 2011
و قد عُرفت نوال كذلك بمعارضتها الشرسة للإستعمار الغربي و الإمبريالية . و كان هذا هاما بالنسبة إليها بحيث أنّه عندما إتّخذت منظّمة تضامن النساء العربيّات التي أسّستها موقفا يساند غزو الولايات المتّحدة الأمريكيّة للعراق سنة 1991 ، غادرتها في حركة إحتجاجيّة ما أفضى إلى إنهيار هذه المنظّمة .
و قد حاججت بأنّ الهياكل الإجتماعيّة و الإقتصاديّة التي يفرضها الغرب و السياسة الإمبرياليّة التي تسعى إلى إستخدام الإسلاميّين ضد الحركات الأكثر راديكاليّة نو أيضا الجوانب البشعة للغرب ، كانت من العوامل المأثّرة للغاية في صعود الأصوليّة الإسلاميّة . " و قد سافرت عبر العالم قاطبة ... إكتشفت أنّه تقع تنشأة البنات بالطريقة عينها – إنّنا جميعا على القارب نفسه ز النظام البطرياركي و الديني و الرأسمالي نظام عالمي ".
و كانت ناقدة بارزة للحرب التي قادتها الولايات المتّحدة سنة 2001 ضد أفغانستان ، و معارضة شرسة لدولة إسرائيل ( و قد وصفت دعم الولايات المتّحدة لإسرائيل ب " الإرهاب الحقيقيّ " ).
و قد جعل منها هذا المزيج من مناهضة البطرياركية و الهيمنة الإمبريالية وجها نادرا و محبوبا جدّا لدي أجيال من التقدّميّين و الراديكاليّين ز و بالرغم من تقدّمها في السنّ ، إلتحقت بساحة التحرير في القاهرة أثناء التمرّد الجماهيري لفيفري 2011 الذى أفضى إلى ترحيل النظام القمعي الخبيث لحسنى مبارك الذى حكم مصر لما يناهز الثلاثين سنة . و قد إعتبرت هذا التمرّد أهمّ حدث في حياتها . و واصلت بقيّة حياتها الخوض في العلاقات بين النظام الرأسمالي – الإمبريالي و الأمم المضطهَدَة و البطرياركية و إضطهاد النساء . و شاركت في ندوة لندن سنة 2011 حول طريق التقدّم بما سُمّي بالربيع العربي و كان من ضمن المتدخّلين ريموند لوتا وهو من أنصار بوب أفاكيان ؛و الأكاديمي الرادكالي الإيراني – الكردي أمير حسنبور ، و نسويّات و غيرهم .
و عقب الإطاحة بمبار ، أتت انتخابات بالإخوان المسلمين المصريّين الأصوليّين الإلسلاميّين إلى سدّة السلطة . ثمّ في 2013 ، أطاح الجيش المصريّ بحكومة الإخوان المسلمين و نصّب في أعلى السلطة الجنرال عبد الفتّأح السيسيّ . و مثّل ذلك تحدّيا بالنسبة لنوال السعداوي إذ وقفت في البداية ، شأنها أن معظم جيل متمرّدى ساحة التحرير ، إلى جانب إنقلاب السيسي معتبرة أنّ الجيش قوّة حامية للحقوق – و قد تسبّب ذلك الخطأ في لوعة و ألم لبعض الذين كانوا يكّنون لها المودّة ز و يبرز هذا الخطأ الحاجة إلى أن لا " نحوم حول – ما يحدث على السطح في أيّ زمن معطى و إنّما من الضروريّ القيام بحفريّات إلى ما تحت السطح لإكتشاف التيّارات الأساسيّة و الأسباب الكامنة وراء الأشياء و بلوغ فهم للمشكل الأساسي و الحلّ العملي ." (1) [ و الصيغة الأتّم لهذا المقتبس هي : " لفهم لماذا نواجه الوضع الذى نحن فيه ، من الضروري ليس مجرّد الردّ على – و بالفعل مجرّد أن نحوم حول – ما يحدث على السطح في أيّ زمن معطى و إنّما من الضروريّ القيام بحفريّات إلى ما تحت السطح لإكتشاف التيّارات الأساسيّة و الأسباب الكامنة وراء الأشياء و بلوغ فهم للمشكل الأساسي و الحلّ العملي . و يعنى هذا بلوغ فهم علميّ بأنّنا نعيش في ظلّ نظام و ما هو هذا النظام عمليّا ( النظام الرأسمالي -الإمبريالي ) ، ساعين إلى إدراك العلاقات و الديناميكيّة الأعمق لهذا النظام و كيف يُحدّد هذا إطار مدى الإختلاف العفويّ في تفكير فئات المجتمع و تفاعلها مع الأحداث في المجتمع و العالم و ما هو السبيل الممكن لتغيير كلّ هذا في مصلحة جماهير الإنسانيّة و في نهاية المطاف الإنسانيّة ككلّ . " ]
و ظلّت نوال ناقدة إجتماعيّة شرسة و في حوار صحفي لها سنة 2018 ، سُئلت إن كانت تفكّر في الخفض من نبرة خطابها لتكون في أمان فكانت إجابتها منسجمة مع حياة تمرّد مستمرّ : " ينبغي أن أكون أكثر عدوانيّة لأنّ العالم يغدو أكثر عدوانيّة و نحتاج إلى أناس يتكلّمون بصوت عال ضد المظالم ". قد كانت حياتها حياة أدب و تحدّى و إبداع في مجتمع و ثقافة خانقين. و أمّا بالنسبة للخطر الذى من يصدح برأيه في بل مثل مصر التي يعدّ السجناء السياسيّون بها الآلاف في ظروف فظيعة ، قالت : " كان الخطر جزءا من حياتى منذ إلتقطت قلما و شرعت في الكتابة . لا شيء أكثر خطرا من الحقيقة في عالم قائم على الكذب ".
بأسى و لوعة سيفتقد العالم نوال السعداوي .
----------------------------------------------------------------------------------------------------
ملاحظة شخصيّة لريموند لوتا بمناسبة وفاة نوال السعداوي
لقد كنت محظوظا بالمشاركة في حوار و نقاش مع نوال سنة 2011 خلال ندوة لندن عن التحدّيات التي تواجه الإنتفاضة الدائرة في مصر و قدّم كلّ منّا مداخلة في الغرض . و في تدخلّها ، أعطت معنى عميقا للتاريخ و فجّرت نبعا من التجربة الشخصيّة و خماسا صارما لوضع نهاية لكافة أشكال الإضطهاد . و كذلك ، أجريت معها حوارا صحفيّا على الملأ حول علها الأدبي ...و حول الفنّ و الفنّأن و التعبير الراديكالي . و قد هاجمنى أحد الحضور على أنّى شمال أمريكي ، لأنّي عبّرت عن قناعة و حاججت من أجل مسائل متصّلة بالدور الرجعيّ لإسرائيل و النضال في سبيل التحرّر في الشرق الأوسط . فردّت عليه نوال بأسلوبها الشاحذ للمعنويّات : " لا أعرف جيّدا ريموند لكن ما يقوله هو الصواب ... و هذا ما يهمّنا ". و في 2013 ، عندما نظّم المساجين في كاليفرنيا بالولايات المتّحدة إضراب جوع ضد عذاب السجن الإنفرادي ، إستجابت نوال بسرعة إلى نداء تقديم مساندتها . حياة نوال حياة ينبغي حقّا تمجيدها .
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------
+ كتب نوال السعداوي متوفّرة بالأنجليزية بمكتبة كتب ثوريّة بالولايات المتّحدة الأمريكيّة :
REVOLUTION BOOKS
https://www.revolutionbooksnyc.org/

+ و من أجل المزيد عن العلاقة بين البطرياركية و الرأسمالية – الإمبرياليّة و الأصوليّة الدينيّة ، أنظروا كتابات بوب أفاكيان بهذا المضمار و منها :
- سنة جديدة ، الحاجة الملحّة إلى عالم جديد راديكاليّا – من أجل تحرير الإنسانيّة جمعاء
- التقدّم بطريقة أخرى
- - لنكسر القيود جميعها ، بوب أفاكيان حول تحرير النساء و الثورة الشيوعية .


ملحق للمقال
مصر 2011 : ببسالة إنتفض الملايين...لكن المستقبل لم يكتب بعدُ
بيان لبوب آفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
( 11 فبراير/ فيفري 2011)
www.revcom.us/avakian/Egypt/Egypt2011-en.html

وقد ألهمهم الشعب التونسي ، ببسالة إنتفض الملايين من الشعب المصري من كافة مناحى الحياة ، تحدّت نظام حسنى مبارك البغيض و أرغمت مبارك على التنحّى . فحطّم ذلك مقولة " لا يمكن أبدا تغيير الأمور" و مثّل دليلا قويّا على أنّه لا ضرورة دائمة للظروف القائمة التي تتسبّب فى معاناة مريعة للغالبية العظمى من الإنسانية. و فى كافة بلدان العالم ، بفضل هذه الإنتفاضات الجماهيرية ، بعمق شاع الفرح و الأمل لدى الشعوب المضطهَدَة و الشعوب المتعطّشة للقضاء على الإضطهاد. و ما إنفكّت رقعة هزّات التمرّد مستمرّة فى التوسّع و الإنتشار .
وبينما تنحّى مبارك ، لا تزال ذات القوى الأساسية التي حكمت الشعب المصري ببطش و إستغلّته تمسك بالسلطة. و رغم كلامها المعسول و مديحها لجماهير الشباب و غيرهم من الذين تمرّدوا ، و رغم وعودها ب" الحرّية" و " الديمقراطية"، فإنّها فى الواقع مصمّمة على تحقيق " إنتقال" مهما كانت التعديلات المدخلة خلاله فى الحقل السياسي ، سيبقى مع ذلك جماهير الشعب فى مصر و فلسطين و بلدان أخرى ذات أهمّية إستراتيجية بالنسبة للإمبريايلة الأمريكية ، تعيش فى ظلّ ظروف لا تطاق . و مع كلّ ذلك، فإنّ القوّات المسلّحة فى مصر التي من المفترض أنّها ستقوم بهذا " الإنتقال" هي ذات القوات المسلّحة التي فرضت لعقود و بتفاني ووحشيّة حكم نظام مبارك، بينما راكم قادتها العسكريين الثروات متحوّلين إلى أكبر مستغِلّى الشعب المصري، أضف إليهم أنّ الإمبرياليين الأمريكان الذين ساندوا مساندة كلّية نظام مبارك و العملاء و أبقوهم فى مواقع السلطة طوال ثلاثين سنة ، دون أي إعتبار لمعاناة الشعب ، هم ذاتهم الذين يبحثون مجدّدا عن إلتقاط المبادرة و إصدار الأوامر الأخيرة فى ما يتعلّق بتحديد نوع " الإنتقال" فى مصر .
إنّ مخطّطات و مرامى هؤلاء المضطهِدِين و المستغِلّين لا تمثّل ما يصبو إليه بيأس الشعب و ما يحتاج إليه. فالشعب يصرخ من أجل " الحرّية" و ينبغى مواصلة النضال إلى أن يتحقّق التحرّر الحقيقي من ربقة حكم الإمبرياليين و أذنابهم المحلّيين و شركائهم الصغار، التحرّر من كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال، التحرّر من كافة القوى التي عفا عليها الزمن و التي تستعبد النساء و الشعب بأسره على نحو يشبه ظلمات و إضطهاد القرون الوسطى، من القوى التي عفا عليها الزمن و التي تريد أن تستعبد الناس بإسم " الديمقراطية "..." الحرّية "... و يسوَّقُ للإستغلال الرأسمالي الإمبريالي على أنّه " التقدّم".
عبر التاريخ ، تكرّر مرارا ، كما هو الحال فى مصر ( و كذلك فى تونس) أن إتخذت الهيمنة الإمبريالية و حكم المستغِلّين المحلّيين تعبيرا مكثّفا فى شكل نظام "رجل قويّ " سفّاح . و كان هذا هو الحال ، مثلا، فى إيران ، و زنزانات التعذيب أيّام حكم الشاه ، و فى الفليبين تحت طغيان ماركوس ، و فى أندونيسيا و العهد الوحشي المديد لسوهرتو؛ و جميعها دكتاتوريات وحشية ركّزتها فى السلطة الإمبريالية الأمريكية و أبقت عليها لمدد طويلة. وفى إيران ، أواخر السبعينات ،و فى الفليبين فى الثمانينات و فى أندونيسيا فى الفترة الأخيرة ، فرضت إنتفاضات الشعب على الإمبرياليين الأمريكان أن يتخلّوا عن هؤلاء الطغاة و أن يسمحوا ببعض التغييرات. لكن فى كلّ الحالات ، لم تؤدى الحصيلة النهائية إلى " الحرّية " الحقيقية للشعوب بل بالعكس تواصل تعرّضها للإضطهاد الوحشي على أيدى الذين حلّوا محلّ الحكام السابقين البغيضين ، فى حين ظلّت هذه البلدان ضمن الإطار العام للهيمنة و الإستغلال الإمبرياليين. لكن التجربة التاريخية أثبتت أيضا أن إستمرار الحكم الإضطهادي ، بشكل أو آخر، ليس النتيجة الوحيدة الممكنة .
ففى روسيا ، فى فبراير/ فيفري 1917 ، أطاحت إنتفاضة شعبية بطاغية وحشيّ آخر ، القيصر ( ملك الحكم المطلق ) . و هناك أيضا ، حاول الإمبرياليون الأمريكان و الأنجليز و غيرهم و الرأسماليون الروس مواصلة إضطهاد الشعب الروسي بشكل جديد، بإستخدام آليّات " الحكم الديمقراطي" و الإنتخابات التي فيما تسمح ببعض المشاركة الأوسع لمختلف الأحزاب، ستظلّ تحت السيطرة التامّة لمستغلّى الشعب و ستضمن إستمرار حكمهم و إستمرار معاناة الجماهير الشعبية. و فى هذه الحال، مع ذلك ، تمكّنت الجماهير من التفطّن لهذه المناورات و المؤامرات ، و مضت قدما فى إنتفاضتها الثورية ، عبر عديد المنعرجات و الإلتوءات و فى أكتوبر 1917 كنست و فكّكت مؤسسات و آليّات الدكتاتورية البرجوازية و أرست نظاما سياسيا و إقتصاديّا جديدا ، نظاما إشتراكيا . و لعقود، تمكّنت الإشتراكية من الإستمرار فى التقدّم صوب القضاء على علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، كجزء من النضال العالمي من أجل تحقيق الهدف الأسمى، الشيوعية . و الإختلاف الحيوي يكمن فى أنّه كان للإنتفاضات فى روسيا لبّ قيادة ، قيادة شيوعية، كانت تملك فهما واضحا وراسخا علميّا لطبيعة ليس فحسب هذا أو ذاك من الطغاة الوحشيين بل لطبيعة النظام الإضطهادي برمّته و للحاجة لمواصلة النضال الثوري لا من أجل الإطاحة بحاكم معيّن فقط و إنّما للقضاء على النظام بأسره و إستبداله بنظام يجسّد و يكرّس حقّا الحرّية و مصالح الشعب الأكثر جوهرية ، فى سياق سعيه للقضاء على كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال .
و على الرغم من أنّ الثورة فى روسيا قد وقع الإنقلاب عليها فى النهاية و من أنّه أعيد تركيز الرأسمالية هناك فى خمسينات القرن الماضى ، و من أنّ روسيا اليوم لم تعد تبحث عن أخفاء حقيقة كونها قوّة رأسمالية-إمبريالية، فإنّ دروس الثورة الروسية لسنة 1917 لا تزال صالحة ، وهي بالفعل دروس حاسمة اليوم. و أكثر هذه الدروس حسما هو الدرس التالي : عندما تكسر ملايين الجماهير الشعبية فى الأخير القيود التي حالت دون تمرّدها ضد مضطهِدِيها و مصادر عذابها، عندئذ ترتهن نتيجة أن يؤدّى أو لا يؤّدى نضالها و تضحياتها فعلا إلى تغيير جوهري ،و أن تمضي أم لا نحو القضاء على كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد ، ترتهن بوجود أو عدم وجود قيادة ، قيادة شيوعية تمتلك الفهم العلمي الضروري و على ذلك الأساس تستطيع أن تطوّر المقاربة الإستراتيجية و التأثير المطلوبين و أن تنظّم العلاقات ضمن الأعداد المتزايدة من الجماهير الشعبية المنتفضة من أجل قيادة الإنتفاضة الشعبية عبر المنعرجات و الإلتواءات، بإتجاه هدف التغيير الثوري الحقيقي للمجتمع بما يتوافق مع المصالح الجوهرية للشعب . و بدورها ، عندما تقطع الجماهير الشعبية مع " رتابة العادة " و تكسر القيود الشديدة التي كانت تكبّلها ، قيود العلاقات الإضطهادية التي ترزح تحت نيرها عادة ، عندما تحطّم ذلك و تنتفض بالملايين ، تكون تلك اللحظة الحيوية للتنظيم الشيوعي لمزيد تطوير علاقاته مع هذه الجماهير ، و تعزيز صفوفه و قدره على القيادة. و فى حال عدم وجود تنظيم شيوعي من هذا القبيل ، أو وجوده فقط كمجموعات متناثرة معزولة، تكون تلك اللحظة حيوية لإنشاء تنظيم شيوعي و تطويره ليأخذ على عاتقه مواجهة تحدّى دراسة النظرية الشيوعية و تطبيقها بطريقة خلاّقة ، فى خضمّ الوضع المتفجّر ، و النضال بإستمرار لتطوير علاقته بالأعداد المتزايدة من الجماهير المنتفضة و التأثير فيها و فى النهاية قيادتها نحو الثورة التي تمثّل مصالحها الجوهرية و الأسمى ، الثورة الشيوعية .
فى كتاباتى و خطاباتى المنشورة ضمن " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة " و " بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " و فى وثائق أساسية أخرى لحزبنا ، سعينا جهدنا إلى أن نرسم بأعمق و أشمل ما أمكن الدروس الحيوية المستخلصة من التجربة التاريخية للثورة الشيوعية و البلدان الإشتراكية التي قامت بفضلها و المكاسب الحقيقية و العظيمة فعلا ، و الأخطاء و الإنتكاسات الجدّية و التعلّم من أوسع تجارب المجتمع الإنساني و تطوّره التاريخي ، من أجل المساهمة بأقصى جهدنا فى التقدّم بالنضال الثوري و تحرير المضطهَدين عبر العالم . و مثلما يؤكّد القانون الأساسي لحزبنا :
" أخذ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقه مسؤولية قيادة الثورة فى الولايات المتحدة، قلب الوحش الإمبريالي ، مساهمة رئيسية منه فى الثورة العالمية و هدفها النهائي ، الشيوعية..."
" تحرير الإنسانية قاطبة : هذا و لا شيئ أقلّ منه هو هدفنا . و ما من قضيّة أعظم أو هدف أسمى من هذا له نكرّس حياتنا. "
بهذه الروح و آخذا بعين الإعتبار هذا الهدف ، أتقدّم بالمساندة و التشجيع الصريحين و من أعماق قلبي للملايين المنتفضة. و أدعو كلّ من يتطلّع حقّا لرؤية تطوّر النضال البطولي للجماهير المضطهَدة ، بالقيادة المطلوبة ، بإتجاه التغيير الثوري الحقيقي للمجتمع و التحرير الحقيقي ، أدعوه لأن يتفاعل مع و أن يستوعب وجهة النظر التحرّرية و الأهداف الشيوعية و أن يرفع تحدّى إعطاء هذا التوجّه التعبير المنظّم و توسيع تأثيره فى صفوف الجماهير المناضلة .

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام