الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحاسب القانوني المرحوم عزيز الحافظ ، ضحية قرارات وتصرفات غير مسؤولة من أعلى المستويات !

علاء مهدي
(Ala Mahdi)

2021 / 4 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم أكن أنوي الكتابة في هذا الموضوع لكن زميلاً لي أعتز بصداقته كتب لي عن حدث معين فأيقظ ذاكرتي خاصة وأن الحدث تم خلال دورتي الدراسية بكلية التجارة 1967-1971 بجامعة بغداد والتي ألغيت وتم تحويلهاإلى كلية الإدارة والإقتصاد.
ولمن لايعرف المرحوم عزيز الحافظ ، فإنه كان من المحاسبين القانونيين القلائل في العراق ، حصل على شهادته من جامعات بريطانية ، وقد أستوزره الرئيس الراحل عبد السلام عارف كوزير للإقتصاد ، وكان يمتلك مكتباً للمحاسبة القانونية ببغداد وأعتقد - إن لم تخني الذاكرة - أن المكتب كان له فرعان في الموصل والبصرة. عرف بإتجاهاته وميوله العربية القومية وكان من ضمن قيادة حركة القوميين العرب في العراق قبل الإنشقاقات التي حدثت لها في منتصف ستينات القرن الماضي إن لم أكن مخطئاً وكان أسمه يذكر بمعية كل من المرحوم خير الدين حسيب ، والمرحوم عبد العزيز الدوري والمرحوم عبد الرزاق محيي الدين وكذلك السيد حامد الجبوري وجميعهم من المنتمين للإتحاد الأشتراكي العربي في حينه.
في السنة الدراسية 1970- 1971 ، درسنا المرحوم الأستاذ عزيز الحافظ مادة المحاسبة الإدارية Management Accounting”" في السنة الرابعة (سنة التخرج). كانت حصته لساعة واحدة إسبوعياً تتم بعد أوقات الدوام الرسمي بسبب من إرتباطاته العملية ، لذلك كنا ننتظره مرة في الإسبوع حتى المساء لحضور محاضرته ، وكان كتاب المحاسبة الإدارية المقرر علينا من تأليفه.
كان شخصاً لطيف المعشر ، متحدثاً لبقاً ، متمكاً من مادته ، لم يمسك قطعة طباشير ولم يكتب على السبورة على الإطلاق ، كان يلقي محاضرة قد يكون حجمها بما يعادل مائة صفحة من كتابه المقرر ثم يرحل. أعتاد أن يمتحن الطلبة مرة واحدة – سعي سنوي – قبل الإمتحانات النهائية ، وكنا نعلم أن المتفوقين في ذلك الإمتحان يتم تعيينهم في مكتبه حتى قبل تخرجهم. كما عرف عنه أن أمتحان السعي السنوي يتضمن سؤالين مطلوب الإجابة على أحدهما حسب إختيار الطالب.
دخلنا قاعة أمتحان السعي السنوي وكنا مائة وثمانين طالبة وطالباَ ، قدمت لنا الدفاتر والأسئلة ، وكانت المفاجأة انها تتضمن سؤالاً واحداًيتوجب الإجابة عليه. عمت القاعة همسات أو ربما تنهدات حزينة عبرت عن المفاجأة ، بدأت رؤوس الطلبة تهتز ربما تعبيرا عن الإحتجاج خاصة وأن السؤال كان صعباً للغاية حتى أن عدداً من الطلبة سلموا دفاتر الإمتحان بدون إجابة إحتجاجاً. أنتهى الإمتحان وبدت تأثيرات ذلك على الطلبة الذين أعربوا عن سخطهم من صعوبة السؤال ، فكانت فرصة للتنظيم الحزبي البعثي للطلبة (الإتحاد الوطني) في حينه للإنتقام من الأستاذ ذي الإتجاه القومي عزيز الحافظ فدفعوا بإتجاه التحشيد للإضراب ضده خاصة وأن نتائج السعي السنوي قد ظهرت وتضمنت درجات سلبية ، بمعنى أنه كان يمنح الطلبة درجات بالناقص مثل – 10 أو -25 يتم إستقطاعها من الدرجة النهائية التي يحصل عليها الطالب في الإمتحان النهائي.
تمكن الإتحاد الوطني للطلاب من تحقيق هدفه ، حيث حضر المرحوم الرئيس أحمد حسن البكر إلى كلية التجارة وأجتمع بالأستاذ المرحوم عزيز الحافظ بحضور العميد الدكتور سلطان الشاوي أو معاون العميد الأستاذ سليم ذياب السعدي وممثل عن الطلبة في حينه ودار بينهما الحديث التالي الذي نقل لنا ولم نسمعه مباشرة في حينه:

الرئيس: ماهي نسبة النجاح للطلاب في المادة التي تدرسها أستاذ عزيز؟
الحافظ: أقل من 50% سيادة الرئيس.
الرئيس: عدد الطلاب في الدورة لايتجاوز 180 طالباً والدولة بحاجة لـ 3000 محاسب
سنوياً ، هل من الممكن – تتساهل – وتزيد نسبة النجاح إلى 100%؟
الحافظ: لايمكنني ذلك سيادة الرئيس أحتراماً لمهنتي وضرورة المحافظة على مستويات
مهنية راقية للخريجين.
الرئيس: إذن في هذه الحالة ، أنت منقول إلى مدرس ثانوية في الشرقاط بمحافظة نينوى.

فعلاً صدر قرار بنقل الأستاذ عزيز الحافظ حسب تعليمات السيد رئيس الجمهورية وتم تكليف أحد المعيدين الجدد في الكلية وأعتقد كان –الأستاذ منذر المعتوق – لإكمال تدريس الدورة بمادة المحاسبة الإدارية لتلك السنة وضمان نجاح أغلب الطلبة خلال الدورين الأول والثاني. أما الأستاذ عزيز الحافظ فقد طلب أحالته على التقاعد بعد أن تم نقله لعدة مرات لمحافظات عديدة بوظائف لاتتناسب وشهاداته وخبراته ، بعدها أقام في دولة خليجية حتى وفاته.

ومن قبيل الصدف ، أن أحد زملائي ممن عملوا في مكتبه أخبرني بما يلي نصاً وقد أكد سماعه من المرحوم عزيز الحافظ زميل آخر لي كان يعمل في مكتبه لسنوات طويلة :

رحمه الله عليه ، فقد كان صادقاً ، كما قلت ، مع نفسه ومع العالم . حدثني مرة عن حادثة حصلت عندما كان وزيراً للإقتصاد في عهد عبد السلام عارف .
دخل علينا الرئيس وقال : يللا وزراء إجتماع ! فأخبره أحدهم أن سعدون حمادي ( وزير الخارجية ) لم يحضر بعد ، فسمعته يقول " خللي يولّي هذا الكربلائي الشيعي ! " فتعجبت من الأمر حيث أني شخصياً كربلائي وشيعي ! فقررت أن أطلب المواجهة في اليوم التالي ، وفي المقابلة قلت للرئيس أني سمعت كلامه في الأمس بدون قصد ولكني أريد القول أني شخصياً أيضاً كربلائي وشيعي ، فطمأنني قائلاً إن ذلك لا يسري عليّ وأنه يعرفني جيّداً .

لم أكتب هذه المقالة دعماً للمرحوم الأستاذ عزيز الحافظ فلست من مؤيديه السياسيين لكنني بالتأكيد أكن له أحتراماً مهنياً راقياً كونه من المحاسبين القانونيين القلائل الذين قدموا خدمات للمهنة عملياً وعلمياً حيث تخرج من مكاتبه المئات أو الآلاف من المحاسبين والمدققين العراقيين الأكفاء. ولم أكتبها بقصد الإنتقاص من الرئيسين المرحومين احمد حسن البكر وعبد السلام عارف خاصة وأن الأنظمة التي أعقبتهما كانت أسوأ من نظاميهما ، أيضاً أنني قد عاهدت نفسي على عدم الحديث أو النقاش في الأمور الدينية والطائفية لقناعتي بأنها السبب في دمار وطننا العزيز وعدم استقراره منذ تأسيس العراق وربما قبل ذلك . لكن كتابتي لهذه المقالة تعود لسببين أولهما ، أن زميلاً لي قد ذكر هذا الحدث برسالة شخصية بعثها لي عبر البريد الإلكتروني على الرغم من أنه لم يكن شاهداً أو حاضراً لها في حين أنني كنت حاضراً لها ، وثانيهما ، ان نقاشاً دار على صفحتي في مركز التواصل الإجتماعي الفيسبوك بمناسبة ذكرى سقوط طائرة الرئيس المرحوم عارف ومقتله ومن معه بتأريخ 13 نيسان 1966 أتهمت فيه بالطائفية في الوقت الذي تعج فيه صفحات الأنترنيت بأمثلة وتسجيلات للرئيس المرحوم عارف مليئة بتعليقات طائفية تافهة كان يلقيها في خطاباته حتى بات بعضها يردد من باب الطرفة. وأخيراً وددت الإشارة إلى أن إنتقادي لرئيس معين بكونه طائفياً لايعني أنني مع النظام الحالي ، فالمقارنة بين نظامين سيئين غير صحيحة وأن مجرد التحدث عن سيئات نظام معين لايعني تجميل صورة نظام سيئ آخر، أو الوقوف معه.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص