الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقنيات لص عند الشاعر العراقي علي إبراهيم الياسري , عن مجموعته الحائزة على جائزة الرافدين للكتاب الأول – 2019

رسل ق الموسوي

2021 / 4 / 23
الادب والفن


لا يمكن للكلماتِ بمفردها ان تجسّد الذات الشعرية وتُظهر تغطية متكاملة للمشهد الشعري وموضوعهُ بل لابدَّ من حضورللذاكرة التي تحفلُ بالتجربة ، فبدورها الأهم لصنع قالبٍ شعريٍّ حي كونها تعمل لعكس ما ورائيات التجسيد الأدبي صانعة من الورقةِ اولاً مادة حية , الكتابة او الفن بالمجمل ينبغي أن يكون بصلحٍ دائمٍ مع الواقع ومضمارِ التجارب و إن كان من لب الخيال
فحياتُنا كلنا تصلحُ أن تكون عمل أدبي لكن ثقلها يكون بكيفية أن يضيء الكاتب إستئصالات من تجاربهِ كإستثناءات ، فأختلفُ مع "كوهين" وهو يقول أن الشاعر بقولهِ لا بفكرته و إحساسه ، قد يكون "كوهين" أرادَ بذكرهِ هذا تركيز القيمة لما بعد الصنعةِ لا لما قبلها مُركزاً على شاعريةِ الشعر النهائية ، بل أرى أنه مارس صنعته وهو يطوّع و يسّخر كلاهما بلا إقصاء مع إنتقاء للمشهد وهذا الإنتقاء أيضا ينطوي عنده أغراضاً اخرى ، فاللغة و الفكرة لا وجود لأحدهما بغياب الآخر .

فمساسه ذائقة القارئ بصدقٍ يُوضح أن عملية توصيل المشهد الشعري مَعبَر وعر يتطلب صانعاً – فاعل لا شخصاً تزوى كينونة شعريته عند القول !

على الرغم من ان العنوان يُوحي الى تصوير للّقطةٍ تبدو من شدةِ دقتها خارج الشِباك الا إنها تنطلق من حقيقةٍ لرؤية مُستبعدة الالتفات لها .

لصٌ في بيته !
قد توحي ببساطة لغُربةٍ مُصغرة داخل وطن أصغر ، لربما كان يعني العائلة او الوطن عينه او الذات الداخلية مع الذات الخارجية للشاعر ، أجدهُ تارة اخرى تمرين سرّي يُحاول من خلاله الإشارة لضرورةِ هذا النوع من التلصلص على جزءٍ او جزيئات أصغر او سرقة البيت من مفهوم الزمن و وشّاية المكان .

ف"علي الياسري" يُمارس التخفي بصورةٍ لا يمكن للمرءِ ان يضّم ماهيتها داخل مفهوم التخفي المعروف ، لأن التخفي بطبيعتهِ المتعارف عليها ينطوي فيه الهروب
لكن هنا الشاعر يُسلط الضوء عليه بإنزياح مائز مثلُ جانٍ مُصرحاً بجنايتهِ او مظلوميتهِ في آنٍ واحد بلغة الخشوع ، فيعقد تلصلصه بحميميةِ المكان مُشيرا الى رقةِ و عبثيةِ السلطة المرتبطة به
لإنها في مملكتهِ (بيته ) فهو يرسم الإغتراب الأقرب و الدائم في الذات البشرية عاكساً تراجيديا لا يجرؤ الكثير على بوحها .
فتأثير الهيكلة التي يتقولب فيها عملٍ أدبي ما لا ينطوي فحواهُ بعددِ الكلمات و ماهيتها من حيث السرد و الإيجاز بل كل شكلٍ كتابي يوضح اسرار ومسالك من خلالها نلتمس آثار حقيقة مُعينة و المناطق التي تقع عليها بالتأثير لذاتِ الكاتب و المنطقة الموضوعية المُركز عليها لديه .

• علي و الورقة .
يتضح أن الشاعر هنا يتعامل مع الورقة بلغةٍ على أنها المحطة الختامية لهبوط الفكرة ، فالورقة ليست المسقط الأول لفكرته
فأسلوب وسياق عرضها يترائَ لي بأنه كان يَمر بمراحل ولادة بطرق آخرى قبل أن يصل لها
لربما كان الشاعر يُراقص النص ، يرسمه في الهواء، على جسد ما ، بتجليات عاطفية بارزة , لعلي أستطيع أن أُشبه التحرك في النص وهو يُقاس بتناغمٍ مدروس كما في رقصةِ التانغو من حيث ذوبان الأجساد وظلّها أثناء الأداء ، أعني " اللغة و الفكرة " .
فإنعكاس طبيعة مفردات الشاعر مُهندَسة بأسلوب غنائي عالٍ .
كأنه يُغني النص قبل أن يكتبه .
يتعامل معها برّقةٍ كمن يلمسُ جسد طفل .. إيقاعات بياضُها غاوية تخلق شعور
يستدرج القارئ الى النهاية بلا إدراك لقرب الختام .
تُداهم فكرة نصوصه في بُنية نمطها الحواري و الوصفي شعور الفقدان او توهم أنه كان يملك شيء ، فالجمود الذي يُنهي فيه نصوصه يجهر كما قال :
"الحياة مَشهداً صادماً في الختام "
لذا تتلاعب بعاطفةِ المتلقي وهذا دليل على الإشتغالات الدقيقة في الإيقاعات الغنائية للمُفردة رغم فضاءات البياض المُلّحة ، كأنه يبوح بصمتٍ وسط الكلام بذاتِ التقنية التي عنوَّن بها كتابه ، تُعطي هذه الإيقاعات صدمة تُوعز بالخيبةِ كمَن يمسكُ مجموعة مفاتيح ثم يُصدَم أن يديهِ فارغةٌ ولا وجود للقفصِ حتى ..
هذا ما نجده في قصيدة " عائلة لا يراها أحد "
وهو يفتتحها بحرفيَّ التمني ، مُستمر بتكرارهِ بإيقاع صوتي كأنه يُؤكد على ضرورةِ ضوء الإدراك ان ثمة شيء يُمارس الوشاية رغم عنه، في حين أنه أقرب لرؤيةٍ يسقط عليها الشمس و لا تغشيها غاشية .

" كان مُنّاي أن تسمعين أُحبكِ
من كلبٍ عرف أهلهُ و ما عرفوه .
لكنك الهواء ماراً بالكلاب هكذا ..
هواء ليس حتى في شبَك . "

"علي ابراهيم" يبدو انه يَعدُّ الشعر كدرسٍ بلا سلطةِ المعلم .
فهو يجمع في نصوصهِ من مَقولة " اسأل مجرب و لا تسأل حكيم " الحكمة و التجربة رافعاً أداة النفي بجنونيةِ القصيدة ، فلا يخرج القارئ من نصٍ بلا إشارة عقلانية تجمعُ الحكيم و المُجرب معاً .

في قصيدة " أمرٌ جلل "
السكين التي أقنعتْ يد أمي

سَتُقنعُ يوماً
رَقَبتي .
ماذا فعل الشاعر بفعلِ الإقناع و إنزياحاته ؟!
وهو يُمرّره بين الماضي و المسقبل يحشو هيبةَ الحاضر بتنبؤٍ مصيري ! وهو يعمل علاقة بين مصير الشيء و تاريخاً من القناعات التي تستمد نفسها من الزمن .

قصيدة " في الخمسين "

لن أقول للزمن شيئاً .. سأقف حيثما يجري
....
ينهي جريان المقطع

مَن جعل البدايات صغيرة
و النهايات كبيرة
مَن كذب علينا ؟

يعودُ الشاعر علي إبراهيم الى الزمن ، الزمن مجدداً .
كنت أنتظر علامة التعجب بعد هذا التساؤل ليقتلَ الإستفهام الذي يذهبُ بيَّ الى شعورٍ غير إستفهامي و كأنه يريد أن يحصر الزمن في زاويتهِ ، كأنهُ يبحث عن جانٍ او عن الذنب ، واقفاً بجوارِ شيءٍ قد يكون هو الأقرب للّغةِ المكر ، لدى شيء لا يمكن التعامل معه حسياً أعني " الزمن " ، فجملة
"سأقف حيثما يجري " تُوحي الى رفقةٍ مُسبقة ،او مُحاولة يُضيع معها هيبة حضورهُ ، فالمدلول الذي يلعبه فعليّ " وقف مع جرى " معاً يُوحيان الى موعدٍ مُتفق عليهِ مُمتلأ بالإعترافات لحظة لقاء المعنى وليس الهيكلية .

• الشاعر و المرأة .

" لا لستُ أنظر للنساء منتبهاً؛ كي أسرق القصائد
من نهدٍ ما عرف أن أيادي الرجال،
تمسكُ الأشياء كبندقية . "

الياسري شاعر ابنُ لغة الشعر ، لكنه لا يتقاطع في شعره و حضور المرأة مع سمةِ الشعر التلميحية
وهو يستخدم التصريح غير التحبيذ لإستطرادٍ

ما رمزيةَ حضوراً غزير كهذا في ذاتهِ الشاعرة ؟
بمنطق التلويح لا الإمساك قد يعني السخرية من حضور اطلال التابوهات ، حركة يرى أنها لا تتطلب التوشية، فيُضيف بهاء لحضور موضوع المرأة بغزارته وهو ينقل مفردة
" امرأة "
بمكرِ إلهٍ توّرط بخلقهِ ، يَرفعها ثم يَضمها فيغرقها .
يُذكرني بشخصيةِ "زوربا " في رواية "نيكوس " وفلسفتهِ هو الأقرب بهذا الفعل ،
فلغة الجندر واضحة في النصِ أعلاه محاولاً أن يمنحها كينونتها ما أستطاع ، فيجعل هذه المفردة مرنة جدا تتسع الإحتواء و الإنتقالات كما ماهية المرأة و بقدرةِ يد آلهيه ، محاولاً تارةً أن يتجنب إقتحامِ الجندر ان كانت بملاحظة منه او لا في معانيه لكنه في الختام شاعر يحترف نوعاً يلعب به الإيجاز و السرد ، أقول ولا أقول المعنى و اللامعنى، أي التضاد و النقيض
فيحاول "علي " نفي وجودهُ قائلا في مطلع النص
" لا
لا شيء نقيض شيء أبدا ؛
الأزرق نهر
و إن رآه الخواف سماء . "

لكن كل الخطابات المبنية على المفارقات حينما تدرس من حيث النوع تشير أن لا شيء يتوّق لنفسهِ كتوّقٍ يُعزز وجود ذاتهُ كما بحضور النقيض .
هل من نجدة ، خيبة او رمزية الإحتواء ؟!
-هل المنادى ماتت معه ياء النداء ؟!
كما
" فقط قال أرجوك ..
ما معنى امرأةٍ جميلة ؟
قلتُ : رجل ُ حزين . "

لا أستطيع أن اقول أن الشاعر كان يَفصلُ المرأة و الحب عن بعضهما ، فأغلب مايبوحُ به يصلنا لنقطة ان لا حضور للحبَ بسِواها .
أن ملعوب الشعر قد يأخذ هذه اللوحة التي
يكثر في ملامحها ترميز يحوي الإنتباه ، تستريح طويلاً معها المسافات ، تغوصُ ببطئٍ وهو يحبس أنفاسها ليس لأنها تقنية تمنع الغرق بل لأنه تأثر بشخصية اللص . !
الى اللوحة التي شكلها الشاعر
كما يقول :
" و لا تعرف أصل اللوحةِ
ماء يتوسط غابة
غابةُ تتوسط الماء " .


فأختم أمازال هذا اللص يُفضل الخشية ؟ مع تقنية تمتد سطوتها الى فضائات خارج بيته وظلَ بداخله ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟