الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشانق من الرصاص

رائد عبد الكاظم الخزاعي

2021 / 4 / 23
الادب والفن


استيقظنا بثقل،وفتحنا اعيننا على صباح اكثر رعباً،حيث سيارات الحزب تطوّق المنطقة،وافراد الامن يجوبون الشارع المحيط،ويدعون الناس قسراً الى الخروج الى الملعب الذي يتوسط منطقة (ال غريج) اخرج الجميع،الكل مرتقبٌ حذراً،ولا احد يعلم ما الخبر؟!
تجمهرٌ تغطيه سحابةٌ من الخوف،الكثير من النساء،والاطفال، والشباب،وعلامات الاستفهام تملأ المكان والانفس والفضاء،همسٌ كثيرٌ،
كل شخص كان يسأل من بجانبه عن الخبر؟ ولكن بصوت هامس، او حتى اشارة باليد، او تحريك الرأس كعلامة للسؤال؟
ولا يجرؤ احدٌ ان يسأل احداً عن الامر علانية،لان الاستخبارات تملأ وتحيط المكان!!!
الزيتوني،والخاكي ،وبيد كل شخص منهم بندقيةكلاشنكوف او مسدس ٩ طارق،يمشون مرحاً تنتفخ امامهم اكراشهم،يمشون مرحاً،وتكبراً،وابصارهم زائغةويفتخرون بأنهم اتباع القائد الضرورة!!!
(ويا ويله الي يلاويهم والقايد عدهم)
يعدّون لأمرٍ ما !!!
انظر الى العجائز وقد تجمعن في زاوية الملعب،ويغمرني الاستغراب وتزعجني الحيرة حينما ارى العديد منهن يخمشن وجوههن،وتسيل دموعهن،يرافق ذلك ضرب خفي على صدورهن كما يعبرن هن(الجِمع)او (الدنكور)حيث تجمع احداهن اصابع يدها بطريقة الملاكم وتضرب نفسها بقوة !
وتمسح دموعها بطرف (شيلتها) !
كان لي من العمر ربما ست سنوات او خمس من عام ١٩٨٥ او١٩٨٤ في الصف الاول الابتدائي،أحاول أن احل الاحجية،
مكبرات الصوت تذيع بصوتٍ عالٍ
(يا گاع ترابچ كافوري...وعالساتر هلهل شاجوري)
و(واحنه مشينة للحرب)
و(صادگ یا صدام يالعينك ماتنام)
وانشودة (هيه يا سعد يا جدنا...والقادسية شهودنا)
البعض تخامرهم الغبطة والفرحة واخرون يبكون بصمت ويتلفتون !
بعض الشيوخ يمسح عينيه بطرف يشماغه، بمجرد ان تتلألأ بين جفنيهما قطرة دمع؛ كي لا يراه احدٌ وهو يبكي !
والنساء بين تفقد اعصابها وتصرخ(يوبوي)وتقع مغشياً عليها
فتجتمع حولها البقية بسرعة لاخفاء الامر
وبين من تنظر وقد تسمرت في مكانها،يغطيها سواد الاحزان على ابنها الذي لم تعرف له خبر وقد ترك لها طفلين مع امهما!
واخرى معصبة الرأس تكاد عصابتها ان تغطي الجزء الاعلى من عينيها واعلى انفها من جهة الجبين،لانها فقدت زوجها فقد غادرها بلا معين وترك لها خمسة اولاد وبنت! ونام عنها وغفى في التراب،صدى نداء احداهن في مخيلتي الى الان (يمه فلان يمه)
امٌ او زوجةٌ لشهيدٍ،او مفقودٍ،او أسيرٍ،يبكيهن الحمل الثقيل على اظهرهن،وقسوة رحى الزمان التي طحنت شبابهن واسترقت اولادهن وازواجهن،والمصير المجهول لمن تبقى...
السؤال الذي يتعبني :
لماذا تبكي هذه العجوز وهذا الشيخ ما باله بين الفينة والأخرى يصيح يا بوية يا فلان ؟!
مالذي يضحك هؤلاء واولئك؟!(جماعة الزيتوني)
وفجأة جاءت سيارة اسعاف وهنا ساد صمت مقلق من الجميع وصار الكل يتطاولون لينظروا ما الذي سيحدث؟
ماذا تحمل هذه السيارة البيضاء؟ !!!
نزل منها اربعة افراد ثم فتحوا الباب الخلفي اظنها سيارة اسعاف،انزلوا شخصاً مربوط اليدين الى الخلف وقد شدوا عيناه برباط واخفوها تماماً وهو يبكي ويصيح وهم يتدافعونه فيما بينهم !
جاؤوا به الى عمود في طرف الملعب وتعالى صوت المكبر
(هلهولة للبعث الصامد هلهولة)
وربطوه بالحبل على العمود وهم يكيلون له الشتائم والسباب والكلمات النابية (خائن،عميل)!
ثم بدأت خطبة المسؤول الحزبي الكبير بتمجيد الرئيس حفيد صلاح الدين الايوبي،وماله من دور في حفظ البوابةةالشرقية
وصد العدوان وحماية الشعب العراقي،
وكلما مر ذكر اسمه ارتفعت الاصوات بالهتاف والتصفيق
(بالروح بالدم.....)
وبعدما اكمل خطبته امر مجموعة من الاشخاص ان تاخذ وضع الاستعداد بقبال الشخص المربوط بالعمود
ثم صار يعطي الايعاز بالاستعداد لاطلاق الرصاص
ثم صاح ارمي
وهنا تسارع الرصاص الى جسد الشاب الرصاصة بجنب الرصاصة اخترقت اعضاء جسده ،استمروا بالاطلاق،
وهو يصيح ولكن فمه يملؤه القطن ثم تهاوى وارتخى حول العمود،لم يكتفوا بعشرات الاطلاقات جاء المسؤول الحزبي الكبير،وجرد مسدسه وافرغ في رأسه ثلاث اطلاقات
يسمونها (طلقة الرحمة) !
ثم جاء اخرون وحلوا وثاقه عن العمود وسحلوه على التراب واركبوه في السيارة متباركين بما حققوه من نصر !
كل ذلك بمرأى من والده المسكين ووالدته!!!
كان ذلك الشاب أبٌ لثلاثة اطفال وقد تسرب من الجيش لانه يحب الحياة لا يريد ان يموت يريد ان يربى صغاره،ويرعى امه واباه الذان ليس لهما ولد غيره...
جريمته انه يحب الحياة ونظام البعث عدوٌ لمن احب الحياة
فهم رسل الدمار والخراب والموت...
تفرق الناس يتمتمون (شلون بينه اللي يظل هنا يموت واللي يروح للمعركة يموت وين نروح)؟
هذيان محموم!
من شدة الذهول.
(قصة حقيقية بتصرف).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة