الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمنية وأثرها في قصيدة -رُبّما سوفَ نرجِعُ عمّا قريبٍ- كميل أبو حنيش

رائد الحواري

2021 / 4 / 23
الادب والفن


الأمنية وأثرها في قصيدة
"رُبّما سوفَ نرجِعُ عمّا قريبٍ"
كميل أبو حنيش

دائما الأماني تشعر صاحبها بالفرح، لعدة اسباب، منها أنها متعلقة بالمستقبل، بما يسعى/يرغب بتحقيقه، والأمنة تمثل انتقال من حالة سلبية أو عادية إلى حالة جيدة وممتازة، بمعنى أن الأمنة تتعلق برغبة/بحاجة/بهدف قادم، من هنا ستنعكس جمالية/هدوء/خير هذه الأمنة على الألفاظ، يفتتح الشاعر القصيدة بقوله:
" رُبّما سوفَ نرجِعُ عمّا قريبٍ
على شُرفةِ الانتظارِ الطّويلِ
سنصهلُ شوقاً لأيامِنا الآتياتِ
نُغنّي لأحلامِنا المترعاتِ بعشقِ الحياةِ
لعلَّ الزّمانَ يصحو و ينصفُ أشواقنا
رُبّما عِندَها سوفَ نرجِعُ عمّا قريبٍ
و نبرحُ هذا المكانَ العليلَ"
نلاحظ أن تركيبة الأبيات جاءت ناعمة وهادئة، وكذلك الألفاظ والحروف: "ربما، نرجع (مكررة)، قريب، شرفة، سنصهل، شوقا، لأيامنا، الآتيات، نغني، لأحلامنا، المترعات، بعشق، الحياة، لعل، يصحو، ينصف، أشواقنا، قريب، ونبرح" كلها تنسجم معا في خدمة الأمنية، فبياض الأمنة انعكس على الألفاظ التي ستحول حياة الشاعر السلبة/القاسية إلى إيجابية/الفرحة، بحيث استخدم لفظ "نبرح/ العليل" الناعم كتعبير عن حالته القاسية، كما أن كثرة استخدام حروف التمني "ربما (مكررة)، لعل" لها أثر واضحة في هدوء القصيدة ونعومتها.
بعدها يدخلنا الشاعر إلى واقعه وما يعانيه من الم:
"نغادرهُ دونَ أيّ مِتاعٍ
لأنَّ المتاعَ الزّهيدَ سيبقى يُذكّرُنا
باللّيالي الثِّقالِ و آمالُنا المتعباتِ
و نرجِعُ للأمهاتٍ نعانقُ فيهنَّ
وهجَ الآباءِ و نشربُ مِن بينِ أيديهِنَّ
دلالَ الطُّفولةِ و الهدهداتِ
على شُرفةِ الانتظارِ الجّليلِ
فرغم أن واقع الأسر في سجون الاحتلال فيه من القسوة ما لا يطاق، إلا أن الشاعر تناول هذه القسوة بألفاظ (مخففة) لا تتناسب وحجم الألم الذي يمر فيه: "دون، الزهيد، الثقال، بالليالي، المتعبات" وهذا يعود إلى وجود الأمنية، الحياة السوية التي ستأتي، واللافت في هذا المقطع تحوله الإيجابي بعد ذكر الأم: "نعانق، وهج، نشرب، دلال، الطفولة، والهدهدات، شرفة، الجليل" كما أن معنى لفظ "الهدهدات" وتكرار حرفي الهاء والدال فيه يشير إلى العاطفة المتقدة في الشاعر وحاجته لأمه.
وقبل أن نغادر المقطع ننوه إلى استخدام صيغة الجمع في الأمهات: "نعانق فيهن، بين أيديهن" وليس المفردة، علما بأن الأم تأخذ الصفة الخاصة/المفردة، واعتقد أن هذا الجمع جاء من خلال واقع الأسر ومشاهدة الشاعر لأمهات الأسرى وهن ينثرن حنانهن على الكل دون استثناء، فهناك أمهات كرسن أنفسهن ليقمن بدور الأم للأسرى اللذين فقدوا أمهاتهم، أو للذين لا يستطعن امهاتهم زيارتهم كأسرى الدوريات، ممن يعيش أهلهم خارج فلسطين.
أما كيفية التصرف/السلوك بعد التحرير والانعتاق من قيد الاحتلال:
"سنرنو بعيداً بكلِّ الجِّهاتِ
نُحدِّقُ وسطَ الضَّبابِ الكثيفِ
فقد يتراءى لنا في الضبابِ
وجوهاً لأحبابِنا الغائبينَ
الّذينَ تأخرَ موعدُهم
في المجيء لهذا الوجودِ
و نروي لأولادِنا القابعينَ
برحمِ الزّمانِ بأنّا حلُمنا
إنجابهم و لو في الخريفِ مِنَ العُمرِ
سنلهو و نَكبَرُ معهمُ لأنّا كَبُرنا
قُبيلَ الأوانِ و لما نواصل
ألعابنا في الطّفولةِ ... و الأمسياتِ
على شرفةِ الانتظارِ الجّميلِ"
بداية هناك سفر وتنقل كثير وواسع، يُعبر فيه عما فقده الشاعر من حرية الحركة/السفر: "سنرنو بكل الجهات، نحدق" فالحاجة الملحة تكمن في الابتعاد عن السجن والتقرب من أماكن أخرى، ومن ثم "يحدق في الضباب" يستوقفنا هذا الاستخدام لما فيه من قسوة/"ضباب"، فكيف ولماذا جاء ذكر لفظ قاسي في وصف حالة (الحرية/الفرح)؟، علما بأنه استخدم ألفاظا ناعمة في وصف حالة قاسية.
اعتقد أن مدة الأسر الطويلة، وما صاحبها من رحيل العديد من الأسرى، هي السبب وراء هذه القسوة، فذاكرة الشاعر وعاطفته وحبه لهؤلاء تجعله يشعر بالحزن عليهم، لهذا جاء استخدام تعبير قاسي " نُحدِّقُ وسطَ الضَّبابِ الكثيفِ" في حالة من المفترض أن يسودها الفرح، وهذا ما أظهره لنا عندما قال: "وجوهاً لأحبابِنا الغائبينَ"، فحالة الفرح/الأمنة يشوبها شيء من الألم/القسوة، لأن زمن الأسر الطويل حمل الذاكرة والعاطفة بأشخاص حميمين لا يمكن أن يذهبوا/يرحلوا من الوجدان، وبهذا يؤكد الشاعر على مشاعره الإنسانية.
والجميل في هذا المقطع تناول الشاعر لحاجته للعب دور الأب، فهو يقدم هذه الأمر من خلال ربطه بحالة يحن إليها "الطفولة" فبدا المشهد وكأن هناك حالة تزاوج/جمع لمرحلتين متناقضتين، لعب دور الأب ودور الطفل، والشاعر هنا يُوصل لنا حجم قسوة الأسر عليه، فقد منعه/حرمه من الطفولة ومن الأبوة معا، لهذا جاءت الحديث عنهما بطريقة يتخللها الغباش والألم: "لأولادنا القابعين، إنجابهم في خريف العمر".
ونلاحظ تشبث الشاعر بالأمل/بالأمنة من خلال استخدامه: "شُرفةِ الانتظار الجليل، شُرفةِ الانتظار الجميل" فالوصف المكرر والناصع يؤكد قوة الفرح ووهجه وأيضا جماليته، فهو فرح/أمل يحمل معنى القوة ومعنى الجمال والنعومة، أي أنه باقي ومستمر وقوي وجميل: "شرفة/الجليل/الجميل".
"نُعيدُ اجترارَ رؤانا عن الانعتاقِ
سنأتي إليكمُ و قدْ أشبعَتْنا اللّيالي حنيناً
ألا.. فاستعدوا لكي تَغمِرُونا بدفء
ألا ... و انثروا فوقَنا ما تيسَّرَ
مِن ياسمينٍ و لا تُكثِروا
من دموعِ المحبةِ والاشتياقِ
لكي لا نُصابَ بوعكةِ قلبٍ
و نغدو طليقينَ مثلَ الحمامِ
نسافرُ في الأفقِ مثلَ الغمامِ
و تغدو الحياةُ .. حياةً
بُعيدَ الرَّحيلِ عن الأهجياتِ"
خاتمة القصيدة تتحدث عن طرفين، الأسير/الأسرى والأهل، وهذا الأمر نجده في المعنى/الفكرة، وأيضا في الألفاظ من خلال المتقابلات والتكرار: "أشبعتنا/تغمرونا، حنينا/بدفء، أنثروا/الياسمين، دموع/اشتياق، الحمام/الغمام، تغدو/بعيدة، الحياة/حياة، سنأتي/نسافر" نسافر/الرحيل" ونلاحظ جمالية التعبير عن الحرية التي بدأت بالحمام واستمرت بالغمام، ف"الحمام" مساحة تنقله محدودة ولا بد أن يعود/يرجع إلى مكانه، بينما "الغمام" لا يمكن أن يستقر في مكان واحد، ويجوب الفضاء والأرض بكاملها، وهذه اشارة إلى حجم الأمل/الأمنية التي يحملها الشاعر، والناتجة عن طول مدة الحرمان/مدة الأسر.
وإذا ما توقفنا عند فكرة القصيدة وألفاظها بشمولية، سنجد أن الشاعر قدم ألمه بصورة ناعمة بعيدا عن الصخب والعنف، وهذا يأخذنا إلى أن القصيدة كتبت من روح/قلب الشاعر، من ذاته، لهذا جاءت الألفاظ منسجمة مع فكرة الأمل/الأمنية؟، وهذا يؤكد الوحدة والتماهي بين القصيدة والشاعر.
القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث