الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل الغاية من تنظيم الاستحقاات السياسية في المغرب

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2021 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كل المهتمين بالشأن العام ، لاحظوا فتور الاستعداد للاستحقاقات السياسية التي أصبحت جد قريبة ، كما لا حظوا لا مبالات الشعب بها ، وكأن الأمور تجري عادية ، وكأن المغرب غير مقبل على اية استحقاقات قادمة .. طبعا لقد طرحنا تساؤلات عن السبب الأساسي في هذا الفتور ، وعن اللاّمبالاة ، وعدم الاهتمام ( بفورة ) الانتخابات القادمة ..
-- هل السبب ناتج عن فقدان المغاربة ثقتهم في هذه الانتخابات القادمة ، التي ستكون نسخة طبق الاصل للانتخابات التي عرفها المغرب منذ ستينات القرن الماضي ...
--- هل السبب راجع الى قناعة الشعب المغربي بان الانتخابات ليست هي الحل ، وان الحل يكمن في اتجاه اخر ، رافض للانتخابات في غياب دستور ديمقراطي ، يؤسس للفصل بين السلط ، ولربط المسؤولية بالمحاسبة ..
--- هل السبب يكمن في صلب العملية السياسية ، وفي الغاية المتوخاة منها ، والتي هي استعمال الانتخابات ليس كهدف ديمقراطي ، بل كغاية لتثبيت مشروعية الحكم شعبيا ..
--- هل السبب هو قناعة الناخبين بان النظام المخزني الغارق في التقاليد المرعية ، يتعارض كليا مع الانتخابات كشرط ، لإضفاء صفة الديمقراطية على نظام لا علاقة له اطلاقا بالديمقراطية ...
--- هل السبب هو ما ينطق به الواقع ، الذي ابطل وفند الوعود الانتخابية السابقة ، بإيجاد الحلول الناجعة والسريعة ، للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية التي يمر منها المغرب ..
--- هل السبب هو التدابير والإجراءات التي فرضها الوحش كورونا ، خاصة بالنسبة للوضعية المزرية للشعب الذي اصبح لا يجد ما يسد به رمقه ...
--- هل هذا الوضع الذي نجم عن الوحش كورونا ، والتفقير الذي ضرب المغاربة طولا وعرضا ... مقصود حتى تنجح وعود النظام الزائفة في دفع الناخبين للمشاركة بكثافة في الانتخابات ، ويكون النظام قد نجح في تامين ستاتيكو آخر لخمس سنوات قادمة ، لأنه ليس لديه ما يعطيه للشعب الفقير .. ويكون الخاسر الأكبر من هذا الفخ والمقلب ، هو الشعب والرعايا الذين سيبيعون مستقبل خمس سنوات قادمة ب 200 درهم للصوت ، وبالقفة الرمضانية التي تهينهم ، وتحط من كبريائهم ،وتجرح كرامتهم ، وتغرس في نفوسهم ثقافة التسول ، والمتسول لا كرامة له .. ولا يمكن انتظار التغيير مِنْ مَنْ بطنه يقرقر وفارغ ...
عند القول بالانتخابات ، تبرز الفكرة الديمقراطية التي تُعنْوِن للنظام الديمقراطي .. لكن هل الانتخابات تجري فقط في الأنظمة الديمقراطية ، ونحن نشاهد الأنظمة الدكتاتورية العسكرية ، والأنظمة الاستبدادية والطاغية ، يحرصون على تنظيم انتخابات مخدومة في دولهم ، ليس من اجل التنمية الاقتصادية التي تهم الشعب ، بل من اجل تزيين وتبييض الواجهة ، ومن اجل الظهور كمتمتعين بالشرعية الشعبية البريئة منهم براءة الذئب من دم يوسف ..
عند تنظيم الانتخابات في الدول الديمقراطية ، تكون الغاية من ذلك ، تأكيد الشرعية الشعبية في تدبير الدولة ، من خلال ممثليها الذين سيصوت عليهم الناخبون، وسيدخلون البرلمانات التي ستتكون منها الحكومات ... لان الدولة هي دولة الشعب ، الذي تؤطر قوته الدساتير الديمقراطية ، وليست الدساتير الشمولية التوتاليتارية الممنوحة.. ومن ثم ، تكون المسؤولية السياسية للمؤسسات السياسية من برلمان ومن حكومة ، هي امام الشعب وحده ، الذي تبقى له حرية الكلمة والاختيار، عند تقاعس هيئة الحكم المفوضة من بل الشعب ، في تأدية مهامها .. وهنا لا نتعجب حين يَقْدم وزير ، او وزيرة اوربية ، او استرالية ... استقالته عن حدث ولو عرضي صغير ، فهو يعطيه أهمية ، لأنه مفوض الشعب في الحفاظ على مصالح الشعب .. مثلا ان يرتكب وزير او وزيرة ، خطئا في استعمال سيارة الدولة في تنقلاتها الشخصية ، او ان يتوسط وزير لزوجته ، او لابنه ، او لابنته في الحصول على وظيفة ، ولو بمؤسسة حرة ، لان هنا يركزون على تكافئ الفرص بين الشعب ، المبنية على الاستحقاق ، وليس على الوساطة .. او الحصول على تسهيلات اقتراض بنكي ... لخ
فعندما تكون العملية الانتخابية تدار من قبل الشعب ، الذي سيختار ممثليه في البرلمان وفي الحكومة ، هنا نكون امام النظام الديمقراطي الحقيقي ، وليس امام نظام شَبَه او شِبه ديمقراطي . لان الشعب من خلال الانتخابات ، هو من يختار من سيحكم ، ومن سيكون في المعارضة ، ونفس الشعب ، هو من يملك القوة لإرجاع الأغلبية اقلية ، والأقلية اغلبية ... كما ان قرار الشعب ، هو السمو في القضايا التي تعني المجتمع والشعب ، والحسم فيها يكون بالاستشارات ، وبالاستفتاءات الشعبية ...
ان الغاية من الانتخابات في الدول الديمقراطية ، سيادة وسمو اختيار الشعب .. ويستوي هذا في الأنظمة الملكية البرلمانية ، وفي الأنظمة الجمهورية البرلمانية ، رغم ان ثوارنا البواسل هم مع الملكية البرلمانية في اوربة ، لكنهم يذمونها ويرفضونها في المغرب ، لان المغرب وحسب تحليلهم النمطي ، يصلح له فقط النظام الجمهورية العربي الدكتاتوري ... وللأسف يزقزقون كالطير فوق الشجر دون موقف ثابت .. فمرة يمدحون خرجات الأمير هشام ، ومرة يذمونها ... وكأني بهم من عبدة الشخصيات ، ليس على الطريقة الستالينية ، لكنها عبودية من اجل المنفعة والمصلحة ، وهو ما تفطّن له الأمير عندما نفض غبار التلّيسْ عن اكتافه فترك الجمل بما حمل .. لأنه وجد نفسه امام من ينظر الى ثروته ، ونسبه ، لا الى شخصه ، والى أفكاره التي يتعاملون معها انتهازيا ، ومصلحيا ، ونفاقيا .. فمرة هم ضد محمد السادس ، لكنهم مع الملكية المطلقة ، ومرة هم مع الملكية البرلمانية الديمقراطية ، ومرة هم مع الجمهورية دون تحديد عن اية جمهورية يتحدثون ، ومرة هم مع الجميع وضد الجميع ... ولا يترددون في نعت من سار خلاف رؤيتهم النمطية الشبقية بالعبد مرة ، ومرة بِخِبّيشْ نِبِّيشْ .. ونعم المصطلحات السياسية ... ومرة ينعتون كل راي مخالف وعن قناعة وحجة بالبُوقْ وبالروحاني ( ضْريبْ الخطْ ) .. ولله في خلقه شؤون ..
لكن ان نحن اردنا معالجة الغاية من الانتخابات في الأنظمة الدكتاتورية العسكرية ، وفي الأنظمة الاستبدادية الطاغية التي تتغذى من التقليد ، ومن كل شيء قبيح قديم ، يحيل الى حكم الفرد الواحد ، ولا يحيل الى شيء جميل كديمقراطية القبائل البربرية قبل دخول فرنسا الى المغرب .. سنجد ان الغاية من الانتخابات ، لا علاقة لها بتثبيت المشروعية الشعبية للشعب ، لكن ان الغاية هي تثبيت المشروعية الشعبية للحاكم فوق الجميع ..
وبالرجوع الى الدستور المغربي في جميع محطاته المختلفة ، وانْ تصفحنا كل فصوله ، فإننا لا نجد غير الملك دون غيره ، لأنه هو الممثل الاسمى للامة ( والاحالة لها حمولة دينية ) ، وليس للرعايا ... وهذا يعني ان الدولة هي الحاكم ، والحاكم هو الدولة . اما ما يسمى بالشعب فيستعمل في جميع العلميات الانتخابية ، ككمبراس لتأكيد مشروعية الحاكم الوحيد الأوحد ، وهذا ليس له من تفسير ، غير ان كل العملية من بدايتها الى نهايتها ، تصب في خدمة الحاكم الملك ، ومربعه ...
ان الانتخابات هي انتخابات الملك ، لان تنظيمها يتم بأحد اجهزته التي هي وزارة الداخلية ، إضافة الى القوانين الانتخابية المختلفة ، التي تجعل من نهاية العملية في ملك الملك ... ان البرلمان المغربي لا يمثل الشعب في شيء . فالبرلماني كمنتخب ، يصوت عليه الناخب ، لكن تمثيليته لا تتعدى تمثيلية الدائرة الانتخابية التي انتخب وفاز فيها ، ولا يمثل الامة التي يمثلها الملك ، الامام ، الراعي ، والأمير لوحده . وهذه المرتبة تجعل من الملك ، هو المشرع الأول والأخير من خلال موظفيه ( النواب ) بالبرلمان بمجلسيه ، مجلس النواب ، ومجلس المستشارين ..
اما عن الأحزاب التي سيقع عليها الاختيار لتشكيل الحكومة ، التي هي حكومة الملك لا حكومة الأحزاب ، لان الأحزاب هي ملك للملك تختلف في لعب الأدوار الموكلة لها ، حسب الأوامر التي تنبع من الظروف السياسية والدولية المحيطة بظرفية الانتخابات . فهي تتبارى ليحصل لها الشرف في ان تكون احد منفذي برنامج الملك ، الذي لم يخضع للتصويت ، ولا صوت عليه احد ... ويكون الكلام عن البرامج الحزبية التي خاضت على أساسها الأحزاب الملكية الانتخابات ، مسرحية مفضوحة ، لان كل تلك البرامج تُرمى في القمامة ، بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات ..
اذن ان الغاية من تنظيم الانتخابات في الأنظمة الاستبدادية والطاغية ، ليس تأكيد مشروعية الشعب كما الحال في الدول الديمقراطية ، لكن الغاية هي تأكيد مشروعية الحاكم شعبيا ، وانْ كانت نسبة المصوتين في الانتخابات التشريعية الأخيرة لم تتعدى 30 في المائة ، أي ان المقاطعة للانتخابات بلغت اكثر من 70 في المائة .. وبما ان عدد الأصوات قد تم توزيعها على جميع الأحزاب التي شاركت في الانتخابات ، فان نسبة 30 في المائة تصبح مشكوك فيها ، اذا اخذنا بعين الاعتبار الأصوات التي ذهبت الى الأحزاب ، التي لم تنجح في حصد مقعد في برلمان الملك ... هذا إضافة الى تزيين الواجهة اللاّديمقراطية للنظام امام الدول الاوربية الديمقراطية ، وامام الولايات المتحدة الامريكية .. والدول المانحة لاستمرار تلقي المنح والمساعدات ، التي تأخذ لها وجهات غير معروفة ...
واذا كانت الدول الديمقراطية تهدف من كل الانتخابات ، ومن كل الاستفتاءات ، تأكيد مشروعية الشعب ، لان كل المؤسسات والدولة تخضع لنصوص الدستور الديمقراطي ، فان الغاية من العملية الانتخابية في الدول الاستبدادية والطاغية ، ليس فقط تأكيد مشروعية الحاكم الذي يشك في مشروعيته ، بل ان الغاية من ذلك أشياء أخرى سنعالجها كالاتي .
أولا ان مجرد القول بالدولة المخزنية ، يعني التعارض المطلق مع الدول الديمقراطية .. لان الدولة المخزنية الفريدة لوحدها في العالم ، تشكل نشازا وشدودا عن القاعدة العامة للديمقراطية التي هي الشعب . لهذا سنجد انفسنا امام مشروعيتين .. مشروعية النظام الذي يبتزها من الشعب بالانتخابات التي هي انتخابات الملك ، وهنا يركز النظام على السلطات الاستثنائية التي يعطيها لنفسه ، من خلال دستوره الممنوح الذي يجعل منه هو الدولة .. ومشروعية عقد البيعة الذي يعطيه تفوقا وامتيازا ، حتى على دستوره الممنوح ، ويجعل منه حالة خاصة ، ليس فقط فوق الجميع ، بل حتى فوق الدولة ... والمشروعية المقابلة ، هي مشروعية الشعب الذي سطر الملحمات البطولية عبر كل التاريخ المغربي المنسي ، واصبح اليوم يعيش رعية يفتقر الى مواصفات ، وشروط الشعوب المتقدمة ، التي تعيش في الدول الديمقراطية .. فهناك مشروعية جاثمة ، وهناك مشروعية نراها اليوم تستعيد شيئا من امجادها الضائعة ، بفعل المؤامرات العامة التي كانت ضحيتها الأولى ..
فأمام هتين المشروعيتين المتعارضتين التي تُحوِّل بمقتضاها المشروعية الجاثمة ، الدولة المغربية الى اقطاعية للحق الإلهي ، وتجردها من خصائص وشروط الدول الديمقراطية .. ، سنجد ان المشروعية المخزنية التي على راسها الحاكم الوحيد الأوحد ، والأمير ، والراعي ، والامام ، وحتى تكبح كل تطور، او ردة فعل لم تكن متوقعة .. فهي لا تتردد في سبيل الحفاظ على استبدادها ، وجبروتها ، وانفرادها لوحدها بالشأن العام الوطني والمحلي ، من استعمال الانتخابات في تحقيق المرامي التالية :
1 ) السيطرة المطلقة على الدولة المخزنية التوتاليتارية ، ومنها السيطرة على المؤسسات .. ففي الدولة المخزنية ، الملك هو الرئيس الفعلي للجسم التشريعي ، وللجسم التنفيذي ، وللجسم القضائي ، حيث ان الاحكام تصدر وتنفد باسمه .. ومن ثم يكون دور الرعايا في الدولة ، دور ثانوي ، وليس بدور تقريري .. والدليل ان الملك حين طرح حل الحكم الذاتي ، لم يستشر الرعايا ولا الشعب ، وعندما اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار تحدّ الشعب ، لان الرعية الجاهلة تجهل ما يجري، ونشر اعترافه بجريدة الدولة الرسمية عدد 6935 ، بتاريخ يناير 2017 ..
هكذا كلما كانت الغاية من الانتخابات في الدولة الديمقراطية ، تأكيد مشروعية الشعب نحو المزيد من الديمقراطية ، كلما كانت الغاية من الانتخابات في الدولة المخزنية ، تمديد واطالة عمر الدولة الشمولية ، التي تركز الحكم في يد الحاكم الوحيد الأوحد .. وكلما حصل التباعد كثيرا عن الدول الديمقراطية ، وأصبحت المسافة للوصول الى الديمقراطية الحقيقية بعد السماء عن الأرض ...
ففي ظل هذه الوضع ، وفي ظل هذه الحقيقية .. ، فان كل من يشارك في الانتخابات التي هي انتخابات الملك ، لتكوين برلمان الملك ، الذي يضبط ايقاعه بخطاب افتتاح دورة الخريف التشريعية ، في كل جمعة ثانية من كل شهر اكتوبر من كل سنة ، حيث يوجه خطابه الغير قابل للنقاش ، كأمير ، وامام ، وراعي كبير .. ، يساهم عن بينة واختيار ، في التأبيد للملكية المطلقة .. ، وتكون دعواته للملكية البرلمانية مجرد نفاق مفضوحا ، لان الوصول الى الملكية البرلمانية الديمقراطية الاوربية ، لا يتم بالمشاركة في انتخابات مسرحية ، لكن الطريق للوصول الى هذه الملكية ، هو طريق شاق عَبَرتْه الثورات الشعبية والطبقية الاوربية .. ، وكل محطاته يشهد بها التاريخ الاوربي الذي ثار على الكنسية ، وعلى الاقطاع ...
2 ) عدم الاعتراف وفرملة المعارضة الحقيقية للنظام : لمعرفة احد الغايات الاساسية من تنظيم الانتخابات في المغرب ، التي يستعملها النظام كوسيلة لبلوغ الغاية المنشودة ، يتوجب علينا ان نطرح السؤال التالي :
--- هل كان في المغرب قبل دخول فرنسا الى المغرب ، دستور ينظم شكل الحكم ؟ مع العلم ان اول وثيقة دستورية عرفها المغرب ، كان دستور 1908 الذي أراد التأسيس للدولة الديمقراطية ، واجهضته القوى الرجعية الظلامية المتمسحة بالقرآن ... وهي نفس الفترة طرح فيها الدستور الياباني المشابه .. وكانت النتيجة التي نحن عليها الآن ، وكانت اليابان في ما وصلته من علم ، ورقي ، وعمران ..
--- هل كانت هناك قبل دخول فرنسا الى المغرب انتخابات ؟
--- هل كان هناك دستور ينظم الدولة السلطانية بعد دخول فرنسا الى المغرب ؟
--- هل كانت هناك انتخابات بعد دخول فرنسا الى المغرب ؟
--- هل كانت هناك معارضة سياسية تنظيمية ، قبل واثناء دخول فرنسا الى المغرب ؟
--- هل كانت هناك معارضة سياسية ، وهل كانت هناك انتخابات عرفها المغرب في تاريخه الإمبراطوري ، زمان كل الامبراطوريات التي مرت ، كالموحدين ، والسعديين ، والادارسة ، والمرابطين ، والعلويين قبل الاستقلال ... لخ
اعتقد ان الجواب واضح ولا يحتاج الى عناء تفكير ... ان المعارضة التي كانت قبل دخول فرنسا الى المغرب ، وحتى عند دخلوها ، والى ثلاثينات القرن الماضي .. ، كانت معارضة قبائلية رافضة لدخول القبيلة العلوية ، وسيطرتها على المغرب لوحدها .. وهي ثورات القبائل ببلاد السيبة ، التي كانت بحق بلاد ثوار الجمهوريين الامازيغ، الذين كان لهم نظام حكم قبلي ، أساسه الاحتكام الى الاجماع .. بطبيعة الحال ان هذه الفترة سيوضع لها نهاية ، بمؤامرة مدبرة شارك فيها حزب الاستقلال ، الذي جرد الثورة القبائلية وجيش التحرير من مغزاهما الثوري ، عندما حكم عليهما علال الفاسي بالإفلاس ..، وليفتح المجال لما اصبح يعرف من بعد ، بالعمل السياسي البولييميكي الحركة ( الوطنية ) استعداد للسيطرة على المغرب بعد الاستقلال .. لكن القصر كانت له رؤية أخرى نجحت في التفتيت وفي التقزيم ، الى ان اصبح الجميع اليوم يعيش ببركة الملك ..
فالمعارضة بالمفهوم الدقيق للنظام ، لم تكن طيلة الفترة التي دخلت فيها فرنسا الى المغرب ، لان الجميع كان يتفاوض على الاستقلال .. لكن وبعد استقلال " ايكس ليبان " ، سيصبح الوضع مختلفا عن ذاك الذي ساد ابان فترة الاستعمار .. فالرجة السياسية التي بدأت منذ سنة 1947 ، التي ستكون سببا في حركة شتمبر 1959 ، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وعلى يمينه حزب الاستقلال .. ستغير قواعد اللعبة حين بدأت تخطط للحكم ، ومنها من يخطط لتقسيم الحكم .. فأمام تنافس وتصارع هاتين المشروعيتين ، من جهة المقاومة وجيش التحرير الذين ابلوا البلاء في اخراج فرنسا من المغرب ، وتعرضوا لغبن حين وجدوا انفسهم عند استقلال المغرب ، خارج الحكم محكومين لا حاكمين ، بخلاف جبهة التحرير الوطني الجزائرية .. ، ومن جهة النظام الذي وجد لأول مرة نفسه امام معارضة منظمة سياسيا ، وحتى عسكريا تطالب بالحكم ...
وحتى يفرمل النظام مطامح المعارضة ، ويلجمها سياسيا.. ، رمى لها الدستور الممنوح الذي سينصص بتدخل علال الفاسي وعبدالكريم الخطيب ، على امارة المؤمنين ، لمواجهة ولفرملة طموح الثيار القومي الوطني الذي يطالب بالجمهورية ، ومنهم من كان يطالب بالملكية البرلمانية .. وهو الدستور الذي ركز الحكم الشمولي .... ، ورمى لهم من بعد بالانتخابات ، بدعوى الرجوع الى الشعب في تقرير مصير النظام السياسي الذي يجب ان يحكم المغرب ..
اذن في زمن الحسن الثاني ، استعملت الانتخابات لتثبيت مشروعية الملكية من خلال صوت الشعب ، وهو ما اطلق يده في تنظيم نظام الحكم التقليدي ، الذي يستقطب ويجلب مشاعر الامة ، ومن ثم تهميش وتقزيم كل حركة ضد الحكم ، لأنها ضد الامة ، وضد الشعب الذي حسم الاختيارات بالانتخابات، لصالح النظام ، وشخصيا لصالح الملك ، وليس بالقوة والجبر ...
اذا كانت الانتخابات فرملة للأحزاب المعارضة ، وحصرها في الدائرة الضيقة ، والمربع الضيق ، لضبطها ، وللتحكم فيها .. ،وهو التحكم الذي انتهى بتغييرها من الداخل ، لتصل الى اقرف مرحلة ، واقرف درجة .. فان الغاية من الانتخابات في عهد محمد السادس ، هي لخلق تحالف حزبي ملكي هش ، أضحت فيه الأحزاب عبارة عن صدفيات فارغة ، لصنع اجماع يوجد فقط في مخيلة صانعيه .. لان الأحزاب التي كانت تمثل ( بارشوك ) للضربات الموجه للنظام ، قد افرغها فؤاد الهمة وقتلها ، ولتصبح مرتبطة كأشخاص بالنظام لا العكس .. وهو ما جعل وظيفة الانتخابات تتغير، والغاية منها تتبدل ، وأصبحت من ثم شرعنت التحكم في الدولة ، وليس فرملة الأحزاب التي لم تعد موجودة .. لان الخطر على النظام لم يعد مصدره الأحزاب ، بل ان الخطر مصدره الرعايا الجائعة اذا خرجت للشارع .. واضحى مصدره الخارج ، خاصة الجزائر ، والصحراء ، والتنظيمات الاسلاموية التي تنشد وتعمل على نظام الخلافة .. ومنها من يعمل لنظام الجمهورية الاسلاموية ..
2 ) استفراد الحكم بالنظام السياسي ، وفرض قداسته على الرعايا الذي لا يجب معارضته بالكل : في نظام اقطاعي ، ثيوقراطي ، شمولي ، استبدادي ، وطاغي ... ، تصبح اية معارضة له ، ولو انها معارضة سلمية ، تصرفا نشازا يخرج صاحبه عن اجماع ( الامة ) ، وما اجتمعت امتي على ظلالة .. ، ويصبح صاحبه معرضا لكل اشكال القمع المادي والمعنوي .. فالنظام الذي كسب المشروعية بالانتخابات ، التي قدم فيها الرعايا ككمبراس ، لتثبيت وضع ولو قهرا ، يصبح نظاما فوق الجميع ، خاصة وانه رغم النفحات التي أدخلت عليه منذ بداية ستينات القرن الماضي ، عندما طرح دستوره الممنوح ، وعندما رمى بالانتخابات كوسيلة للضبط والتحكم ، فهو زاد غرقا في التقاليد المرعية ، وزاد لصيقا بالمشروعات القروسطية .. وقد يعتقد البعض ان المزاوجة بين العصري ( الدستور والانتخابات ) ، وبين الغرق في التقليدانية ، هو نوع من المرونة السياسية التي تميز نظام الحكم .. لكن ان تغليب سلطوية الامارة ، والامامة الغير مرئية ، التي يقيدها عقد البيعة الغير مكتوب .. وسمو النظام وشخص الحاكم على الدولة .. ، كل هذا يعطي للنظام قداسة ، تعطيه مناعة تحجبه عن أي معارضة او حتى انتقاد .. وهذا تفسره الاعتقالات العشوائية بالمحاضر البوليسية المفبركة ، لرمي المعارضين في مختلف سجون الملك ، للجم لسانهم ، واسكات صوتهم ، وليّ قلمهم ..
في نظام تقليداني اكثر منه (عصري ) ، يصبح العمل السياسي في حدوده الضيقة ، يستمد مشروعيته من النظام الاثوقراطي ، الثيوقراطي ، البتريركي ، الكمبرادوري ، التوتاليتاري ، الاقطاعي ، القروسطوي ... من الملك شخصيا ، ومن نظامه ، وليس من الشعب المفروض فيه انه مصدر كل السلطات ، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية .. فالحاكم الفعلي في النظام السياسي المغربي يبقى وحده الملك ، وهذا ما اقره اكثر من مرة عبد الاه بنكيران ، حتى عندما كان يمارس كوزير اول في حكومة الملك ...
ان الاستفراد بهذه المكانة المتميزة في النظام السياسي المغربي ، تجعل من الملك كإمام ، وامير ، له مكانة خاصة في النسق السياسي المغربي ، هو انه الكل في الكل .. وهذا يجعله امتدادا لنظم الحكم السلطاني ، الذي عرفها المغرب عبر تاريخه ، حيث كان السلطان ، وكان فقط معاونوه في شكل وزراء ، وحكام العمالات والاقاليم التابعة للحكم السلطاني .. فلم يكن هناك برلمان، ولا دستور ، ولا انتخابات تنظم بصفة دورية ومنتظمة .. وهو نفس الحال نلاحظه اليوم ، انما بشكل مغاير، لان سيطرة الملك على الدولة واضحة ، ولا يحتاج تبيانها جهد تفكير .. فالانتخابات في المغرب تصب كلها في خدمة الملك ، و الحكومات المشكلة ، هم فقط موظفون سامون عند الملك ، بصفة وزير.. ، ونفس الشيء بالنسبة للبرلمانيين ، هم موظفون سامون عند الملك .. فما الفرق بين النظام السلطاني ، وبين النظام الملكي غير الاسم الذي تحول من سلطنة الى مملكة ... والسؤال هنا : اين الديمقراطية التي تكون فقط في الدولة الديمقراطية ؟ وهل الدولة المخزنية المتعارضة مع الديمقراطية ، هي دولة ديمقراطية كما يدعي منافقو المخزن ..
ان هذا الوضع الذي يزيد في عزلة النظام المغربي الدولية ، كنظام استبدادي ، طاغي ، تقليداني ، موغل في التقاليد المرعية ... لان الديمقراطية تتنافى من مؤسسات انتاج العبودية ، كما يجري في طقوس البيعة ، وعند افتتاح البرلمان ، وعند تقبيل اليدين ، والرجلين ، والانحناء المذل للرأس الى ما تحت الركبتين .. يجعل من النظام الامامي ، الاميري المغربي، يشكل الامتداد الطبيعي لما صرح به الخليفة العباسي ، عندما أطاح بالحكم الهرقلي الجبري الاموي .. فبعد ان حافظ الحاكم العباسي على السلطة الدينية ، خاطب الرعايا ، وليس الشعب قائلا : " أيها الناس لقد اصبحنا لكم قادة ، وعنكم ذادة ، نحكمكم بحق الله الذي اولانا ، وسلطانه الذي اعطانا ... وانما انا سلطان الله في ارضه ، وحارسه على ماله ، جعلني عليه قفلا ، ان شاء يفتحني لا عطائكم ، وان شاء ان يقفلني " . وكلنا يتذكر هنا خطاب محمد السادس المشهور ، عندما رفض تمكين الرعايا الفقراء ، من عائدات صندوقه المسمى بصندوق كورونا ، رغم ان الدولة حلبت من أموال المغاربة اكثر من 34 مليار درهما ، وتوصلت بملايين الدولار واليورو لنفس الصندوق ، الكل يتساءل عنْ من سيطر عليها .. يأكلون في بطونهم نارا سعيرا ..
قد يبدو تحليلنا هذا كمثقفين مهتمين بالشأن العام لبلادنا ، مجرد تكرار للبديهيات . لكن ما الذي جعل ببديهيات الامس ، ومسلماته تصبح اليوم موضع طعن وتشكيك ، من طرف البعض الذي صام دهرا وفطر على ضفدعة ؟ وما الذي تغير في جوهر النظام ، وطبيعته الممتدة لقرون ، من الدولة السلطانية ، حتى يتسابق هذا البعض اليوم مثل الامس ، على دور المعارضة البناءة بتعبير الحسن الثاني ، ورافضا استخلاص الدروس ، ومتماديا في تحريف الواقع ، وتزييفه الخاص للديمقراطية ؟ فما هي الدروس أولا ؟ ..
اذا كانت الاقطاعية ، اقطاعية النظام ، هي جوهر الحكم المطلق ، فان الطابع السائد في الخطاب السياسي ، و الايديولوجي للنظام الشمولي القرسطوي ، يبقى الازدواجية .. ، حيث نجد من جهة الاطناب في كثرة المفاهيم الموغلة في الرجعية ، والتخلف المخزني اللاّهوتي المزيف .. ، ومن جهة أخرى نجد التهافت الليبرالي المشوه والممسوخ ، في الشكل واللهجة .. وهذا التناقض المفضوح ، يطرح المعادلة القائمة على الصعيد الاجتماعي ، بين الأصول الاقطاعية الفاشية للدولة البوليسية المزيفة ، وجهازها السلطوي الرجعي ، وبين التطلع نحو الليبرالية ، والعصرنة ، والحداثة المشوهة ، مثل تشوهات الاصالة والمعاصرة . فأصبحت الاصالة ليست بأصالة ، وأصبحت المعاصرة ليس بمعاصرة .. ومن خلال ذلك نجد النظام القروسطوي المنتج للعبودية من خلال البيعة ، قد نجح في اخضاع ما يسمى ب البرجوازية الوطنية ، وسجن الفئات العليا من البرجوازية الصغيرة في دور لا يمس الهياكل الأساسية لا قطاعية دولة الحق الإلهي .. بل سعى فقط الى ترميمها ، واصلاحها ، ومعارضتها المعارضة البناءة ..
من هنا كانت الانتخابات بالنسبة للنظام ، هي الحرص الدائم على احداث اكبر ما يمكن من الرواج السياسي .. ، لكن في اطار لا يتجاوز حدود الطبقة السياسية التي يوظفها الاقطاع القروسطوي ، للحفاظ على ذاته ، ووجوده سيرا على مبدا " السياسة مع النخبة " وهي نخبة عميلة طبعا ...
انها نفس الممارسات ، ونفس التكتيك مارسه ، وكرره ، ويكرره الحكم منذ بداية ستينات القرن الماضي ، في ظل وضع اكثر من جد متأزم على كافة المستويات ، وضائقة سياسية تتطلب من الحكم ترتيب بعض أوضاعه من جديد ، سيما وان الملك مريض ، وخليفته موضوع تساءل وترقب ، وملف الصحراء لم يتم حسمه دوليا ..
ان الشغل الشاغل للنظام اليوم كما بالأمس ، هو الرواج السياسي الذي مدخله تبقى الانتخابات وحدها ، تمكنه من السيطرة على السلطة ، والجاه ، والنفوذ ، وتمكنه من التحكم في صناعة الخرائط الحزبية ، كل مرة بلون .. ، وهذه ومن خلال التصويت ، تعطيه مشروعية الحكم والسيادة ، بخلاف الانتخابات في الدول الديمقراطية ، تؤكد على مشروعية الشعب ، من خلال الناخب الذي يختار ممثله في التشريع ، وفي والتنفيذ ، وفي القضاء الذي يسهر على تطبيق مشاريع القوانين ، واقتراحات القوانين التي يصدرها المجلس التشريعي او الحكومة ..
لقد استفاد النظام من الاستفتاءات الدستورية التي نظمها في المغرب عبر مراحل متعددة ، وهي اضفت المشروعية على نظامه الشمولي المطلق .. ، وفي نفس الوقت استفاد من الانتخابات ، التي فرضت مشروعية الوضع الاستبدادي بترتيبه الجديد . أي بتكامل الصفة المخزنية للحكم ، مع واجهة ليبرالية شكلية ، مركبة من برلمان ، وحكومة ، ومجلس ، وهيئات موازية ، كالمناظرات وغيرها ..
لقد نجح النظام بواسطة الانتخابات ، من تذويب البرجوازية المتوسطة ، او على الأقل الفئات العليا منها، في اطار، وضمن الطبقة الاقطاعية – الرأسمالية ، وتجريدها من صفتها الوطنية ، ومن إمكانية التطور المستقل المتبقية لديها .. حصل هذا في الوقت الذي اندحرت الفئات السفلى منها اسفل درك ..
وباختصار ، فان ما حصل هو تفكيك وتفكك البرجوازية الوطنية كطبقة .. وما الوضع الذي اضحى عليه الاتحاد الاشتراكي ، وحزب التقدم والاشتراكية ، وانخراط ومشاركة أحزاب فدرالية اليسار في الحمى الانتخابية ، وفي غياب الدستور الديمقراطي .. الاّ تعبير سسياسي عن هذا الطور الاجتماعي ، الذي لعبت في صناعته الانتخابات التي مرت بالمغرب في حقب مسترسلة ومتتابعة ..
ان المفهوم الذي عبر عنه النظام ، الذي يتحكم في كل كبيرة وصغيرة منذ انطلاق الانتخابات ، أي مفهوم تكوين الأطر الملكية .. يفتح بابا واسعا للتمييع ، والارتشاء ، والتدريب على أساليب الحكم المخزني ، والعمل على استقطاب العناصر المشاركة في التجربة ، على اختلاف مشاربها .. ، وبناء على تصور يعتبر الأحزاب مجرد مدارس لتكوين الأطر ، قد لا يستحيل جرها ، واستيعابها ، ودمجها في جهاز الدولة المخزني ، ومن ثم توظيفها للتضبيب ، وتمييع المشهد السياسي الذي ينطق بما فيه ..
اذن امام هذه الوظيفة الخطيرة للانتخابات في دولة تعتبر امتداد للدولة السلطانية ، وللإمبراطوريات المغربية التاريخية ، حيث ان الحاكم وحده من يحكم .. والحكومة والبرلمان يخدم مشروع وبرنامج الملك الذي لم يخضع للتصويت ، ولا صوت عليه احد ، ومع ذلك يسقط بالمظلة من فوق لينفذ ، وكل الأحزاب تتنافس وتتصارع في من يصحل له شرف تنفيذ برنامج الملك ... هنا يصبح مقاطعة الانتخابات ، فرض عين ، وواجب وطني .. لان الديمقراطية التي من المفروض ان تكون نتاج الانتخابات منعدمة أصلا .. وقد اكد هذا ما من مرة عبدلاه بنكيران كوزير اول ، وعندما اخرجوه من الحكومة ولم يعد عضوا فيها .. الملك وحده من يحكم ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو