الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائري جاب الخير و تناقضات النصوص القانونية

اديب غرباوي

2021 / 4 / 24
حقوق الانسان


بعد أن حوكِم المفكرُ في الإسلاميات، الجزائري سعيد جاب الخير، و قضت المحكمة بسجنهِ ثلاث سنوات، و بعدما تعالت الأصوات المنددة بهذا الحكم، و اعتباره مكبلاً لحرية التعبير، أقدّمُ من خلال هذه المساهمة قراءةً مغايرةً من منظور القوانين الجزائرية في هذا الشأن، و ما تحتويه من تناقضات، و من نصوص تكبحُ حرية الضمير و حرية التعبير. و أصبو من خلال هذه القراءة الى أن تلتفت النخبةُ و المتنورون إلى هذه القوانين و العملِ على تغييرها بما يتماشى مع مبادئ حقوقِ الإنسان، و حتى مع مختلفِ الدساتير الجزائرية، لا سيما دستور سنة 2020.
فالدستور الجزائري ينص في ديباجته على تمسكِ الشعب الجزائري بحقوق الإنسان حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 و بما صادقت عليه الجزائر من مواثيق دوليةٍ في هذا الشأن. فالمادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنصُّ على حريةِ الفكرِ و الوجدانِ و الدينِ، و المادة 19 تنصُّ على حريّةِ الرأي و التعبيرِ. غير أن قانون العقوبات الجزائري، و لا سيْما في مادته 144 مكرر 2 يناقض مادتّي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المذكورتين سلفاً. فالمادة 144 تجرّمُ الإساءةَ إلى رسولِ الإسلام، أو أي من الرسل، و هذا مدخلٌ لكل التجاوزات، لأن التفكير أو البحث من خارج المنظومة الفكرية و العقائدية، السائدة عرفياً قد يعتبر إساءة للرسول، و يعرّضُ المفكّرَ أو الباحثَ للمسائلةِ و التجريمٍ. كما أن المادة القانونية لم تحدّد مجموعة الرسلِ المعنيين، فهل يوشع بن نون مثلاً من ضمن الرسلِ في الإسلامِ أم لا ؟
و حتى و إن ذَكرتِ المادة مجموعَ الرسلِ، فقد انحازت إلى رسول الإسلام، و هذا تفرقة بين المواطنين على أساس الدين. فإنكارُ ألهوية يسوع المسيح كما يعتقدها المسلمون و يتعبّدون بها في صلاتهم، قد يعتبِرها المسيحيون إساءةً للمسيح. ثم أن النصوص الإسلامية المقدَّسة تحوي ما يعتبرهُ غير المسلمين إساءاتٍ كثيرة لباقي الأديان، فهل يمكن أن نُعمِمَ تجريمَ الإساءةِ إلى الأديان و نَحرُم بذلك المسلمين من التعبّد بنصوصهم المقدّسة.
و سعياً من الدولة الجزائرية لمهادنة السلفيين الوهابيين، فقد سنّت قانوناً خاصاً، هو عنوانٌ للتفرقةِ على أساس العقيدة بين الجزائريين، و يتعلقٌ الأمُر بالمرسومِ الرئاسيِ رقم 06-03 لسنة 2006 الخّاص بممارسةِ الشعائِرِ الدينيةِ لغيرِ المسلمين. ففضلاً عن عنوانِه الصريح في التفرقةِ بين المواطنين على أساس الدين، فجّلُ موادهِ تنّمُ على التضييقِ على غير المسلمين، و تجريمِ كثيرٍ ممّا هو مباحٌ للمسلمين، كاعتبار التبشيرِ جريمةً يعاقِب عليها القانون.
قد يتصدى لأطروحتنا في المساواة التامْة على أساس الدين بين المواطنين من يسّطحُ الأمرَ بحجّةِ أن غالبيةَ الجزائريين مسلمون و هو ما يبرّر سنّ مثلَ هذه القوانين. ونجيب على ذلك أن إرادة الأغلبية لا تحتاج إلى قانونٍ يضمنها، فهي تعبّر عن نفسها بنفسها و تظهر على باقي الإرادات بقوة عددِها. فحينما ينتخِبُ الجزائريون رئيساً للجمهورية، فلهم أن يختاروه مسلماً إن أرادوا ذلك، و لا يحتاجون في ذلكَ إلى مادةٍ في الدستور تفرضُ أن يكونَ الرئيسُ مسلماً. و لا مانع كذلك في أن تسُّنَ أغلبيةً برلمانيةً مسلمةً قوانين من وحي عقيدتها أو شريعة دينها، شريطَةَ أن لا تخّلَ بحقوق الإنسان و بالمواثيقِ الدوليةِ التي صادقت عليها الجزائر، و معلوم دستوريا أن ما صودِق عليه من المواثيق الدوليةِ يسمو على القوانين المحلية. و بالرجوعِ إلى المواثيقِ الدولية، فلا يُمكنُ أن يكونَ هناكَ مكانٌ في التشريعِ الجزائري للعقوبات البدنية، و لا للتفرقةِ بين المواطنين على أساس الجنس، و لا لتقييدِ حريةِ المعتقدِ و التعبيرِ عنه و الدعوةِ إليه. فالمفارقة في قضية المفكر الجزائري جاب الخير، أنه وقعِ ضحية قانونِ العقوباتِ، رغم ما يضمنُهُ لهُ الدستور و تضمنُهُ له المواثيقُ الدوليةُ، و هذه الأخيرة، بنص الدستور الجزائري، تسمو على القوانينِ المحلّيةِ، و منها قانونُ العقوبات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفقر والإهمال يحرم أبناء النازحين بكردستان العراق من الدراس


.. نتنياهو وبوتين والسعودية..كيف استفادوا من قرار المحكمة الجنا




.. مندوب فلسطين الدائم بالأمم المتحدة: نتوقع مفاجآت من دول مثل


.. مطالبة مدعي -الجنائية الدولية- باعتقال نتنياهو يثير غضب حلفا




.. علاقتهما بالدول المختلفة وارتباطهما بالأمم المتحدة,ما الفرق