الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمهور (المقابلة) 1971-ماركو فيري: الدلالة اللغوية والموقف الكافكاوي والاحالة والاسقاط السياسي

بلال سمير الصدّر

2021 / 4 / 25
الادب والفن


قلنا في السابق بان هناك ثلاثة افلام منسوبة لماركو فيري في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما الايطالية،وقلنا بأننا لم نجد أي سبب موضوعي لضم فيلم المرأة القرده الى هذه القائمة،بينما فيلم ديلنجر قد مات فلا خلاف في ذلك،ولكن الاشكال في هذا الضم يقع مع فيلم الجمهور والذي عنوانه هو شيء اشكالي بحد ذاته...
ان كان فيلم ديلنجر قد مات يخوض في تكثيف حالة بشرية معينة اتجاه الوجود،نجد ان فيلم الجمهور يحمل اشكاليات كبرى ايضا لانقول ابدا بأنها عصية على الحل،على ان الغموض الشامل الذي يكتنف هذا الفيلم يجعل من موضوع تقييمه شيء صعب جدا...
بالانجليزية يحتمل معنيين اثنين:The Audienceوالاشكالية الأولى تبدأ بالعنوان نفسه،فلفظ
الجمهور والمقابلة....
،بالمعنى الأعم والمألوف معناها الجمهور،ولكن ماركو فيري يستخدم نفس The Audienceطبعا اللفظ-
اللفظ للدلالة على كلا المعنيين،فكيف نفسر أو نترجم عنوان الفيلم إذا ان كانت كلمة واحدة تعبر عن معنيين (الجمهور والمقابلة)وكلاهما أيضا صحيح....
للتعبير عن الحالة الغامضةKafaesqueولايكتفي ماركو فيري بذلك،بل يستخدم لفظ الكافكاوية –
للفيلم،وبالتالي فالفيلم ذو شقين اساسين،ومن العنوان نفسه يمكن اشتقاقهما:
فالشق الأول هو الوعي،أو اللاوعي الجمعي للجماهير،أو الهستيريا الجماعية
بينما الشق الثاني فهو عن الحالة الغرائبية للسيد أماندو،والذي يصح ان نطلق عليه مباشرة ومن دون اي شك بطل كافكا الغرائبي في المحاكمة والقلعة،فالتلميحات في الفيلم ليست مجانية على Kان نطلق عليه:كاف-
الاطلاق خاصة عند مخرج على شاكلة ماركو فيري.
يبدأ الفيلم مع توجيهات لجمهور متسع مع ابداء ملاحظات صارمة دقيقة حول استقبال بابا كبير الشأن،ولكن ما يلفت النظر في هذا التوجيه هو جملة نطق بها أحد الجمهور:
كيف سنفسر الكلام التحريمي للبابا
إذا ينتقل الموضوع مباشرة من فيلم ديني ذو طبيعة دينية،الى فيلم عن السلطة بمختلف اشكالها والبابا لم يكن سوى كناية عن السلطة الشمولية التي تحمل حتى ابعادا اشمل واوسع من الديكتاتورية،لأن الباباوية-أو الرموز الدينية الكبرى-تحمل طابعا قبوليا من قبل السلطة والمجتمع والجماهير بحيث تتحرك كأداة في خدمة هذه السلطة بطوعية وقبول تام،فالسلطة في خدمة الكنيسة والجمهور في احتشاد مع لا وعي جمعي تام في استقبال السلطة،اي ان مصطلح الهستيريا الجماعية يصلح تماما لتلك الفيديوهات-التي تكثر في الفيلم-ذات الكثافة الجماهيرية العالية عن استقبال البابا.
وبين هذه الحالة اعلاه وبين حالة اماندو-بطل ماركو فيري الكافكاوي-يحصل التعبير المعين الخاص بعلاقة الفرد بالسلطة.
يتعامل ماركو فيري هذه المرة مع نخبة من الممثلين على شاكلة:كلاوديا كاردينيلي وميشيل بيكولي مع
Enzo Jannacciاماندو،الممثل:
إذا أماندو شخص مجهول الهوية،ومجهول الماضي يستخدم ماركو فيري لفظ كافكاوي للتعبير عن كينونته الحالية باختصار:شرطي في اجازة
Ugo Tagnazzieهذا (الشرطي في اجازة) يصطدم مباشرة مع السلطة،ممثلة بالضابط دياز-الممثل
والذي لاحقا سيصبح مثل ظل أماندو،ويبدأ بكيل الاتهامات:مثل هل انت مصاب بعقدة الاضطهاد؟
هل كنت في يوم من الايام في ضيافة مستشفى الامراض العقلية...؟
هل ما حمله على القاء تلك الاسئلة-ربما-هذه الحالة المتناقضة لشخصية أماندو،خاصة ان دياز هو احد رموز عدة للسلطوية:منها السلطة المفروضة من الخارج على الفرد نفسه...
اماندو يحمل في حقيبته مجلة اباحية،بالاضافة الى فيديو عن جماهير تحيي البابا
إذا كان كاف في المحاكمة يتحرك الى (محاكمة) بسبب تهمة لا يعرف ما هي،ولكن أماندو متهم هنا...متهم بتهمة واضحة والتهمة هنا هي الرغبة في مقابلة البابا
استخدم الحوار في الفيلم لفظ Audience للتعبير عن كلمة مقابلة
-الممثلة كلاوديا Aichوفي مقابل هذه التهمة يدس له دياز عاهرة حسناء اشبه بالمحظية تدعى عايشه-
كاردينيلي.
في خضم مقابلة الأول مع عايشه،نسمع تلك الخلفية الموسيقية التي استخدمها ماركو فيري في فيلم ديلنجر قد مات،وهناك احالة اخرى قادمة ،ولكن لماذا يعيد هذه الاحالة وهنا بالذات؟
على العموم،لا تختلف حالة بطل فيلم ديلنجر قد مات عن هذه الحالة كثيرا...كلتا الحالتين لهما علاقة بالفرد والمجتمع....حالة قتل جلوكو لزوجته ليست سوى حالة احتجاج فردي من قبل الفرد ضد سلطة المجتمع.
سرعان ما تنشأ بين أماندو وعايشة تلك العلاقة المألوفة،ومن ثم تتكرر الاحالة المركزية في فيلم حريمها ،لنقتبس هذا الحوار الذي دار بين عايشة واماندو:
عايشه:لنبدا من جديد،إذا كنت أنا والبابا على اعلى نقطة في برج عالي،وانت من المفترض بك أن ترمي باحد منا في الفراغ،من ستختار..؟!
هذا السؤال بالنسبة الينا وبالنسبة لمتابع أفلام ماركو فيري،هو من النوع المألوف على الاطلاق...
تفتح الرداء على العراء الكامل قبل ان تسمع منه الاجابة....
هل سنعتقد أو سنظن بأن هذا الوضع مختلف عن الوضع في فيلم (حريمها)...لنستمع الى اجابة أماندو قبل التعليق...البابا سيقفز من لقاء نفسه،لأنه فقط البابا
هل هذه الاجابة مشاكسة..هل هذا الوضع يختلف عن الوضع البيولجي السابق(حريمها)؟!
عايشة:لكن ماذا لو لم يفعل...؟
هنا الموضوع يبدو أكثر تحديدا،كان الموضوع سابقا عن الرجل بشكل عام،ولكن الموضوع عن رجل أيضا ولكنه هنا البابا
الاجابة كانت صادمة:ذا أعتقد بأني سوف ارمي بك أنت....
ولكن لماذا هذا الاقتباس من فيلم حريمها...ما هي الغاية وما هي نقطة التشابه...ما هي نقطة التشابه بين حالة أماندو الغامضة وفيلم حريمها....؟
تقريبا،من الممكن القول أن الاجابة كانت واحدة،ولكن الحالة مختلفة،ففي حريمها كان الجواب عاما،ولكن الجواب هنا يعتمد على الشخص موضوع التضحية...عند سماع عايشة هذه الاجابة تتراجع عن موقفها الجنسي:أنا لا استطيع،يجب عليك ان تلقي بي الى الاسفل
عندها يتراجع أماندو،في تراجع واضح بانه لفظي غير مقصود،كنوع من المجاملة
حسنا دعينا نرمي البابا...
وطبعا بعد ان يحصل أماندو على مبتغاه يتراجع عن موقفه...كان اسيرا لحظيا للسلطة الايروسية للمرأة
عندما قلت بأنني سوف أرمي البابا،فقد كنت أكذب
عايشه:كنت اعرف،ولكن كنت أحب أن اسمعك تقولها
تنتهي الى هنا اشكالية العودة،وهي كما قلنا كانت اشكالية أكثر خصوصية وذاتية من الاحالة السابقة،لها علاقة بالشخص أكثر من المنحى البيولوجي العام....في الحقيقة لانريد أن نخوض في موضوع آخر غير موضوع الفيلم الذي هو بحد ذاته متشعب جدا،كل ما يمكن قوله أن ماركو فيري يكمل هلى نمط السلسة...أفلامه تلتقي بعلاقات معينة بشكل أو بشكل آخر....
هنا،علينا أن نتحدث عن شيء ما مختصر وهو الذهن الاستشراقي...الرؤية الخاصة الأكثر جمعية للعربي والثقافة العربية الاسلامية في ذهن المستشرق الأوروبي،أو التي طبعها المستشرق في ذهن المواطن الأوروبي العادي....
في محاولة من عايشه لمساعدة أماندو ليلقى البابا،تأخذه عند أمير برتغالي،وهو شخصية فنتازية ذات تشكيل عالي المستوى ربما لأضفاء الصفة الفنتازية الخاصة بالكافكاوية للفيلم....
يقول الأمير في معرض تفسيره لأسم عايشه:
يقول العرب:عايشه...زهرة الشهوانية البيضاء
هل هذه طبيعة عند الغرب لفهم الآخر..ام هل هذا هو مخلفات الماضي الكولنيالي المشبع بالفكر الاستشراقي؟
أعتقد،لست معمما،أن الصورة المخزية التي طبعها الغرب في ذهن مواطنيه تمهيدا لأعطاء المشروعية الاستعمارية على الشرق لا زالت منحوتة في ذهن المثقف الأوروبي حتى الآن،وهذا خطأ،ومن الخطا أكثر التباهي بالماضي الحضاري الثقافي الاسلامي،لأن هذا شيء بعيد عن واقع ما نعيشه الآن.
ولكن التخلف الحضاري لاينطبق على الفرد،فالفرد عضو في منظومة حضارية بصورة قسرية-ولا اقصد هنا رفض انتمائي الى الامة العربية الاسلامية-والتخلف الحضاري لايعني ابدا أن تنطبع هذه الصورة عن العربي في ذهن المثقف الغربي،ومن اعتمد على الانطباع فهو مختل ثقافيا ولا يصح أن يكون مثقفا على الاطلاق.
نحن نعرف مدى قدسية هذا الاسم بالنسبة لنا كمجتمع وثقافة،واتمنى ان لايكون هذا الاسم يشير الى عائشة(كاسم عربي صميمي) بأي شكل من الاشكال...

يكمل الأمير البرتغالي اسقاطاته التي من المفروض منها أن تخلق جوا غرائبيا فنتازيا للفيلم برمته:
الحجاب...مشهد حب وموت
هل هذا نوع من الاسقاط الثقافي...؟
ثم هناك ايضا اشارة الى المستعمرات البرتغالية،اي العصر الكولنيالي
هنا طريقة لفهم الاستغراب في الفيلم(اللفظ المقابل للاستشراق وهو لفظ وصفناه بالاختلال الثقافي)
الفيلم كما نلاحظ موسوعي،من الممكن اشتقاق الكثير من المواضيع من خلاله.
يحول الآن أماندو من قبل الأمير الى شخصية دينية أكثر نفوذا(أميرين-ميشيل بيكولي)،الذي ينطق بهذه الجملة في خضم لقائه المشروط بالاختصار مع اماندو:نحن أيضا مستهلكون من قبل البيروقراطية
نعتقد أن هذه الجملة لها علاقة واضحة بديلنجر قد مات،وهو فيلم ماركو فيري الأفضل في تاريخه السينمائي على الاطلاق...
في الحقيقة،الوجه الأبرز لهذا الفيلم هو مايبدو أهم ويسبق هذه المعاناة البيروقراطية للقاء البابا،ما الذي يريد أن يقوله أصلا للبابا...لا شيء واضح،ولن نحصل على جواب لهذا التساؤل أبدا حتى مع نهاية الفيلم...
هذا الهوس،وهذا الاصرار على لقاء البابا يدفع بالسلطة لأن تقوده الى دير....نوع من الحبس الطوعي لتحسين السلوك...
(إن كان كاف حوكم على جريمة لايعرف ما هي على الاطلاق،فإن أماندو يحاكم الآن على نية غير مجرمة على الاطلاق..فما هي الجريمة التي يحاكم عليها المرء ان كانت نيته فقط لقاء البابا).
إما أن نسير على خطا الغموض الكافكاوي،أو ان نحيل الى السياسة وكلاهما يصلح تماما بلاشك
إما ان نسير على خطى قصة كافكاوية وتحاول من نفسك تفسير المعاني،أو ان تحيل الى السياسة على شاكلة المعلم ومارغريتا ولكن ليس على شاكلة 1984
في ذلك الدير يؤشر دياز الى صورة بابا برأس جمجمة ويقول (مهرقط)
هيكل عظمي على رأسه تاج،يرتدي ثوبا شبيها بالروب الذي يرتديه الرهبان،وعلى راسه تاج ويمسك ساعة رملية...
هذا الشكل يوحي بالموت بالنسبة لنا،ان كان دياز قد رآه ككناية عن المهرقطين،وهو ايضا بالنسبة اليه عمل فني لا يختلف عن اي عمل فني آخر،فكل الاعمال الفنية بالنسبة لدياز متشابهة...
ايضا هناك صورة جمجمة تتوسط المهجع فوقها بعض الكلمات...هل هذا مشفى ديني للأمراض العقلية؟
هل من الممكن ان يكون هذا الدير هو قلعة كافكا
من الممكن،على ان قلعة كافكا هي شيء أعقد نوعا ما مما من الممكن ان نكني به الدير،ولكن لاشك
هناك موقف كافكوي في الفيلم يحاول ان يضفيه ماركو فيري ضمن العديد من الظروف والعديد من الاحالات...من ضمنها السياسية

أحدهم يقدم خطاب سياسي (ليبرالي)عن الحرية طبعا،وهنا تعمل الاحالة السياسية بقوة،بحيث يبدو الفيلم وكانه خطاب سياسي موجه ضد السلطوية...ضد السلطوية الموجه على الفرد والمجتمع...خطاب ضد خداع الجماهير...لنسأل أنفسنا هذا السؤال:
اليس هذا الهوس الجماهيري في استقبال البابا وتحيته شبيه الى درجة التطابق لاستقبال جماهيري لشخص ربما يكون هتلر أو موسوليني أو ستالين او غيرهم مما يذخر منهم التاريخ...نكتفي بطرح السؤال دون ابداء اي تعليق.
لكن،هل يقصد ماركو فيري أن يطابق بين السلطة الدينية والسلطة الديكتاتورية؟
هذا السؤال كان لابد من طرحه أو الاشارة اليه،خاصة ان الدير الذي يقبع فيه أماندو الآن هو ضد الاحتجاج وضد حتى نظرية الاحتجاج....
هناك تمثال لوحش في الدير يجلس جلسة المتأمل يشي بجلسة الفيلسوف المتأمل،أفلاطون مثلا،ومن جهة اخرى تسلط عليها الكاميرا لاحقا،فالتمثال له قرون ويخرج لسانا أحمر اللون....
من دون تكرار زائد عن حده...لكننا نعتقد ان هذا التمثال هو رمز للسلطة،وعلينا ان لاننسى ايضا ان ماركو فيري يعمل على تشكيل موقف غرائبي،أي انه يكثف الغرائبية خدمة للصياغة الكافكاوية للفيلم.
لاحقا،نشاهد أماندو يتمشى مع اميرين-الذي لا يعد سوى أحد اعمدة السلطة الهرمية-ومن خلفهما سيارة American Expressتحترق ويمرون على متجر يحمل العنوان الامريكي
هذا الاحتجاج يحمل المعنى الجمعي للإمبريالية والذي نشاهده هلى خلفية هامشية لسيارة تحترق،ومن يقوم بهذا هو شخص خارج نظرية الجمهور،خارج المفهوم العام لمصطلح الجمهور بمعناه الآخر..الغوغاء
دياز اصبح يتابع اماندو مثل ظله الذي يبدو محتجا،ولكن احتجاجه مستسلم أمام قوة القمع الفردي التي تتميز بها السلطة،واحتجاجه ايضا اصبح مكانيا بالانتماء،فهو يعيش الأن مع احد المحتجين الذين قابلهم في الدير...
يشاهد دياز مجسما لمبنى محترق ومدمر...يسأل...فيكون الرد:
انه يمثل الكنيسة دمرت بالاخلاص
دياز:ما هو معنى هذا العمل...احتجاج
يخسر أماندو عشيقته عايشه التي اصبحت ملك تام للسلطة،ولا يستطيع أن يطالب حتى بابنه،على الرغم من عدم قناعته التامة بالنسب،ويصبح وحيدا هائما لايعرف الى اين يتوجه بعد هذه الخسارة التامة نظرا للنية المجرمة التي يحملها...نية لقاء البابا
وبدلا أن يأتي الحكم فعليا عليه من الخارج-المحاكمة-يأتي الحكم عليه من الخارج ولكن بطريقة ذاتية،فيسقط ميتا في وسط الشارع...
طبعا لم نعرف ما هو الشيء الذي اردا ان يقوله للبابا،ولما يريد لقاء البابا اصلا...
نعتقد ان الشيء الذي اراد ان يقوله للبابا شيء له علاقة بالجمهور،وبالتالي يصبح اللفظ ليس ملتبسا تماما:
Audience:معناها الجمهور...ومعناها المقابلة
12/03/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع