الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو كنت فناناً

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2021 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


سيطر عليّ هذا السؤال طوال الستة أشهر الأخيرة من عمر جائحة فايروس كورونا، التي زاد عمرها اليوم على العام: لو كنت فناناً محترفاً، كيف سأجسد فجيعة البشرية بهذا الفايروس؟
المشكلة التي واجهتني في طرح هذا السؤال، وإضافة إلى كوني لست فناناً، هي زاوية الرؤية التي سأسعى إلى تجسيدها في لوحتي، وهي إشكالية جداً كونها لا ترى هذا الرعب في غير عيون وحسابات السلطات ووزراء حكومات دول كوكب الأرض، أما مواطنيهم فلهم رؤية ثانية ومختلفة بدرجة كبيرة، بل ومرعبة، بالنسبة للسلطات الصحية، التي تمثلها وزارات الصحة، وهي التي تقوم على عدم رؤية الخطورة التي تراها الحكومات، بل ولا تراها إلا ضمن إطار سياسي له أغراضه المبطنة.
مواطنو دول كوكب الأرض، ومن موقع الشك والريبة في نوايا ومقاصد حوماتهم، يتساءلون: لماذا الخوف من جائحة هذا الفايروس أكثر من فايروسات حروب ومجاعات الشعوب الفقيرة؟ كم قتل ومازال يقتل فايروس الحرب، على سبيل المثال، في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان ومسلميّ الروهنجا؟ كم يقتل فايروس الجوع يومياً في أفريقيا واليمن والعراق؟ كم يقتل فايروس الحكومات الاستبدادية يومياً، في البلدان المتخلفة؟ كم يقتل فايروس نقص الأدوية، في الساعة الواحدة، في الدول الفقيرة؟ لماذا إهمال هذه الفيروسات، التي لا تقل فتكاً عن فايروس كورونا، ويكون التركيز على الفايروس الأخير فقط؟
الجواب يأتينا على شكل تظاهرات ضد عمليات الإغلاق في الدول الديمقراطية، وعلى شكل دمدمات مكتومة، عبر وسائل تواصل شبكة الأنترنيت، في الدول غير الديمقراطية: حكومات كوكب الأرض تريد أن تغطي على تقصيرها المتعمد في القطاع الصحي المهمل، (في أغلب دول العالم، بما فيها دول أوربا وأمريكا، كما أثبتت الجائحة) وعلى المواطنين دفع ثمن ذلك التقصير وأخطائه. فكما أثبتت ظروف وملابسات هذه الجائحة، فإن أغلب دول أوربا المتقدمة وأمريكا لم تولي القطاع الصحي، كمؤسسات علاج وأجهزة وتقنيات، ما نسبته عشرة بالمئة قياساً إلى برامج تسلحها ومصانع انتاج أسلحتها المدمرة، استعداداً لحروبها القادمة التي تنوي شنها، سواء على غيرها أو على شعوبها، فيما لو تمردت عليها، وبدلاً من الاعتراف بهذا التقصير ومواجهة الناس به، تعال يا مواطن ادفع ثمن تقصيرنا من طرق عيشك الطبيعي ومن حريتك ومن رزقك وألزم بيتك إلى حين أن نجد حلاً. وها قد مر أكثر من عام والمشكلة بلا حل... وأصمت يا مواطن ولا تتضجر ولا تشتكي ولا تحتج ولا تقل أن الحكومات مقصرة في رعايتك الصحية، ولا تقل أن الحكومات بنت مصانع أسلحة أكثر مما بنت مستشفيات، ولا تقل ان الحكومات صنعت أو اشترت صواريخ أضعاف ما تملك مستشفياتها من أجهزة تنفس صناعي؛ ولا تقل أن حكومات الدول الصناعية تملك مراكز تطوير للأسلحة أكثر مما تملك من مراكز بحوث ومختبرات تحليل للجراثيم والفايروسات القاتلة!
الحكومات تخطئ وما من أحد يُخطئها، حتى البرلمانات، التي يفترض أن تكون مجموعة ممثلة للشعب لا تخطئ الحكومات، وعليك يا مواطن دفع ثمن أخطاء الحكومة دون شكوى، بل وبانصياع كامل.. لماذا؟ لأن الحكومة تملك السلطة. وما هي السلطة؟ وسائل القوة التي تبطش بك يا مواطن!
كيف أجسد هذا الظلم في لوحة تشكيلية، فيما لو كنت فناناً؟
هل أرسمها بطريقة الفنان الأمريكي (ادوارد هوبر) في لوحته (صقور الليل) والتي تمثل (صورة ليلية لمطعم واسع مهجور، يسبح في إضاءة فاقعة لترينا ثلاثة أشخاص متباعدين، زوج وزوجة متقاربين، بحكم العلاقة، ورجل وحيد يجلس وحده بعيداً، وبوجوه معتمة أو بلا ملامح، والثلاثة يجلسون إلى كاونتر يقف خلفه صاحب المكان الذي يبدو أنه يتفانى في خدمتهم). كيف اضمحل الشعب إلى ثلاثة أشخاص؟ ولمن سنترك المساحة الكبيرة المتبقية من بناية المطعم؟ والأهم من كل هذا: أين الحكومة وما دورها في مشهدية هذه اللوحة القاتمة؟
الحكومة ستقول أنا أقف في الخارج لأحمي المواطنين الأربعة من تسلل فايروس كورونا الخبيث. وماذا عن المواطنين الذين أجبروا على البقاء في عزلة ووحدة خارج المطعم؟ إنهم في أمان في بيوتهم وآمنين، ماداموا متباعدين عن بعضهم. ولكن المواطنين ملوا وضع الحبس وضجوا بالشكوى من مصادرة حريتهم الشخصية؟ المواطنون دائموا الشكوى وهم لا يعرفون أين تكمن مصلحتهم وسلامتهم. والدولة وحدها التي تعرف هذه المصلحة؟ لماذا؟ ألئنها تمتلك سلطة كبحهم والتنمر عليهم باسم القانون؟ أنت تروج للفوضى إذاً!
هل يعني هذا أن أرسم اللوحة دون إشارة إلى تقصير الدولة في بناء مستشفيات تكفي للحالات الطارئة (مثل جائحة كورونا التي نحن بصددها) وتزويدها بمعدات وأجهزة كافية تحفظ حياة المواطنين؟
نعم هذا ما تريده الحكومات فعلاً. ولكني أرى، كمواطن، أن الحكومات قد استغلت موارد بلدي، وأموال الضرائب التي تأخذها مني عنوة، في بناء مصانع ومراكمة انتاج الأسلحة والصواريخ الفتاكة والدبابات والطائرات القاصفة و... و...؟
أسكت لأن الحكومة تفهم أكثر منك في كل شيء وهي أكبر وأعظم من أن يخطئها شخص حاقد ومغرض مثلك!
ماذا بقي من مساحة اللوحة التي تمنيت رسمها؟ الفضاء الفارغ الذي تحول إلى مراح للجرذان والحشرات لتعيث فيه.. المهم أن أركان الحكومات بخير وفي مواقعه وهم لا يخطؤون!
المواطنون هم الخطاؤون وناكرون لأفضال الحكومات على الدوام! آه، وربما يكونون هم الذين صنعوا فايروس كورونا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس