الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة من منظور ديمقراطى اجتماعى

محمد مهاجر

2021 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


العدالة من منظور ديمقرطى اجتماعى
-
اعتمد الفيلسوف الليبرالى الامريكى جون رولز في تعريفه لمبدا العدالة على مفهوم الانصاف. وهو بدأ بنقد صارم لانصار المذهب النفعى الذين يتصورون ان العدالة يجب ان تقوم على مبدأ المنفعة, اى ان الهدف منها هو تحقيق السعادة القصوى للاغلبية. وحسب موسوعة بريتانيكا فان جون رولز افترض ان الذين يشرعون للحقوق الأساسية للمواطنين هم أناس يجب ان يرتدوا ما اسماه بقناع الإهمال, اى قناع يحجب عنهم رؤية الظروف الخاصة للمواطنين او الشرائح الاجتماعية التي يشملها القانون, وبالتالي يتحلون بالانصاف ويضعون التشريعات الخاصة بالحريات والحقوق على هذا الاساس, وفوق ذلك هم يضعون تشريعات تتحكم فى التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بحيث تتحقق الفائدة القصوى للشرائح الأقل حظا وفى نفس الوقت يكون هنالك فضاء مفتوح لتوفير الفرص المتكافئة للجميع.

على الرغم من الهجوم الواسع من الاشتراكيين والماركسيين على أفكار جون رولز باعتبار انها اهملت الحيف الواسع الذى تعرضت وما زالت تتعرض له الطبقة العاملة, وهو حيف ناتج في الأساس عن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج, الا ان رولز ساهم بشكل ملحوظ فى وضع أسس استفاد منها التيار الديمقراطى الاجتماعى. ان الأسس الفكرية لدولة الرفاهية وإدارة التنوع قد استمدت في الأساس من أفكار رولز والافكار الاشتراكية الغربية والديمقراطية الاجتماعية, ومع ذلك فان فرضية ماركس الأساسية في الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج ظلت تشكل تحديا كبيرا للتيارات الليبرالية التقليدية والتيارات الديمقراطية الاجتماعية.

ان الحكومات التي لا تقدر على مواجهة الرأسمالية الشرسة لن تستطيع سبيلا الى وضع او الى تطبيق تشريعات خاصة بإدارة التنوع, والسبب هو الممانعة الكبيرة من الراسماليين الذين لا يعترفون باى تشريع يسعى الى إعادة توزيع الثروة. والاستثناء الوحيد الذين يسمح به أولئك الراسماليين هو أوجه الصرف الضرورية مثل الصرف على حفظ الامن والنظام والمحاكم وحماية الحدود وإدارة الدولة. ولان إدارة التنوع تتطلب وضع تشريعات خاصة تهدف الى رفع الظلم التاريخى الذى تعرضت له بعض شرائح المجتمع, فان الطريق اليها يظل وعرا في ظل الراسمالية الشرسة.

ان النخب الرئيسية التي تولت امر الدولة السودانية بعد خروج المستعمر الانجليزى قد اهملت واقع التنوع الثقافي والاثنى, واهملت وانتهكت حقوق غير المسلمين. وفى ظل هذا الواقع راى الجنوبيون ان الساسة الشماليون لم يفوا بما عاهدوا عليه باعطاءهم حق تقرير المصير للجنوب. وكان نتيجة عدم الوفاء تلك اندلاع الحرب في جنوب السودان الذى انفصل فيما بعد. وتبعت حرب جنوب السودان حروبات أخر في جنوب كردفان (جبال النوبة) والنيل الأزرق وشرق السودان ودارفور وكذلك صاحبتها دورات قمع دموى في شمال السودان. والقاسم المشترك بين تلك المناطق هو الظلم الكبير الذى تسبب في استبعاد المواطنين فى هذه المناطق من مراكز اتخاذ القرارارت الحكومية او التاثير عليها. وكانت النتيجة ان مواطني مناطق الهامش اصبحوا لا يستطيعون التحكم في عوائد انتاجهم وتسخيرها لرفع مستوى حياتهم في مجالات العمل المتناسب مع القدرات والتعليم والصحة واصحاح البيعة والسكن والطرق والماء الصالح للشرب وغيرها. والاستدلال بتدنى مستوى التعليم في مناطق الهامش كسبب لتهميشهم هو استدلال باطل لان التهميش كان متعمدا والدليل على ذلك استهداف نظام الدكتاتور المخلوع عمر البشير لليهود والمسيحيين واغلاق دور عبادتهم وكذلك استهداف اصحاب الأديان والمعتقدات والثقافات الافريقية وتشريدهم وإعلان رغبته عبر وسائل الاعلام على ملاحقة البعض منهم وان هربوا الى الكهوف, وهم لم يفعلوا ذلك الا اتقاء لانتقامه وشره.

ان احد اهداف فرض الضرائب التصاعدية هو توفير أموال للدولة لكى تنفق منها على ما يحقق العدالة وينصف الفقراء والمهمشين والذين تعرضوا لظلم تاريخى. والامثلة على ذلك كثيرة مثل توفير مقاعد للدراسة في الجامعات او فرص التدريب او التوظيف في مؤسسات حكومية لم يتعود المسؤولين فيها على توظيف مواطنين من الشرائح المظلومة. لقد تبنت بعض الأحزاب الهندية سياسة إدارة التنوع وطبقتها عمليا فكانت النتيجة ان الأقليات وجدت حظوظ لها في إدارة الدولة والجامعات العريقة والمؤسسات الكبيرة وغيرها. ولولا هذه السياسات لما استطاع اى مسلم ان يتقلد منصب رئيس الجمهورية استنادا على مبدأ الاغلبية, والسبب هو ان الهندوس يشكلون اكثر من 80 بالمئة من سكان الهند.

الصحيح عبر التاريخ هو ان العمال ظلوا يعانون من الظلم الكبير من قبل مخدميهم الراسماليين والسبب الرئيسى هو اجبار العمال على بيع قوة عملهم بسعر اقل. وفى كل الأحوال فان المال الفائض الذى يحتفظ به الراسمالى هو مال لا يستحقه, او في افضل التقديرات لا يستحق معظمه. واذا اخذنا في الاعتبار التطور العلمى والتكنولوجى الكبير في البلدان الراسمالية وبعض الدول النامية, إضافة الى الضغط الكبير الذى شكلته الأحزاب والجماعات المناهضة لشراسة الرأسمالية, فاننا نجد ان سياسات إدارة التنوع قد نجحت في البلدان الرأسمالية اكثر من غيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب